الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توطئة
في تعريف (الخمر) في اللسانين، اللغة والشرع:
لغة (1) :
الخمر: تجمع على خمور. وهي مؤنثة في اللغة الفصيحة المشهورة وتذكر، لكن قيل على ضعف، وقيل: لا، بل هي فصيحة لكن التأنيث أكثر وأشهر. ولهذا قال (الفيروز آبادي) وقد تذكر (2) .
وهي: تؤنث بالهاء، فيقال: خمرة، لكن هل هذا من الفصيح؟.
الذي صححه النووي (2) ، أنها لغة فصيحة، وقيدها في (مقصد النبيه)(4) بقوله
له (هي قليلة) .
فنخلص من هذا أنه يقال: هذه أو هذا خمر. وهذه خمرة. والجمع خمور مثل تمرة وتمور.
لماذا سمّيت الخمر خمراً:
ذكر علماء اللغة في ذلك خلافاً على أقوال ثلاثة:
(1) انظر: تهذيب الأسماء واللغات، ق2 ج1 ص/98. ومقصد النبيه ص/9، وفتح الباري 10/ 32، ومحتار الصحاح ص/189. والقاموس 2/ 32.
(2)
انظر: القاموس 2/ 32.
(3)
انظر: تهذيب الأسماء واللغات، ق 2 ج1 ص/98.
(4)
انظر: ص/9 في باب إزالة النجاسة.
الأول: سميت خمرا لأنها تغطى حتى تدرك أي حتى تغلي. حكاه النووي (1)
والقرطبي (2) ، والحافظ بن حجر (3) ، والرازي (4) ، وعزاه لابن الأعرابي (5) .
الثاني: أنها لما كانت تستر العقل وتغطيه سميت بذلك. حكاه القرطبي (6) ، والحافظ بن حجر (7) ، والفيروز آبادي (8) ، والنووي (9) ، وعزاه للكسائي (10)
الثالث: سميت خمراً لأنها تخامر العقل أي تخالطه. حكاه الفيروز آبادي (11) ، والقرطبي (12) ، وابن حجر (13) ، والنووي (14) ، وعزاه لابن الأنباري.
وهذه المعاني الثلاثة يجدها الناظر متقاربة بل هي متشابكة لأن أصلها الستر فلا مانع إذا أن تكون سميت الخمر خمراً لهذه الأمور الثلاثة ولا منافاة وهذا هو ما جنح إليه جمع منهم العلامة القرطبي إذ قال (15) :
(فالمعاني الثلاثة متقاربة، فالخمر تركت، وخمرت حتى أدركت ثم خالطت العقل، ثم خمرته والأصل الستر) .
ومنهم الحافظ بن حجر إذ قال بعد حكايته (16) :
(1) انظر: تهذيب الأسماء واللغات، ق 2 ج1 ص/98.
(2)
انظر: تفسير القرطبي 3/ 51.
(3)
انظر: فتح الباري 10/ 32، 10/48.
(4)
انظر: مختار الصحاح، ص/189.
(5)
ابن الأعرابي هو: محمد بن زياد الراوية اللغوي توفي سنة 231 هـ. (انظر: الأعلام للزركلي، 6/365) .
(6)
انظر: تفسير القرطبي، 3/51.
(7)
انظر: فتح الباري 10/32، 10/48.
(8)
انظر: القاموس 2/23.
(9)
انظر: تهذيب الأسماء واللغات، ق 2 ج1، ص 98.
(10)
الكسائي: هو علي بن حمزة الأسدي مولاهم المتوفى سنة 189 هـ. (انظر: الأعلام للزركلي 5/93) .
(11)
انظر: الغاموس، 2/23.
(12)
انظر: تفسير القرطبي 3/51.
(13)
انظر: فتح الباري 10/32، 10/48.
(14)
انظر: تهذيب الأسماء واللغات، ق 2 ج1 ص 98.
(15)
انظر: تفسير القرطبي 3/ 51.
(16)
انظر: فتح الباري 10/48.
(ولا مانع من صحة هذه الأقوال كلها لثبوتها عن أهل اللغة وأهل المعرفة باللسان) .
قال ابن عبد البر: الأوجه كلها موجودة في الخمرة، لأنها تركت حتى أدركت وسكنت فإذ شربت خالطت العقل حتى تغلب عليه وتغطيه) .
فهؤلاء ثلاثة من أعيان المحققين من أهل العلم وهم: ابن عبد البر، والقرطبي، وابن حجر، يرون أن الخمر إنما سميت خمراً لاجتماع هذه المعاني الثلاثة بها لأن الأصل في معناها الستر والتغطية. وقد ثبتت جميعها عن أهل اللسان العربي والله أعلم.
حقيقتها في اللغة:
عرفنا فيما سبق، تصريفها في اللغة (1) ، وسبب تسميتها بذلك (2)، فما هي حقيقتها في لسان العرب أي مم تكون الخمر. أو ما هو حدها عند العرب. اختلف أهل المعرفة باللسان في ذلك على أربعة أقوال على ما يلي:
الأول: العموم في حقيقتها وهو: أن كل ما أسكر فهو خمر. وهذا هو ما صححه جماعة المحققين منهم الراغب (2) ، والنووي (4) ، والفيروز آبادي (5)، وابن حجر (6) . وقال: وهو لغير واحد من أهل اللغة.
الثاني: كل مسكر اتخذ من العنب خاصة، حكاه الراغب (7) ، والفيروز آبادي (8) ، والنووي (9) ، وابن حجر (10) .
(1) انظر: ص/1.
(2)
انظر: ص/2.
(3)
انظر: المفردات، ص/159.
(4)
انظر: تهذيب اللغات، ق 2 ج1 ص /98 - 99.
(5)
انظر: القاموس 2/23.
(6)
انظر: فتح الباري، 10/47.
(7)
انظر: المفردات ص/159.
(8)
انظر: القاموس 2/ 23.
(9)
انظر: تهذيب اللغات، ق 2 ج1 ص 99.
(10)
انظر: فتح الباري 10/47.
الثالث: الخمر كل مسكر اتخذ من العنب والتمر. حكاه الراغب (1) ، وابن
حجر (2)
الرابع: هي كل ما أسكر من غير المطبوخ. حكاه الراغب (3) ، وابن حجر (4) .
ولهذا الخلاف شواهد وأدلة لا سيما الأقوال الثلاثة الأول. وقد كشف عنها الحافظ بن حجر في الفتح (5) ، وابن الهمام في فتح القدير (6)، عند بيانهما لحقيقتها الشرعية. ولولا الإطالة والخروج عن موضوع الرسالة لأتيت بذكر ذلك مع ما ذكره غيرهما. ولعل في بيان حقيقتها الشرعية هنا ما يجلى بعض ذلك وهو المبحث الآتي:
حقيقتها الشرعية:
اختلف العلماء في حقيقة (الخمر) الشرعية على قولين:
الأول: للحنفية، فالخمر عندهم، ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد، بطبعه دون عمل النار (7) .
الثاني: للجمهور منهم المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم من أهل الأثر
قا لوا:
الخمر كل ما أسكر سواء كان عصيراً أو نقيعاً من العنب أو غيره مطبوخاً أو غير مطبوخ وهذا هو ما انتصر له جماعة المحققين من أهل العلم منهم: النووي (8) ،
(1) انظر: المفردات ص/159.
(2)
انظر: فتح الباري 10/47.
(3)
انظر: المفردات ص/159.
(4)
انظر: فتح الباري 10/47.
(5)
انظر: فتح الباري 10/37، 10/47- 48.
(6)
انظر: فتح القدير 5/79- 80- 81.
(7)
انظر: في بيان مذهبهم: فتح القدير لابن الهمام 5/79- 81. وفتح الباري لابن حجر 10/47- 48. والإفصاح لابن هبيرة 2/425.
(8)
انظر: تهذيب اللغات، ق 2 ج1 ص/99
وابن حجر (1) ، والقرطبي (2) ، والفيروز آبادي (3) .
قال النووي: واللغة تشهد لهذا (4) .
وقال القرطبي (5) : (الأحاديث الواردة تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمراً ولا يتناوله اسم الخمر. وهو قول مخالف للغة العرب والسنّة الصحيحة والصحابة رضي الله عنهم.
. لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر. ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه، ولم يتوقفوا ولم يستفصلوا، ولم يشكل عليهم شيء من ذلك بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب. وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن إلى أن قال: فصار القائل بالتفريق سالكا غير سبيلهم) إلخ..
فتبين من هذا أن الخمر من ماء عصير العنب إذا اشتد، حقيقة لغوية شرعية بالاتفاق فيطلق عليه اسم (الخمر) إطلاقاً حقيقياً إجماعاً.
وأما من غيره فيطلق عليه اسم (الخمر) حقيقة لغوية شرعية على الأصح عند الجمهور من علماء اللغة والشريعة.
ومن فوائد الخلاف أن من شرب من أي مسكر من العنب أو غيره أقيم عليه
الحدّ سواء سكر منه الشارب أم لا وهذا على الأصح وهو مذهب الجمهور. وأما عند الحنفية فمن شرب من ماء عصير العنب المشتد حدّ سواء سكر منه أم
لا لأنه هو (الخمر) حقيقة. وأما من شرب من خلافه فلا يحد إلا إن أسكر والله أعلم (6) .
(1) انظر: فتح الباري 10/47- 48.
(2)
انظر: تفسير القرطبي 6/294- 295.
(3)
انظر: القاموس 2/23.
(4)
انظر: تهذيب اللغات، ق 2 ج1 ص/99.
(5)
انظر: تفسير القرطبي 6/295.
(6)
انظر: فتح القدير لابن الهمام 5/76- 80- 81
موقف ابن القيم من حقيقة الخمر (1) :
أما ابن القيم رحمه الله تعالى فيرى أن بيان حقيقة الخمر شرعاً من المسائل التي طال فيها النزاع وكثر السؤال والجواب. وإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل لها حداً أغنانا به عن هذا التعب والتطويل فقال صلى الله عليه وسلم "كل مسكر خمر"(2) . فهذا الحد يتناول كل فرد من أفراد المسكر. وقد سماه (خمراً) أفصح الأمة لساناً صلى الله عليه وسلم.
وبيّن أن من خصّ الخمر بنوع خاص من المسكرات، فقد قصر فهمه، وهضم المعنى العام في الخمر- الشامل معناه لكل مسكر، وبالتالي ففي هذا جهل بحدود كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وهو من الغلط البيّن على دين الله وشرعه. وإن من نتائج هذا الرأي أنهم لما احتاجوا إلى تحريم كل مسكر سلكوا طريق القياس ونازعهم الآخرون. وكل هذا من نتائج قصور الفهم لحدود الحلال والحرام.
وأرى من الأمانة لحفظ كلامه وسلامة وحدة الموضوع أن أذكر كلامه بنصه
في تقرير هذه القاعدة مع ذكر المثال لها في معرفة حد الخمر من الوضع الشامل من كلامه وهذا نصه من (الأعلام)(3) :
(من المعلوم أن الله سبحانه حد لعباده حدود الحلال والحرام بكلامه. وذم من
لم يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله. والذي أنزله هو كلامه. فحدود ما أنزله الله هو الوقوف عند حدّ الاسم الذي علق عليه الحل والحرمة. فإنه هو المنزل على رسوله وحده بما وضع له لغة أو شرعاً. بحيث لا يدخل فيه غير موضوعه. ولا يخرج منه شيء من موضوعه. ومن المعلوم أن حد البر لا يتناول الخردل. وحد التمر لا يدخل فيه البلوط. وحد الذهب لا يتناول القطن. ولا يختلف الناس أن حد الشيء ما يمنع دخول غيره فيه. ويمنع خروج بعضه منه. وإن أعلم الخلق بالدين
(1) انظر: أعلام الموقعين 1/220، 1/267، 1/382، وتهذيب السنن 5/262 - 264.
(2)
يأتي تخريجه ص/516.
(3)
انظر: أعلام الموقعين 1/266-267.
أعلمهم بحدود الأسماء التي علق بها الحل والحرمة. والأسماء التي لها حدود في كلام
الله ورسوله ثلاثة أنواع:
نوع له حد في اللغة: كالشمس والقمر والبر والبحر والليل والنهار. فمن حمل هذه الأسماء على غير مسماها أو خصها ببعضه أو أخرج منها بعضه فقد تعدى حدودها.
ونوع له حد في الشرع: كالصلاة والصيام والحج والزكاة والإيمان والإسلام والتقوى ونظائرها فحكمها لتناولها في مسمياتها الشرعية كحكم النوع الأول في تناوله لمسماه اللغوي.
ونوع له حد في العرف: لم يحده الله ورسوله بحد غير المتعارف. ولا حد له في اللغة كالسفر والمرض المبيح للترخص والسفه والجنون الموجب للحجر والشقاق
الموجب لبعث الحكمين والنشوز المسوغ لهجر الزوجة وضربها والتراخي المسوغ لحل التجارة والضرار المحرم بين المسلمين. وأمثال ذلك. وهذا النوع في تناوله
لسماه العرفي كالنوعين الآخرين في تناولها لمسماها. ومعرفة حدود هذه الأسماء
ومراعاتها مغن عن القياس غير محوج إليه وإنما يحتاج إلى القياس من قصر في هذه
الحدود، ولم يحط بها علماً. ولم يعطها حقها من الدلالة. مثاله: تقصير طائفة من الفقهاء في معرفة حد الخمر حيث خصوه بنوع خاص من المسكرات. فلما احتاجوا إلى تقرير تحريم كل مسكر سلكوا طريق القياس. وقاسوا ما عدا ذلك النوع في التحريم عليه. فنازعهم الآخرون في هذا القياس. وقالوا: لا يجري في الأسباب وطال النزاع بينهم. وكثر السؤال والجواب. وكل هذا من تقصيرهم في معرفة حد الخمر. فإن صاحب الشرع قد حده بحد يتناول كل فرد من أفراد السكر فقال (كل مسكر خمر) فأغنانا هذا الحد عن باب طويل عريض كثير التعب من القياس وأثبتنا التحريم بنصه لا بالرأي والقياس) .
فنرى ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا يقرر مذهب الجمهور ويبيّن أنه هو عين
ما حده رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (كل مسكر خمر) . ويشدد النكير على من
خالفهم من الكوفيين أهل الرأي من الحنفية وغيرهم الذين يخصون اسم الخمر بماء عصير العنب المشتد خاصة.
وهذا الحديث الذي يدور عليه كلام ابن القيم في شمول اسم الخمر لكل مسكر هو من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله
عنهما وغيره رواه أحمد (1) ، ومسلم (2) ، وأصحاب السنن (3) ، كلهم بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل مسكر خمر) مطولاً ومختصراً.
ولفظه عند مسلم: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربها في الآخرة"(4) والله أعلم.
رد ابن القيم على الكوفيين:
ثم إن ابن القيم رحمه الله تعالى أنحى بالملام على الكوفيين حيث خصوا الخمر بنوع خاص من العنب وساق من النصوص ما يرد هذا الرأي ويبطله وبسط ذلك في كتابه (تهذيب سنن أبي داود)(5) على ما يلي:
1-
وعن أنس رضي الله عنه قال (إن الخمر حرمت. والخمر يومئذ: البسر والتمر) رواه البخاري (6) ، ومسلم (7) .
(1) انظر: المسند 1/274 وفي مواضع كثيرة منه انظرها في (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي 2/ 491) .
(2)
انظر: صحيح الإمام مسلم بشرح النووي 13/169- 171.
(3)
وانظر في مواضع تخريجه عندهم (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي لجماعة من المستشرقين 2/491) .
(4)
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 13/172.
(5)
انظر: 5/262.
(6)
انظر: صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 10/37.
(7)
انظر: مسلم بشرح النووي 13/151.
2-
وعن أنس أيضاً رضي الله عنه قال: (لقد أنزل الله الآية التي حرم فيها الخمر. وما بالمدينة شراب يشرب إلا من التمر) . رواه مسلم (1) .
3-
وعنه أيضاً قال: (حرمت علينا الخمر حين حرمت وما نجد خمر الأعناب وعامة خمرنا البسر والتمر) رواه البخاري (2) .
4-
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذٍ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب) رواه البخاري (3) ، ومسلم (4) .
5-
وعن أنس رضى الله عنه قال: (كنت أسقي أبا عبيدة (5) وأبا طلحة (6) ، وأبي بن كعب (7)، فضيخ (8) زهو وتمر فجاءهم آتٍ. فقال إن الخمرة حرمت فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها) ، رواه البخاري (9) ،
ومسلم (10) .
وجه الدلالة من هذه الأحاديث:
ثم ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى وجه الدلالة من هذه الأحاديث رداً على الذين خصوا الخمر بما كان من عصير العنب فقال (11) : (فهذه النصوص الصحيحة
(1) انظر: مسلم بشرح النووي 13/151- 152.
(2)
انظر: البخاري مع شرحه فتح الباري 10/35.
(3)
انظر: البخاري مع شرحه فتح الباري 10/35.
(4)
انظر: مسلم مع شرح النووي 13/151.
(5)
أبو عبيدة: هو عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري أحد العشرة رضي الله عنهم مات سنة 18 هـ. (انظر التقريب لابن حجر 1/388) .
(6)
أبو طلحة: هو زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه مات سنة 34 هـ. (انظر الإصابة لابن حجر 1/549 والتقريب 1/275) .
(7)
أبيّ بن كعب: هو الأنصاري سيد القراء رضى الله عنه مات سنة 32 هـ. وقيل غير ذلك (انظر الإصابة 1/31 والتقريب 1/48) .
(8)
فضيخ زهو: الفضيخ عصير العنب وهو شراب يتخذ من بسر مفضوخ (انظر القاموس 1/276) .
(9)
انظر: البخاري مع فتح الباري لابن حجر 1/36.
(10)
انظر: مسلم بشرح النووي 13/148.
(11)
انظر: تهذيب السنن 5/262
الصريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن. وخوطب بها الصحابة عن التكلف في إثبات تسميتها خمراً بالقياس مع كثرة النزاع فيه. فإذا قد ثبت تسميتها خمراً أيضاً. فتناول لفظ النصوص لها كتناوله لشراب العنب سواء تناولاً وحداً. فهذه طريقة منصوصة سهلة تريح من كلفة القياس في الاسم. والقياس في الحكم) .
6-
دلالة القياس.
ثم إن ابن القيم رحمه الله تعالى لم يكتفِ بسياق هذه النصوص من السنة المشرفة
بل بين أن محض القياس الجلي يقتضي هذا فقال (1) : (ثم إن محض القياس الجلي يقتضي التسوية بينها. لأن تحريم قليل شراب العنب مجمع عليه وإن لم يسكر وهذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه وقليله يدعو إلى كثيره. وهذا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة. فالتفريق بينها في ذلك تفريق بين المتماثلات. وهو باطل. فلو لم يكن في المسألة إلا القياس لكان كافياً في التحريم. فكيف وفيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن فيها ولا اشتباه في معناها. بل هي صحيحة صريحة. وبالله التوفيق) . وهذا قياس جلي يفيد المطابقة التامة لصحيح المنقول وهو مستوفي لأركانه وشرائطه:
فذكر المقيس وهو: قليل المسكر من غير العنب.
وذكر المقيس عليه وهو: قليل شراب العنب وإن لم يسكر.
وذكر العلّة الجامعة وهي: الإسكار.
وذكر الحكم وهو: التحريم.
وبيّن أنه من قياس الأولى: لأن المسكر من غير العنب أولى بالتحريم من قليل الخمر من العنب إذا لم يسكر. لأن الأول تحقق فيه الإسكار أما الثاني فهو مدعاة لأن يشرب منه ما يسكر فتكون العلّة إذا في المسكر من غير العنب أقوى في
(1) انظر: تهذيب السنن 5/263
الاعتبار من قليل الخمر من العنب الذي لا يسكر والله أعلم.
ولا شك أن ما اختاره ابن القيم وانتصر له هو الذي يؤيده النص الصحيح. والعقل الصريح والنظر الرجيح. وإن قول الكوفيين هذا من غرائب الآراء وأشدها بعداً عن هدي الشريعة ودلها وهو يفتح باب إفساد العقول. لهذا اشتد النكير من أهل العلم عليهم وقابلوه بالرفض والنقض.
ومن هؤلاء العلماء الذين نقدوا هذه المقالة وكشفوا عنها. القرطبي رحمه الله تعالى في (تفسيره)(1)، وقد أطال فيها المقال وذكر كلاماً حسناً لأحد شيوخه فقال (2) :
(قال شيخنا الفقيه الإمام أبو العباس أحمد (3) رضي الله عنه: العجب من المخالفين في هذه المسألة فإنهم قالوا: إن القليل من الخمر المعتصر من العنب حرامٍ ككثيره. وهو مجمع عليه. فإذا قيل لهم: فلم حرم القليل من الخمر وليس مذهبا للعقل؟ فلا بد أن يقال: لأنه داعية إلى الكثير، أو للتعبد، فحينئذٍ يقال لهم: كلّ ما قدرتموه في قليل الخمر هو بعينه موجود في قليل النبيذ فيحرم أيضاً. إذ لا فارق بينهما إلا مجرد الاسم إذا سلم ذلك. وهذا القياس هو أرفع أنواع القياس. لأن الفرع فيه مساوٍ للأصل في جميع أوصافه
…
ثم العجب من أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله فإنهم يتوغلون في القياس ويرجحونه على أخبار الآحاد. ومع ذلك فقد تركوا هذا القياس الجلي المعضود بالكتاب والسنّة والإجماع من صدور الأمة.
(1) انظر: تفسير القرطبي 6/293- 296.
(2)
انظر: تفسير القرطبي 6/295.
(3)
لم أقف له على ترجمة.
مباحث حد الخمر عند ابن القيم رحمه الله تعالى
وفي ضوء هذا البيان من ابن القيم رحمه الله تعالى لحقيقة الخمر كشف عن عدة مباحث في الخمر وحد شاربها على النحو الآتي:
المبحث اَلأول: السكر، حقيقته وأسبابه.
المبحث الثاني: حكمة التشريع في الخمر.
المبحث الثالث: في سد الذرائع الموصلة إلى الخمر.
المبحث الرابع: في عقوبة شارب الخمر.
المبحث الخامس: إقامة حد الخمر بالقرينة الظاهرة.
وبيان كلّ مبحث منها على ما يلي: