المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشرط الخامس: انتفاء الشبهة - الحدود والتعزيرات عند ابن القيم

[بكر أبو زيد]

فهرس الكتاب

- ‌موضوع البحث:

- ‌دوافع البحث:

- ‌مسلك البحث الإجمالي:

- ‌خطوات العرض والدراسة في هذين المسلكين:

- ‌كتاب الحدود

- ‌توطئة

- ‌لماذا سمّيت العقوبات المقدرة (حدوداً) :

- ‌المبحث الأول:في آثار المعاصي شرعاً وقدراً

- ‌المبحث الثاني:في حكم إقامة الحد بدار الحرب

- ‌اختياره رحمه الله تعالى

- ‌سلفه في تقرير هذا الاختيار:

- ‌ استدلاله من السنة:

- ‌ استدلاله بالإجماع:

- ‌ استدلاله بقياس الأولى

- ‌مسلك الموازنة:

- ‌المبحث الثالث:في تأخير الحد لعارض

- ‌المبحث الرابع:إقامة الحد بالقرينة الظاهرة

- ‌ استدلاله بقياس الأولى:

- ‌الترجيح والاختيار:

- ‌باب حد الزنى

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأولفي الاعتراض على عقوبة الزنى ورده

- ‌المبحث السادسفي اشتراط الإسلام في الإحصان

- ‌المبحث السابع:في عقوبة الزاني المحصن

- ‌المناقشة والترجيح:

- ‌المبحث الثامن:في عقوبة من زنى بجارية امرأته

- ‌المبحث التاسع:في عقوبة من زنى بذات محرمة

- ‌المبحث الرابع عشر:في مفاسد اللوطية الصغرى

- ‌المبحث الخامس عشر:في مفاسد اللواط

- ‌بَابُ حدِّ القذْف

- ‌توطئة

- ‌ مواطن بحث القذف عند العلماء:

- ‌المبحث الخامس:عقوبات القاذف

- ‌العقوبة الأولى: جلد القاذف

- ‌العقوبة الثالثة: عدم قبول شهادته

- ‌الأولى: عدم قبول شهادته بعد حده ما لم يتب

- ‌الثانية: هل عدم قبول شهادة القاذف من تمام عقوبته أم لفسقه

- ‌الثالثة: في حكم قبول شهادته بعد توبته

- ‌الترجيح:

- ‌باب حد الخمر

- ‌توطئة

- ‌لماذا سمّيت الخمر خمراً:

- ‌حقيقة السكر بين الفقهاء وابن القيم:

- ‌أسباب السكر:

- ‌ الأولى: حكمة الشرع في تحريم الخمر

- ‌1- تحريم القطرة من الخمر

- ‌الفرع الثانيبيان مقدار العقوبة

- ‌الترجيح:

- ‌ رأي ابن حزم

- ‌ رأي ابن تيمية وابن القيم:

- ‌ التعزير: بالنفي

- ‌التعزير بالحلق للرأس:

- ‌تعزير الشارب في رمضان:

- ‌الفرع الخامس:العقوبة المالية للخمار

- ‌المبحث الخامس:إقامة حد الخمر بالقرينة الظاهرة

- ‌باب حد السرقة

- ‌المبحث الأول:حكمة التشريع في جعل عقوبة السارق قطع يده

- ‌الشرط الخامس: انتفاء الشبهة

- ‌ العقوبات التعزيرية للسارق

- ‌المبحث السابع:في توبة السارق

- ‌باب الردة

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأول:في ردة من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني:في ردّة قاذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌المبحث الخامس:في توبة الزنديق

- ‌باب التعزير

- ‌المبحث الأولفي مقدار التعزير

- ‌ المسلك الرابع

- ‌الترجيح:

- ‌المبحث الثاني:في أنواع العقوبات التعزيرية

- ‌الفرع الثاني: تنويعها باعتبار أثرها في المال

- ‌الخاتمةفي خلاصَة البحث ونتائجه

الفصل: ‌الشرط الخامس: انتفاء الشبهة

بعض المعاصرين أن هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (1)

الدليل:

استدلوا بعموم الآية (2)(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) الآية. فليس فيها اشتراط مطالبة المسروق منه بماله المسروق وتعقب بدلالة حديث صفوان عليه. وهذا

من باب التخصيص للآية كما خصصت بشروط أخرى منها النصاب والحرز والله أعلم.

‌الشرط الخامس: انتفاء الشبهة

(3) .

هذا شرط متفق عليه عند الأئمة الأربعة، وهو يعود إلى قاعدة شرعية مطردة

في كتاب الحدود وهي: درء الحدود بالشبهات. وقد حكى عليها الإجماع ابن قدامة فقال (4) :

(قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الحدود تدرء بالشبهات) .

وابن القيم رحمه الله تعالى يبحث بعضاً من الشبه الدارئة لحد السرقة مبيناً القبول

لبعض الشبه. والرد والتعقيب لبعضها (5) . وسياق الحديث عنها عند ابن القيم كما

يلي:

الشبهة الأولى: السرقة في المجاعة.

(1) انظر: السلسبيل في معرفة الدليل 3/125 للشيخ صالح البليهي ط بمطابع نجد/ الرياض سنة 1386 هـ.

(2)

الآية رقم 38 سورة المائدة.

(3)

الشبهة: هي ما يشبه الثابت وليس بثابت أو هي وجود المبيح صورة لا حقيقة (انظر، بدائع

الصنائع للكاساني 7/36) .

(4)

انظر: المغنى 10/155 في باب حد الزنا.

(5)

انظر: زاد المعاد 3/ 211- 212، وأعلام الموقعين 3/22، 3/199، 316.

ص: 373

يعني أن المحتاج إذا سرق في زمن المجاعة ما يأكله صار هذا من موجبات درء

حد القطع عنه.

وابن القيم رحمه الله تعالى يوضح هذه الشبهة ويقرر أنها دارئة للحد ويستدل لها من الأثر. ويؤيده بالقياس. وأن درء الحد بها أولى من كثير من الشبه التي يدرء الحد بها عند بعض أهل العلم. وضرب بهذه المثال لتغير الفتوى بتغير الأزمنة والأحوال وبيانها كالآتي:

القائلون بهذه الشبهة:

يبيّن ابن القيم رحمه الله تعالى أن عمر رضي الله عنه لم يقطع السارق في عام المجاعة وأن هذا هو مذهب أحمد والأوزاعي (1) .

الأدلة:

استدل لها ابن القيم من الأثر والقياس كالآتي:

1-

قول عمر رضي الله عنه: لا تقطع اليد في عذق ولا عام ولا سنة (2) .

قال السعدي: سألت أحمد عن هذا الحديث فقال: العذق: النخلة والسنة: المجاعة. فقلت لأحمد تقول به: فقال أي لعمري. قلت أن سرق في مجاعة لا تقطعه فقال: لا. إذا حملته الحاجة على ذلك والناس في مجاعة وشدة) .

2-

قضية عمر رضي الله عنه مع غلمان حاطب ابن أبي بلتعة (3) :

(ذلك أن غلمة لحاطب ابن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة فأتي بهم عمر فأقروا فأرسل إلى عبد الرحمن بنَ حاطب فجاء فقال له: إن غلمان حاطب سرقوا

(1) انظر: أعلام الموقعين 3/22- 23. وانظر أيضاً المغني لابن قدامة10/288 - 289.

(2)

انظر: مصنف عبد الرزاَق 10/242.

(3)

هو: حاطب ابن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير اللخمي توفي سنة 30 هـ. (انظر: الإصابة لابن حجر 1/299) .

ص: 374

ناقة رجل من مزينة وأقروا على أنفسهم، فقال عمر: يا كثير ابن الصلت (1) . اذهب فاقطع أيديهم فلما ولى بهم ردهم عمر ثم قال: أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى أن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له لقطعت أيديهم. وأيم الله إذ لم أفعل لأغرمنك غرامة توجعك. ثم قال: يا مزني بكم أريد منك ناقتك قال: بأربع مائة. قال عمر: اذهب فأعطه ثمانمائة) (2) .

وجه الاستدلال

والاستدلال من هذه القصة واضح فإن عمر رضي الله عنه لم يقطع السارق في المجاعة والله أعلم.

3-

القياس.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى (3) :

(وإسقاط القطع عن السارق في عام المجاعة هو: محض القياس. ومقتضى قواعد الشريعة فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة غلب على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعو إلى ما يسد به رمقه. ويجب

على صاحب المال بذل ذلك له، إما بالثمن أو مجاناً. على الخلاف في ذلك،

والصحيح وجوب بذله مجاناً. لوجوب المواساة وإحياء النفوس مع القدرة على

ذلك والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج. وهذه شبهة قوية تدرء القطع عن

المحتاج. وهي أقوى من كثير من الشبه التي يذكرها كثير من الفقهاء. بل إذا وازنت بين هذه الشبهة وبين ما يذكرونه ظهر لك التفاوت.

فأين شبهة كون المسروق مما يسرع إليه الفساد (4) . وكون أصله على الإباحة

(1) هو: كثير بن الصلت بن معد يكرب الكندي المدني قال الحافظ ابن حجر في (التقريب

2/132 وهم من جعله محابيا) .

(2)

انظر: الموطأ للإمام مالك رحمه الله تعالى 2/123- 124 (كتاب الأقضية) .

(3)

انظر: أعلام الموقعين 3/23.

(4)

انظر: بيانها فما تقدم ص/628

ص: 375

كالماء (1) . وشبهة القطع به مرة. وشبهة دعوى ملكه بلا بينة (2) . وشبهة إتلافه في الحرز بأكل أو احتلاب من الضرع (3) . وشبهة نقصان ماليته في الحرز بذبح أو تحريق ثم إخراجه (4) .

وغير ذلك من الشبه الضعيفة جداً إلى هذه الشبهة القوية، لا سيما وهو مأذون له

في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد رمقه. وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج

والمضطرون. ولا يتميز المستغني منهم والسارق لغير حاجة من غيره.

فاشتبه من يجب عليه الحد بمن لا يجب عليه: فدرئ.

نعم إذا بان أن السارق لا حاجة به وهو مستغن عن السرقة قطع) . هذا كلام ابن القيم في إبراز هذين الدليلين: القياس. ومقتضى قاعدة الشريعة.

القياس:

وهو في دليله القياسي يقيس حالة السارق عام المجاعة لحاجته إلى ما يأكله على

حالة المضطر بجامع الحاجة. إذ الضرورة المبيحة هي: التي يخاف التلف بها أن ترك

الأكل.

فصارت الحاجة إذا شبهة قوية أسقطت الحد وهو القطع والله أعلم.

الشبهة الثانية: قول السارق هذا ملكي.

هذه من الشبه التي يقررها جماعة من أهل العلم منهم الشافعية (5) والحنابلة (6) ويسميه الشافعي: السارق الظريف (7) .

(1) انظر: المغني لابن قدامة 10/247.

(2)

انظر: المغني لابن قدامة 10/278.

(3)

انظر: المغني لابن قدامة 10/261.

(4)

انظر: المغني لابن قدامة 10/261.

(5)

انظر: نهاية المحتاج 7/422 - 423.

(6)

انظر: كشاف القناع 6/142.

(7)

انظر: كشاف القناع 6/143.

ص: 376

قالوا: إذا قال السارق الذي أخذته ملكي كان عنده وديعة ونحو ذلك فلا قطع عليه ولو كان معروفاً بالسرقة لأن صدقه محتمل.

وابن القيم رحمه الله تعالى يندد بذلك ويبطل هذه الشبهة ويرى أنها من الحيل المحرمة لإبطال حد السرقة فيقول (1) :

(الحيلة على إسقاط حد السرقة بقول السارق: هذا ملكي وهذه داري وصاحبها عبدي من الحيل التي هي إلى المضحكة والسخرية والاستهزاء بها أقرب

منها إلى الشرع ونحن نقول: معاذ الله أن يجعل في فطر الناس وعقولهم قبول مثل

هذا الهذيان البارد المناقض للعقول والمصالح فضلاً عن أن يشرع لهم قبوله. وكيف يظن بالله وشرعه ظن السوء: أنه شرع رد الحق بالباطل الذي يقطع كل أحد ببطلانه. وبالبهتان الذي يجزم كل حاضر ببهتانه. ومتى كان البهتان والوقاحة

والمجاهرة بالزور والكذب مقبولاً في دين من الأديان أو شريعة من الشرائع أو

سياسة أحد من الناس؟. ومن له مسكة من عقل وإن بلى بالسرقة فإنه لا يرضى

لنفسه بدعوى هذا البهت والزور. ويا لله ويا للعقول! أيعجز سارق قط عن التكلم

بهذا البهتان ويتخلص من قطع اليد. فما معنى شرع قطع يد السارق ثم إسقاطه بهذا

الزور والبهتان) .

وقال أيضاً في معرض بيانه لبطلان الحيل (2) :

(ويا لله العجب كيف يسقط القطع عمن اعتاد سرقة أموال الناس، وكلما

أمسك معه المال المسروق قال: هذا ملكي. والدار التي دخلتها داري. والرجل الذي دخلت داره عبدي، قال أرباب الحيل: فيسقط عنه الحد بدعوى ذلك.

فهل تأتي لهذا سياسة قط جائرة أو عادلة. فضلاً عن شريعة نبي الأنبياء فضلاً

عن الشريعة التي هي أكمل شريعة طرقت العالم) .

(1) انظر: أعلام الموقعين 3/257.

(2)

انظر: أعلام الموقعين 3/199. وأيضاً 3/316.

ص: 377

الشبهة الثالثة: أن من سرق من شيء له فيه حق درئ عنه الحد:

ذكر ابن القيم الحديث في ذلك فقال (1) :

(درء صلى الله عليه وسلم القطع عن عبد من رقيق الخمس (2) سرق من الخمس. وقال: مال الله سرق بعضه بعضاً رواه ابن ماجه) (3) .

ثم ذكر الاستنباط من هذا الحديث (أن من سرق من شيء له فيه حق لم

يقطع) (4)

وهذه شبهة دارئة على ما هو مدون في المذاهب الأربعة (5) .

وقال ابن قدامة (هو قول عامة أهل العلم)(6) .

فلا يقطع عندهم الوالد فيما أخذ من مال ولده لأنه أخذ ما يحقق له أخذه، ولا الوالدة فيما أخذت من مال ولدها ولا العبد فيما سرق من مال سيده.

مناقشة ابن القيم في هذا الدليل:

نفهم من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في قوله (من سرق من شيء له فيه حق

لم يقطع) مسايرته للجمهور في رأيهم المسطر قريباً. لكن ابن القيم في هذا اكتفى بالاستدلال بحديث ضعيف على خلاف عادته.

فهل يسلم تضعيف هذا الحديث. وفي حالة ضعفه ما هي الأدلة في هذه القضية.

(1) انظر: زاد المعاد 3/211.

(2)

الخمس: أي خمس الغنيمة سمى به لأنها تقسم إلى خمسة أقسام (النهاية لابن الأثير 2/79) .

(3)

انظر: سنن ابن ماجه 2/864.

(4)

انظر: زاد المعاد 3/212.

(5)

انظر: 5/144 شرح فتح القدير 5/144، وجواهر الإكليل 2/293 ونهاية المحتاج 7/435، وكشاف القناع 6/ 141.

(6)

انظر: المغني10/284 - 285

ص: 378

سند الحديث:

هذا الحديث رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو من مفاريد

ابن ماجه. ولذا قال في الزوائد (في إسناده جبارة وهو ضعيف)(1) .

وجبارة هذا هو: جبارة بن المغلس الكوفي المتوفى سنة 241 هـ. وهو ضعيف كما في التقريب (2) وهو شيخ ابن ماجه في هذا الحديث. وقد قال الذهبي (3)(شيخ واه)

وقد قال الحافظ بن حجر في هذا الحديث (إسناده ضعيف)(4) . وقد روى

عبد الرزاق هذا الحديث في (مصنفه)(5) من وجه مرسل عن ميمون بن مهران. قال (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعبد قد سرق من الخمس. فقال: مال الله سرق بعضه بعضاً. ليس عليه قطع) .

وميمون بن مهران هو الجزري من ثقاة الأئمة الفقهاء وقال ابن حجر (6)(كان يرسل مات سنة 117 هـ) .

ولم أجد للموصول بعد البحث شاهداً أو متابعاً. فهو إذا على ما تقدم حديث ضعيف لا تقوم به حجة والله أعلم.

ما هي الأدلة إذاً:

استدل أهل العلم لهذا الحكم بعدة أدلة من المرفوع والموقوف منها ما يلي:

استدلوا بعموم حديث جابر رضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله أن لي

(1) انظر: سنن ابن ماجه 2/864.

(2)

انظر: 1/124.

(3)

انظر: المغني 1/127.

(4)

انظر: تلخيص الحبير 4/69.

(5)

انظر: 10/212.

(6)

انظر: تقريب التهذيب 2/293

ص: 379

مالاً وولداً، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال: أنت ومالك لأبيك. رواه ابن ماجه بسند صحيح على شرط البخاري كما في (الزوائد)(1)

وجه الاستدلال:

استدل بهذا الحديث على سقوط القطع بسرقة الأب من مال ابنه لأن الكلام للتمليك في قوله (لأبيك) ففي هذا شبهة الانبساط بين الأب وابنه وعليه: فلا يجوز قطع الإنسان يأخذ ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذه ولا أخذ ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم مالاً

له مضافاً إليه كما بينه ابن قدامة (2) وابن الهمام (3) .

ب- ما رواه في (مصنفه)(4) بسند صحيح أن عمر رضي الله عنه: جاءه عبد الله بن عمرو الحضرمي (5) بغلام له، فقال له: إن غلامي هذا سرق فاقطع يده،

فقال عمر: ما سرق قال: مرآة امرأتي، قيمتها ستون درهما. قال أرسله فلا

قطع عليه. خادمكم أخذ متاعكم، ولكنه لو سرق من غيركم قطع. ورواه

البيهقي (6) .

والقضايا بنحو هذا كثيرة عن جماعة من السلف رواها عبد الرزاق (7) وذكر طرفاً منها ابن قدامة ثم قال (8) :

(وهذه قضايا تشتهر ولم يخالفها أحد فتكون إجماعاً. وهذا يخص عموم

الآية (6) ولأن هذا إجماع من أهل العلم لأنه قول من سمينا من الأئمة ولم يخالفهم في

(1) انظر: سنن بن ماجه 2/769.

(2)

انظر: المغني 10/285.

(3)

انظر: شرح فتح القدير 5/142.

(4)

انظر: 10/210.

(5)

هو: حليف بني أمية ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ترجمه الحافظ بن حجر في (الإصابة 2/342)

ولم يذكر سنة وفاته.

(6)

انظر: السنن الكبرى 8/282.

(7)

انظر: المصنف 10/ 210- 212.

(8)

انظر: المغني 10/285.

(9)

هي قوله تعالى: والسارق والسارقة الآية رقم 38 سورة المائدة.

ص: 380

عصرهم أحد فلا يجوز خلافه بقول من بعدهم، كما لا يجوز ترك إجماع الصحابة

بقول أحد من التابعين) .

وأهل العلم يطردون لهذه الأدلة ولغيرها: أنه لا قطع بسرقة الولد مال والده ولا

بسرقة مسلم من بيت المال في فروع كثيرة هي محل اتفاق بين الأئمة الأربعة (1) والله

أعلم.

الشرط السادس: ثبوت السرقة بشهادة عدلين أو الإقرار مرتين

عن أبي أمية المخزومي (2) رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلص قد اعترف

اعترافاً، ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله: ما إخالك (3) سرقت. قال: بلى. فأعاد عليه مرتين أو ثلاثاً. فأمر به فقطع، وجيء به. فقال: استغفر الله وتب إليه. فقال: أستغفر الله وأتوب إليه. فقال: اللهم تب عليه ثلاثاً) . رواه أبو داود (4) . والنسائي (5) . وابن ماجه (6) .

ساق ابن القيم رحمه الله تعالى هذا الحديث مختصراً في أحكام النبي صلى الله عليه وسلم في السرقة ثم قال (7) :

(فيه أنه لا يقطع إلا بإقرار مرتين أو بشهادة شاهدين لأن السارق أقر عنده

مرة فقال: ما إخالك سرقت. فقال: بلى. فقطعه حينئذ ولم يقطعه حتى أعاد عليه مرتين) .

(1) انظر: المغني 10/85 - 87. وفتح القدير لابن الهمام 5/142- 145 ونهاية المحتاج للرملي

7/423- 424. وجواهر الإكليل للأزهري 2/ 291.

(2)

هو: أبو أمية المخزومي أو الأنصاري صحابي/ اسمه كنيته. له هذا الحديث (انظر الإصابة لابن حجر 4/12) .

(3)

إخالك: أظنك (انظر: القاموس 3/383 وانظر: زهر الربى على سنن النسائي للسيوطي

8/60) .

(4)

انظر: سنن أبي داوود 4/542.

(5)

انظر: سنن النسائي 8/ 60.

(6)

انظر: سنن ابن ماجه 2/866.

(7)

انظر: 3/211 زاد المعاد 3/211- 212

ص: 381

وطريق الثبوت للسرقة بشهادة عدلين اثنين هذا من طرق الإثبات المتفق عليها عند أهل العلم. كما حكاه ابن رشد (1) وابن قدامة (2) وابن الهمام (3) وقال (هذا بإجماع الأمة) .

ثبوتها بالإقرار:

أما ثبوتها بالإقرار فقد اختلف أهل العلم في عدده على قولين:

القول الأول:

وهو كما ذكر ابن القيم: من أنه لا بد من الإقرار مرتين (4) . وهذا من مفردات الحنابلة عن الثلاثة على ما قرره: ابن قدامة (5) . وابن هبيرة (6) . والدمشقي (7) . وابن رشد (8) . وابن الهمام (9) .. وغيرهم.

دليله:

استدلوا بالسنة والقياس:

أما السنة: فحديث أبي أمية المخزومي كما تقدم قريباً.

وأما القياس:

(1) انظر: 2/454 بداية المجتهد 2/454.

(2)

انظر: المغني 10/289 - 292.

(3)

انظر: شرح فتح القدير 5/126- 127.

(4)

انظر: ص/643.

(5)

انظر: المغني مع الشرح الكبير 10/291.

(6)

انظر: الإفصاح 2/ 417.

(7)

انظر: رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص/280.

(8)

انظر: بداية المجتهد 2/454.

(9)

انظر: شرح فتح القدير 5/126

ص: 382

فذكره ابن قدامة (1) :

(ولأنه يتضمن إتلافاً في حد فكان من شرط التكرار كحد الزنا. ولأنه أحد حجتي القطع فيعتبر فيه التكرار كالشهادة) .

وهذا الدليل يتضمن قياسين:

أحدهما: قياس تكرار الإقرار في حد السرقة على التكرار للإقرار في حد

الزنى.

الثاني: قياس تكرار الإقرار في حد السرقة على العدد في الشهادة فيه.

تعقب الحنفية لهذا القياس:

وابن الهمام رحمه الله تعالى لا يرتضي هذا القياس ويراه قياساً مع وجود الفارق، ويقرر هذا في قياس تكرار الإقرار على الشهادة فيقول (2) :

(أما قياسه على الشهادة فمع الفارق لأن اعتبار العدد في الشهادة إنما هو لتقليل التهمة ولا تهمة في الإقرار، إذ لا يتهم الإنسان في حق نفسه بما يضره ضرراً بالغاً، على أن الإقرار الأول: إما صادق والثاني لا يفيد شيئاً إذ لا يزداد صدقاً،

وإما كاذب فبالتالي لا يصير صدقاً، فظهر أنه لا فائدة في التكرار) .

وهذا التعقب مناقش بأن التهمة موجودة في كل من البينتين: الإقرار والشهادة ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لماعز: " لعلك قبلت" ونحو ذلك من ألفاظ الاستيثاق، ودفع عوامل الاحتمال ليبقى الإقرار سليماً وظاهراً. فتبين إذا موافقة هذا القياس للنص وهو حديث أبي أمية المخزومي رضي الله عنه (2) .

وأيضاً: فلو قيل بهذا التعقب لقلنا بعدم التكرار في الإقرار في الزنى

والنصوص فيه متكاثرة لا تدفع والله أعلم.

(1) انظر: المغني مع الشرح الكبير 10/291.

(2)

انظر: شرح فتح القدير 5/126

ص: 383

القول الثاني:

أنه يثبت بالإقرار مرة واحدة ولا يفتقر إلى مرتين، وهذا مذهب: الحنفية (1)

والمالكية (3) والشافعية (3) .

دليلهم:

استدلوا بالقياس، فقال ابن قدامة في بيانه له (4) :

(لأنه حق يثبت بالإقرار فلم يعتبر فيه التكرار كحق الآدمي) .

وقال ابن الهمام أيضاً (5) :

(لأن السرقة قد ظهرت بالإقرار مرة فيكتفى به كما في القصاص وحد

القذف) .

نقض هذا القياس:

وقد بين ابن قدامة رحمه الله تعالى انتقاض هذا القياس لوجود قادح فيه

بوجود الفارق فقال (6) (إن الإقرار في السرقة يفارق حق الآدمي لأن حقه مبنى

على الشح والتضييق ولا يقبل رجوعه عنه بخلاف مسألتنا) .

وبنحو هذا التعقب ذكره صاحب الهداية من الحنفية (7) . وابن الهمام أيضاً (8)

(1) انظر: شرح فتح القدير 5/125.

(2)

انظر: بداية المجتهد 2/454.

(3)

انظر: نهاية المحتاج 7/ 140

(4)

انظر: المغني 10/292.

(5)

انظر: فتح القدير 5/125.

(6)

انظر: المغني 10/292.

(7)

انظر: الهداية مع فتح القدير 5/125.

(8)

انظر: فتح القدير 5/125.

ص: 384

الترجيح:

والذي يظهر لي والله أعلم هو القول الأول على ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى: فلا بد من الإقرار مرتين لورود السنة به. وعليه أيضاً يدل قضاء السلف رضي الله عنهم كما في قضاء علي رضي الله عنه أنه جاء رجل إليه فقال: إني سرقت فرده: فقال: إني سرقت فقال شهدت على نفسك مرتين. فقطعه. قال: فرأيت يده في عنقه معلقة) رواه عبد الرزاق (1) والله أعلم.

(1) انظر: مصنف عبد الرزاق 10/191. وسنن البيهقي 8/275

ص: 385

المبحث الرابع:

في عقوبات السارق.

تناول ابن القيم الحديث عن عقوبات السارق الحدية والتعزيرية على النحو الآتي:

1-

العقوبة الحدية بقطع يد السارق.

2-

العقوبة بالإتيان على أطراف السارق.

3-

العقوبة بقتل السارق.

4-

العقوبات التعزيرية للسارق.

والكلام عنها على هذا النسق والترتيب.

1-

العقوبة الحدية بقطع يد السارق:

مما علم من الإسلام بالضرورة أن العقوبة الحدية المقدرة للسارق قطع يده اليمنى أن كانت موجودة لدلالة الكتاب في قوله تعالى (1)(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وفي قراءة بن مسعود (فاقطعوا أيمانهما)(2) . ومن السنة الأحاديث

المتكاثرة البالغة مبلغ التواتر قوله وقضائه صلى الله عليه وسلم وانعقاد الإجماع على ذلك من

المسلمين كما حكاه غير واحد من كبار النقلة منهم: ابن حزم (3) . وابن قدامة (4) . وابن حجر (5) . وابن هبيرة (6) . وابن الهمام (7) . وغيرهم.

(1) الآية رقم 38 سورة المائدة.

(2)

انظر: فتح الباري 12/99. والمغني 10/264. وتفسير القرطبي 6/172.

(3)

انظر: المحلي 11/386، 11/432. ومراتب الإجماع ص/135.

(4)

انظر: المغني10/239، 10/264.

(5)

انظر: فتح الباري 12/97.

(6)

انظر: الإفصاح 2/414.

(7)

انظر: فتح القدير 5/153

ص: 386

وابن القيم في هذه العقوبة يسوق أحكام النبي صلى الله عليه وسلم فيها قولاً وتنفيذاً كما تقدم

ذكرها والله أعلم (1) .

2-

عقوبة السارق بالإتيان على أطرافه

محل هذه العقوبة فيما إذا سرق ثانياً وثالثاً ورابعاً. هل يؤتى على أطرافه بمعنى

أن يقطع في كل سرقة يد أو رجل حتى يؤتى على أطرافه الأربعة اليدين والرجلين أم لا؟.

في هذه العقوبة محل وفاق ومحل خلاف. وابن القيم رحمه الله تعالى ساق الحديث عن هذه العقوبة على وجهين (2) :

الأول: بيان ما يروى فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الثاني: بيان اختلاف العلماء فيها وتعليل الخلاف.

وهو رحمه الله تعالى لم يفصح لنا عن اختياره في هذه المسألة وإن كان ظاهر توهينه للمروي فيها يفيد اختياره عدم الإتيان على أطراف السارق؟.

وهذه العقوبة طرقتها أقلام العلماء بالبيان والتفصيل ولا بد في تجلية التحقيق فيها من إجراء الكلام على ما يلي:

أ- بيان ما يروى فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وبيان منزلته حسب الصناعة.

ب- بيان ما يروى فيها عن الصحابة رضي الله عنهم.

ج- بيان محل الاتفاق في هذه العقوبة.

د- بيان محل الخلاف في هذه العقوبة.

(1) انظر: ص/647، وللعلماء تفاصيل في كيفية القطع ومن أين يقطع لكن الذي عليه كافة العلماء

أن القطع لليد اليمنى من مغرز الرسغ من الساعد (انظر: تفسير القرطبي 6/171) .

(2)

انظر: زاد المعاد 3/213. وتهذيب السنن 6/236

ص: 387

1-

بيان ما يروى فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

يروى فيها جملة أحاديث مرفوعة منها ما هو مختص بالإتيان على الأطراف فقط ومنها ما فيه مع ذلك القتل في الخامسة وهي على ما يلي:

الحديث الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال (إذا سرق السارق

فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله) .

ومدار إسناده عنده على الواقدي صاحب المغازي وهو: محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي. متروك الحديث مات سنة 207 هـ (1) . وذكره ابن حجر

من رواية الشافعي عن بعض أصحابه (2) . فيكون من رواية عن مجهول الحال والعين

فإن أصحاب الشافعي كثيرون وفيهم من تكلم فيه: مثل شيخه إبراهيم بن محمد كما في (زاد المعاد)(3) لابن القيم رحمه الله تعالى.

فتبين من هذا أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه لا يصح الاحتجاج به لوجود متروك في رواية الدارقطني. ومجهول في رواية الشافعي والله أعلم.

الحديث الثاني: حديث عصمة بن مالك رضي الله عنه (4) .

عن عصمة بن مالك رضي الله عنه قال (سرق مملوك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فرفع

إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعفى عنه ثم رفع إليه، فعفى عنه. فرفع ثالثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعفى

(1) انظر: تقريب التهذيب 3/194.

(2)

انظر: تلخيص الحبير 1/97.

(3)

انظر:1/65.

(4)

هو: عصمة بن مالك الخطمي رضي الله عنه (انظر: الإصابة 2/475) .

ص: 388

عنه ثم رفع إليه الرابعة وقد سرق، فعفى عنه، ثم رفع إليه الخامسة وقد سرق فقطع يده، ثم رفع إليه السادسة فقطع رجله، ثم رفع إليه السابعة فقطع يده، ثم رفع إليه الثامنة فقطع رجله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربع بأربع) .

رواه الدارقطني (1) ، والطبراني (2) ،

منزلة هذا الحديث:

مدار إسناد هذا الحديث عندهما على: الفضل بن المختار أبو سهل البصري. وهو ضعيف جداً، وقد ترجمه الذهبي (3) ولم يذكر فيه من وثقه وذكر هذا الحديث

من مناكيره ثم قال بعد سياقه (وهذا يشبه أن يكون موضوعاً) .

وقال ابن حجر في ترجمة عصمة بن مالك رضي الله عنه (4) :

(له أحاديث

مدارها على الفضل بن المختار، وهو ضعيف جداً) .

وقال الزيلعي (5) :

(هذا حديث ضعيف، وقال عبد الحق: هذا حديث لا يصح للإرسال والضعف

في الإسناد) .

وقال الهيثمي (6) :

(فيه الفضل بن مختار وهو ضعيف) .

فالحديث إذاً: لا تقوم به حجة بهذا الإسناد على ما أفادته كلمة الحفاظ والله أعلم.

(1) انظر: سنن الدارقطني 3/173.

(2)

انظر: بواسطة تلخيص الحبير 3/68.

(3)

انظر: الميزان 3/358-359.

(4)

انظر: الإصابة 4/ 475

(5)

انظر: نصب الراية 3/273.

(6)

انظر: مجمع الزوائد 6/275

ص: 389

رواية الحارث له مرسلاً:

وهذا الحديث قد روي من وجه آخر مرسلاً أرسله: الحارث بن عبد الله ابن

أبي ربيعة المخزومي أمير الكوفة المتوفى قبل السبعين من الهجرة (1) وقد حدث به

مباشرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه عبد الرزاق (2) وابن حزم (3) وابن أبي شيبة (4) .

منزلة هذه الرواية:

وهذه الرواية من هذا الوجه لا تقوم بها حجة أيضاً لأن بين الحارث وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفازة فأنى له الرواية عنه مباشرة والله أعلم.

اَلحديث الثالث:

هذان حديثان وردا بخصوص الإتيان على أطراف السارق. وقد ورد حديث

آخر من وجوه متعددة يتضمن هذه الحكومة مع الحكم بقتله. من حديث جابر والحارث بن حاطب رضي الله عنهما. والكلام عنهما كما يلي:

حديث جابر رضي الله عنه:

عن جابر رضي الله عنه قال (جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقتلوه: فقالوا

يا رسول الله إنما سرق. فقال: اقطعوه. قال: فقطع. ثم جيء به الثالثة فقال: اقتلوه. فقالوا يا رسول الله إنما سرق فقال: اقطعوه. ثم أتى به الرابعة. فقال: اقتلوه فقالوا يا رسول الله إنما سرق. قال اقطعوه. فأتى به الخامسة فقال اقتلوه. قال جابر: فانطلقنا به، فقتلناه، ثم اجتررناه فألقيناه في بئر، ورمينا عليه الحجارة) .

(1) انظر: التقريب. 1/ 141.

(2)

انظر: المصنف 10/188.

(3)

انظر: المحلى 11/423.

(4)

انظر: نصب الراية 3/373

ص: 390

روا5 أبو داوود (1) . والنسائي (2) . والبيهقي (3) . والدارقطني (4) . وقال النسائي بعده (هذا حديث منكر. ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث) . وأسانيده عندهم عدا الدارقطني مدارها على: مصعب. بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوّام الأسدي. قال فيه ابن حجر: لين الحديث وكان عابداً مات سنة 157 هـ (5) .

ومعلوم أن اصطلاح الحافظ فيمن قال فيه (لين الحديث) أنه لا يتابع على

حديثه (6) .

وأما الدارقطني فقد رواه بثلاثة أسانيد إلى هشام بن عروة (7) . عن محمد بن المنكدر (8) عن جابر رضي الله عنه. وقد رواه عن هشام ثلاثة وهم:

أ- محمد بن يزيد بن سنان الجزري أبو عبد الله ابن أبي فروة المتوفى سنة 220 هـ. وقد أدخله الذهبي في (الميزان)(9) في نقد الضعفاء ولم يذكر

توثيقاً له. وقال ابن حجر: ليس بالقوي (10) .

ب- ورواه عن هشام: عائذ بن حبيب بن الملاح الكوفي. وقد اختلفت كلمة

(1) انظر: سنن أبي داوود 4/565-567

(2)

انظر: سنن النسائي 8/73.

(3)

انظر: السنن الكبرى 8/272-273.

(4)

انظر: سنن الدارقطني 3/ 181.

(5)

انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 4/ 120.

(6)

انظر: التقريب 1/5.

(7)

هو: هشام بن عروة بن الزبير بن العوّام الأسدي المتوفى سنة 145 هـ. (انظر: التقريب لابن حجر 2/319)

(8)

هو: محمد بن المنكدر بن عبد الله التيمي المدني مات سنة 130 هـ. (انظر: التقريب لابن حجر

2/210) .

(9)

انظر: 4/69.

(10)

انظر: التقريب 2/ 219

ص: 391

النقاد فيه بين التعديل والتجريح كما في (الميزان (1)) وقال ابن حجر: صدوق رمي بالتشيع (2) .

وقال الذهبي بعد سياق الأقوال فيه (قلت شيعي جلد)(3) .

ج- ورواه عن هشام: سعيد بن يحيى بن صالح اللخمي الكوفي. وقد أدخله الذهبي في (الميزان)(4) في نقد الضعفاء وذكر اختلاف كلمة النقاد فيه

بين التعديل والتجريح. وهو من رجال البخاري في صحيحه لكن ليس له

في البخاري سوى حديث واحد ولم ينفرد به بل توبع عليه (5) وقال ابن حجر: صدوق وسط (6) .

روايته من حديث الحارث بن حاطب (7) رضي الله عنه:

عن الحارث بن حاطب رضي الله عنه قال:

(أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلص فقال: اقتلوه. فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق، فقال: اقتلوه قالوا: يا رسول الله إنما سرق، قال: اقطعوا يده. قال: ثم سرق فقطعت رجله. ثم سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه حتى قطعت قوائمه كلها. ثم سرق أيضاً الخامسة. فقال أبو بكر رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال: اقتلوه. ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه. منهم عبد الله بن

(1) انظر: 2/ 363.

(2)

انظر: التقريب 1/390.

(3)

انظر: الميزان 2/363.

(4)

انظر: 2/162.

(5)

انظر: هدى الساري مقدمة فتح الباري ص/406.

(6)

انظر: التقريب 1/308.

(7)

هو: الحارث بن حاطب بن الحارث بن معمر الجمحي صحابي صغير مات بعد سنة 66 هـ

(انظر التقريب لابن حجر 1/140) .

ص: 392

الزبير. وكان يحب الإمارة. فقال: أمروني عليكم، فأمروه عليهم. فكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه.

رواه النسائي (1) . وقال (لا أعلم في هذا الباب حديثاً صحيحاً)(2) . ورواه

الحاكم (3) وقال (صحيح الإسناد ولم يخرجاه) قال الذهبي معقباً على الحاكم (قلت بل

منكر) .

وقال الزيلعي ورواه الطبراني في معجمه (4) .

والذي دعا بالحاكم إلى تصحيحه كون رجال إسناده ثقات لكن النقاد لم يرتضوه وإن كانوا ثقات بل حكموا بنكارته كما قرره العالمان: النسائي والذهبي.

الحديث الرابع: حديث عبد الله بن زيد الجهني رضي الله عنه (5) .

قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سرق متاعاً فاقطعوا يده، فإن سرق فاقطعوا

رجله، فإن سرق فاقطعوا يده، فإن سرق فاقطعوا رجله، فإن سرق فاضربوا

عنقه) رواه أبو نعيم (6) في (الحلية)(7) ثم قال (تفرد به حزام بن عثمان وهو من

الضعف بالمحل العظيم) .

منزلة هذا الحديث:

وقد وقع في إسناد هذا الحديث تصحيف عجيب في اسم (حرام ابن عثمان)

(1) انظر: سنن النسائي 8/83.

(2)

هذه العبارة للنسائي ليست في النسخة المطبوعة. ولكن ذكرها ابن القيم بعد سياقه في (تهذيب السنن 6/236) وابن حجر أيضاً في: فتح الباري 12/100. وهذا يدل على أنها في (السنن

الكبرى) وهي مفقودة والله أعلم.

(3)

انظر: المستدرك 4/ 382.

(4)

انظر: نصب الراية 3/372.

(5)

انظر: في ترجمته: الحلية لأبي نعيم 2/6 وقال (توفي في زمن معاوية رضي الله عنه .

(6)

هو: أحمد بن عبد الله الأصبهاني المتوفى سنة 430 هـ. (انظر: الأعلام للزركلي 1/150)

(7)

انظر:2/6

ص: 393

حيث ذكر باسم (حزام بن عثمان) بالحاء المهملة والزاي المعجمة. وصوابه (حرام) بالحاء المهملة والراء المكسورة المهملة أيضاً على وزن (حزام) كما ضبطه الخطيب البغدادي (1) . وقد بحثت كثيراً فلم أر في الرواة من اسمه (حزام بن عثمان) وتصحيحه إلى (حرام ابن عثمان) لا أشك به فإن (حرام بن عثمان الأنصاري المتوفى سنة 150 هـ. من طبقة: معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني المتوفى سنة 118 هـ (2) . وهو شيخه في هذا الحديث وكلاها مدنيان.

إذا علم ذلك: فإن حرام هذا متروك الحديث كما قاله الذهبي فقال (3)(حرام ابن عثمان الأنصاري. تابعي. متروك مبتدع) .

فالحديث إذا لا يصلح في باب المتابعات والشواهد فضلاً عن أن يكون حجة بنفسه والله أعلم.

خلاصة الصناعة الإسنادية:

هي أن أحاديث الإتيان على الأطراف المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي: حديث

أبي هريرة رضي الله عنه وحديث عصمة رضي الله عنه، ومرسل الحارث بن

عبد الله رحمه الله تعالى، كلها لا تقوم بها حجة عن المعصوم صلى الله عليه وسلم في إتيان هذه

العقوبة: وهي الإتيان على الأطراف الأربعة بالقطع لمن تكررت منه السرقة أربعاً.

وأن أحاديث الإتيان على أطرافه مع قتله في الخامسة منزلتها الإسنادية على ما

يلي:

فحديث عبد الله بن زيد الجهني: لا يحتج به لأن في سنده متروك.

وحديث جابر: في أسانيده عند أبي داوود والنسائي، والبيهقي ضعف.

(1) انظر: تاريخ بغداد 8/277-280.

(2)

انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر 10/193.

(3)

انظر: المغنى في الضعفاء1/152 ط سنة 391 هـ. نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت.

ص: 394

وأن روايته من حديث: الحارث بن حاطب، وإن كان بإسناد رجاله ثقات

لكن قد حكم الحفاظ بنكارته.

هذه خلاصة مباحث الصناعة الإسنادية لهذه الأحاديث. ومنها يتضح أن محل النظر فيها: هو قصة الإتيان على الأطراف مع القتل في الخامسة من حديث جابر والحارث رضي الله عنهما.

وللعلماء في الجواب عنه عدة مسالك، ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى منها ثلاثة، وقد حصل بالتتبع مسلكان آخران وبيانها كما يلي:

مسالك العلماء التي ذكرها ابن القيم في الجواب عن هذا الحديث:

المسلك الأول: نفى صحة هذا الحديث:

قال ابن القيم رحمه الله تعالى (1) :

(اختلف الناس في هذه الحكومة فالنسائي وغيره لا يصححون هذا الحديث.

قال النسائي هذا حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوى) . و (في تهذيب السنن) (2) ساق الحديث بروايتيه عند النسائي من حديث جابر والحارث ثم قال بعد حديث الحارث (قال النسائي: ولا أعلم في هذا الباب حديثاً صحيحاً) . وهذه اللفظة من النسائي راوي حديث الحارث بن حاطب رضي الله عنه بإسناد رجاله ثقات: لها قوتها ومنزلتها إذ يقول بعد سياقه (ولا أعلم في هذا الباب حديثاً صحيحاً)(3) .

وقد تبين لي- والله أعلم- أن النسائي يرمي إلى تعليله: بنكارته. مع الاضطراب الحاصل وبيان ذلك على ما يلي:

أولاً: إن في سياقه نكارة لأمرين هما:

(1) انظر: زاد المعاد 3/213.

(2)

انظر: 6/ 236.

(3)

انظر: فيما تقدم ص/655

ص: 395

مخالفة هذه القصة للمشهور من هديه صلى الله عليه وسلم من التثبت والاستفصال من أرباب الحدود كما في قصة ماعز رضي الله عنه وفي قصة السارق الذي قال له صلى الله عليه وسلم واضحة ذلك أن لفظ الخبر (أنه جيء بلص فقال صلى الله عليه وسلم اقتلوه: فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنما سرق. وهكذا في كل مرة يقول لهم صلى الله عليه وسلم: اقتلوه فأخبروه بجرمه وأنه (السرقة) فيقول صلى الله عليه وسلم (اقطعوه) . هذا ما يستبعد حصوله وهو صلى الله عليه وسلم في مقام التشريع والبيان للناس. وحد السارق: القطع لليد اليمنى في المرة الأولى لا القتل. والأمر الثاني: المفيد لنكارته: مباينة هذه القصة للمعقول، إذ كيف يتصور أن يأتي شخص مقطوع اليدين والرجلين (فيهتك الحرز) ويسرق ويخرج بالمال المسروق من حرزه. هذا لا يتأتى.

وليس هذا رد للنص بالعقل واستبعاد التصور: كلا ثم كلا. ولكنه شرح وبيان لحكم الحفاظ والنقاد على هذا الحديث: بالنكارة. وأنه حديث منكر.

ثانياً: في القصة اضطرابا (1) .

قد جاء في متن هذا الحديث اضطراباً لا يمكن معه الجمع بين القصتين ذلك أنه جاء في روايته من حديث جابر رضي الله عنه: أن السارق قتل في الخامسة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

وجاء في روايته من حديث الحارث رضي الله عنه: أن السارق قتل في الخامسة

في خلافة أبي بكر رضي الله عنه: والقصة واحدة. والجمع متعذر؟. فهل هذا إلا وجه من وجوه الاضطراب فهذا الحديث إذا مضطرب في متنه والمضطرب من قسم الضعيف.

فتخلص إذا أن هذا حديث لا تقوم به حجة: لنكارته واضطرابه والله أعلم. وهذا المسلك: هو عدم تصحيح هذا الحديث ورده رواية ودراية هو مذهب جماعة

(1) المضطرب هو اختلاف الرواة على شيخ بعينه. ويكون في المتن أيضاً (انظر اختصار علوم الحديث لابن كثير ص/72 ط أحمد شاكر سنة 370 هـ. بمصر)

ص: 396

النقاد منهم النسائي كما تقدم.

ومنهم الخطابي (1) قال (هذا الحديث في بعض إسناده مقال) . ثم بيّن وجوهاً من المعاني يتخرج عليها الحديث وفيها يقول (إن كان له أصل) وفي بعضها يقول (إن صح الحديث) .

ومنهم ابن حجر إذ تعقب أسانيده بالتضعيف (2) .

ومنهم الزيلعي حيث تعقب أسانيده بالتضعيف أيضاً (3) .

ومنهم ابن عبد البر إذ قال (حديث القتل منكر لا أصل له)(4) .

وهذا المسلك هو الذي تقتضيه قواعد النقد وأصول المنهج في البحث والله أعلم.

المسلك الثاني: خصوصية هذه الحكومة بهذا الرجل.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في بيان هذا المسلك (5) :

(ومنهم من يحسنه ويقول: هذا حكم خاص بذلك الرجل وحده لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المصلحة في قتله) .

وقد ذكر هذا الوجه أيضاً الحافظ ابن حجر فقال (6) :

(وقال بعضهم هو خاص بالرجل المذكور فكأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على أنه واجب القتل ولذلك أمر بقتله من أول مرة) . وذكر نحوه صاحب (عون

(1) انظر: معالم السنن 6/236- 237- 238.

(2)

انظر: تلخيص الحبير4/ 68- 69.

(3)

انظر: نصب الراية 3/372- 373.

(4)

انظر: سبل السلام4/ 27- 28.

(5)

انظر: زاد المعاد 3/213.

(6)

انظر: فتح الباري 12/ 99

ص: 397

المعبود) (1) . وذكره قبلهم (المنذري)(2) . والخصوصية لا بد لها من دليل يدل عليها وهذا مجرد احتمال هنا، وما دعاهم إلى ذلك إلا مخالفة هذه القصة لما عهد في أحكام الحدود كما تبين في المسلك قبله والله أعلم.

المسلك الثالث: القول بموجبه.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى (3) :

(وطائفة ثالثة تقبله وتقول به وأن السارق إذا سرق خمس مرات قتل في الخامسة وممن ذهب إلى هذا المذهب أبو مصعب من المالكية) .

وحكى هذا القول أيضاً ابن حجر فقال (4) :

(وقيل يقتل في الخامسة قاله: أبو مصعب الزهري المدني صاحب مالك)(5) . وهذا المسلك مبني على القول بقبول الحديث وصحته وقد علم من المسلك الأول أن صحته دونها خرط القتاد والله أعلم.

هذه المسالك التي ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى وقد تحصل لي غيرها وهي: المسلك الرابع: أن هذا الحديث منسوخ.

وهذا محكي عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى حكاه ابن حجر (6) والآبادي (7) . ومن قبلهما البيهقي (8) رحمهم الله تعالى.

(1) انظر: 4/247.

(2)

انظر: مختصر السنن 6/238.

(3)

انظر: زاد المعاد 3/213.

(4)

انظر: فتح الباري 12/99.

(5)

هو: أبو مصعب أحمد بن أبي بكر بن الحارث الزهري المدني الفقيه صدوق، عيب عليه فتواه بالرأي مات سنة 242 هـ. كما في التقريب لابن حجر 1/12.

(6)

انظر: فتح الباري 12/99.

(7)

انظر: عون المعبود 4/248.

(8)

انظر: السنن الكبرى 8/275

ص: 398

وناسخه هو حديث ترك قتل شارب الخمر في الرابعة كما في قصة النعيمان

الملقب (حماراً)(1) .

وهذا نسخ بالتنظير لا بالنص، وهو مسلك غريب والله أعلم.

المسلك الخامس: حمل الحكم بقتله على أن كان من المفسدين في الأرض. حكى، الخطابي (2) وابن حجر (3) والآبادي (4) على أن هذا الحديث قد يخرج على مذاهب بعض الفقهاء وهو أن يكون هذا من المفسدين في الأرض فيكون هذا من باب العقوبة التعزيرية للمفسدين في الأرض. وهذا يعزى للإمام مالك رحمه الله تعالى.

وهذا المسلك وإن كان في ذاته قاعدة مقررة لدى كثير من أهل العلم في أحكام (الاستصلاح) و (السياسة الشرعية) فإن الأمر بقتله من أول مرة ونص القرآن الكريم بقطع السارق يأبى هذا المسلك والله أعلم.

الخلاصة:

هذه هي مسالك أهل العلم في الجواب عن هذا الحديث وإن كان بعضها يناقشه

في قضية القتل خاصة، وقد ظهر من هذا السياق لها أن المسلك الأول وهو: النقد لها رواية ودراية هو المسلك الذي تقتضيه أصول الصناعة الحديثية. وقواعد الشريعة الكلية. وأن ما سواها كل قال بمجرد اجتهاده، ولا يخلو واحد منها من نظر والله أعلم.

ب- بيان ما يروى فيها عن الصحابة رضي الله عنهم؟.

(1) انظر: فيما تقدم ص/583.

(2)

انظر: معالم السنن 6/237.

(3)

انظر: فتح الباري 12/99.

(4)

انظر: عون المعبود 4/348

ص: 399

وقد تحصل بالتتبع الوقوف على آثار في ذلك عن علي رضي الله عنه وعن عمر رضي الله عنه ساقها عبد الرزاق (1) والبيهقي (2) وهي تفيد قطع الرجل اليسرى بعد اليد اليمنى فإن عاد عزر ولا قطع ومنها:

عن علي رضي الله عنه أنه كان لا يقطع إلا اليد والرجل- وإن سرق بعد ذلك سجن ونكل، وكان يقول: إني لأستحي من الله ألا أدع له يداً يأكل بها ويستنجى) رواه عبد الرزاق (3) والبيهقي (4) . قال ابن حجر وسنده صحيح (5) . وعن عمر رضي الله عنه أنه أتى برجل قد سرق يقال له: سدوم، فقطعه ثم

أتى به الثانية فقطعه، ثم أتى به الثالثة، فأراد أن يقطعه، فقال له علي لا تفعل. إنما عليه يد ورجل، ولكن احبسه. رواه عبد الرزاق (6) . والبيهقي (7) . وقال ابن حجر وسنده حسن (8) .

ج- بيان الاتفاق في هذه العقوبة.

ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم قطع الرجل اليسرى في السرقة بعد اليد اليمنى وهذا محل اتفاق بين أهل العلم منهم الأئمة الأربعة وغيرهم. كما حكاه ابن قدامة (9) وابن هبيرة (10) بل حكى عليه الإجماع ابن الهمام (11) .

(1) انظر: المصنف 10/186- 188.

(2)

انظر: السنن الكبرى 8/272- 275

(3)

انظر: المصنف 10/186.

(4)

انظر: السنن الكبرى 8/274

(5)

انظر: المصنف فتح الباري 12/100.

(6)

انظر: المصنف 10/186.

(7)

انظر: 8/274.

(8)

انظر: فتح الباري 12/ 100.

(9)

انظر: المغنى 10/271.

(10)

انظر: الإفصاح 2/417.

(11)

: شرح فتح القدير 5/154.

ص: 400

الدليل في هذا:

هو أقضية الصحابة رضي الله عنهم كما تقدم ذكر بعضها وفيه يقول ابن

عبد البر (1)

(ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم قطع الرجل بعد اليد وهم يقرؤون (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)(2) .

د- بيان محل الخلاف في هذه العقوبة.

ثم اختلفوا فيما وراء ذلك إذا سرق ثالثة ورابعة على قولين:

القول الأول:

أنه لا يقطع في الثالثة بعد قطع اليد والرجل بل يحبس وهذا هو مذهب الحنفية والمعتمد لدى الحنابلة (3) .

وهم يريدون من سجنه: تخليده في السجن حتى يموت كما صرّح به ابن الهمام (4) وهو ظاهر المذهب الحنبلي كما في (المغنى)(5) وغيره. ودليلهم في هذا: أقضية الصحابة رضي الله عنهم كما تقدم والله أعلم.

القول الثاني:

أنه يقطع في الثالثة يسري يديه وفي الرابعة يمنى رجليه فإن سرق خامسة عزر

(1) انظر: فتح الباري 12/ 100.

(2)

الآية رقم 38 سورة المائدة.

(3)

انظر: المغنى 10/ 271، والإفصاح 2/417، وشرح فتح القدير 5/154. (4) انظر: شرح فتح القدير 5/154.

(5)

انظر: المغني 10/ 271.

ص: 401

بضرب أو سجن ونحوهما. وهذا مذهب المالكية. والشافعية. ورواية في المذهب الحنبلي (1) .

دليلهم:

استدلوا بالأحاديث المرفوعة المتقدم سياقها (2) . والمتضمنة للإتيان على أطراف السارق الأربعة. وقد تبين أن هذه الأحاديث لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتم الاستدلال إذا والله تعالى أعلم.

الترجيح:

والذي يظهر والله أعلم هو القول بقطع الرجل اليسرى بعد قطعٍ اليد اليمنى وإن سرق ثالثاً فلا قطع بل يكون التعزير والنكال بما يراه الحاكم رادعا لعدوانه من حبس أو جلد. أو بهما حسبما يراه رادعاً وهذا مما يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والله أعلم.

3-

العقوبة بقتل السارق.

اشتهر عن أبي مصعب المالكي- القول بقتل السارق في الخامسة بعد الإتيان على أطرافه الأربعة إذا سرق أربع مرات وفي الخامسة يقتل (2) .

وقد ذكر ذلك الحافظ ابن حجر (4) قولاً عن مالك أولا ثم أنه رجع عنه واستقر رأيه على تعزيره دون قتله في الخامسة ولو بلغ التعزير إلى القتل كما تقدم (5)

(1) انظر: الإفصاح 2/ 417، والمغنى 10/ 271- 272، وفتح الباري 12/100. ونهاية

المحتاج 7/444، وجواهر الإكليل 2/289.

(2)

انظر: ص/650 وما بعدها.

(3)

انظر: مختصر السنن للمنذري 6/237، وفتح الباري 12/100.

(4)

انظر: فتح الباري 12/100

ص: 402