الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أن الآية وردت بلفظ الشيخ ففهم هؤلاء من تخصيص الشيخ بذلك أن الشاب أعذر منه في الجملة) .
ويدل لهذا تفسير عمر رضي الله عنه لهذه الآية بما أخرجه الحاكم (1) قال: (كان زيد بن ثابت (2) وسعيد بن العاص (3) يكتبان في المصحف فمرا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الشيخ والشيخة فارجموها البتة. فقال عمر: لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت، أكتبها؟ فكأنه كره ذلك، فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم) .
وعليه قال أبي بن كعب ومسروق:
(البكران يجلدان وينفيان والثيبان يرجمان، واللذان بلغا سناً يجلدان ثم يرجمان) رواه عبد الرزاق (4) وقال ابن حجر: رجاله رجال الصحيح (5) .
وعلى قولهما (البكران وينفيان) نكت البخاري رحمه الله تعالى بترجمته فقال (باب: البكران يجلدان وينفيان)(6) .
المناقشة والترجيح:
من سياق أدلة هذه الأقوال الثلاثة في هذا المبحث يتبين أن موارد النقاش على
(1) انظر: مستدرك الحاكم 4/ 360.
والحاكم هو: أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري المتوفى سنة 405 هـ. (انظر: تاريخ بغداد 5/473، والأعلام 7/101) . وانظر فتح الباري 12/143.
(2)
هو: زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري رضى الله عنه مات بعد الخمسين من الهجرة (انظر: التقريب 1/272) .
(3)
هو: سعيد بن العاص بن أمية الأموي كان له عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين مات سنة 58 وقيل غيرها (انظر: التقريب 1/299) .
(4)
انظر: المصنف 7/329.
(5)
انظر: فتح الباري 12/157.
(6)
انظر: البخاري مع الفتح 12/156
أدلة الخلاف كما يلي:
1-
وجود تعارض في الظاهر بين أدلة الجمهور من السنة من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم
بالرجم للمحصن وعدم الجمع بين الجلد والرجم كما في حديث ماعز وغيره، وبين حديث عبادة رضي الله عنه الذي فيه أن حد المحصن: الجمع بين الجلد والرجم. والجواب عن هذا:
هو أن الواجب عند وجود التعارض بين الروايات الترجيح بين الروايات فإذا تعادلت نظر في الجمع فإن لم يمكن نظر في النسخ.
والترجيح هنا من حيث الصناعة غير وارد لأن أدلة كلّ مخرجة في الصحاح والسنن وغيرها.
والجمع غير ممكن أيضاً لأن حديث عبادة رضي الله عنه فيه إيجاب الجلد والرجم على المحصن وحديث ماعز وما في معناه من الذين رجموا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيه الاقتصار على الرجم فقط ولا ذكر للجلد.
فصار المآل إلى النسخ: والقول بالنسخ هنا هو الظاهر فإن حديث عبادة متقدم وأحاديث الرجم كحديث ماعز وغيره متأخرة فصار حديث عبادة رضي الله عنه الذي فيه الجمع بين الجلد والرجم منسوخاً بالأحاديث المتأخرة التي فيها الاقتصار على الرجم.
وقد أوضح شيخنا محمد الأمين رحمه الله تعالى توجيه القول بالنسخ بقوله (1) :
(وأما الذين قالوا بأن المحصن يرجم فقط ولا يجلد، فقد رجحوا أدلتهم بأنها متأخرة عن حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي فيه التصريح بالجمع بين
(1) انظر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 6/46- 47 ط الأولى بمطبعة المدني بمصر سنة1392 هـ. ومؤلفه: شيخنا العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي المتوفى سنة 1395 هـ في مكة المكرمة رحمه الله تعالى.
الجلد والرجم والعمل بالمتأخر أولى. والحق أنها متأخرة عن حديث عبادة المذكور كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (وقد جعل الله لهن سبيلاً) فهو دليل على أن حديث عبادة هو أول نص ورد في حد الزنى كما هو ظاهر من الغاية في قوله تعالى (حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً) .
ومن أصرح الأدلة في أن الجمع بين الجلد والرجم منسوخ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة العسيف الذي زنى بامرأة الرجل الذي كان أجيراً عنده (والذي نفسي بيده
لأقضين بينكما بكتاب الله) وهذا قسم منه صلى الله عليه وسلم أنه يقضي بينهما بكتاب الله، ثم
قال في الحديث الذي أقسم أنه قضاء بكتاب الله (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) جزاء هذا الشرط، فدل الربط بين الشرط وجزاءه على أن جزاء اعترافها هو الرجم وحده، وأن ذلك قضاء بكتاب الله تعالى.
وهذا دليل من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم صريح على أن جزاء اعترافها بالزنى: هو رجمها فقط
فربط هذا الجزاء بهذا الشرط وأقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضاء بكتاب الله وهو متأخر عن حديث عبادة لما قدمنا.
وهذا الدليل أيضاً قوي جداً لأن فيه إقسامه صلى الله عليه وسلم بأن الاعتراف بالزنى من
المحصن يترتب عليه الرجم
…
) .
2-
تعارض أقضية الصحابة رضي الله عنهم في حد الزنى المحصن على أوجه ثلاثة:
1-
قضاء عمر رضي الله عنه بالرجم فقط للمحصن.
ب- قضاء علي رضي الله عنه بالجلد والرجم للمحصن.
ج- رأى عمر وأبي كعب رضي الله عنهما على أن الجمع بين الجلد والرجم يكون للشيخ المحصن والاقتصار على الرجم للشاب المحصن.
والذي يظهر لي والله تعالى أعلم- في دفع هذا التعارض: أن كلّ واحد منهم
رضي الله عنهم قضى أو رأى حسبما أداه إليه اجتهاده بدلالة أن عمر رضي الله عنه اختلف اجتهاده في هذه المسألة بين الرجم للمحصن فقط وبين الجمع بين الرجم والجلد للمحصن إذا كان شيخاً ورجمه فقط إذا كان شاباً.
والعصمة في نص المعصوم صلى الله عليه وسلم وقد تكاثرت الوقائع على أنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً. ورجم الغامدية. ورجم الجهنية. ورجم اليهوديين. وهي جميعها متأخرة عن
حديث عبادة رضي الله عنه وليس فيها: سوى الرجم ولا ذكر للجلد. فصار الأظهر- والله أعلم- هو مذهب الجمهور المختار لدى ابن القيم رحمه
الله تعالى: وهو الاقتصار على الرجم فقط في حق كل محصن.
ويتقوى هذا أيضاً بعدة أمور ذكرها شيخنا محمد الأمين رحمه الله تعالى فقال
في بيانها (1) :
(منها: أنه قول جهور أهل العلم.
ومنها: أن روايات الاقتصار على الرجم في قصة ماعز، والجهنية والغامدية، واليهوديين كلها متأخرة بلا شك عن حديث عبادة، وقد يبعد أن يكون في كل منها الجلد مع الرجم ولم يذكره أحد من الرواة مع تعدد طرقها.
ومنها: أن قوله الثابت في الصحيح (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) تصريح منه صلى الله عليه وسلم بأن جزاء اعترافها رجمها، والذي يوجد بالشرط هو الجزاء وهو في الحديث الرجم فقط.
ومنها: أن جميع الروايات المذكورة المقتضية لنسخ الجمع بين الجلد والرجم على أدنى الاحتمالات لا تقل عن شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.
ومنها: أن الخطأ في ترك عقوبة لازمة أهون من الخطأ في عقوبة غير لازمة والعلم عند الله تعالى) .
(1) انظر: أضواء البيان 6/47- 48