الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنها القدر الذي اتفقوا عليه في زمن أبي بكر مستندين إلى تقدير ما فعل
بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما عثمان رضي الله عنه ففي سنن الدارقطني (أن عثمان رضي الله عنه
جلد الحدين معاً ثمانين وأربعين) (1) .
فهذا المأثور عن الخليفتين عثمان وعلي رضي الله عنهما يدل على أن الجلد بثمانين غير مستمر وعليه فلا يكون حداً إذ لو كان حداً لما جاز لهما النقص منه بل هو منتقض بفعل عمر نفسه إذا كان يجلد أربعين في الوقت الذي كان يجلد الشارب فيه ثمانين فلو كان حداً مجمعاً عليه لما جاز له ذلك رضي الله عنه.
ولعله من هذه الوجوه يتضح أن هذه الزيادة عن الأربعين إنما هي من باب التعزير حسبما يراه الإمام من مصلحة الردع والزجر عند الانهماك والتهاون بشربها والله أعلم.
الترجيح:
من هذه المناقشة يتضح أن ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله تعالى من أن الحد أربعين جلدة وما زاد فهو تعزير هو الذي يساعده الدليل وبه تلتئم الآثار ويجتمع شملها والله أعلم.
(1) انظر: سنن الدارقطني 3/157- 158
الفرع الثالث
بيان أن قتل الشارب في الرابعة تعزيراً
ورد في قتل شارب الخمر في الرابعة جملة أحاديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما ونفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه ". رواه النسائي (1) والحاكم (2) وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم كما قاله الحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه (3) .
موقف العلماء من هذا الحديث (4) :
قبل الأخذ ببيان رأي ابن القيم في هذا لا بدّ أن أوضح موقف العلماء السالفين من هذا الحديث وغيره مما ورد في معناه حتى يتبين تدرج الرأي في حكم مقتضاه حسب التسلسل الزمني. وبيان ذلك فيما يلي:
أولا: لم يكن مقتضى هذا الحديث من قتل شارب الخمر في الرابعة محل بحث
في أنظار العلماء السابقين من الأئمة الأربعة وغيرهم لأن الحديث في نظرهم إما منسوخ أو أن الإجماع منعقد على خلافه وعلى هذا تتابعت كلمة أهل العلم. وفي هذا يقول الترمذي في (كتاب العلل) من (جامعه)(5) : (قال أبو عيسى
(1) انظر: سنن النسائي 3/ 330.
(2)
انظر: المستدرك 4/ 371.
(3)
انظر: المستدرك وتلخيصه للذهبي 4/ 371
(4)
انظر في بيان روايات الحديث حاشية الشيخ أحمد شاكر على المسند للإمام أحمد 9/ 49- 92
(5)
انظر: جامع الترمذي المشتهر باسم سنن الترمذي 5/ 736
جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين
…
وذكر منهما الحديث المذكور) .
دليل النسخ:
واستدلوا على نسخ هذا الحكم بأحاديث منها:
1-
حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن عاد فاجلدوه، ثم إن عاد فاجلدوه، ثم إن عاد فاجلدوه"،
قال: فثبت الجلد ودرئ القتل) رواه الطحاوي (1) .
وفي لفظ (فرأى المسلمون أن الحد قد وقع وإن القتل قد رفع) رواه
النسائي في (السنن الكبرى)(2)
وجه الاستدلال منه:
وهذا نص يفيد أن القتل قد رفع أي نسخ واستمر الحد بالجلد.
2-
حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك
لدينه المفارق للجماعة " رواه الجماعة (3) .
وجه الدلالة منه:
أن الحديث عام لأن لفظ (امرئ) نكرة في سياق النفي فتفيد العموم وهو بعمومه يتناول شارب الخمر لأنه ليس ممن استثنى في الحديث فيفيد عدم حل دمه. وهذا استدلال بالمنطوق.
(1) انظر: معاني الآثار 2/ 92.
(2)
انظر: المحلى لابن حزم فقد رواه عند بإسناده 11/443.
(3)
انظر: نيل الأوطار للشوكاني 7/ 7. ويراد بالجماعة: أصحاب الكتب الستة: البخاري. ومسلم. وأبو داود. والترمذي. والنسائي. وابن ماجه.