الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التعزير
تعريف التعزير في اللسانين اللغة والشرع:
لغة: مصدر، عزره، بفتحات ثلاث، مخففاً، يعزره عزراً أو تعزيراً (1) وأصله مأخوذ من العزر، وهو الرد والمنع هذا أصل معناه في اللغة كما قرره غير واحد منهم (3) .
وقالوا أيضاً: أنه من أسماء الأضداد (3) :
فالتعزير: النصرة والتعظيم ومنه قوله تعالى (4)(وآمنتم برسلي وعزرتموهم)
الآية. وقوله (وتعزروه)(5) .
والتعزير: التأديب.
(1) انظر: القاموس 2/ 91، وفتح الباري 12/176، ومعجم متن اللغة 4/92.
(2)
انظر: المراجع السابقة، مع ما يأتي: مختار الصحاح ص/429، والنهاية لابن الأثير 3/228، والمفردات للراغب ص/333، والمطلع ص/374.
(3)
انظر: النهاية 3/228، والقاموس 2/ 91، ومعجم متن اللغة4/ 92، وانظر أيضاً التعزير في الشريعة الإسلامية ص/37.
(4)
من الآية رقم 12 سرة المائدة.
(5)
من الآية رقم 9 سورة الفتح.
لكن الراغب الأصفهاني بين أن المعنى الثاني وهو (التأديب) يؤول للمعنى الأول وهو (النصرة والتعظيم)(1) .
تنبيه:
قد ذكر غير واحد من أهل اللغة أن من معاني التعزير بمعنى التأديب لغة. إطلاقه لغة على (الضرب بما دون الحد المقدر)(2) .
لكن الرملي من علماء الشافعية تعقب ذلك مبيناً أن هذا وضع شرعي لا لغوي تجمعهما حقيقة التأديب لغة، ويفترقان في القيد الشرعي وهو قولهم (بما دون الحد المقدر)، لأنه قبل ورود الشرع ليس ثمت حدود مقدرة فقال رحمه الله تعالى مشيراً إلى رد هذا الإطلاق لغة (3) :
(والظاهر أن هذا الأخير غلط، إذ هو وضع شرعي لا لغوي لأنه لم يعرف إلا
من جهة الشرع فكيف ينسب لأهل اللغة الجاهلين بذلك من أصله والذي في (الصحاح) بعد تفسيره بالضرب: ومنه سمى ضرب ما دون الحد تعزيراً، فأشار إلى أن هذه الحقيقة الشرعية منقولة عن الحقيقة اللغوية بزيادة قيد: هو كون ذلك الضرب دون الحد الشرعي، فهو كلفظ الصلاة، والزكاة ونحوهما، المنقولة لوجود المعنى اللغوي فيها. بزيادة) .
ولقوة هذا التوجيه والتعقب من الرملي رأيت سياقه حتى لا يغتر الناظر بما قاله أهل اللغة في ذلك والله أعلم.
(1) انظر: المفردات ص/333.
(2)
انظر: القاموس 2/ 91، والمفردات ص/333، ومعجم متن اللغة 4/92.
(3)
انظر: نهاية المحتاج 8/16
التعزير شرعاً:
تختلف كلمة أهل الاصطلاح في تعريفه على وجوه منها ما يلي:
الحنفية:
قال الجرجاني (1)، وابن الهمام (2) :
(التعزير: هو تأديب دون الحد) .
المالكية:
أما المالكية فلم أر لهم تعريفاً للتعزير، لأنهم لا يعقدون للتعزير باباً ولا فصلا مستقلا بل يدرجون أحكامه في أخريات (باب الشرب) مع أحكام الصيال، والضمان ونحو ذلك.
لكن نستطيع أن نأخذ تعريفهم له من بيانهم لمواضع التعزير على ما ذكره خليل (3) ، وابن عرفة (4)، فيقال:
(التعزير: هو التأديب لحق الله أو لآدمي غير موجب للحد) .
الشافعية:
قال الماوردي (5)، وعنه نقل النووي (6) :
(1) انظر: التعريفات ص/55.
(2)
انظر: شرح فتح القدير 5/112.
(3)
انظر: مختصر خليل مع شرحه جواهر الإكليل 2/296.
(4)
انظر: الحدود مع شرحه للرصاع التونسي ص/512.
(5)
انظر: الأحكام السلطانية ص/236.
(6)
انظر: مقصد النبيه ص/143
(التعزير: هو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود) .
وقال الرملي (1) :
(التعزير: هو التأديب في كل معصية لله أو لآدمي لا حد لها ولا كفارة) . الحنابلة:
اختلفت كلمة الحنابلة في حد التعزير على وجوه منها ما يلي:
الأول: مثل تعريفه لدى الحنفية سواء (2) .
الثاني: تعريفه بمطلق التأديب. قال البهوتي (3) :
(التعزير اصطلاحاً: هو التأديب) .
الثالث: نحو تعريف الماوردي لدى الشافعية، وفيه يقول ابن قدامة (4) :(التعزير: هو العقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها) .
الرابع: تعريف المجد ابن تيمية إذ يقول (5) :
(التعزير: هو التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة) .
مناقشة هذه التعريفات:
هذه جملة من التعريفات للتعزير لدى نقلة المذاهب المشهورة والمتأمل فيها يرى ما يلي:
اتفاق هذه التعاريف في الفصل الأول من التعريف وهو (التأديب) . وهذا
(1) انظر: نهاية المحتاج 8/16- 17.
(2)
انظر: المطلع للبعلي ص/374.
(3)
انظر: كشف القناع 6/ 121.
(4)
انظر: المغني مع الشرح الكبير 10/347.
(5)
انظر: المحرر 2/163
الفصل هو حقيقة لغوية للتعزير، فصارت هذه الحقيقة الشرعية منقولة عن الحقيقة اللغوية.
لكن هذه الحقيقة في الشرع لا تتم إلا بزيادة قيد، وهذا القيد هو محل الخلاف
في تعاريف أهل الاصطلاح:
فنجد الحنفية والبعلي من الحنابلة يوردون القيد على (ذات التأديب) فيقولون (التعزير تأديب دون الحد) أي أن التأديب لا يبلغ به مقدار العقوبة الحدية، المقدرة.
ونجد بقية التعاريف تورد القيد على موضع التعزير ومحله وموجبه ولا يعتبرون ذات التأديب في تعاريفهم. وهم في هذا القيد مختلفون على ما يلي: فالمالكية وبعض الشافعية كالماوردى وبعض الحنابلة كابن قدامة يقيدون محل التأديب وموضوعه بأن يكون في (معصية لا حد فيها) .
ويزيد الرملي من الشافعية والمجد من الحنابلة تقييد محل التأديب من أن يكون
في (معصية لا حد فيها ولا كفارة) بزيادة (ولا كفارة) .
وهذا التقييد وإن لم يكن مصرحاً به في التعريف لدى الحنفية وبعض الحنابلة فهو معتبر عندهم إذ أن تعاريفهم في أحكام التعزير تقتضيه..
التعريف الجامع المانع:
فنخلص من هذه التعاريف والمناقشة لها أن نقول أن: الفصل الأول من التعريف وهو (التأديب) محل اتفاق لدى الجميع في التعريف.
والفصل الثاني وهو قولهم (في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة) ينبغي أن يكون محل اتفاق أيضاً.
فيكون التعريف المتفق عليه أن يقال:
(التعزير هو: التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة) .
يبقى قولهم (فيما دون الحد) هل يضاف إلى التعريف فيقال:
(التعزير هو: التأديب فيما دون الحد في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة) . وكون التعزير يبلغ به الحد المقدر أو لا يكون إلا دونه محل خلاف بين العلماء. وقد ناقشه ابن القيم رحمه الله تعالى فيما يأتي من بحوثه في التعزير إن شاء الله تعالى. والذي يظهر لي والله أعلم أن هذا من باب الشروط في التعزير لا من باب التعاريف والشروط لا دخل لها في التعاريف فيكون التعريف المختار كالآتي: (التعزير هو: التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة) . والله أعلم.
تعريف ابن القيم للتعزير:
إن هذه النتيجة التي حصل التوصل إليها في تعريف التعزير نستطيع أن نقول هي التعريف المختار لدى إمامنا ابن القيم رحمه الله تعالى. وذلك من بيانه لموضع التعزير ومحله إذ يقول (1) :
(التعزير في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة) .
وقد عرفنا أن كون التعزير تأديباً هو محل اتفاق فيكون تعريفه لدى ابن القيم إذاً:
(وهو: التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة) والله أعلم.
وقد تقدم في مقدمة (كتاب الحدود) ما يزيد هذا إيضاحاً من كلام ابن القيم
في بيانه لأنواع المعاصي وعقوباتها والله أعلم.
(1) انظر: أعلام الموقعين 2/99، والطرق الحكمية ص/106.
مباحث ابن القيم في التعزير
تحصل بالتتبع أن ابن القيم رحمه الله تعالى أتى على جلّ مباحث التعزير الرئيسية، وناقش الكثير من قضاياه، ونستطيع تصنيف مباحثه فيها على ما يلي:
المبحث الأول: في مقدار التعزير.
المبحث الثاني: في أنواع العقوبات التعزيرية.