الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمال لا تحصنه، فتعبير سيء عن معنى صحيح، فإن حكمة الشارع اقتضت وجوب حد الزنى على من كملت عليه نعمة الله بالحلال،. فيتخطاه إلى الحرام،
ولهذا لم يوجب كمال الحد على من لم يحصن، واعتبر للإحصان أكمل أحواله: وهو
أن يتزوج بالحرة التي يرغب الناس في مثلها، دون الأمة التي لم يبح الله نكاحها إلا عند الضرورة، فالنعمة بها ليست كاملة، ودون التسري الذي هو في الرتبة دون النكاح، فإن الأمة وإن كانت ما عسى أن تكون لا تبلغ رتبة الزوجة لا شرعاً ولا عرفاً ولا عادة، بل قد جعل الله لكل منها رتبة؟ والأمة لا تراد لما تراد له
الزوجة، ولهذا كان له أن يملك من لا يجوز له نكاحها، ولا قسم عليه في ملك يمينه
فأمته تجرى في الابتذال والامتهان والاستخدام مجرى دابته وغلامه بخلاف الحرائر.
وكان من محاسن الشريعة أن اعتبرت في كمال النعمة على من يجب عليه الحد أن
يكون قد عقد على حرّة ودخل بها إذ بذلك يقضي كمال وطره، ويعطي شهوته
حقها، ويضعها مواضعها، هذا هو الأصل ومنشأ الحكمة، ولا يعتبر ذلك في كل
فرد من أفراد المحصنين، ولا يضر تخلفه في كثير من المواضع، إذ شأن الشرائع
الكلية أن تراعي الأمور العامة المنضبطة، ولا ينقصها تخلف الحكمة في أفراد الصور كما هذا شأن الخلق، فهو موجب حكمة الله في خلقه وأمره في قضائه وشرعه، وبالله التوفيق) .
المبحث السادس
في اشتراط الإسلام في الإحصان
(1)
انعقد الإجماع على أن الرجم في الزنى لا يجب إلا على محصن، وقد أختلف العلماء هل الإسلام شرط في الإحصان، على قولين، ذكرهما ابن القيم رحمه الله
(1) انظر: زاد المعاد 3/307، وأعلام الموقعين 2/327
تعالى واختار أن الإسلام ليس شرطاً في الإحصان، واستدل على ذلك من السنة وناقش القائلين بشرطيته. وبيان ذلك على ما يلي:
القول الأول ليس الإسلام شرطاً في الإحصان، فالذمي يحصن الذمية وإذا تزوج المسلم ذمية فوطئها صارا محصنين. وهذا مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه (1) .
الدليل:
استدل ابن القيم رحمه الله تعالى لهذا القول المختار عنده بحديث رجم اليهوديين المشهور فقال (3) :
(ثبت في الصحيحين (3) . والمسانيد (4) : أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة
في شأن الرجم، فقالوا نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله ابن سلام (5) كذبتم إن
فيها الرجم، فأمروا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما
قبلها وما بعدها فقال له عبد الله ابن سلام ارفع يدك فرفعها فإذا فيها آية الرجم
فقالوا صدق يا محمد إن فيها الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما) .
وجه الاستدلال:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الاستدلال من هذا الحديث (6) : (تضمنت هذه
(1) انظر: زاد المعاد 3/207، والمغني مع الشرح الكبير 10/129. ومعالم السنن للخطابي 6/ 260- وفتح الباري 12/ 170، وسبل السلام 4/12.
(2)
انظر: زاد المعاد 3/207. وقد رواه جماعة من الصحابة منهم جابر وابن عمر والبراء بن عازب رضي الله عنهم.
(3)
انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري 12/166، ومسلم مع النووي 11/208 - 211.
(4)
انظر: مسند أحمد 2/5. ونيل الأوطار 7/97 وسبل السلام 4/12.
(5)
هو: عبد الله بن سلام الإسرائيلي حليف بني الخزرج رضي الله عنه مات سنة 43 هـ بالمدينة (انظر: التقريب 1/422) .
(6)
انظر: زاد المعاد 3/207.
الحكومة أن الإسلام ليس بشرط في الإحصان وأن الذمي يحصن الذمية وإلى هذا ذهب أحمد والشافعي) .
ولم يذكر رحمه الله تعالى وجه الاستدلال، وبيانه أن يقال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بين أهل الكتاب بما أنزل الله تعالى كما في قوله
تعالى (1)(فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) .
وحكم الزاني المحصن في شريعة الإسلام الرجم بالحجارة، وهما محصنان كما وقع التصريح به في بعض روايات الحديث بلفظ (2)
(إن اخيار اليهود اجتمعوا في بيت المدراس، وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بامرأة منهم قد أحصنت) - فحكم صلى الله عليه وسلم برجم اليهوديين وهما كافران ليسا من أهل الإسلام فدل ذلك على أن الإسلام ليس شرطاً في الإحصان إذ لو كان شرطاً فيه لما كان حكمهما الرجم (3) . وعليه: فإن الذمي محصن الذمية وأن المسلم إذا تزوج ذمية ووطئها صار محصناً والله أعلم.
القول الثاني: أن الإسلام شرط في الإحصان فلا يكون الكافر محصناً ولا تحصن الذميهَ مسلماً. وهذا مذهب الحنفية والمالكية وأحمد في الرواية الثانية عنه (4) .
دليله:
استدل لهذا القول بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من
(1) من الآية رقم 48 سورة المائدة.
(2)
انظر فتح الباري 12/167، 170 فقد ذكرها من رواية الطبري. وانظر أيضاً: نيل الأوطار 7/99
(3)
انظر: المغنى مع الشرح الكبير 10/ 130، وفتح الباري 12/ 170 ونيل الأوطار 7/99.
(4)
انظر: المغني مع الشرح الكبير 10/129، ومعالم السنن 6/ 260، وشرح فتح القدير 5/24 - 25 وفتح الباري 12/ 170، ونيل الأوطار 7/99، وسبل السلام 4/12 وبداية المجتهد
2/427. والإفصاح لابن هبيرة 2/403.
أشرك بالله فليس بمحصن) (1)
وجه الاستدلال:
ووجه دلالة كل ذا الحديث واضحة فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن المشرك بالله تعالى ليس بمحصن والحد بالرجم لا يكون إلا على محصن فالإسلام إذا شرط للإحصان. فالمشرك إذا زنى لا يقام عليه الحد بالرجم على أي حال لأن إحصانه لا يتم إلا بالإسلام والله أعلم.
أجوبة المشترطين عن حديث رجم اليهوديين:
ثم ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن المشترطين للإسلام في الإحصان اختلفت أجوبتهم عن هذا الحديث فذكر ثلاثة من أجوبتهم ثم تعقبها وذلك على ما يلي:
1-
الجواب الأول: للمالكية وهو أن اليهود يومئذ ليسوا بأهل ذمة. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في جوابهم عن هذا الحديث (2) :
(قال مالك رحمه الله تعالى، في غير الموطأ: لم يكن اليهود بأهل ذمة) .
تعقب هذا الجواب:
وتعقب ابن القيم رحمه الله تعالى هذا الجواب بأن اليهود كانوا أهل ذمة فقال (3) :
(والذي في صحيح البخاري، أنهم أهل ذمة، ولا شك أن هذا كان بعد العهد الذي وقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم ولم يكونوا إذ ذاك حرباً كيف ذلك، وقد تحاكموا إليه ورضوا بحكمه، وفي بعض طرق الحديث أنهم قالوا: اذهبوا بنا إلى
(1) انظر: المغني 10/129، وشرح فتح القدير 5/24، ونيل الأوطار 7/99.
(2)
انظر: زاد المعاد 3/207.
(3)
انظر: زاد المعاد 3/207
هذا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه بعث بالتخفيف، وفي بعض طرقه: أنهم دعوه إلى بيت مدارسهم فأتاهم وحكم بينهم. فهم كانوا أهل عهد وصلح بلا شك) .
وهذا التعقب قال به طائفة من المحققين منهم النووي (1) ، والطحاوي (2) والقرطبي من المالكية (3) ، ولا شك أن مجيئهم إليه سائلين وهم آمنون يوجب أن يكون لهم عهد وذمة وقد قال الشوكاني (4) في هذا الجواب (إنه من غرائب التعصبات) .
الجواب الثاني: للحنفية وهو أنه صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين بحكم التوراة (5) .
وفي بيانه يقول ابن القيم رحمه الله تعالى (6) :
(وقالت طائفة أخرى إنما رجمهما بحكم التوراة قالوا وسياق القصة صريح في ذلك) .
ومراده بسياق القصة الصريح هو ما جاء في بعض رواياته (7)(فإني أحكم بما في التوراة) .
تعقب هذا الجواب:
تعقب ابن القيم رحمه الله تعالى هذا الجواب بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حكم بينهم بالحق
(1) انظره بواسطة فتح الباري 12/170.
(2)
انظر: فتح الباري 12/170 والطحاوي: هو أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحنفي انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر توفي سنة 321 هـ. (انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان 1/19، ولسان الميزان 1/274) .
(3)
انظر: فتح الباري 12/170. والقرطبي: هو محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي اشتهر بتفسيره (الجامع لأحكام القرآن) توفي سنة 671 هـ. (انظر: الأعلام 6/217- 218) .
(4)
انظر: نيل الأوطار 1/99.
(5)
انظر: شرح فتح القدير لابن الهمام 5/24- 25. والمغني مع الشرح الكبير 10/129.
(6)
انظر: زاد المعاد 3/207.
(7)
انظر: فتح الباري 12/ 171
المحض وهو شريعتَه الواجب اتباعه فلا وجه لهذا التأويل فقال (1) :
(وهذا مما لا يجدي عنهم شيئاً البتة فإنه حكم بينهم بالحق المحض فيجب اتباعه بكل حال فماذا بعد الحق إلا الضلال) .
وهذا معنى ما قاله الخطابي في تعقبه لهذا الجواب حيث يقول (2) :
(وهذا تأويل غير صحيح: لأن الله سبحانه يقول (3)(وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) وإنما جاءه القوم مستفتين طمعاً في أن يرخص لهم في ترك الرجم ليعطلوا به حكم التوراة، فأشار عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كتموه من حكم التوراة، ثم حكم عليهم بحكم الإسلام على شرائطه لواجبة فيه.
وليس يخلو الأمر فما صنعه صلى الله عليه وسلم من ذلك عن أن يكون موافقاً لحكم الإسلام
أو مخالفاً له.
فان كان مخالفاً فلا يجوز أن يحكم بالمنسوخ ويترك الناسخ.
وان كان موافقاً له فهو شريعته، والحكم الموافق لشريعته لا يجوز أن يكون مضافاً إلى غيره ولا يكون فيه تابعاً لمن سواه) .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر جواب الخطابي وأيده وذكر الجواب عما في رواية
أبي هريرة (فأني أحكم بما في التوراة) بأن في سند هذه الرواية رجل مبهم ثم قال الحافظ (4) :
(ومع ذلك فلو ثبت لكان معناه لإقامة الحجة عليهم) .
ولا شك أن قول الله تعالى (5)(فاحكم بينهم بما أنزل الله) الآية دليل قطعي
(1) انظر: زاد المعاد 3/207.
(2)
انظر: معالم السنن 6/ 260- 261.
(3)
من الآية رقم 49 سورة المائدة.
(4)
انظر: فتح الباري 12/ 171.
(5)
من الآية رقم 48 سورة المائدة.
الدلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بما في شريعته فكيف يقال أنه حكم بشريعة من سواه؟. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى جواباً آخر على سبيل التنزيل فقال (1) :
(فإن قيل إنما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجم بما في التوراة إلزاماً لهما بما اعتقدا صحته. قيل: هب أن الأمر كذلك أفحكم بحق يجب اتباعه وموافقته وتحرم مخالفته أم بغير ذلك؟
فاختاروا. أحد الجوابين ثم اذهبوا إلى ما شئتم) .
الجواب الثالث: أن رجمهما كان سياسة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى معقباً عليه (2) :
(وقالت طائفة رجمهما سياسة، وهذا من أقبح الأقوال بل رجمهما بحكم الله الذي
لا حكم سواه) .
أجوبة النفاة عن هذا الحديث:
لنفاة اشتراط الإسلام في الإحصان في الجواب عن هذا الحديث مسلكان: الأول: من حيث الرواية.
والثاني: من حيث الدراية.
وبيانهما على ما يلي:
المسلك الأول: مناقشة هذا الحديث رواية:
هذا الحديث ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم وموقوفاً
(1) انظر: أعلام الموقعين 2/327.
(2)
انظر: زاد المعاد 3/207
من قوله، وهو في كلّ منهما من مفاريده وله لفظان في المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأحد اللفظين ورد موقوفاً.
ألفاظه ومخرجيها:
وبيان كلّ لفظ مرفوعاً أو موقوفاً مع ذكر من خرجه على ما يلي:
اللفظ الأول:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يحصن المشركَ بالله شيء) .
مخرجيه:
أخرجه بهذا اللفظ مرفوعاً، الدارقطني (1) ، والبيهقي (2) .
منزلة إسناده:
تكلم نقاد الأثر على إسناد هذا الحديث من ناحيتين:
الأولى: إعلال رواية الرفع، وأن الصواب وقفه، صرح بذلك الدارقطني فقال (3) :
(وهم عفيف في رفعه، والصواب موقوف من قول ابن عمر رضي الله عنهما .
وهذا الإعلال متعقب بأن عفيفاً قد صرح برفع الحديث هو: عفيف ابن سالم الموصلي البجلي مولاهم صدوق مات سنة 280 هـ (4) . وقد تقرر في علوم الاصطلاح أن زيادة هذا الضرب مقبولة فيقبل رفعه للحديث إذاً.
(1) انظر: سنن الدارقطني 3/147.
(2)
انظر: السنن الكبرى 8/216.
(3)
انظر: سنن الدارقطني 3/147.
(4)
انظر: تقريب التهذيب2/ 25.
وقد صرح بذلك ابن القطان (1) فيما نقله الزيلعي عنه فقال (3) :
(قال ابن القطان في كتابه (3) ، وعفيف بن سالم الموصلي ثقة قاله ابن معين، وأبو حاتم وإذا رفعه الثقة لم يضره وقف من وقفه وإنما علته أنه من رواية أحمد بن أبي نافع عن عفيف المذكور وهو أبو سلمة الموصلي، ولم تثبت عدالته
…
) .
وهذا الذي قاله ابن القطان هو القول الحق الذي عليه عامة المحققين من أهل الاصطلاح (4) أن الإرسال أو الوقف في الرواية لا يكون شيء من ذلك علة في المرفوع، وما هنا زيادة من عفيف بن سالم وحاله الصدق فهي مقبولة، فينتج أن إعلال هذا الحديث برواية الوقف غير واردة فيبقى النظر في حال رجال بقية إسناده والحديث عنه فيما يلي:
الثانية:
تحصل بالتتبع أن مدار هذا الحديث سنداً هو كما قال ابن القطان رحمه الله تعالى، على رواية (أحمد ابن أبي نافع الموصلي) .
وأحمد هذا قد وهّاه النقاد، وعدّوا هذا الحديث من مناكيره، كما حرره ابن عدي (5) والذهبي (6) ، وابن حجر (7) ، وذلك في ترجمتهم له.
(1) هو: علي بن محمد الحميدي الفاسي من حفاظ الحديث ونقاده توفي سنة 628 هـ. (انظر: شذرات الذهب 5/128، والأعلام 5/152) .
(2)
انظر: نصب الراية 3/327.
(3)
المراد بكتاب ابن القطان عند الإطلاق هو (بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام للأشبيلي) .
(4)
انظر: الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ص/62- 63. ط الثالثة بمطبعة محمد علي صبيح بمصر.
(5)
انظر: الميزان للذهبي 1/ 161، ونصب الراية للزيلعي 3/327، وابن عدى: هو عبد الله بن عدى بن عبد الله الجرجاني علامة بالحديث توفي سنة 365 هـ. وله كتاب (الكامل في الضعفاء والمتروكين من الرواة)(انظر: الأعلام 4/239) .
(6)
انظر: الميزان 1/161، والمغني في الضعفاء 1/61.
(7)
انظر: لسان الميزان 1/317
ومن حاله كذلك فلا يصلح حديثه للاعتبار فضلاً عن الاعتماد عليه فالحديث إذا بهذا الإسناد لا يعتبر به والله أعلم.
اللفظ الثاني:
(من أشرك بالله فليس بمحصن) .
مخرجيه:
الحديث بهذا اللفظ روي موقوفاً من قول ابن عمر رضي الله عنهما وروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه على كلا الوجهين، إسحاق بن راهويه في (مسنده)(1) ومن طريقه أخرجه، الدارقطني (2) ، والبيهقي (3) .
منزلة إسناده:
هذا الحديث تكلم الحفاظ فيه من جهة رفعه ووقفه. وقد حكى الحافظان البيهقي (4) . والزيلعي (5)، الخلاف في ذلك وسكتا. وجزم الحافظان: الدارقطني (6)، وابن حجر (7) بوقفه فقالا: والصواب أنه موقوف.
وجه الخطأ في رفع هذا الحديث:
وما قرره الدارقطني وتابعه عليه ابن حجر في الجزم بوقف الحديث هو الذي يقتضيه النظر في إسناد هذا الحديث مرفوعاً، إلا أن الذي يظهر لي والله أعلم أن
(1) انظر: بواسطة- نصب الراية 3/327.
(2)
انظر: سنن الدارقطني 3/147.
(3)
انظر: السنن الكبرى 8/216.
(4)
انظر: السنن الكبرى 8/216.
(5)
انظر: نصب الراية 3/327.
(6)
انظر: سنن الدارقطني 3/147.
(7)
انظر: الدراية 2/ 99
الحمل في رفع هذا الحديث: هو على شيخ إسحاق، وهو عبد العزيز بن محمد الدراوردي المتوفى سنة 287 (1) لأن هذا الحديث مرفوعاً من رواية الدراوردي هذا عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني المتوفى في بضع وأربعين بعد المائتين من الهجرة (2) .
والدراوردي وإن كان ثقة فإن أحاديثه عن عبد الله العمري منكرة كما قاله النسائي (3) .
وقد بيّن الحافظ في (التهذيب (4) وجه نكارة أحاديث الدراوردي عن عبد الله العمري من أنه يقلب حديث عبد الله العمري المضعف في الحديث (5) فيرويها عن عبد الله بن عمر العمري الثبت في الحديث.
فظهر من هذا أن الحديث منكر مرفوعاً بهذا الإسناد.
وعليه فإن الصواب هو رواية هذا الحديث موقوفاً من قول ابن عمر رضي الله عنهما نفسه كما رواه جمع من الثقاة على ما قرره الدارقطني (6) ، وابن حجما 7) ، وغيرهما والله أعلم.
الترجيح:
يتبين من ذكر الخلاف وأدلته ومناقشة أدلة الخلاف أن أرجح القولين هو: القول بأن الإسلام ليس شرطاً في الإحصان على ما اختاره ابن القيم رحمه الله تعالى
(1) انظر: التقريب 1/512.
(2)
انظر: التقريب 1/537.
(3)
انظر: التقريب 1/512، والتهذيب 6/354.
(4)
انظر: التهذيب 6/ 354.
(5)
انظر: في ترجمته التقريب 1/434 وذكر وفاته سنة 271 هـ.
(6)
انظر: سنن الدارقطني 3/147.
(7)
انظر: الدراية 2/99، وتلخيص الحبير 4/54