المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس عشر:في مفاسد اللواط - الحدود والتعزيرات عند ابن القيم

[بكر أبو زيد]

فهرس الكتاب

- ‌موضوع البحث:

- ‌دوافع البحث:

- ‌مسلك البحث الإجمالي:

- ‌خطوات العرض والدراسة في هذين المسلكين:

- ‌كتاب الحدود

- ‌توطئة

- ‌لماذا سمّيت العقوبات المقدرة (حدوداً) :

- ‌المبحث الأول:في آثار المعاصي شرعاً وقدراً

- ‌المبحث الثاني:في حكم إقامة الحد بدار الحرب

- ‌اختياره رحمه الله تعالى

- ‌سلفه في تقرير هذا الاختيار:

- ‌ استدلاله من السنة:

- ‌ استدلاله بالإجماع:

- ‌ استدلاله بقياس الأولى

- ‌مسلك الموازنة:

- ‌المبحث الثالث:في تأخير الحد لعارض

- ‌المبحث الرابع:إقامة الحد بالقرينة الظاهرة

- ‌ استدلاله بقياس الأولى:

- ‌الترجيح والاختيار:

- ‌باب حد الزنى

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأولفي الاعتراض على عقوبة الزنى ورده

- ‌المبحث السادسفي اشتراط الإسلام في الإحصان

- ‌المبحث السابع:في عقوبة الزاني المحصن

- ‌المناقشة والترجيح:

- ‌المبحث الثامن:في عقوبة من زنى بجارية امرأته

- ‌المبحث التاسع:في عقوبة من زنى بذات محرمة

- ‌المبحث الرابع عشر:في مفاسد اللوطية الصغرى

- ‌المبحث الخامس عشر:في مفاسد اللواط

- ‌بَابُ حدِّ القذْف

- ‌توطئة

- ‌ مواطن بحث القذف عند العلماء:

- ‌المبحث الخامس:عقوبات القاذف

- ‌العقوبة الأولى: جلد القاذف

- ‌العقوبة الثالثة: عدم قبول شهادته

- ‌الأولى: عدم قبول شهادته بعد حده ما لم يتب

- ‌الثانية: هل عدم قبول شهادة القاذف من تمام عقوبته أم لفسقه

- ‌الثالثة: في حكم قبول شهادته بعد توبته

- ‌الترجيح:

- ‌باب حد الخمر

- ‌توطئة

- ‌لماذا سمّيت الخمر خمراً:

- ‌حقيقة السكر بين الفقهاء وابن القيم:

- ‌أسباب السكر:

- ‌ الأولى: حكمة الشرع في تحريم الخمر

- ‌1- تحريم القطرة من الخمر

- ‌الفرع الثانيبيان مقدار العقوبة

- ‌الترجيح:

- ‌ رأي ابن حزم

- ‌ رأي ابن تيمية وابن القيم:

- ‌ التعزير: بالنفي

- ‌التعزير بالحلق للرأس:

- ‌تعزير الشارب في رمضان:

- ‌الفرع الخامس:العقوبة المالية للخمار

- ‌المبحث الخامس:إقامة حد الخمر بالقرينة الظاهرة

- ‌باب حد السرقة

- ‌المبحث الأول:حكمة التشريع في جعل عقوبة السارق قطع يده

- ‌الشرط الخامس: انتفاء الشبهة

- ‌ العقوبات التعزيرية للسارق

- ‌المبحث السابع:في توبة السارق

- ‌باب الردة

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأول:في ردة من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني:في ردّة قاذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌المبحث الخامس:في توبة الزنديق

- ‌باب التعزير

- ‌المبحث الأولفي مقدار التعزير

- ‌ المسلك الرابع

- ‌الترجيح:

- ‌المبحث الثاني:في أنواع العقوبات التعزيرية

- ‌الفرع الثاني: تنويعها باعتبار أثرها في المال

- ‌الخاتمةفي خلاصَة البحث ونتائجه

الفصل: ‌المبحث الخامس عشر:في مفاسد اللواط

‌المبحث الخامس عشر:

في مفاسد اللواط

وأن مفسدته أعظم من كل ذنب

بعد الشرك بالله تعالى (1)

فيما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى من مفاسد اللوطية الصغرى (2) مفاسد وأضرار مشتركة بين اللوطيتين: خلقية، وطبية، وطبيعية.

وقد بيّن أيضاً رحمه الله تعالى جملة مما في سبيل اللوطية الكبرى من المفاسد الدنيوية والأخروية فقال (3) :

(أما سبيل الأمة اللوطية فتلك سبيل الهالكين المفضية بسالكها إلى منازل المعذبين الذين جمع الله عليهم من أنواع العقوبات ما لم يجمعه على أمة من الأمم لا

من تأخر عنهم ولا من تقدم وجعل آثارهم وديارهم عبرة للمعتبرين وموعظة للمتقين (4)

وجمع على القوم بين عمي الأبصار وخسف الديار، والقذف بالأحجار، ودخول النار، وقال محذراً لمن عمل عملهم ما حل بهم من العذاب الشديد (وما قوم لوط منكم ببعيد) .

وقال بعض العلماء إذا علا الذكر الذكر هربت الملائكة، وعجت الأرض إلى ربها، ونزل سخط الجبار جل جلاله عليهم، وغشيتهم اللعنة، وحفت بهم الشياطين، واستأذنت الأرض ربها أن تخسف بهم، وثقل العرش على حملته، وكبرت الملائكة، واستعرت الجحيم فإذا جاءته رسل الله لقبض روحه نقلوها إلى ديار إخوانهم وموضع عذابهم فكانت روحه بين أرواحهم، وذلك أضيق مكاناً

(1) انظر: روضة المحبين ص/362، 371- 372، والداء والدواء ص/247-253، وإغاثة اللهفان 1/59- 67.

(2)

انظر: المبحث الرابع عشر.

(3)

انظر: روضة المحبين ص/362، 371- 372.

(4)

هنا مبحث عقوبة اللواط وقصة قوم لوط.

ص: 166

وأعظم عذاباً من عذاب الزناة، فلا كانت لذة توجب هذا العذاب الأليم، وتسوق صاحبها إلى مرافقة أصحاب الجحيم، تذهب اللذات وتعقب الحسرات، وتفنى الشهوة، وتبقى الشقوة، وكان الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى ينشد:

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها

من الحرام ويبقى الخزي والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها

لا خير في لذة من بعدها النار

وفي معرض بحثه رحمه الله تعالى لعقوبة اللواط وأن عقوبته أغلظ من عقوبة الزنى فيقتل على كل حال بين رحمه الله تعالى في مساق التأييد لهذا القول، وجه

كون مفسدة اللواط تلي مفسدة الكفر بالله تعالى، وأن اللواط أعظم مفسدة من الزنى ومن القتل وبسط ذلك ببيان قصة اللوطية في القرآن الكريم وما فيها من وجوه الشناعة والذم فقال رحمه الله تعالى (2) :

(ليس في المعاصي أعظم مفسدة من هذه المفسدة، وهي تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل.

قالوا: ولم يبتل الله سبحانه بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحداً من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أحداً غيرهم، وجمع عليهم أنواعاً من العقوبات، بين

الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، فنكل

بهم نكالا لم ينكله أمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي كادت تميد الأرض من جوانبها إذا عملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شاهدوها خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم، وتعج

الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها، وقتل المفعول به

خير له من وطئه، فإنه إذا وطئه قتله قتلا لا ترجى الحياة معه، بخلاف قتله، فإنه مظلوم شهيد أو ربما ينتفع به في آخرته.

(1) انظر: حكمة التشريع وفلسفته 2/289- 290، ص/300.

(2)

انظر: الداء والدواء ص/247- 253. وانظر أيضاً: روضة المحبين ص/364- 371

ص: 167

قالوا: والدليل على هذا أن الله سبحانه جعل حد القاتل إلى خبرة الولي، إن

شاء قتل، وإن شاء عفا، وحتم قتل اللوطي حداً كما أجمع عليه أصحاب رسول الله

صلى الله عليه وسلم ودلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها، بل

عليها عمل أصحابه وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم أجمعين

(1) .

قالوا: وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن الله من عمل عمل قوم لوط ثلاثا - ولم

يجئ عنه صلى الله عليه وسلم لعنة الزاني ثلاث مرات في حديث واحد، وقد لعن جماعة من أهل

الكبائر فلم يتجاوز بهم في اللعن مرة واحدة، وكرر لعن اللوطية وأكده ثلاث

مرات.

وأطبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله

(2)

قالوا: ومن تأمل قوله سبحانه (3)(ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) وقوله في قوم لوط (4)(أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) تبين له تفاوت ما بينهما، وأنه سبحانه نكر الفاحشة في الزنى أي هو

فاحشة من الفواحش، وعرفها في اللواط، وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم

الفاحشة، كما تقول زيد الرجل ونعم الرجل زيد، أي أتأتون الخصلة التي استقر

فحشها عند كل أحد، فهي لظهور فحشها وكماله غنية عن ذكرها بحيث لا

ينصرف الاسم إلى غيرها، وهذا نظير قول فرعون لموسى (5) (وفعلت فعلتك التي

فعلت) أي الفعلة الشنعاء الظاهرة المعلومة لكل أحد.

ثم أكد سبحانه شأن فحشها بأنها لم يعملها أحد من العالمين قبلهم فقال (6) : (ما

سبقكم بها من أحد من العالمين) .

(1) ساق رحمه الله تعالى النصوص في قتل اللوطي وتأتي في عقوبة اللواط المبحث السادس عشر.

(2)

بيانه لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم في صفة عقوبة اللواط.

(3)

الآية رقم 32 سورة الإسراء.

(4)

الآية رقم 80 سورة الأعراف.

(5)

الآية رقم 19 سورة الشعراء.

(6)

من الآية رقم 32 سورة الإسراء.

ص: 168

ثم زاد في التأكيد بأن صرح بما تشمئز منه القلوب وتنبو عنه الأسماع وتنفر منه الطباع أشد نفرة وهو إتيان الرجل رجلاً مثله ينكحه كما ينكح الأنثى فقال (1)

(أئنكم لتأتون الرجال) .

ثم نبه عن استغنائهم عن ذلك وأن الحامل لهم عليه ليس إلا مجرد الشهوة لا الحاجة التي لأجلها مال الذكر إلى الأنثى، من قضاء الوطر ولذة الاستمتاع،

وحصول المودة والرحمة التي تنسى المرأة لها أبويها وتذكر بعلها، وحصول النسل

الذي هو حفظ هذا النوع الذي هو أشرف المخلوقات وتحصين المرأة وقضاء

وطرها، وحصول علاقة المصاهرة التي هي أخت النسب، وقيام الرجال على النساء

وخروج أحب الخلق إلى الله من جماعهن كالأنبياء والأولياء والمؤمنين ومكاثرة

النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء بأمته.

الى غير ذلك من مصالح النكاح.

والمفسدة التي في اللواط تقاوم ذلك كله، وتربي عليه بما. لا يمكن حصر فساده

ولا يعلم تفصيله إلا الله.

ثم أكد قبح ذلك بأن اللوطية عكسوا فطرة الله التي فطر الله عليها الرجال،

وقلبوا الطبيعة التي ركبها الله في الذكور، وهي شهوة النساء دون الذكور، فقلبوا

الأمر وعكسوا الفطرة والطبيعة فأتوا الرجال شهوة من دون النساء، ولهذا قلب الله

سبحانه ديارهم عليهم، فجعل عاليها سافلها وكذلك قلوبهم ونكسوا في العذاب

على رؤوسهم.

ثم أكد سبحانه بأن حكم عليهم بالإسراف وهو مجاوزة الحد فقال (2) (بل أنتم

قوم مسرفون) .

فتأمل هل جاء مثل ذلك أو قريب منه في الزنى.

(1) من الآية رقم 55 سورة النمل.

(2)

من الآية رقم 81 سورة الأعراف.

ص: 169

وأكد سبحانه ذلك عليهم بقوله (1) (ونجيناه من القرية التي كانت تعمل

الخبائث) .

ثم أكد سبحانه عليهم الذم بوصفين في غاية القبح فقال (3) (إنهم كانوا قوم

سوء فاسقين) .

وسماهم مفسدين في قول نبيهم (3)(ربّ انصرني على القوم المفسدين) .

وسماهم ظالمين في قول الملائكة لإبراهيم (4) (إنا مهلكو أهل هذه القرية، إن

أهلها كانوا ظالمين) .

فتأمل من عوقب بمثل هذه العقوبات ومن ذمه الله بمثل هذه المذمات.

ولما جادل خليله إبراهيم الملائكة، وقد أخبروه بإهلاكهم قيل له (5) (يا إبراهيم

أعرض عن هذا أنه قد جاء أمر ربك، وإنهم آتيهم عذاب غير مرود) .

وتأمل خبث اللوطية، وفرط تمردهم على الله حيث جاءوا نبيهم لوطاً لما سمعوا

بأنه قد طرقه أضيافه، هم من أحسن، البشر صوراً، فأقبل اللوطية عليه يهرولون،

فلما رآهم قال لهم (6)(يا قوم هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم) ففدى أضيافه ببناته

يزوجهم بهن خوفا على نفسه وأضيافه من العار الشديد فقال (7) (يا قوم هؤلاء

بناتي هنّ أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد.

فردوا عليه ولكن رد جبار عنيد (8) (لقد علمت ما لنا في بناتك من حق،

(1) من الآية رقم 74 سورة الأنبياء.

(2)

من الآية رقم 74 سورة ألأنبياء.

(3)

من الآية رقم 30 سورة العنكبوت.

(4)

من الآية رقم 31 سورة العنكبوت.

(5)

من الآية رقم 76 سورة هود.

(6)

من الآية رقم 78 سورة هود.

(7)

من الآية رقم 78 سورة هود.

(8)

من الآية رقم 79 سورة هود.

ص: 170

وإنك لتعلم ما نريد) ، فنفث نبي الله نفثة مصدور، خرجت من قلب مكروب

فقال (1)(لو أن لي بكم قوّة أو آوى إلى ركن شديد) .

فنفس له رسل الله، وكشفوا له عن حقيقة الحال، وأعلموه أنهم ممن ليس

يوصل إليهم، ولا إليه بسببهم، فلا تخف منهم ولا تعبأ بهم وهوّن عليك فقال (2)

(يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك) . وبشروه بما جاءوا به من الوعد له

ولقومه من الوعيد المصيب فقالوا (3) (فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم

أحد، إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم، إن موعدهم الصبح أليس الصبح

بقريب) .

فوالله ما كان بين إهلاك أعداء الله ونجاة نبيه وأوليائه إلا ما كان بين السحر

وطلوع الفجر وإذا بديارهم قد أقتلعت من أصلها ورفعت نحو السماء حتى سمعت

الملائكة نباح الكلاب ونهيق الحمير فبرز المرسوم- الذي لا يرد- عن الرب

الجليل، إلى عبده ورسوله جبرائيل، بأن قلبها عليهم كما أخبر به في محكم التنزيل

فقال عزّ من قائل (4) : (فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة

من سجيل) .

فجعلهم آية للعالمين، وموعظة للمتقين، ونكالاً وسلفاً لمن شاركهم في أعمالهم

من الجرمين، وجعل ديارهم بطريق السالكين

(إن في ذلك لآيات للمتوسمين، وإنها لبسبيل مقيم، إن في ذلك لآية

للمؤمنين) (5) .

أخذهم على غرة وهم نائمون، وجاءهم بأسه وهم في سكرتهم يعمهون، فما

(1) من الآية رقم 80 سورة هود.

(2)

من الآية رقم 81 سورة هود.

(3)

من الآية رقم 81 سورة هود.

(4)

من الآية 74 سورة الحجر.

(5)

الآية رقم 75 سورة الحجر.

ص: 171

أغنى عنهم ما كانوا يكسبون، فقلبت تلك اللذات آلاماً، فأصبحوا بها يعذبون.

مآرب كانت في الحياة لأهلها

عِذاباً فصارت في الممات عَذاباً.

ذهبت اللذات، وأعقبت الحسرات، وانقضت الشهوات، وأورثت الشقوات

تمتعوا قليلاً، وعذبوا طويلاً، رتعوا مرتعاً وخيما، فأعقبهم عذاباً أليماً، أسكرتهم خمرة تلك الشهوات، فا استفاقوا منها إلا في ديار المعذبين، وأرقدتهم تلك الفعلة

فما استيقظوا منها إلا وهم في منازل الهالكين، فندموا والله أشد الندامة حين لا

ينفع الندم، وبكوا على ما أسلفوه بدل الدموع بالدم.

فلو رأيت الأعلى والأسفل من هذه الطائفة، والنار تخرج من منافذ وجوههم

وأبدانهم وهم بين أطباق الجحيم، وهم يشربون بدل لذيذ الشراب كؤوس الحميم.

ويقال لهم وهم على وجوههم يسحبون، ذوقوا ما كنتم تكسبون (1) (اصلوها

فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليم إنما تجزون ما كنتم تعملون) .

ولقد قرّب الله مسافة العذاب بين هذه الأمة وبين إخوانهم في العمل فقال

مخوفاً لهم أن يقع الوعيد (2)(وما هي من الظالمين ببعيد) .

فيا ناكحي الذكران يهنيكم البشرى

فيوم معاد الناس إن لم أجرا

كلوا واشربوا وازنوا ولوطوا وأبشروا

فإن لكم زفاً إلى الجنة الحمرا.

فإخوانكم قد مهدوا الدار قبلكم

وقالوا، إلينا عجلوا لكم البشرى

وها نحن أسلاف لكم في انتظاركم

سيجمعنا الجبار في ناره الكبرى

فلا تحسبوا أن الذين نكحتموا

يغيبون عنكم بل ترونهم جهراً

ويلعن كلاً منكم لخليه

ويشقى به المحزون في الكرة الأخرى

يعذب كلاً منهما بشريكه

كما اشتركا في لذة توجب الوزرا

(1) الآية رقم 16 سورة الطور.

(2)

الآية رقم 83 سورة هود.

ص: 172

المبحث السادس عشر:

في عقوبة اللواط (1)

يقرر- ابن القيم رحمه الله تعالى أن الصحابة رضي الله عنهم متفقون على قتل اللوطي، وإن الخلاف بينهم إنما هو في كيفية قتله.

فغلط بعض الناس، فنقل محل الخلاف إلى محل الاتفاق، وظنوا أن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا في قتله والأمر بخلاف ذلك.

وفي بيان ذلك يقول رحمه الله تعالى (2) :

(الصحابة رضي الله عنهم متفقون على قتل اللوطي، وإنما اختلفوا في كيفية قتله، فظن بعض الناس أنهم متنازعون في قتله ولا نزاع بينهم فيه إلا في إلحاقة بالزاني أو قتله مطلقاً) .

وقال أيضاً (3) :

(قال ابن القصار، وشيخنا: أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على قتله وإنما اختلفوا في كيفية قتله) . وقال أيضاً (4) :

(أطبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله لم يختلف فيه منهم رجلان، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله، فظن بعض الناس أن ذلك اختلاف منهم في قتله، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابة رضي الله عنهم، وهي بينهم مسألة إجماع لا مسألة نزاع) . فنحصل من هذه النقول من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى: أن

(1)، انظر: الداء والدواء ص/246- ص/256. روضة المحبين ص/362 ص/372. زاد المعاد 3/209 والطرق الحكمية ص/179/180.

(2)

انظر: روضة المحبين ص/363.

(3)

انظر: زاد المعاد 3/209.

(4)

انظر: الداء والدواء ص/249

ص: 173

الصحابة رضي الله عنهم متفقون على قتل اللواطي وأن الخلاف الحاصل بينهم في

موضعين:

الأول منهما: هي يقتل مطلقاً أم يلحق بالزاني.

الثاني: في كيفية قتله.

اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في صفة عقوبة اللوطي:

ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى جملة من أقاويل الصحابة رضي الله عنهم في ذلك على ما يلي:

1-

إحراق اللوطي بالنار

وهو قول أبي بكر وعلي وابن الزبير (1) رضي الله عنهم وهشام ابن عبد الملك (2) رحمه الله تعالى وقد حرق كل واحد منهم اللوطية في خلافته. وقد شاور أبو بكر رضي الله عنه الصحابة رضي الله عنهم فاجتمع رأيهم على إحراق اللوطية.

وفي بيان ذلك يقول ابن القيم رحمه الله تعالى (3) :

(حرق اللوطية بالنار أربعة من الخلفاء: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وهشام بن عبد الملك رحمه الله تعالى) .

(1) هو: عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي رضي الله عنه وكان أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة توفي قتيلاً رضي الله عنه سنة 73 هـ. (انظر: الإصابة 3/302- 303) .

(2)

هو: هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي من ملوك بني أمية توفي سنة 125 هـ. (انظر الأعلام 9/84) .

(3)

انظر: روضة المحبين ص/369- 370.

(4)

انظر: روضة المحبين ص/369- 370.

ص: 174

(حرقهم أبو بكر رضي الله عنه بالنار بعد مشاورة الصحابة رضي الله عنهم وأشار عليه علي ابن أبي طالب رضي الله عنه بذلك وحرقهم علي وابن الزبير كما ذكره (الآجري)(1) وغيره عن محمد ابن المنكدر (2) : أن خالد بن الوليد (3) كتب إلى أبي بكر رضي الله عنه أنه وجد رجلاً في بعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة، فجمع أبو بكر رضي الله عنه لذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال علي رضي الله عنه: أن هذا ذنب لم يعمل به إلا أمة واحدة ففعل الله بهم ما قد علمتم، أرى أن تحرقوه بالنار، فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق بالنار فأمر به أبو بكر أن يحرق (4) .

قال (5) : وقد حرقهم ابن الزبير وهشام بن عبد الملك) .

2-

الرجم بالحجارة حتى يموت

وهو قول عمر رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه وابن عباس رضي الله عنهما

في جماعة من الصحابة رضي الله عنهم (6) .

(1) ابن القيم رحمه الله تعالى ينقل في هذه المسألة عن كتاب (تحريم اللواط) للآجري كما سماه بذلك ص/ 371 من روضة المحبين. والآجري هو محمد بن الحسين أبو بكر شافعي محدث ينسب إلى آجر من عمل بغداد له كتاب (التشريعة ط) وغيره توفي سنة 360 هـ. (انظر: تاريخ بغداد 2/ 243، والأعلام 6/ 328) .

(2)

هو: محمد بن المنكدر بن عبد الله التيمي من ثقات المحدثين توفي سنة 130 هـ. أو بعدها (انظر: التقريب 2/ 210) .

(3)

هو: خالد بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي من أجلة الصحابة رضي الله عنهم وفرسانهم توفي سنة 22 هـ. (انظر: الإصابة 1/413- 415، والتقريب 1/219) .

(4)

رواه البيهقي في السنن الكبرى 8/232 وانظر نيل الأوطار 7/123، وزاد المعاد 3/209 والداء والدواء ص/248، وروضة المحبين أيضاً ص/362. والزواجر لابن حجر الهيثمي 2/147 ط بولاق سنة 1248 هـ وحكم الأئمة بأنه حديث مرسل كما صرح به البيهقي والشوكاني.

(5)

أي قال الآجري.

(6)

انظر في رواية هذه الآثار: البيهقي في السنن الكبرى 8/232- 233، وسنن أبي داود =

ص: 175

وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله تعالى (1) :

(وقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وجماعة من الصحابة والتابعين: يرجم بالحجارة حتى يموت أحصن أو لم يحصن) .

وقال أيضاً (3) :

(وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يرجم اللوطي بكراً كان أو ثيباً) . وذكر أيضاً أن هذا فتوى من ابن عباس رضي الله عنهما بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم يرفعه (من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه)(3) . وقال أيضاً (4) :

(ورجم علي رضي الله عنه لوطياً وأفتى بتحريقه، وكأنه رأى هذا وهذا) .

3-

الرمي من أعلى بناء في البلد ثم يتبع بالحجارة:

وهو مروي عن أبي بكر وابن عباس رضي الله عنهم (5) .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى (6) :

(وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن اللوطي ما حده؟ قال:

ينظر أعلى بناء في المدينة فيرمى منه منكساً ثم يتبع بالحجارة.

وقال أيضاً (7) :

= 4/607، واختصارها للمنذري 6/274 ونيل الأوطار 7/223-124، وتلخيص الحبير 4/61

(1)

انظر: روضة المحبين ص/362.

(2)

انظر: روضة المحبين ص/370، وزاد المعاد 3/209.

(3)

انظر: المرجعين السابقين.

(4)

انظر: روضة المحبين ص/363.

(5)

انظر: في الرواية لآثارهما وبيانها: السن الكبرى للبيهقي 8/232- 233، ونيل الأوطار 7/123

(6)

انظر: روضة المحبين ص/369. والداء والدواء ص/249.

(7)

انظر: زاد المعاد 3/209.

ص: 176

(وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يرمى من شاهق) .

4-

أنه يلقى عليه حائط.

وهذا مروي عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم (1) .

وذكره ابن القيم عن علي رضي الله عنه فقال (2) :

(وقال علي- كرّم الله وجهه- يهدم عليه حائط) .

5-

أن عقوبة اللوطي كحد الزاني، الرجم للمحصن والجلد لغير المحصن.

وذكره ابن القيم عن ابن الزبير رضي الله عنه فقال (3) :

(قال عطاء (4) : شهدت ابن الزبير أتى بسبعة أخذوا في اللواط: أربعة منهم قد أحصنوا، وثلاثة لم يحصنوا، فأمر بالأربعة فأخرجوا من المسجد الحرام فرجموا بالحجارة، وأمر بالثلاثة فضربوا الحد وفي المسجد ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم .

هذه أقاويل الصحابة رضي الله عنهم وأحكامهم في عقوبة اللوطي وهي كما يراها الناظر اختلاف في كيفية العقوبة لا في أصل إيقاع العقوبة بالقتل والله أعلم.

اختلاف العلماء (5) :

ثم إن ابن القيم رحمه الله تعالى ذكر اختلاف العلماء رحمهم الله تعالى في عقوبة

(1) انظر: نيل الأوطار 7/124.

(2)

انظر: زاد المعاد 3/209.

(3)

انظر: روضة المحبين ص/363. وقد رواه البيهقي في السنن الكبرى 8/233.

(4)

هو: عطاء ابن أبي رباح القرشي مولاهم ثقة فقيه فاضل توفي سنة 114 هـ. (انظر: التقريب 2/22) .

(5)

انظر: الداء والدواء ص/258، وزاد المعاد 3/209، وروضة المحبين ص/363، والطرق =

ص: 177

اللواط هل هي أغلظ من عقوبة الزنى على ما حكم به جلّ الصحابة رضي الله عنهم وأفتوا به.

أم أن عقوبة الزنى أغلظ من عقوبة اللواط.

أم أنهما سواء.

على ثلاثة أقوال ذكرها رحمه الله تعالى وذكر من قال بها. مع ذكر الاستدلال ومناقشته وبيان ذلك على ما يلي:

القول الأول: أن عقوبة اللواط أغلظ من عقوبة الزنى. فعقوبته القتل حداً

على كلّ حال محصناً كان أو غير محصن.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى (1) :

(ذهب أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وجابر بن زيد رضي الله عنهم، وعبد الله بن معمر والزهري (2) ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن (3) ومالك، وإسحاق بن راهويه، والإمام أحمد في أصح الروايتين عنه والشافعي-. في أحد قوليه، إلى أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزنى وعقوبته القتل على كلّ حال محصناً كان أو غير محصن) .

أدلته:

استدل ابن القيم رحمه الله تعالى لهذا القول بالسنة، والإجماع ومطابقته لحكم

= الحكمية ص/179، وانظر بيانه عند غير ابن القيم: المغني 10/160- 162 والإفصاح 2/406 ومعالم السنن 6/272- 274 ونيل الأوطار 7/123- 124، وشرح فتح القدير

5/43- 44، ومراتب الإجماع ص/131، وسبل السلام 4/13.

(1)

انظر: الداء والدواء ص/246.

(2)

هو: محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري القرشي الفقيه الحافظ مات سنة 225 هـ. (انظر: التقريب 2/207، وسنن الترمذي 1/ 390 أحمد شاكر. والفروسية لابن القيم ص/42- 43) .

(3)

هو: الفقيه المشهور بربيعة الرأي: ربيعة بن أبي عبد الرحمن التيمي مولاهم مات سنة 236 هـ. (انظر: التقريب 1/247) .

ص: 178

الشارع في تغليظ العقوبات كلما تغلظت المحرمات. وبيان ذلك على ما يلي:

1-

السنة: قال رحمه الله تعالى في الاستدلال لهذا القول من السنة (1) :

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) رواه أهل السنن (2) وصححه ابن حبان (3) واحتج الإمام أحمد بهذا الحديث، وإسناده على شرط البخاري) .

وقال أيضاً (4) :

(ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (اقتلوا الفاعل، والمفعول به) رواه أهل السنن الأربعة وإسناده صحيح، وقال الترمذي حديث حسن) .

وقال أيضاً (4) :

(وفي المسند (6) والسنن من حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقتلوا الفاعل والمفعول به) وفي لفظ (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) وإسناده على شرط البخاري) .

وجه الاستدلال:

ووجه الدلالة من هذا الحديث نصية على قتل الفاعل والمفعول به وليس فيه تفصيل لمن أحصن أو لم يحصن فدل بعمومه على قتله مطلقاً.

(1) انظر: الداء والدواء ص/249.

(2)

انظر: سنن أبي داود 4/607، والترمذي 4/57، والنسائي في السنن الكبرى بواسطة تلخيص الحبير 4/54، وابن ماجه 2/856. وانظر: تلخيص الحبير 4/54- 55 والحاوي للفتاوى للسيوطي 2/204 ونيل الأوطار 7/123.

(3)

هو الإمام أبو حاتم محمد بن حبان البستي المتوفى سنة 354 هـ. (انظر الأعلام 6/306) .

(4)

انظر: زاد المعاد 3/209.

(5)

انظر: روضة المحبين ص/368- 369.

(6)

انظر: الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني للساعاتي 16/102-103 ط الأولى سنة 1371 هـ. بمصر.

_________

ص: 179

2-

الإجماع:

واستدل له أيضاً بإجماع الصحابة رضي الله عنهم على قتله مطلقاً، وحكاه في مواضع كما تقدم (1) .

وحكاه أيضاً ابن قدامة فقال للاستدلال به لهذا القول (2) :

(ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنهم أجمعوا على قتله وإنما اختلفوا في صفته) .

3-

مطابقة هذا القول لقاعدة الشريعة المطردة من تغليظ العقوبات كلما تغلظت المحرمات:

وفي بيان هذا يقول رحمه الله تعالى (3) :

(وهذا الحكم على وفق حكم الشارع فإن المحرمات كلما تغلظت تغلظت عقوبتها، ووطء من لا يباح بحال أعظم جرماً من وطء من يباح في بعض الأحوال فيكون حده أغلظ) .

وذكر رحمه الله تعالى اعتبار هذا فيمن وطء ذات محرم أو أتى بهيمة.

القول الثاني: أن عقوبة اللواط والزنى سواء، فيجلد مرتكبه مائة جلدة ويغرب سنة إن كان بكراً، ويرجم إن كان محصناً.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى من قال بهذا فقال (4) :

(وذهب عطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم

(1) انظر: ص/430.

(2)

انظر: المغني مع الشرح الكبير 10/161.

(3)

انظر: زاد المعاد 3/209.

(4)

انظر: الداء والدواء ص/246

ص: 180

النخعي (1) ، وقتادة والأوزاعي والشافعي في ظاهر مذهبه والإمام أحمد في الرواية الثانية عنه، وأبو يوسف، ومحمد- إلى أن عقوبته وعقوبة الزنى سواء.

الأدلة:

استدل لهذا القول بحديث، وقياس، وقد ذكرهما ابن القيم رحمه الله تعالى في معرض بحثه لجريمة اللواط وبيانها على ما يلي:

1-

الاستدلال بالحديث:

قال ابن القيم رحمه الله تعالى (2)

(قال أبو داود الطيالسي، حدثنا بشر بن المفضل (3) عن خالد الحذاء (4)، عن محمد بن سيرين (5) عن أبي موسى الأشعري (6) رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا باشر الرجل الرجل فهما زانيان) وفي لفظ (إذا أتى الرجل الرجل) .

وجه الاستدلال:

هو أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى كلاً من اللائط والملوط به زانياً، وذلك- والله أعلم- بجامع الوطء في محل محرم، فلما أدخله صلى الله عليه وسلم في مسمى الزنى صارت عقوبة اللواط إذا مثل عقوبة الزنى سواء.

(1) هو: الإمام الفقيه إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي مات سنة 296 هـ (انظر: التقريب 1/46) .

(2)

انظر: روضة المحبين ص/368.

(3)

تأتي ترجمته قريباً في المناقشة.

(4)

هو: خالد بن مهران البصري الحذاء، وهو ثقة يرسل كما في التقريب 1/219.

(5)

هو: الإمام محمد بن سيرين الأنصاري البصري ثقة فقيه عابد كبير القدر مات سنة 110 هـ. كما في التقريب 2/169.

(6)

هو: الصحابي الجليل عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه أمره عمر ثمّ عثمان توفي سنة 50 هـ. كما في التقريب 1/441.

ص: 181

إذا علم ذلك فليعلم القارئ أنه قد وقع في النسخة المطبوعة من (روضة المحبين)(1) تصحيف عجيب في سند هذا الحديث ترقى به من حال الضعف إلى كون الحديث على شرط البخاري ومسلم.

ذلك أنه جاء فيه ما نصه:

(وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا بشر بن المفضل

)

وبشر بن المفضل هذا: هو الرقاشي وهو من ثقات المحدثين والأثبات، وهو من شيوخ الطيالسي (2) ، بينما قد عين الحفاظ بشراً هذا فبين الحافظان، الذهبي (3) وابن حجر (4) ، أنه بشر ابن المفضل البجلي، وهذا مجهول فضعف الحديث من طريقه لجهالته.

فقال ابن حجر مشيراً إلى هذا الحديث (5) :

(ورواه الطبراني (6) من وجه آخر عن أبي موسى رضي الله عنه وفيه بشر بن المفضل البجلي وهو مجهول، وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه) (7) . فتبين أن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف على ما صرح به الذهبي وابن حجر لجهالة بشر البجلي.

(1) انظر ص/368.

(2)

انظر: التقريب 1/ 101 وأشار إلى أنه من رجال الستة وأنه مات سنة 286 هـ. وانظر أيضاً: تهذيب التهذيب 1/459.

(3)

انظر: الميزان 1/324.

(4)

انظر: تلخيص الحبير 4/55، ولسان 2/31.

(5)

انظر: تلخيص الحبير 4/55.

(6)

هو: سليمان بن أحمد اللخمي الشامي صاحب المعاجم الكبير والصغير والأوسط توفي سنة 360 هـ.. (انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان 1/225، والأعلام 3/ 181) .

(7)

هذا الحديث ليس في (مسند الطيالسي المطبوع بالهند سنة 1321 هـ. فإن مسند أبي موسى الأشعري فيه من ص/66- 72 ولم أره فيه. بها أنني تتبعته في ترتيبه (منحة المعبود) للطيالسي فلم أره في مظانه منه، ولعل هذا لاختلاف النسخ المطبوع عليها والله أعلم.

ص: 182

طريق أخرى للحديث:

والحديث قد رواه البيهقي (1) بسند آخر لكن فيه راو موصوف بالكذب وهو: محمد بن عبد الرحمن القشيري، قال فيه الذهبي (2)(كذاب مشهور) .

فصار الحديث إذا بطريقيه المذكورين ضعيفاً لا تقوم به حجة والله أعلم.

2-

القياس:

استدل أصحاب هذا القول بقياس اللواط على الزنى بجامع أن كلاً منهما إيلاج فرج محرم في فرج محرم شرعاً، مشتهى طبعاً، فيكون حكمه حكم حد الزنى (3) .

تعقب هذا الدليل:

وهذا الدليل متعقب بما يلي:

(- أن القياس لا يكون في الحدود لأن الحدود تدرأ بالشبهة.

لكن هذا متعقب بأن الأكثر على جوازه في الحدود (4) .

ب- أن هذا الدليل القياسي يقدح فيه بالقادح المسمى (فساد الاعتبار)(5) . لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: اقتلوا الفاعل والمفعول به، فالقول بالقياس في مقابلة النص اعتبار فاسد وفي بيان هذا يقول الشوكاني (6) :

(ويجاب عن ذلك بأن الأدلة الواردة بقتل الفاعل والمفعول به مطلقاً مخصصة

(1) انظر: السنن الكبرى 8/233، وانظر: الفتح الكبير للنبهاني 1/65 وضعيف الجامع الصغير للألباني 1/124.

(2)

انظر: المغني في الضعفاء 2/606، وانظر أيضاً: الميزان 3/623.

(3)

انظر: نيل الأوطار 7/124. وأضواء البيان للشنقيطي 3/24. وأشار إليه ابن القيم في الطرق الحكمية ص/178.

(4)

انظر: نيل الأوطار 7/124 وفتح الباري 12/73 وأضواء البيان 3/44.

(5)

انظر: الأحكام للآمدي 4/72.

(6)

انظر: نيل الأوطار 7/124. وانظر أيضا: أضواء البيان 3/44

ص: 183

لعموم أدلة الزنى الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها للوطي، ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمول لأنه يصير فاسد الاعتبار كما تقرر في الأصول) .

القول الثالث: أن عقوبة اللائط التعزير بالضرب والسجن ونحو ذلك.

وهذا مذهب أبي حنيفة وفي بيانه يقول ابن القيم رحمه الله تعالى (1) : (وذهب الحاكم وأبو حنيفة إلى أن عقوبته دون عقوبة الزنى: وهي التعزير) .

ثم يذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن أصحاب أبي حنيفة صرحوا بأن اللوطي

إذا أكثر منه قتل تعزيراً فقال (2) :

(ثم قال هؤلاء: إذا كثر منه اللوطي فللإمام قتله تعزيراً، صرح بذلك أصحاب أبي حنيفة) .

أدلته:

ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أدلة هذا القول وما أمكن أن يوجه به ثم عاد عليها بالمناقشهَ والنقض.

وسياق أدلته مع ما يرد على كل دليل على ما يلي:

1-

أنه لم يرد في الشرع للواط عقوبة مقدرة فصار فيه التعزير.

وفي حكاية هذا يقول ابن القيم رحمه الله تعالى (3) :

(قالوا لأنه معصية من المعاصي لم يقدر الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فيها حداً مقدراً، فكان فيه التعزير كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير) .

(1) انظر: الداء والدواء ص/246. والطرق الحكمية ص/179، وزاد المعاد مرجع حنفي 3/209

(2)

انظر: روضة الحبين ص/363.

(3)

انظر: الداء والدواء ص/246- 247.

ص: 184

تعقب هذا الدليل:

وقد عاد ابن القيم رحمه الله تعالى على هذا الحديث بالنقض إذ ورد في السنة أن حد صاحب اللواطة القتل فثبت ورود حد معين فيها وهو القتل بالدليل إذا غير منتف بل هو ثابت.

وفي هذا يقول رحمه الله تعالى (1) :

(أما قولهم: إنها معصية لم يجعل الله فيها حداً معيناً فجوابه من وجوه.

أحدهما: أن المبلغ عن الله جعل حد صاحبها القتل حتما، وما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما شرعه عن الله.

فإن أردتم أن حدها غير معلوم بالشرع فهو باطل.

وان أردتم أنه غير ثابت بنص الكتاب لم يلزم من ذلك انتفاء حكمه لثبوته بالسنة.

والثاني: أن هذا ينقض عليكم بالرجم، فإنه إنما ثبت بالسنة.

فإن قلتم: بل ثبت بقرآن نسخ لفظه وبقي حكمه.

وقلنا: فينقض عليم بحد شارب الخمر.

والثالث: أن نفي دليل معين لا يستلزم نفي مطلق الدليل، ولا نفي المدلول، فكيف وقد قدمنا أن الدليل الذي نفيتموه غير منتف) .

2-

أن التلوط وطء في محل لا تشتهيه الطباع والمعصيهَ إذا كان الوازع عنها طبيعياً اكتفى بالوازع عن الحد كما في وطء الأتان والميتة والبهيمة ونحو ذلك. وفي بيان هذا الدليل القياسي يقول ابن القيم رحمه الله تعالى (2) :

(1) انظر: الداء والدواء ص/254.

(2)

انظر: الداء والدواء ص/247

ص: 185

(قالوا ولأنه وطء في محل لا تشتهيه الطباع، بل ركبها الله تعالى على النفرة منه حتى الحيوان البهيم فلم يكن فيه حد كوطء الميتة وغيرها.

قالوا: وقد رأينا قواعد الشريعة أن المعصية إذا كان الوازع عنها طبيعياً، اكتفى بذلك الوازع عن الحد، وإذا كان في الطباع ما يقتضيها جعل فيها الحد بحسب اقتضاء الطباع لها، ولهذا جعل الحد في الزنى والسرقة وشرب المسكر دون أكل الميتة والدم ولحم الخنزير.

قالوا: وطرد هذا: أنه لا حد في وطء البهيمة ولا الميتة، وقد جبل الله سبحانه وتعالى الطباع على النفرة من وطء الرجل رجلاً مثله أشد نفرة، كما جبلها على النفرة من استدعاء الرجل من وطؤه بخلاف الزنى فإن الداعي فيه من الجانبين) .

تعقب هذا الدليل:

ثم أن ابن القيم رحمه الله تعالى تعقب هذا القياس بالإبطال له أصلاً وذلك بالقادح المسمى فساد الاعتبار حيث أنه قياس في مقابلة النص. ثم بإبطال القياس نفسه إذ هو قياس مع وجود الفارق إذ أن الزاجر الطبيعي عن إتيان الأتان أقوى من الزاجر الطبيعي عن التلوط.

وفي بيان هذا يقول رحمه الله تعالى (1) :

(وأما قولكم: أنه وطء في محل لا تشتهيه الطباع، بل ركب الله الطباع على النفرة منه فهو كوطء الميتة والبهيمة، فجوابه من وجوه:

أحدهما: أنه قياس فاسد الاعتبار مردود بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة رضي الله عنهم.

والثاني: أن قياس وطء الأمرد الجميل الذي فتنته تربوا على كل فتنة، على وطء أتان أو امرأة ميتة من أفسد القياس، وهل يعدل ذلك أحد قط بأتان أو بقرة

(1) انظر: الداء والدواء ص/254- 258

ص: 186

أو ميتة أو سبى ذلك عقل عاشق أو أسر قلبه، أو استولى على فكره وقلبه، فليس في القياس أفسد من هذا.

الثالث: أن هذا منتقض بوطء الأم والأخت والبنت، فإن النفرة الطبيعية منه حاصلة مع أن الحد فيه من أغلظ الحدود- في أحد القولين، وهو القتل بكل حال

محصناً أو غير محصن.. (1) .

3-

قياس تلوط الرجل بآخر على مساحقة (2) النساء. فكلما لا يجب الحد في المساحقة فكذلك في التلوط.

وفي بيان هذا يقول ابن القيم رحمه الله تعالى (3) :

(قالوا: ولأن أحد النوعين إذا استمتع بشكله لم يجب عليه الحد، كما لو تساحقت المرأتان، واستمتعت كل واحدة منهما بالأخرى) .

تعقب هذا الدليل:

وقد تعقب ابن القيم رحمه الله تعالى هذا القياس بالإبطال لفقدانه ركناً من أركان القياس وهو: العلة الجامعة بين المقيس والمقيس عليه فقال (4) :

(وأما قياسكم وطء الرجل لمثله على تدالك المرأتين (5) فمن أفسد القياس، إذ لا إيلاج هناك، وإنما نظيره مباشرة الرجل الرجل من غير إيلاج، على أنه قد جاء في بعض الآثار المرفوعة (6) .

(1) ثم ساق رحمه الله تعالى: حكم وطء ذات محرمة، ووطء الميتة ووطء البهيمة والله أعلم.

(2)

المساحقة: هي تدالك المرأتين (انظر: المغني. مع الشرح الكبير 10/162.) .

(3)

انظر: الداء والدواء ص/247.

(4)

انظر: الداء والدواء ص/ 258.

(5)

التدالك هو بمعنى المساحقة. ولغة، دلكت الشيء بمعنى أنك إذا فعلت ذلك لم تكد يدك تستقر على مكان دون مكان والدلوك ما يتدلك به الإنسان من طيب وغيره (انظر: معجم مقاييس

اللغة 2/297- 298) .

(6)

رواه البيهقي في السنن الكبرى 8/333 وسنده ضعيف كما تقدم ص/440- 441

ص: 187

(إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان) ولكن لا يجب الحد بذلك لعدم الإيلاج، وإن أطلق عليهما اسم الزنى العام كزني العين واليد والرجل والفم) .

4-

أن اللواط لا يدخل في مسمى الزنى لا لغة ولا شرعاً فلا يجب على اللوطي حد الزنى.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الاستدلال لهم (1) :

(قالوا: ولأنه لا يسمى زانياً لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً، فلا يدخل في النصوص الدالة على حد الزانين) .

تعقب هذا الدليل:

لم يتعقب ابن القيم رحمه الله تعالى هذه الوجهة بشيء والذي يظهر والله أعلم أنه

إنما تركه لضعفه، إذ هو تعليل في مقابلة النص- لمن يرى أن حد اللوطي كحد الزاني- والنصوص ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم بقتله مطلقاً.

على أن نفي تسمية اللواط (زنى) يحتاج إلى مدرك تام بالاستقراء والتتبع للغة العرب.

ولو كان القياس في اللغة جائزاً لأمكن القول بأنه قد ثبت في اللغة تسمية ما

هو دون الزنى زناً كتسمية النظر المحرم (زنى العين) وهكذا، فيكون تسمية اللواط زناً من باب قياس الأولى لكن القياس في اللغة ممتنع والله أعلم.

اختيار ابن القيم رحمه الله تعالى:

اختار رحمه الله تعالى القول الأول وهو أن عقوبة اللواط أغلظ من عقوبة الزنى فقال رحمه الله تعالى (2) :

(والصحيح أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزاني لإجماع الصحابة رضي الله عنهم

(1) انظر: الداء والدواء ص/247. وانظر: فتح القدير 5/43-44 وأضواء البيان 3/45.

(2)

انظر: روضة المحبين ص/364

ص: 188

على ذلك، وغلظ حرمته، وانتشار فساده، ولأن الله سبحانه لم يعاقب أمة ما عاقب اللوطية) .

لكنه رحمه الله تعالى لما حكى اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في صفة قتل اللوطي هل هي الرجم أم الإحراق أم الرمي من شاهق أم هدم الحائط عليه لم يصرح باختيار واحدة من هذه الصفات والله أعلم.

الترجيح والاختيار:

مما تقدم يتبين أن ابن القيم رحمه الله تعالى استوفى ذكر الخلاف في هذه المسألة وذكر أدلتها وما ورد على بعضها من مناقشات وأنه اختار ما ذهب إليه جهور أهل العلم من أن عقوبة اللوطي القتل بكل حال لدلالة السنة والإجماع وقاعدة الشريعة المطردة. وهذا القول المختار هو الذي يظهر لي- والله أعلم- لقوة أدلته وسلامة دلالتها على ما سيقت من أجله، ولأن أدلة المخالفين لا تنهض على مقاومتها. وأما صفة القتل فإن الذي يظهر لي أيضاً - والله أعلم- هو أن هذا عائد إلى رأي الإمام من القتل بالسيف أو رجماً بالحجارة ونحو ذلك حسب مصلحة الردع والزجر والله أعلم.

ويطيب لي أن أذكر كلاماً للشوكاني رحمه الله تعالى في تأييد مذهب الجمهور إذ يقول (1) :

(وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارب هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين، ويعذب تعذيباً يكسر شهوة الفسقة المتمردين، فحقيق بمن أتى فاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يصلي من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشابهاً لعقوبتهم، وقد خسف الله تعالى بهم، واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم) .

(1) انظر: نيل الأوطار 7/124

ص: 189

المبحث السابع عشر:

في عقوبة من وطئ بهيمة (1)

في معرض كلام ابن القيم رحمه الله تعالى على عقوبة اللواط ذكر الخلاف في عقوبة من أتى بهيمة على ثلاثة أقوال وذكر القائلين بها. وذكر في الاستدلال حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه) .

ولم أره في موضع جزم ببيان حال هذا الحديث صحة أو ضعفاً والظاهر من سياق كلامه اختياره رحمه الله تعالى القول بموجبه.

وتفصيل الخلاف في هذا المبحث على ما يلي:

القول الأول: أنه يعزر ولا حد عليه.

وهذا مذهب الجمهور منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي، في قول له وأحمد في إحدى الروايتين عنه وإسحاق، والشعبي، والنخعي كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى عنهم- فقال (2) :

(وقال الشعبي والنخعي يعزر، وبه أخذ الشافعي ومالك وأبو حنيفة، وأحمد في رواية فإن ابن عباس رضي الله عنهما أفتى بذلك وهو راوي الحديث) .

وقال أيضاً (3) :

(أحدها - أي أحد أقواله- أنه يؤدب ولا حد عليه، وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وهو قول إسحاق) .

(1) انظر: الداء والدواء ص/257. وزاد المعاد 3/209.

(2)

انظر: زاد المعاد 3/209.

(3)

انظر: الداء والدواء ص/257. وانظر أيضاً: المغني مع الشرح الكبير 10/163 وشرح فتح القدير 5/45، ونيل الأوطار 7/125، ومختصر المنذري للسنن 6/276.

ص: 190

الأدلة:

وذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في الاستدلال لهذا القول: أنه لم يصح فيه شيء

عن النبي صلى الله عليه وسلم، والعقوبات المقدرة لا بد فيها من دليل مثبت ولا دليل هنا ثابت فلا حد إذا وفي هذا يقول رحمه الله تعالى (1) :

(ومن لم ير عليه حداً قالوا: لم يصح فيه الحديث، ولو صح لقلنا به، ولم يحل

لنا مخالفته) .

القول الثاني: أن حده حد الزاني سواء. وهو قول الحسن البصري وأحد أقوال الشافعي (2) .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في بيانه (3) :

(القول الثاني: حكمه حكم الزاني، يجلد إن كان بكراً ويرجم إن كان محصناً، وهذا قول الحسن) .

دليله:

يستدل بالقياس على الزنى بجامع أن كلاً منهما وطء في فرج محرم ليس له فيه شبهة فيكون حده كالزنى (4) .

القول الثالث: أن حكمه حكم اللوطي فيقتل بكل حال.

وهذا مذهب أبي سلمة ابن عبد الرحمن والرواية الثانية عن الإمام أحمد حكى ذلك ابن القيم عنهما (5) . وقال الشافعي إن صحّ الحديث قلت به (6) .

(1) انظر: الداء والدواء ص/257، والمغني مع الشرح الكبير 10/163.

(2)

انظر: مختصر السنن للمنذي 6/276، والمغني مع الشرح الكبير 10/163. ونيل الأوطار 7/125- 126. والسنن الكبرى للبيهقي 8/ 234.

(3)

انظر: الداء والدواء ص/257 وانظر أيضا: زاد المعاد 3/209.

(4)

انظر: نيل الأوطار 7/125.

(5)

انظر: الداء والدواء ص/257، وزاد المعاد 3/209.

(6)

انظر: تلخيص الحبير 4/55

ص: 191

الأدلة:

استدل ابن القيم رحمه الله تعالى لهذا القول بحديث بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال:

(من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه)(1) رواه أحمد (2) وأصحاب السنن (3) .

وجه الاستدلال:

والاستدلال من هذا الحديث على هذا القول واضح فإنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل من أتى بهيمة وقتل البهيمة معه، وليس فيه تفصيل في الفرق بين المحصن وغيره بل يفيد قتله مطلقاً.

منزلة هذا الحديث:

هذا الحديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه)(4) رواه أحمد وأبو يعلى (5) .

وورد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه عن أبي داود (6) بلفظ: (من وقع على ذات محرم فاقتلوه، ومن وقع على بهيمة فاقتلوه، واقتلوها معه) .

(1) انظر: الداء والدواء ص/257، وزاد المعاد 3/209.

(2)

انظر: مسند الإمام أحمد 1/217، 269، 300، 317

(3)

انظر: سنن أبي داود 4/609، والترمذي 4/56- 57 وابن ماجه 2/856. والنسائي كما في تلخيص الحبير 4/55.

(4)

انظر: المسند بترتيب الساعاتي الفتح الرباني 16/102- 103.

(5)

انظره: بواسطة صحيح الجامع الصغير للألباني 5/223 ط المكتب الإسلامي بدمشق سنة 1392 هـ.

(6)

انظر: سنن أبي داود 4/609-610

ص: 192

رواه ابن ماجه (1) ، والحاكم (2) .

وفي لفظ عند الترمذي (3) والبيهقي (4) (من وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة فقيل لابن عباس: ما شأن البهيمة قال: ما سمعت من رسول الله في ذلك شيئاً ولكن أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يؤكل لحمها أو ينتفع بها، وقد عمل بها ذلك العمل.

وفي لفظ عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً عند البيهقي (5) .

(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ملعون من وقع على بهيمة، وقال: اقتلوه واقتلوها لا يقال هذه التي فعل بها كذا وكذا)(6) .

وقد مال البيهقي إلى تصحيح الحديث في ذلك (7) . وصححه الشوكاني (8) وسكت عنه ابن حجر في (التلخيص)(9) وقد علم من اصطلاحه أنه إذا سكت عن حديث في التلخيص فدرجته أنه حسن عنده (10) وسبق الجميع إلى تصحيح حديث ابن عباس الذهبي في تلخيصه للمستدرك (11) والله أعلم.

الترجيح: تبين من هذا المبحث أن ابن القيم رحمه الله تعالى حكى ثلاثة أقوال في حكم من أتى بهيمة وأن ظاهر كلامه اختياره قتل الفاعل بكل حال وهذا رواية عن أحمد وقد علق الشافعي الأخذ به على صحة الحديث. وأن

(1) انظر: سنن بن ماجه 2/856.

(2)

انظر: مستدرك الحاكم 4/355.

(3)

انظر: سنن الترمذي 4/56- 57.

(4)

انظر: السنن الكبرى 8/ 235.

(5)

انظر: السنن الكبرى 8/233.

(6)

انظر: في ألفاظ هذا الحديث: الفتح الكبير 3/146،244،245.

(7)

انظر: المرجع السابق، وتلخيص الحبير 4/55، ونيل الأوطار 7/125.

(8)

انظر: نيل الأوطار 7/125.

(9)

انظر: تلخيص الحبير 4/55.

(10)

انظر: في بيان هذه الفائدة: الحاوي للسيوطي 2/225

(11)

انظره: بهامش المستدرك 4/355

ص: 193

ابن القيم رحمه الله تعالى قد ساق الحديث في ذلك. وقد ظهر أن هذا الحديث صحيح كما قاله الشوكاني وغيره فيلزم المصير إليه. وبناء كل هذا: فإن قول أرباب القول الأول (لم يصح فيه حديث) غير صحيح.

وقول أرباب القول الثاني أن حده كحد الزاني استدلالاً بالقياس قول ضعيف، وقياسهم قياس في مقابلة النص. والعصمة في النص وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة) والله أعلم.

ص: 194