الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لسلامة الاستدلال بحديث رجم اليهوديين. وضعف الاستدلال للقول المخالف بحديث (من أشرك بالله فليس بمحصن) لعدم صحته مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم والحجة في قول المعصوم صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
المبحث السابع:
في عقوبة الزاني المحصن
اختار ابن القيم رحمه الله تعالى أن الزاني المحصن لا يجمع له بين الجلد والرجم
بل حده الرجم لا غير وإن حديث عبادة (1) منسوخ فيقول (2) :
(حديث عبادة: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً الثيب بالثيب جلد مائة والرجم منسوخ فإن هذا كان في أول الأمر عند نزول حد الزنى. ثم رجم صلى الله عليه وسلم
ماعزاً والغامدية ولم يجلدهما، وهذا كان بعد حديث عبادة بلا شك) .
وابن القيم رحمه الله تعالى يبين الرأي المختار مشيراً إلى خلاصة الخلاف ومجامع الأدلة بين الطرفين. ولم أره مبسوطاً عنده في موضع آخر. ولتجلية هذا الاختيار نأتي على ذكر الخلاف وأدلته على ما يلي:
خلاف العلماء في هذا الحديث:
اختلف العلماء على ثلاثة أقوال (3) :
القول الأول: لا جلد على من وجب عليه الرجم. وهذا مذهب الجمهور منهم
(1) هو: الصحاب الجليل عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه توفي سنة 34 هـ. وقيل غيرها (انظر: الإصابة 2/ 260- 261) .
(2)
انظر: زاد المعاد 3/207 وانظر أيضاً 3/208.
(3)
انظر: في بيان هذه الأقوال الثلاثة فتح الباري 12/119 - 120، 12/157. وانظر في بيان القولين الأول والثاني: المغني 10/124- 126، بداية المجتهد 2/426، نيل الأوطار 7/95- 97. سبل السلام 4/5- 6. معالم السنن للخطابي 6/ 241- 242. وشرح فتح القدير 5/25
الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك الشافعي وهو إحدى الروايتين عن أحمد. القول الثاني: الجمع بين الجلد والرجم للمحصن فيجلد مائة جلدة ثم يرجم. وهو رواية عن الإمام أحمد. وهو مذهب الظاهرية.
القول الثالث: أن الجمع بين الجلد والرجم للمحصن: خاص بالشيخ والشيخة دون الشاب. فالشاب إن كان محصناً رجم فقط وإن لم يحصن جلد. وبه قال أبي بن كعب (1) رضى الله عنه ومسروق (2) رحمه الله تعالى.
أدلة القول الأول:
استدل الجمهور لمذهبهم بما يلي:
1-
أن الذين رجمهم النبي صلى الله عليه وسلم كماعز والغامدية واليهوديين: لم يأت في رواية أنه جلد واحداً منهم. وإقامة الحد أمر يشتهر بين الناس فلو كان شيء من
ذلك لنقل إلينا كما نقل الرجم ولو في رواية واحد منهم فإن هذا مما توفر
الهمم والدواعي على نقله. فلما لم يكن شيء من ذلك علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يجمع لأحد بين الجلد والرجم: فلا يجمع بينهما إذا والله أعلم (3) .
ب- وهذا الظاهر مؤيد بقضاء عمر رضي الله عنه في قضايا مختلفة: منها ما رواه البيهقي (4) (أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أمر أبا واقد الليثي:
أن يرجم امرأة اعترفت بالزنى وهي ثيب ولم يأمره بجلدها) .
ومنها ما رواه ابن أبي شيبة (5) (أن عمر ابن الخطاب رجم رجلاً في
الزنى ولم يجلده) .
(1) هو: أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه سيد القراء اختلف في عام وفاته اختلافاً كثيراً فقيل سنة 32 هـ وقيل غير ذلك (انظر: الإصابة 1/31- 32 والتقريب ا/48.
(2)
هو: مسروق بن الأجدع الهمداني ثقة عابد مات سنة 563. (انظر: التقريب 2/242) .
(3)
انظر: المغني 10/ 125. بداية المجتهد 2/426. معالم السنن 6/ 242. سبل السلام 4/5. نيل الأوطار 7/96. فتح القدير 5/25.
(4)
انظر: سنن البيهقي 8/215.
(5)
انظر: المصنف 2/1/ 133
وجه الاستدلال:
أن عمر رضي الله عنه رجم المحصن ولم يجلده. وهو رضي الله عنه قد شاهد التنزيل وأدرك قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في الذين رجموا فيبعد أن ينفذ قضاء على خلاف قضاء النبي صلى الله عليه وسلم.
6-
قالوا: وهذا القضاء ثم قضاء عمر رضي الله عنه: يوافق المعنى المراد من الحد وهو الزجر والردع. فالضرب مع الإتلاف والقتل بالرجم لا تأثير له فلا يكون لشرعيته إذا معنى. ولهذا فإن قاعدة الشريعة: أن الحدود إذا اجتمعت وفيها قتل سقط ما عداه. وفي هذا يقول ابن رشد (1) :
(إن الحد الأصغر ينطوي في الحد الأكبر، وذلك إنما وضع للزجر فلا تأثير للزجر بالضرب مع الرجم) .
ويقول ابن قدامة في التعليل لمذهب الجمهور (2) :
(ولأنه حد فيه قتل يجتمع معه جلد كالردة لأن الحدود إذا اجتمعت وفيها قتل سقط ما سواه فالحد أولى.
أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بالجمع بين الجلد والرجم للمحصن بما يلي:
أ- حديث عبادة رضي الله عنه قال:
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن
سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)
(1) انظر: بداية المجتهد 2/426. وابن رشد: هو محمد بن أحمد ابن رشد أبو الوليد المالكي الفيلسوف توفي سنة 520 هـ. (انظر: الأعلام 6/210) .
(2)
انظر: المغني لابن قدامة 10/125
رواه مسلم (1) وغيره.
ووجه الدلالة منه نصية صريحة ثابتة كثبوت سنده فلا يعدل عنه إلا
بمثله (2) .
ب- قضاء علي رضي الله عنه في شراحة الهمدانية. فانه جلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال (جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم (3) . فتوارد على هذا الرأي- الجمع بين الجلد والرجم للمحصن-
قول النبي صلى الله عليه وسلم وقضاء علي رضي الله عنه: فوجب الجمع بينهما للمحصن
والله أعلم
دليل القول الثالث:
استدل القائلون بأن الجمع بين الجلد والرجم للشيخ المحصن والرجم بلا جلد لمن كان شاباً محصناً بما يلي:
لفظ (الشيخ والشيخة) من الآية في حديث عمر رضي الله عنه أن فيما أنزل الله من القرآن (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة (4))
وجه الاستدلال:
بينه الحافظ بن حجر بقوله (5) :
(1) انظر: صحيح مسلم مع شرح النووي 11/188. وانظر: نيل الأوطار 7/92.
(2)
انظر: المغني 10/ 125.
(3)
يأتي تخريجه ص/408.
(4)
انظر: نيل الأوطار 7/95- 96. وفتح الباري 12/ 120،143،144،148،157. وأصله عند الجماعة. وبهذه الرواية في صحيح ابن حبان ومسند أحمد كما في نيل الأوطار.
(5)
انظر فتح الباري 12/120