الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د- أثر بسر ابن أبي أرطاة رضي الله عنه:
وقد تقدمت فتواه بذلك في سياق حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض رواياته والله أعلم.
3-
استدلاله بالإجماع:
واستدل رحمه الله تعالى على تأخير الحد بالإجماع فقال (1) : (وقال أبو محمد المقدسي: وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم (2)) .
والمراد بالإجماع هنا والله أعلم- الإجماع السكوتي (3) ، فإن القول بهذا قد ورد
عن جملة من الصحابة رضي الله عنهم في مواجهة آخرين منهم فلم يظهر في سياق الأخبار خلاف أحد منهم فصار إذاً إجماعاً على تأخير الحد والله أعلم.
5-
استدلاله بقياس الأولى
(4) :
وفي خضم هذه الأدلة التي ساقها ابن القيم رحمه الله تعالى: من السنن. وعمل الصحابة رضي الله عنهم، والإجماع يستدل عليه بقياس الأولى فيبين أن قاعدة الحدود تأخير الحد لعارض لمصلحة المحدود وتأخير الحد هنا لمصلحة الإسلام فيكون تأخيره لمصلحة الإسلام أولى وفي هذا يقول (5) :
(1) انظر: أعلام الموقعين3/ 17.
(2)
انظر: المغني مع الشرح الكبير 10/537 لأبي محمد المقدسي الشهير بابن قدامة.
(3)
الإجماع السكوتي: هو أن يقول بعض المجتهدين قولا في حكم حادثة مثلا ويسكت باقي المجتهدين مع اشتهار ذلك القول وانتشاره (انظر: روضة الناظر لابن قدامة ص/79) .
(4)
قياس الأولى: هو ما كانت العلة في المقيس أقوى منها في المقيس عليه فيكون الحكم بالمقيس أولى من المقيس عليه. (وانظر: الأحكام في أصول الأحكام. للآمدي 4/3، ط الرياض بلا تاريخ، وأعلام الموقعين 1/133) .
(5)
انظر: أعلام الموقعين3/ 18.
(وأكثر ما فيه تأخير الحد لمصلحة راجحة أما من حاجة المسلمين إليه، أو من خوف ارتداده ولحوقه بالكفار، وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة، كما يؤخر عن الحامل والمرضع وعن وقت الحر والبرد والمرض، فهذا تأخير لمصلحة المحدود فتأخره لمصلحة الإسلام أولى) .
وهذا قياس مسلم يفيد مطابقة صريح المعقول لصحيح النقول، قد استوفى شرائط القياس وأركانه:
فذكر المقيس: وهو تأخير الحد في الغزو.
وذكر المقيس عليه: وهو تأخير الحد في غير الغزو.
وذكر العلة الجامعة: وهي المصلحة.
وذكر الحكم: وهو الجواز.
وبين أنه قياس الأولى: لأن المصلحة العارضة في المقيس لمصلحة الإسلام، وفي المقيس لمصلحة المحدود، فإذ كانت المصلحة الخاصة علة للتأخير تكون المصلحة العامة أولى بذلك لأنها أقوى في الاعتبار والله أعلم.
ثانياً: استدلاله على تقرير الاستثناء:
سبق في صدر هذا المبحث بيان أن اختيار ابن القيم رحمه الله تعالى: هو تأخير الحد عن المسلم في أرض العدو وأنه استثنى من هذا، أن من كانت له من الحسنات والنكاية بالعدو ما يغمر سيئته التي وقع فيها وقد ظهرت منه مخايل التوبة النصوح فإنه يسقط عنه الحد بالكلية (1) .
وقد سبق أيضاً بيان أدلته على تأخير الحد، أما دليله على تقرير هذا الاستثناء فإنه استدل بما يلي:
(1) انظر: ص/288
قصة أبي محجن رضي الله عنه (1) :
استدل ابن القيم رحمه الله تعالى على تقرير الاستثناء المذكور بقصة أبي محجن رضي الله عنه مع سعد ابن أبي وقاص (2) رضي الله عنه فقال (3) :
(أتي سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه بأبي محجن رضي الله عنه يوم القادسية وقد شرب الخمر، فأمر به إلى القيد، فلما التقى الناس قال أبو محجن:
كفى حزناً أن تطرد الخيل بالقنا
…
وأترك مشدوداً عليّ وثاقيا.
فقال لابنة حفصة امرأة سعد (4) : أطلقيني ولك والله على أن سلمني
الله أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد. فإن قتلت استرحتم مني. قال: فخلته حتى التقى الناس. وكانت بسعد جراحة فلم يخرج يومئذ إلى الناس. قال وصعدوا به فوق العذيب (5) ينظر إلى الناس واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة (6) . فوثب أبو محجن على فرس لسعد. يقال لها البلقاء. ثم أخذ رمحاً ثم خرج فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هزمهم. وجعل الناس يقولون: هذا ملك لما يرونه يصنع. وجعل سعد يقول: الضبر. ضبر البلقاء (7) . والظفر ظفر أبي محجن. وأبو محجن في القيد فلما هزم العدو رجع أبو
(1) هو: أبو محجن الثقفي الشاعر الصحابي المشهور اختلف في اسمه. فقيل عمرو بن حبيب وقيل بل اسمه [كنيته](*) مات بجرجان وقيل بغيرها (انظر: الإصابة 4/173-175) .
(2)
هو: سعد ابن أبي وقاص مالك بن وهيب الزهري: أحد العشرة وآخرهم موتا رضي الله عنهم مات سنة 55 هـ. (انظر: الإصابة 2 /30 والتقريب 1/290) .
(3)
انظر: أعلام الموقعين 3 / 17.
(4)
قال ابن حجر في الإصابة4/174: (اسم امرأة سعد المذكورة سلمى ذكر ذلك سيف في الفتوح وسماها أبو عمر أيضاً) .
(5)
العذيب: اسم قصر لسعد رضي الله عنه.
(6)
هو: خالد بن عرفطة الليثي ويقال العذري الصحابي رضي الله عنه توفي سنة 60 هـ. (انظر: تجريد أسماء الصحابة 1/152 والإصابة 1/409) .
(7)
قال ابن حجر فيِ الإصابة4/174 الضبر ضبر البلقاء هو بالضاد المعجمة والباء الموحدة: عدو الفرس ومن قال بالصاد المهملة فقد صحف نبه على ذلك ابن فتحون في أوهام الاستيعاب) =
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع: (كنينة)
محجن حتى وضع رجليه في القيد. فأخبرت ابنة حفصة سعداً بما كان من أمره. فقال سعد: لا والله لا أضرب اليوم رجلاً أبلى للمسلمين ما أبلاهم. فخلى سبيله فقال أبو محجن: قف كنت أشربها إذ يقام علي الحد وأطهر منها. أما إذ بهرجتني (1) فوالله لا أشربها أبداً) .
درجة هذه القصة:
ساق ابن القيم رحمه الله تعالى هذه القصة مرسلة من غير تخريج لها وقد ذكرها على سبيل الجزم بصحتها والأمر كذلك فإن هذه القصة المشهورة صحيحة الإسناد كما قرره الحافظ ابن حجر (2) ولعل ابن القيم رحمه الله اكتفى باشتهار صحتها عن تخريجها. وقد رواها سعيد بن منصور في (سننه)(3) وابن أبي شيبة وعبد الرزاق (4) في مصنفيهما (5) .
وجه الاستدلال:
ودلالة هذا الأثر نصية على سقوط الحد عن الغازي إذا كانت حاله كحال أبي محجن من الإبلاء في الإسلام والنكاية بالعدو وظهور مخايل التوبة النصوح منه فإن سعداً قد قال: (لا والله لا أضرب اليوم رجلاً أبلى للمسلمين ما أبلاهم فخلى
= والبلقاء اسم فرس لسعد رضي الله عنه.
(1)
بهرجتني: أي أهدرتني بإسقاط الحد عني (انظر: النهاية 1/166) .
(2)
انظر: الإصابة 4/173.
(3)
انظر: جلد 2 قسم 3 ص/211.
(4)
هو: الحافظ الكبير عبد الرزاق بن همام الصنعاني ولد سنة 126 هـ. وتوفي سنة 211 هـ. رحمه الله تعالي (انظر: تهذيب التهذيب 6/ 310، وميزان الاعتدال 2/ 126، والأعلام للزركلي 4/ 126) .
(5)
انظر: مصنف عبد الرزاق 9/243. وحاشية الأعظمي على سنن بن منصور 2/3/211 فقد عزاه لابن أبي شيبة.