الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجيح:
بعد ذكر الخلاف وأدلته وما ورد عليها من مناقشات فإن الذي يظهر والله أعلم سلامة اختيار ابن القيم لأن به تجتمع الأدلة ويلتئم شملها وهو الذي يساير روح التشريع ومراعاة الحكم والمصالح وتسنده الأدلة شرعاً وعقلا وعليه:
فإن من قارف موجباً لحد من الحدود وهو في دار الحرب صار تأخيره إلى حين عودته إلى دار الإسلام فيقام عليه موجبه المقدر شرعاً: من قتل أو قطع أو جلد. وإن من كانت حاله كحال أبي محجن: له من الحسنات والنكاية بالعدو ما يغمر سيئته وقد ظهرت منه مخايل التوبة النصوح: فإنه يخلى سبيله والله أعلم.
المبحث الثالث:
في تأخير الحد لعارض
(1)
يقرر العلماء رحمهم الله تعالى في مسائل منثورة من أبواب الحدود خاصة في بابي (الزنى) و (السرقة) تأخير الحد لعارض من حر أو برد أو حمل أو رضاع أو نحو ذلك (2) .
وابن القيم رحمه الله تعالى يشير في معرض كلامه عن تأخير الحد عن الغزاة
الى أن تأخير الحد لعارض أمر يشكل قاعدة شرعية: وهي تأخير الحد لعارض يترتب عليه مصلحة للإسلام أو للمحدود أو لمصلحة من تعلق به كالحمل والرضيع.
وفي هذا يقول رحمه الله تعالى (3) :
(1) انظر: زاد المعاد 3/206، وأعلام الموقعين3/ 18، 166.
(2)
انظر: المغني مع الشرح الكبير10/138، 267، وشرح فتح القدير 5/ 29، ونهاية المحتاج، وجواهر الإكليل 2/286، ونيل الاوطار7/ 117- 112.
(3)
انظر: أعلام الموقعين3/ 18
(تأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة كما يؤخر عن الحامل والمرضع، وعن وقت الحر والبرد، والمرض لمصلحة المحدود) .
الدّليل:
استدل ابن القيم رحمه الله تعالى على ذلك بما جاء في حديث الغامدية فقال (1) :
(وفي صحيح مسلم (2)، جاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيت فطهرني وأنه ردها فلما كان من الغد، قالت: يا رسول الله، لم تردني، لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً، فوالله أني لحبلى، قال: أما الآن، فاذهبي حتى تلدي، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته أتته بالصبي، وفي يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها صلى الله عليه وسلم فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها
…
) .
وجه الاستدلال:
وقد قرر ابن القيم رحمه الله تعالى أن هذا الحديث يدل على تأخير الحد أي حد من الحدود لأي من المصالح المترتبة على تأخيره فقال (3) :
(فيه: أن الحد لا يقام على الحامل، وأنها إذا ولدت الصبي أمهلت حتى ترضعه وتفطمه) ولهذا نراه يقرر هذه القاعدة وهي تأخير الحد لعارض فيه مصلحة للمحدود أو لغيره، وعليه طرد تأخيره لكلّ مصلحة تترتب على التأخير، ومنه
(1) انظر: زاد المعاد 3/ 306.
(2)
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 10/192- 196 ط الطبعة المصرية بمصر. وانظر نيل الأوطار 7/117.
(3)
انظر: زاد المعاد 3/ 306- 307