المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني:في أنواع العقوبات التعزيرية - الحدود والتعزيرات عند ابن القيم

[بكر أبو زيد]

فهرس الكتاب

- ‌موضوع البحث:

- ‌دوافع البحث:

- ‌مسلك البحث الإجمالي:

- ‌خطوات العرض والدراسة في هذين المسلكين:

- ‌كتاب الحدود

- ‌توطئة

- ‌لماذا سمّيت العقوبات المقدرة (حدوداً) :

- ‌المبحث الأول:في آثار المعاصي شرعاً وقدراً

- ‌المبحث الثاني:في حكم إقامة الحد بدار الحرب

- ‌اختياره رحمه الله تعالى

- ‌سلفه في تقرير هذا الاختيار:

- ‌ استدلاله من السنة:

- ‌ استدلاله بالإجماع:

- ‌ استدلاله بقياس الأولى

- ‌مسلك الموازنة:

- ‌المبحث الثالث:في تأخير الحد لعارض

- ‌المبحث الرابع:إقامة الحد بالقرينة الظاهرة

- ‌ استدلاله بقياس الأولى:

- ‌الترجيح والاختيار:

- ‌باب حد الزنى

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأولفي الاعتراض على عقوبة الزنى ورده

- ‌المبحث السادسفي اشتراط الإسلام في الإحصان

- ‌المبحث السابع:في عقوبة الزاني المحصن

- ‌المناقشة والترجيح:

- ‌المبحث الثامن:في عقوبة من زنى بجارية امرأته

- ‌المبحث التاسع:في عقوبة من زنى بذات محرمة

- ‌المبحث الرابع عشر:في مفاسد اللوطية الصغرى

- ‌المبحث الخامس عشر:في مفاسد اللواط

- ‌بَابُ حدِّ القذْف

- ‌توطئة

- ‌ مواطن بحث القذف عند العلماء:

- ‌المبحث الخامس:عقوبات القاذف

- ‌العقوبة الأولى: جلد القاذف

- ‌العقوبة الثالثة: عدم قبول شهادته

- ‌الأولى: عدم قبول شهادته بعد حده ما لم يتب

- ‌الثانية: هل عدم قبول شهادة القاذف من تمام عقوبته أم لفسقه

- ‌الثالثة: في حكم قبول شهادته بعد توبته

- ‌الترجيح:

- ‌باب حد الخمر

- ‌توطئة

- ‌لماذا سمّيت الخمر خمراً:

- ‌حقيقة السكر بين الفقهاء وابن القيم:

- ‌أسباب السكر:

- ‌ الأولى: حكمة الشرع في تحريم الخمر

- ‌1- تحريم القطرة من الخمر

- ‌الفرع الثانيبيان مقدار العقوبة

- ‌الترجيح:

- ‌ رأي ابن حزم

- ‌ رأي ابن تيمية وابن القيم:

- ‌ التعزير: بالنفي

- ‌التعزير بالحلق للرأس:

- ‌تعزير الشارب في رمضان:

- ‌الفرع الخامس:العقوبة المالية للخمار

- ‌المبحث الخامس:إقامة حد الخمر بالقرينة الظاهرة

- ‌باب حد السرقة

- ‌المبحث الأول:حكمة التشريع في جعل عقوبة السارق قطع يده

- ‌الشرط الخامس: انتفاء الشبهة

- ‌ العقوبات التعزيرية للسارق

- ‌المبحث السابع:في توبة السارق

- ‌باب الردة

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأول:في ردة من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني:في ردّة قاذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌المبحث الخامس:في توبة الزنديق

- ‌باب التعزير

- ‌المبحث الأولفي مقدار التعزير

- ‌ المسلك الرابع

- ‌الترجيح:

- ‌المبحث الثاني:في أنواع العقوبات التعزيرية

- ‌الفرع الثاني: تنويعها باعتبار أثرها في المال

- ‌الخاتمةفي خلاصَة البحث ونتائجه

الفصل: ‌المبحث الثاني:في أنواع العقوبات التعزيرية

‌الترجيح:

بعد هذا التطواف والوقوف على أقوال العلماء في أكثر التعزير وما استدل به لكل قول وما جرى حوله من مناقشات يظهر ترجيح القول الأول المختار لدى الإمام ابن القيم وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وذلك لسلامة أدلته ومراعاته لحكم الشريعة ومقاصدها والله أعلم.

‌المبحث الثاني:

في أنواع العقوبات التعزيرية

(1) .

العقوبات التعزيرية كثيرة ومتنوعة لكن نستطيع أن نصنفها حسب متعلقاتها على ما يلي:

1-

ما يتعلق بالأبدان كالجلد والقتل.

2-

ما يتعلق بالأموال كالإتلاف والغرم.

3-

ما هو مركب منهما، كجلد السارق من غير حرز مع اضعاف الغرم عليه. 4- ما يتعلق بتقييد الإرادة كالحبس والنفي.

5-

ما يتعلق بالمعنويات كإيلام النفوس بالتوبيخ والزجر.

وهذه الأنواع ونحوها متفق عليها كأصول للتعزير، وإنما وقع الخلاف فيبعض مفرداتها.

(1) انظر: الطرق الحكمية ص/12، 57 وما بعدها، 106- 109، 306- 324 وزاد المعاد 2/ 66، 72، 143، 3/ 16، 28، وأعلام الموقعين 2/ 98- 99، 3/ 128، وإغاثة اللهفان 1/331- 333

ص: 483

وقد تناول ابن القيم رحمه الله تعالى أهمها وأكثرها شيوعاً مما تشتد الحاجة إليه

منها في أقسامها الآتية:

القسم الأول: التعزيرات البدنية. وفيها نوعان:

أ- التعزير بالجلد.

يتخرج على اختيار ابن القيم رحمه الله تعالى المتقدم: من أنه لا حد لأكثر التعزير، أن التعزير بالجلد عنده لا حد لأكثره والله أعلم.

ب- التعزير بالقتل:

امتداداً لاختيار ابن القيم رحمه الله تعالى: القول بأن التعزير يكون حسب المصلحة وعلى قدر الجريمة، اختار أيضاً جواز أن يبلغ بالتعزير القتل إذا لم تندفع المفسدة إلا به فقال (1) :

(يسوغ التعزير بالقتل إذا لم تندفع المفسدة إلا به مثل قتل المفرق لجماعة المسلمين والداعي الى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

تنديد ابن القيم بالتعزير بالقتل ظلماً:

وهو رحمه الله تعالى بجانب هذا الاختيار يندد باستحلال ولاة الجور: القتل باسم السياسة والرهبة، وأن هذا من باب تسمية الباطل باسم الحق والأسماء لا تغير المسميات عن حقائقها إذ العبرة في الشريعة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، فيقول رحمه الله تعالى في ذلك:(قال شيخنا (2) رضي الله عنه: وقد جاء حديث

(1) انظر: الطرق الحكمية ص/306- 307.

(2)

انظر: أعلام الموقعين 3/128 - 129.

(3)

يريد: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

ص: 484

مرفوعاً وموقوفاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (يأتي على الناس زمان يستحل فيه خمسة أشياء بخمسة أشياء، يستحلون الخمر باسم يسمونها إياه، والسحت بالهدية والقتل بالرهبة، والزنى بالنكاح، والربا بالبيع) .....

وأما استحلال القتل باسم الإرهاب الذي تسميه ولاة الجور سياسة وهيبة وناموساً وحرمة للملك فهو أظهر من أن يذكر) .

موقف العلماء من التعزير بالقتل:

وقد أوضح ابن القيم رحمه الله تعالى موقف العلماء من جواز البلوغ بالقتل تعزيراً، فبين أن أوسع المذاهب في ذلك مذهب المالكية، وأبعدها عن التعزير بالقتل مذهب الحنفية وأنهم مع ذلك جوزوا التعزير به للمصلحة وأن طائفة من الشافعية وأخرى من الحنابلة أجازوا القتل تعزيراً في بعض الجرائم.

وفي ذلك يقول رحمه الله تعالى (1) :

(وأبعد الأئمة عن التعزير بالقتل: أبو حنيفة، ومع ذلك فيجوز التعزير به للمصلحة، كقتل المكثر من اللواط (2) وقتل القاتل بالمثقل (3) .

ومالك: يرى تعزير الجاسوس المسلم بالقتل، ووافقه بعض أصحاب أحمد، ويرى أيضاً هو وجماعة من أصحاب أحمد والشافعي: قتل الداعية إلى البدعة) . وقال أيضاً (4) :

(1) انظر: الطرق الحكمية ص/307.

(2)

انظر: فيما تقدم ص/444

(3)

الصحيح في هذا أن القتل بالمثقل (وهو: ما لا حد له كالحجر الكبير ونحوه) يوجب القصاص وهو مذهب الثلاثة والصاحبان من الحنفية (وانظر: التعزير في الشريعة الإسلامية ص/257-

260) . والهداية4/ 162.

(4)

انظر: الطرق الحكمية ص/106

ص: 485

(وعلى القول الأول- (وهو أن التعزير حسب المصلحة) - هل يجوز أن يبلغ بالتعزير القتل؟ قيه قولان:

أحدهما: يجوز، كقتل الجاسوس المسلم إذا اقتضت المصلحة قتله، وهذا قول مالك وبعض أصحاب أحمد، واختاره ابن عقيل، وقد ذكر بعض أصحاب الشافعي وأحمد نحو ذلك في قتل الداعية إلى البدعة، كالتجهم، والرفض، وإنكار القدر، وقد قتل عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى غيلان القدري (1) لأنه كان داعية إلى بدعة، وهذا مذهب مالك رحمه الله تعالى وكذلك قتل من لا يزول فساده إلا بالقتل، وصرح به أصحاب أبي حنيفة في قتل من لا يزول فساده إلا بالقتل، وصرح به أصحاب أبي حنيفة في قتل اللوطي إذا أكثر من ذلك تعزيراً وكذلك إذا قتل بالمثقل قالوا للإمام أن يقتله، وإن كان أبو حنيفة لا يوجب الحد في هذا ولا القصاص في هذا، وصاحباه يخالفانه في المسألتين وهما مع جهور الأئمة) . فترى من هذه النقول أن القتل تعزيراً موجود في عامة المذاهب إما في قضايا معينة أو في قضايا متعددة وأن ابن القيم رحمه الله تعالى يختار جواز أن يبلغ بالتعزير القتل إذا لم تندفع المفسدة إلا به.

الأدلة (2) :

وقد أيد ابن القيم رحمه الله تعالى هذا الاختيار بعدة قضايا ورد في السنة قتل مرتكب الجريمة فيها تعزيراً في نظره وهي:

1-

قتل شارب الخمر في الرابعة.

2-

قتل الجاسوس.

(1) هو: غيلان بن أبي غيلان. قتل لقوله في القدر وقد فعل وفعل ناظره الأوزاعي وأفتى بقتله (انظر: لسان الميزان لابن حجر 4/424) .

(2)

انظر: الطرق الحكمية ص/307

ص: 486

3-

قتل من اتهم بأم ولده صلى الله عليه وسلم

وقد ناقش ابن القيم رحمه الله تعالى كل قضية من هذه القضايا على انفرادها محتجاً بها على سبيل الإجمال للتعزير بالقتل!

وهذه القضايا هي مورد النزاع بين أهل العلم في مشروعية القتل تعزيراً فإلى بيانها حتى يتضح مدى قوة اختيار ابن القيم في ذلك.

1-

قتل شارب الخمر في الرابعة تعزيراً:

تقدم بيان حكم هذه العقوبة وأن ابن القيم رحمه الله تعالى يرى أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الشارب في الرابعة حكم تعزيري وليس حداً له وأنه محكم غير منسوخ، ولهذا فإنه من أدلة مشروعية التعزير بالقتل لدى ابن القيم رحمه الله تعالى (1) . وقد استظهرت فيما تقدم أن الحديث منسوخ، وأن قتل المدمن في الخمر تعزيراً للمصلحة ودفع المفسدة. وعليه فلا يتم الاستدلال به لابن القيم والله أعلم.

2-

قتل الجاسوس (2) :

الجاسوس له حالتان:

الأولى: الجاسوس غير المسلم.

فهذا يقتل تعزيراً عند عامة الفقهاء (3) .

(1) انظر: الطرق الحكمية ص/307.

(2)

الجاسوس: صاحب سر الشر، عكس الناموس: وهو صاحب سر الخير (انظر: المطلع ص/ 221) . والتجسس: التبحث كما في صحيح البخاري عن أبي عبيدة (انظر: فتح الباري

6/143) .

(3)

انظر: زاد المعاد: 2/68

ص: 487

دليله:

هو ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أنه قتل جاسوساً من المشركين وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله تعالى (1) :

وهو يشير إلى حديث سلمة ابن الأكوع (2) رضي الله عنه قال (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين- وهو في سفر- فجلس عند أصحابه يتحدث، ثم انفتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اطلبوه واقتلوه فقتله، فنفله سلبه) رواه البخاري (3) وأبو داوود (4) . ودلالة هذا الحديث واضحة فإن هذا المشرك كان عيناً أي جاسوساً للمشركين على المسلمين للمشركين فأمر صلى الله عليه وسلم بقتله لهذا ترجمه أبو داوود بقوله (باب الجاسوس المستأمن) والله أعلم.

الثانية: الجاسوس المسلم.

أما الجاسوس المسلم فقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى الخلاف فيه على قولين: القول الأول (5) :

جواز قتل الجاسوس المسلم إذا كان يتجسس للكفار على المسلمين. وهو مذهب مالك،- وأحد الوجهين في مذهب أحمد، واختاره ابن عقيل من الحنابلة.

القول الثاني: أنه لا يقتل.

وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وظاهر مذهب أحمد (6) .

(1) انظر: المرجع السابق.

(2)

هو سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي، شهد بيعة الرضوان مات سنة 74. (تقريب التهذيب 2/318) .

(3)

انظر: فتح الباري 6/168، وسنن أبي داوود 3/112.

(4)

انظر: زاد المعاد 2/68، 170، 3/215، والطرق الحكمية ص/108 والتعزير لعبد العزيز عامر ص/256.

(5)

انظر: المراجع السابقة. وأيضاً الخراج لأبي يوسف ص/117.

ص: 488

دليل الخلاف:

يبين ابن القيم رحمه الله تعالى أن دليل الخلاف هو: قصة حاطب ابن أبي بلتعة

لما جس على النبي صلى الله عليه وسلم لقريش بكتاب أرسله مع امرأة، يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وفيه: فاستأذن عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في قتل حاطب فقال صلى الله عليه وسلم: وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم (1) .

وجه الاستدلال:

ثم يوضح ابن القيم رحمه الله تعالى وجه الاستدلال فيه لكل من- القولين فيقول (2) :

(استدل به من لا يرى قتل الجاسوس المسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل حاطباً.....) .

واستدل به من يرى قتله فقالوا:

لأنه صلى الله عليه وسلم علله بعلة مانعة من القتل منتفية في غيره ولو كان الإسلام مانعاً من قتله لم يعلل صلى الله عليه وسلم بأخص منه لأن الحكم إذا علل كان الأخص عديم التأثير وهذا أقوى والله أعلم) .

اختيار ابن القيم رحمه الله تعالى:

وقد اختار رحمه الله تعالى القول بجواز قتل الجاسوس المسلم تعزيراً إذا جس للأعداء على المسلمين متى رأى الإمام المصلحة في قتله فقال (3) : (والصحيح أن قتله راجع إلى رأي الإمام، فإن رأى في قتله مصلحة للمسلمين قتله، وإن كان بقاؤه أصلح استبقاه والله أعلم) .

(1) انظر: القصة بطولها في زاد المعاد 2/162.

(2)

انظر: زاد المعاد 2/68 والنقل هنا بتصرف.

(3)

انظر: زاد المعاد 2/ 170

ص: 489

الترجيح:

والذي يظهر لي والله أعلم هو سلامة اختيار ابن القيم، وأن قصة حاطب لا تدل على المنع لأنها واقعة فعل أحاط بها مانع خاص، وخطر التجسس على المسلمين عظيم قد لا يندفع إلا بقتله فللإمام قتل الجاسوس تعزيراً إذا لم تتحقق المصلحة إلا بقتله والله أعلم.

النتيجة:

وعليه فقد سلم لابن القيم استدلاله على جواز القتل تعزيراً، بقتل الجاسوس المسلم تعزيراً والله أعلم.

3-

قتل من اتهم بأم ولده صلى الله عليه وسلم:

استدل ابن القيم رحمه الله تعالى على مشروعية القتل تعزيراً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي اتهم بأم ولده مارية القبطية (1) أم إبراهيم (2) عليه السلام حيث اتهم بها ابن عمها فلما ظهرت براءته أمسك عنه. وذكر الحديث (3) فقال:

(روى ابن أبي خيثمة (4)، وابن السكن وغيرهما من حديث ثابت عن أنس رضي الله عنه أن ابن عم مارية كان يتهم بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه: اذهب فإن وجدته عند مارية فاضرب عنقه، فأتاه علي فإذا هو في

(1) هي: أم ولد النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم عليه السلام أهداها له المقوقس وأسلمت على يد حاطب ابن أبي بلتعة توفيت رضي الله عنها سنة 16 هـ. بالمدينة (انظر الإصابة 4/391) .

(2)

هو: ابن سيد البشر صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ولد في ذي الحجة سنة 8 هـ. وعاش ثمانية عشر شهراً ثم توفي (انظر: الإصابة 1/104) .

(3)

انظر: زاد المعاد 3/202 والطرق الحكمية ص/307.

(4)

هو: أحمد بن زهير بن حرب من حفاظ الحديث توفي سنة 279 هـ. (انظر: تذكرة الحفاظ 2/156) .

(5)

الحديث رواه مسلم مختصراً وهو من مفرداته دون الستة، انظر: مسلم بشرح النووي 17/118

ص: 490

بركة يبترد فيها، فقال له علي: اخرج، فناوله يده، فأخرجه، فإذا هو مجبوب ليس له ذكر، فكف عنه علي كرم الله وجهه ثم أتى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنه مجبوب ما له ذكر. وفي لفظ آخر: أنه وجده في نخلة يجمع تمراً وهو بخرقة، فلما رأى السيف ارتعد وسقطت الخرقة فإذا هو مجبوب لا ذكر له) (1)

موقف الناس من هذا الحديث:

بين ابن القيم رحمه الله تعالى أن هذا الحديث مما أشكل على كثير من الناس فذكر في الجواب عنه ثلاثة مسالك على ما يلي:

المسلك الأول: تضعيف الحديث.

وابن القيم رحمه الله تعالى يذكر هذا ويرفضه فيقول (2) :

(طعن بعض الناس في الحديث ولكن ليس في إسناده من يتعلق عليه) . والحديث أصله في صحيح مسلم في آخر كتاب التوبة من تراجم النووي وعليه ترجم بقوله (باب براءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم (3) .

المسلك الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد حقيقة القتل وإنما أراد التخويف والزجر. وفي هذا يقول أبن القيم رحمه ألله تعالى (4) :

(وتأوله بعضهم على أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد حقيقة القتل إنما أراد تخويفه ليزدجر عن مجيئه إليها.... فأحب صلى الله عليه وسلم أن يعرف الصحابة براءته وبراءة مارية رضي الله عنها، وعلم أنه إذا عاين السيف كشف عن حقيقة حاله فجاء الأمر كما قدره صلى الله عليه وسلم .

(1) انظر: زاد المعاد 3/202.

(2)

انظر: مسلم بشرح النووي 17/118 - 119.

(3)

انظر: زاد المعاد 3/202

ص: 491

المسلك الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله تعزيراً.

واستحسن ابن القيم هذا المسلك وفضله على سابقه فقال (1) :

(وأحسن من هذا أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً رضي الله عنه بقتله تعزيراً لإقدامه وجرأته على خلوته بأم ولده فلما تبين لعلي حقيقة الحال وأنه برىء من الريبة كف عن قتله، واستغنى عن القتل بتبين الحال، والتعزير بالقتل ليس بلازم كالحد بل هو تابع للمصلحة دائر معها وجوداً وعدماً) .

هذه المسالك التي ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى وقد ذكر النووي رحمه الله تعالى مسلكاً واحداً في الجواب عن هذا الحديث وهو الآتي:

المسلك الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله لنفاقه.

قال النووي رحمه الله تعالى (2) :

(قيل لعله كان منافقاً ومستحقاً للقتل بطريق آخر وجعل هذا محركاً لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنى، وكف عنه علي رضي الله عنه اعتماداً على أن القتل بالزنى وقد علم انتفاء الزنى والله أعلم) .

وعندي في هذا الوجه بعد لأن القصة في الحديث من أوله إلى آخره تتركز على اتهام هذا الرجل بحرم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الباعث في القصة لبعث علي رضي الله عنه فكيف يعدل عن الظاهر من غير دليل.

الترجيح:

والذي يظهر لي والله أعلم هو المسلك الثالث الذي ذكره ابن القيم واستحسنه من أن الأمر بقتله كان تعزيراً لأن الأمر مجرد تهمة لكنها في جانب حرم النبي صلى الله عليه وسلم

(1) انظر: المرجع السابق.

(2)

انظر: شرح مسلم 17/118 - 119

ص: 492