المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الطلاق سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، رحمه الله: - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٧

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌كتاب الطلاق سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، رحمه الله:

‌كتاب الطلاق

سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، رحمه الله: عن طلاق الصبي الذي لم يبلغ؟

فأجاب: قد اختلف العلماء في ذلك، فذهب مالك وطائفة من العلماء: إلى أنه لا يقع طلاقه حتى يبلغ، وذهب الإمام أحمد في المشهور عنه، والشافعي وطائفة من العلماء: إلى أنه إذا عقل الطلاق، وعلم أن زوجته تبين منه بذلك، خصوصاً إذا تجاوز العشر، فإنه يقع الطلاق.

وسئل: عمن طلق زوجته واختل عقله؟

فأجاب: إن كان حال الطلاق ثابت العقل، وطلق مختاراً، فالطلاق واقع؛ فإن كانت آخر ثلاث تطليقات، لم تحل له إلا بعد زوج وإصابة، ولو اختل عقله بعد ذلك، ولو آل به الأمر إلى الجنون. وإن كان الطلاق الذي وقع بكلمة واحدة، جمع فيها الطلاق ثلاثاً، فكذلك عند الأئمة الأربعة، وهو الذي يفتى به عندنا. وعند الشيخ تقي الدين، وابن القيم: أن طلاق الثلاث بكلمة واحدة، تحسب طلقة واحدة، وحينئذ فله رجعتها، والعمل على كلام الجمهور.

ص: 277

سئل الشيخ محمد، رحمه الله: عمن طلق من غير إكراه؟

فأجاب: إذا طلقها من غير إكراه، لزمه الطلاق.

سئل الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري: إذا هدده ظالم قادر على قتله، أو أخذ ماله، أو آلمه بالضرب ونحوه، فهل يتخلص منه بحلف بالطلاق أو غيره؟

فأجاب: إن أمكن التأول في حلفه تأول، وإن لم يمكن فلا حنث عليه، سواء حلف بالطلاق أو غيره.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: عن قولهم: يقع في النكاح الفاسد، ولا يقع في الباطل إجماعاً؟

فأجاب: الفاسد هنا، هو ما اختلف في صحته، لأن كلاً من المختلفين إمام مجتهد، وله استدلال على ما ذهب إليه; فإذا قال الإمام أحمد، رحمه الله: إن النكاح لا يصح، لحديث كذا، وقاله أصحابه لقوة دليله عندهم، ورأينا غيره يقول بالصحة، ويقدح في إسناد حديثه مثلاً، فإنا لا نحكم والحالة هذه بأن النكاح لم ينعقد، فنقول: هو فاسد، لا يخرج من ذلك إلا بالطلاق، خروجاً من خلاف العلماء. وأما الباطل: فهو ما أجمع على بطلانه، لظهور دليله وعدم المعارض، فيكون غير منعقد من أصله، فلا يحتاج إلى طلاق، لكونه لم ينعقد بيقين.

ص: 278

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما الطلاق في النكاح الفاسد، فقال في الإنصاف: يقع الطلاق في النكاح المختلف فيه، كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا؛ ونص عليه أحمد، رحمه الله، وهو المذهب. ثم ذكر وجهاً بعدم الوقوع، ثم قال: حيث قلنا بالوقوع فيه، فإنه يكون طلاقاً بائناً، قاله في الرعاية والفروع والنظم وغيرهم، قال: فَيُعابا بها. انتهى. فعلى هذا، يحسب من الطلقات الثلاث.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله: عن طلاق الغضبان؟

فأجاب: وأما طلاق الغضبان فهو يقع إذا لم يغب عقله.

وأجاب الشيخ حسن بن حسين بن علي: إذا أقر بطلاق امرأته، وادعى أنه لا يشعر من شدة الغضب، فهذه الدعوى لا تقبل منه إلا ببينة تشهد أنه حال الطلاق لا شعور له، قد بلغ حد الإغماء والسكر؛ فإن شهدت بذلك لم يقع، وإن كان مجرد غضب وقع، أو لم يحضر بينة وقع أيضاً.

سئل الشيخ حمد بن ناصر: عمن وكل وكيلاً في طلاق زوجته، هل للوكيل أن يزيد على طلقة، إذا كان الموكل لم يأمره بكثير ولا قليل؟ وهل إذا طلق ثلاثاً تقع أم لا؟ وهل يعتبر إنكار الموكل؟

ص: 279

فأجاب: هذه المسألة، الراجح فيها أن الوكيل لا يزيد على واحدة، لأن الزيادة خلاف السنة؛ فإن زاد لم يقع إلا واحدة، إلا أن يأمره الموكل بذلك، فإن لم يأمره بذلك ولم يثبت ببينة ولا بإقرار الموكل، لم يثبت إلا طلاق السنة، وهي الطلقة الواحدة.

سئل الشيخ عبد الله بن محمد: عن تطليق المرأة نفسها؟

فأجاب: والمرأة إذا طلقت نفسها لم تطلق. انتهى.

قال أبناء الشيخ محمد: حسين وإبراهيم وعبد الله وعلي، رحمهم الله: ومنها - أي من البدع -: ما يفعله بعض الناس من مخالفة أمر الله، وارتكاب ما نهى عنه في كتابه، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [سورة الطلاق آية: 1] .

أمر الله من أراد أن يطلق: أن يطلق طلاق السنة، وذلك: بأن تكون المرأة طاهرة طهراً لم يجامعها فيه، ونهى الزوج عن إخراجها من بيتها الذي كانت فيه قبل الطلاق، وأوجب عليها أن تعتد في بيتها، ونهاها أن

ص: 280

تخرج؛ فلا يجوز لزوجها أن يخرجها، ولا يجوز لها أن تخرج ولو تراضت هي والزوج على الخروج، فقال تعالى:{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [سورة الطلاق آية: 1] . وقال تعالى: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [سورة الطلاق آية: 1] ؛ وكثير من الناس يتهاون بهذا مع هذا التغليظ الشديد فيه، وصار هذا عادة عند الأكثرين، إذا أراد الزوج الطلاق، خرجت المرأة من بيت الزوج، واعتدت في بيت أهلها. فالواجب عليكم تقوى الله بامتثال ما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، كما قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [سورة التغابن آية: 16] .

وأجابوا أيضاً، والشيخ حمد بن ناصر، رحمهم الله تعالى: وأما الطلاق، فله عدد؛ وقد ذكر العلماء، رضي الله عنهم: أن الناس كانوا يطلقون متى شاؤوا، ويراجعون متى شاؤوا، حتى أضر ذلك بالنساء، فقصرهم الله على ثلاث تطليقات، كما قال تعالى:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ إلى قوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [سورة البقرة آية:229-230] ، فنسخ الله بهذه الآية الكريمة ما كانوا يفعلونه في أول الإسلام، فإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً واحدة بعد واحدة، حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره.

ص: 281

والسنة لمن أراد الطلاق: أن يطلقها في طهر لم يصبها فيه، طلقة واحدة، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها، فإن بدا له أن يراجعها في العدة جاز له ذلك بغير رضاها ورضى وليها، فإن أراد بعد ذلك أن يطلقها جاز له ذلك، إذا طلقها في طهر لم يصبها فيه. ثم إن شاء أن يراجعها بعد الطلقة الثانية، جاز له ذلك بغير رضاها ما دامت في العدة. ثم إذا طلقها بعد ذلك حرمت عليه، حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً بلا تحليل.

وأما جمع الثلاث بكلمة واحدة، فهذا عند جمهور العلماء طلاق بدعة، ويقع الطلاق، وتبين منه المرأة بذلك، ولا يجوز له ارتجاعها، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره؛ هذا الذي عليه الجمهور من الصحابة والتابعين، والأئمة الأربعة وأتباعهم، وهو الذي عليه الفتوى عندنا. وهذه المسألة ليست من مسائل الإجماع، فقد خالف في ذلك بعض العلماء، وقال: إن جمع الثلاث بكلمة واحدة تكون طلقة واحدة، واستدل بحديث طاووس عن ابن عباس، الذي رواه مسلم في صحيحه، وقد أجاب العلماء عنه بأجوبة كثيرة، ليس هذا موضع بسطها.

مسألة الطلاق في الحيض

وسئل أيضاً: الشيخ عبد الله بن محمد: عمن طلق امرأته وهي حائض ثلاثاً؟

فأجاب: أما مسألة الطلاق في الحيض، فالمشهور

ص: 282

والمفتى به عند علماء الأمصار، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة الأربعة وغيرهم، أن الطلاق في الحيض طلاق بدعة، ومعصية لله ولرسوله؛ ولكنه لازم ويحسب من الطلقات الثلاث؛ وهذا هو المعمول به عندنا، ودلائل ذلك كثيرة مذكورة في البخاري ومسلم وغيرهما.

ومن أشهر ذلك: " أن ابن عمر، رضي الله عنهما، طلق امرأته في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بمراجعتها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك "، وفي البخاري عن ابن عمر أنها حسبت عليه طلقة.

وأجاب أيضاً: وأما الطلاق في الحيض، فهو يقع.

وأجاب الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، رحمهم الله: وأما مسألة الطلاق في الحيض، أو في الطهر الذي جامعها فيه، فمسألة معروفة مشهورة، وجمهور أهل العلم يوقعون الطلاق فيها، ويرون أنه طلاق بدعة محرم، فاعله مستهزئ بآيات الله.

طلاق الثلاث

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن رجل تزوج امرأة وطلقها ثلاثاً قبل أن يدخل بها؟

فأجاب: تبين منه، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره؛ ولا أعلم فيه نزاعاً بين العلماء. ثم قال: واعلم أن مرادي

ص: 283

بذلك: إذا أوقع كل واحدة بعد الأخرى. ثم الأخ حمد بن ناصر بن معمر ذكر لي، أن فيها نزاعاً مشهوراً بين السلف، فراجعت المسألة، ورأيت فيها خلافاً بين الصحابة فمن بعدهم، وأما الأئمة الأربعة، فالمشهور عنهم هو ما ذكرته لك، وهو المفتى به والمعمول به عندنا.

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: عن طلاق الثلاث

إلخ؟

فأجاب: المسألة التي ذكرتها مروية عن الصحابة في مسلم، ويكفي في ذلك ما ورد فيها عن المحدَّث الملهَم، الذي أُمِرْنا باتباع سنته، ثاني الخلفاء، عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ولكن ليس في هذا ما يرد القول الآخر. وأما الحديث:" أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ " 1، فهذا يدل على أن جمع الثلاث لا يجوز; وأما كونه ألزم بها فلم يذكر في الحديث؛ والذي يقول: إنها واحدة، لا يقول: إن التلفظ بها يجوز، بل يقول: هو منكر من القول وزور، كما في الحديث.

وأما رد الإمام أحمد ذلك بمخالفة راويه له، فهذا مبني على مسألة أصولية، وهي: أن الصحابي إذا أفتى بخلاف ما روى، هل يقدح في روايته؟ والصحيح أنه لا يقدح فيها، فإن الحجة في روايته لا في رأيه; وبالجملة: فالمسألة مسألة طويلة، لعل المذاكرة تقع فيها مشافهة.

1 النسائي: الطلاق (3401) .

ص: 284

وقال ابنه: الشيخ عبد الله: وأما قولكم إنه يحكى لنا أنكم أحللتم المرأة بعد طلاق الثلاث، فنقول: هذا كذب وزور وبهتان علينا، بل نقول إن المرأة إذا طلقها زوجها ثلاثاً، لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.

وقال أيضاً: وعندنا أن الإمام ابن القيم وشيخه، إماما حق من أهل السنة، وكتبهم عندنا من أعز الكتب، إلا أنا غير مقلدين لهما في كل مسألة، فإن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم. ومعلوم مخالفتنا لهما في عدة مسائل، منها: طلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس، فإنا نقول به تبعاً للأئمة الأربعة.

وأجاب أيضاً: وأما الثلاث المجموعة، ففيها خلاف مشهور بين العلماء في جوازها، وفي كونها تقع ثلاثاً؛ والذي عليه الأكثر: أن التلفظ بها بكلمة واحدة بدعة ومعصية، لأن الله تعالى إنما أباح الطلاق للعدة، وقال:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [سورة البقرة آية: 229] ، والمرتان لا تكون إلا مرة بعد مرة، كما قال في سورة البقرة:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [سورة البقرة آية: 229] ، ولا تكون إلا مرة بعد أخرى، ولما أخرجه النسائي وغيره، أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضب، وقال:" أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ " 1 الحديث، وأنها تقع ثلاثاً كما أمضاه عمر رضي الله عنه في

1 النسائي: الطلاق (3401) .

ص: 285

خلافته، وتبعه على ذلك جمهور الصحابة والتابعين لهم بإحسان، من الأئمة الأربعة وغيرهم؛ والأدلة على ذلك مذكورة في كتب الفقه، وشروح الحديث. وأجابوا عن حجج القائلين بعدم الوقوع، وأنها لا تقع إلا واحدة بأجوبة كثيرة، ليس هذا موضع ذكرها.

وأجاب أيضاً: وأما الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، فالذي نفتي به أنه يصير ثلاث طلقات، كما ألزم عمر رضي الله عنه، وتابعه الصحابة على ذلك.

وأجاب أيضاً: والرجل إذا طلق زوجته ثلاثاً في مجلس واحد، لم يجز له مراجعتها إلا بعد زوج؛ وإذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فهذا إن نوى بالتكرار التأكيد، أو إفهامها، لم يقع به إلا واحدة، فإن نوى به طلاق ثلاث، وقعت ثلاثاً عند الجمهور. وأما إذا طلق البتة، وقال: لم أرد به التأكيد والإفهام، ولا إيقاع الثلاث، بل عزبت النية، فهذا محل الخلاف: فبعض أهل العلم يقول: يقع به ثلاث طلقات إن لم ينو التأكيد والإفهام، وبعضهم يقول: يقع واحدة، إلا لمن ينوي طلاق الثلاث فتقع.

وطلاق الشرك يحسب عليه في الإسلام، فإن طلقها في الشرك ثلاثاً أو أكثر، وجاء الإسلام وهي معه، أمر بفراقها حتى تنكح زوجاً غيره.

ص: 286

وأجاب أيضاً: وأما الذي طلق زوجته طلقتين في الجاهلية، يحسب عليه، فإذا تم الثلاث بالذي طلق في الجاهلية لم تحل له.

وأجاب أيضاً: وطلاق الشرك مثل طلاق الإسلام، فإن طلق زوجته ثلاثاً، لم تجز له إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره.

وسئل أيضاً: عن رجل طلق امرأته حال الشرك ثلاث مرات، كل تطليقة باسترجاع وعقد، وبعدما أسلم الزوج - وهي معه ولها منه أولاد على الشرك، وأولاد على الإسلام - هل تحل له؟

فأجاب: الذي طلق امرأته في الشرك أكثر من الثلاث متفرقة، الأحوط له أن يفارقها، ولكن ما تبين لنا أنه لازم عليه.

وسئل: عن رجل طلق امرأته حال الشرك، وقال: أنت طالق بالثلاث، واسترجع؟

فأجاب: الذي قال لامرأته في الشرك: أنت طالق ثلاثاً، بكلمة واحدة، تحسب عليه مرة واحدة، لأنه جاهل أن هذا لا يجوز في الشرع.

وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، رحمه الله: إذا طلق امرأته ثلاثاً، بلفظة واحدة، ففيها خلاف بين العلماء من

ص: 287

السلف والخلف قديماً وحديثاً؛ وفيها قولان مشهوران للعلماء:

القول الأول: قول أكثر العلماء من أهل الحديث والفقهاء وغيرهم، من المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية، من المتأخرين والمتقدمين: أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثاً بكلمة واحدة، بانت منه، وصارت لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.

واستدلوا على ذلك بدلائل، منها قوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [سورة الطلاق آية: 6]، قالوا: وهذا لا يكون إلا في المبتوتة، لأن غير المبتوتة ممن له عليها الرجعة، ينفق عليها حاملاً أو غير حام؛. فعلم أن قوله:{لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [سورة الطلاق آية: 1] راجع إلى بعض ما انتظمه الكلام، وهي التي لم يبلغ طلاقها ثلاثاً، كما أن قوله:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [سورة البقرة آية: 228] قد عم المطلقات ذوات القروء.

وقوله في نسق الآية: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [سورة الطلاق آية: 2] راجع إلى من لم يبلغ الثلاث بطلاقها، وفي ذلك إباحة إيقاع ما شاء المطلق من الطلاق،

ص: 288

وظاهر حديث ابن عمر يشهد بهذا، لأنه قال:" ثم إن شاء طلق، وإن شاء أمسك " 1، فلم يخص طلاقاً من طلاق، ولا عدة من عدة في الطلاق؛ قالوا: فله أن يطلق كم شاء إذا كان مدخولاً بها، وإن كانت غير مدخول بها طلقها كم شاء، ومتى شاء، طاهراً أو حائضاً، لأنه لا عدة عليها.

ومما احتجوا به أيضاً: " أن العجلاني طلق امرأته بعد اللعان ثلاثاً، فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن رفاعة بن سموأل طلق امرأته ثلاثاً، فلم ينكره عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ركانة طلق امرأته البتة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردت بها؟ " فدل على أنه لو أراد ثلاثاً لكانت ثلاثاً، ولم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها ثلاثاً، ذكره الشعبي عن فاطمة وشعبة، وسفيان عن أبي بكر، وكذلك قال أكثر أصحاب ابن شهاب في حديث فاطمة: طلقها ثلاثاً.

قالوا: ومن جهة النظر: إن من كان له أن يوقع واحدة، كان له أن يوقع ثلاثاً، وليس في عدد الطلاق سنة ولا بدعة، قد أباحه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فعند هؤلاء: أن من طلق امرأته ثلاثاً مجتمعات في طهر لم يصبها فيه، فقد طلقها طلاقاً مباحاً، ومنهم من يقول: إنه قد طلقها السنة.

والقول الثاني: قول مالك وأصحابه، وأحمد بن حنبل في المشهور عنه: أن طلاق السنة: أن يطلقها طلقة في طهر

1 أبو داود: الطلاق (2185) .

ص: 289

لم يمسها فيه، ولو كان في آخر ساعة منه، ثم يمسكها حتى تنقضي عدتها؛ وذلك بأول طهر الحيضة الثالثة في الحرة، وأول الحيضة الثانية في الأمة، فيتم للحرة ثلاثة أقراء، وللأمة قرآن – القرء: الطهر المتصل بالدم عندهم -. فإن طلقها في طهر تطليقة، أو طلقها ثلاثاً مجتمعات في طهر لم يمسها فيه، فقد لزمه، وليس بمطلق للسنة عند مالك وجمهور أصحابه.

وأجابوا عما احتج به أهل القول الأول، فقالوا: أما حديث العجلاني فلا حجة فيه، لأنه طلق في غير موضع طلاق، فاستغنى عن الإنكار عليه. وأما حديث رفاعة بن سموأل، فقالوا: يحتمل أن يكون طلقها ثلاثاً متفرقات في أوقات. وأما حديث فاطمة بنت قيس، فقد قال فيه أبو سلمة: بعث إلي زوجي بتطليقتي الثالثة. وأما حديث ركانة، فقد تكلموا فيه وضعفوه، فلا حجه فيه. واحتج هؤلاء بقوله:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [سورة البقرة آية: 229]، ثم قال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [سورة البقرة آية: 230] ، ومرتان لا تكون إلا في وقتين، والثلاث في ثلاثة أوقات، كما في قوله عليه السلام:"من سبح الله مائة مرة" 1، أي: مرة بعد مرة، ليس المراد أن يقولها مرة واحدة، وكذلك من قال: قرأ سورة مرتين، المراد: مرة بعد مرة.

ومن حجتهم أيضاً: قول الله تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ

1 الترمذي: الدعوات (3471) .

ص: 290

فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} إلى قوله: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [سورة الطلاق آية: 1]، أي: أمر يحدث بعد الثلاث؛ والأمر إنما أريد به المراجعة، فبطل أن يكون وقوع الثلاث للسنة.

ومن حجتهم أيضاً: ما روى النسائي عن محمود بن لبيد: " أن رجلاً طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فقام مغضباً، فقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم " 1، قال العسقلاني: رجاله ثقات، وبما روى سعيد بن منصور:"أن عمر كان إذا أتي برجل طلق امرأته ثلاثاً، أوجع ظهره"، قال العسقلاني: وسنده صحيح، وبما روى عبد الرزاق وغيره:" أن ابن عمر قال لمن طلق امرأته ثلاثاً مجموعة: عصيت ربك، وبانت منك امرأتك "، وبما روى أبو داود بسند صحيح عن مجاهد قال:"كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل فقال إنه طلق امرأته ثلاثاً، فسكت حتى ظننت أنه سيردها إليه. فقال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس! يا ابن عباس! إن الله قال: {َمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [سورة الطلاق آية: 2] ، وإنك لم تتق الله، فلا أجد لك مخرجاً. عصيت ربك، وبانت منك امرأتك".

قالوا: ففي هذا دليل على أن من طلق امرأته ثلاثاً مجتمعات، فقد عصى ربه، وفعل ما هو محرم، ومن فعل مباحاً لا يقال: عصى ربه. وقال هؤلاء: يصير مطلقاً امرأته

1 النسائي: الطلاق (3401) .

ص: 291

ثلاثاً، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وإن كان فعله هذا محرماً عليه. ومن القائلين بالتحريم لا اللزوم، من قال: إذا طلق ثلاثاً مجموعة وقعت واحدة، وهو قول محمد بن إسحاق صاحب المغازي، ونقله ابن المنذر عن جماعة من التابعين، كعمرو بن دينار وطاووس وغيرهما.

ومن أقوى ما احتجوا به: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: "كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم"، قال أبو عمر بن عبد البر في حديث ابن عباس: هذا لم يتابع عليه طاووس، وإن سائر أصحاب ابن عباس يروي عنه خلاف ذلك، وما كان ابن عباس يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخالفه إلى رأي نفسه، بل المعروف عنه أنه كان يقول:"أنا أقول لكم: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم تقولون: قال أبو بكر وعمر"، قاله في فسخ الحج وغيره. قال جمهور العلماء: إن حديث طاووس في قصة أبي الصهباء، لا يصح معناه.

وممن روينا عنه: أن الثلاث تحرم التي لم يدخل بها زوجها، حتى تنكح زوجاً غيره، كالمدخول بها سواء: علي بن أبي طالب وابن مسعود، وابن عباس وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو

ص: 292

سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله وعبد الله بن المغفل، وأبو هريرة وعائشة وأنس، وهو قول جماعة من التابعين. وبه قال فقهاء الأمصار، كابن أبي ليلى وابن شبرمة وسفيان الثوري، ومالك وأبي حنيفة والشافعي، وأصحاب أحمد وإسحاق، وأبي ثور وأبي عبيد والطبري. انتهى.

إذا عرفت مذاهب أهل العلم في المسألة، فالقول المفتى به عندنا: ما ذكره ابن عبد البر وغيره، عن جماعة من العلماء: أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة، سواء كان مدخولاً بها، أو غير مدخول بها، أو صغيرة أو كبيرة، أنها تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره.

وأجاب أيضاً: مذهب جمهور العلماء أنها تقع ثلاثاً، فمتى طلقها ثلاثاً بكلمة واحدة وقعت الثلاث، وحرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، ولا فرق بين ما قبل الدخول وبعده؛ روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة، وابن عمر وابن مسعود وأنس. وكان عطاء وطاووس وسعيد بن جبير، وأبو الشعثاء وعمرو بن دينار، ومحمد بن إسحاق، وإسحاق بن راهويه، يقولون: من طلق البكر ثلاثاً فهي واحدة.

وذهب طائفة: إلى أن الثلاث المجموعة طلقة واحدة في حق البكر وغيرها؛ واختار هذا الشيخ تقي الدين وابن القيم. واحتج أهل هذا القول بما روى مسلم في صحيحه

ص: 293

عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس قال: "كان الطلاق الثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهم"، قالوا: فهذا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة كلهم معه في عصره، وسنتين من خلافة عمر، على أن الثلاث واحدة، فتوى وإقراراً وسكوتاً، ولهذا ادعى بعض أهل العلم: أن هذا إجماع قديم، ولم تجمع الأمة على خلافه، بل لم يزل فيهم من يفتى به قرناً بعد قرن؛ فأفتى به ترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وأفتى أيضاً بالثلاث، أفتى بهذا وهذا.

وأفتى بأنها واحدة ابن الزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وطاووس، وفلاس بن عمر، والحارث العكلي، وداود بن علي، وأكثر الصحابة، ولم يأت إجماع يبطله؛ ولكن رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن الناس قد استهانوا بأمر الطلاق، وكثر منهم إيقاعه جملة واحدة، فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم، ليعلموا أن أحدهم إذا أوقعه جملة بانت منه امرأته، وحرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، فإذا علموا ذلك كَفُّوا عن الطلاق المحرم، فإن الله حرم الطلاق مرة بعد مرة، فمن جمع الثلاث في مرة واحدة، فقد تعدى حدود الله وظلم نفسه، ولعب

ص: 294

بكتاب الله، فحقيق أن يعاقب ويلزم بما التزمه، ولا يقر على رد رحمة الله وقد صعب على نفسه ولم يتق الله، ولم يطلق كما أمره الله، بل استعجل فيما جعل الله له الأناة فيه، واختار الأغلظ والأشد؛ فهذا مما تغيرت به الفتوى لتغير الزمان.

ولما علم الصحابة حسن سياسة عمر وتأديبه لرعيته في ذلك، وافقوه على ما ألزم به، وصرحوا لمن استفتاهم بذلك؛ ولهذا لما سئل الإمام أحمد عن حديث ابن عباس، لم يكن عنده ما يدفعه به إلا مخالفته لما أفتى به ابن عباس. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس: "كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر واحدة"، بأي شيء تدفعه؟ قال: برواية الناس من وجوه عن ابن عباس أنها ثلاث، وهو الذي أمضاه عمر على الناس، وقضى به عقوبة لهم على الطلاق المحرم، وتبعه عليه الصحابة، وأخذ به جمهور العلماء من التابعين ومن بعدهم من الأئمة، أن من طلق ثلاثاً بكلمة واحدة تحسب عليه ثلاثاً. وهو الذي كان يفتي به شيخنا، رحمه الله، وعليه الفتوى عندنا.

وسئل: عمن قال لامرأته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق؟

فأجاب: فإذا قال لامرأته: أنت طالق، أنت طالق،

ص: 295

أنت طالق، ثلاثاً، كلمات مكررات، فالصحيح من مذهب أحمد: أن ذلك يرجع إلى نيته، فإن أراد التأكيد بطلقة واحدة، ولم يرد أنها ثلاث طلقات، فهي تصير واحدة، يجوز له رجعتها ما دامت في العدة، فإن خرجت من العدة لم يجز له مراجعتها إلا بعقد جديد. وإن أراد بقوله: أنت طالق، ثلاث تطليقات، لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره؛ وهذا هو المفتى به عندنا، لأنا لا نعلم شيئاً يخالفه من الكتاب والسنة.

وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن: وأما طلاق الثلاث، فإنه يقع عند الجمهور مفرقاً، أو مجموعاً، وهو الذي عليه العمل سلفاً وخلفاً، من خلافة عمر ومن بعده، وهو كذلك عند الأئمة الأربعة، وهو الأصح في مذاهبهم عند أصحابهم؛ وإن كان الخلاف فيه إنما اشتهر عن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، رحمهما الله، أقوى مما كان الأمر عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر، وصدر من خلافة عمر. والجمهور أخذوا بالآخِر من اجتهاد عمر، ولهم أجوبة عما استدل به شيخ الإسلام معروفة.

وعمدتهم فيما ذهبوا إليه من إيقاع الثلاث: ظاهر القرآن، فإن الله تعالى لم يجعل إلا ثلاث تطليقات، قال الله تعالى:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [سورة البقرة آية: 229]، {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [سورة البقرة آية: 230] ، وبذلك أفتى ابن عباس وغيره، وهو

ص: 296

حبر الأمة؛ فالاستدلال بفتيا ابن عباس والصحابة حق، والاستدلال بقول شيخنا أولى من الاستدلال بقول الشوكاني.

وأجاب ابنه الشيخ عبد اللطيف: الذي طلقها واحدة، فلما انقضت عدتها تزوجها، وطلقها بالثلاث بلفظة واحدة، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، عند جمهور العلماء.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما إيقاع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، سواء كان في خلع أو غيره، فمذهب الشيخ تقي الدين وكثير من أتباعه معلوم لديكم: أن الزوج إذا طلق زوجته ثلاثاً بكلمة واحدة، أو بكلمات متفرقة قبل رجعة، أنه لا يقع إلا طلقة واحدة؛ والمفتى به في المذاهب الأربعة خلاف ذلك، ونصوص الأئمة الأربعة بخلاف قول الشيخ معروفة، ولا ينبغي مخالفتهم في ذلك، ولم نر أحداً ممن أدركناهم يفتي بقول الشيخ في هذه المسألة; وأخبرني بعض تلامذة الشيخ محمد، رحمه الله، أنه قال: لم أفت بقول الشيخ تقي الدين في هذه المسألة إلا مرة واحدة، ثم لم أفت إلا بقول الجمهور.

وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري: الذي طلق زوجته ثلاثاً بلفظة واحدة، قول الجمهور أنها تقع ثلاثاً، وتمضي عليه؛ وهذا هو المفتى به عند مشائخنا، ولا ينبغي العدول عنه.

سئل بعضهم: عمن قال لزوجته: أنت طالق

ص: 297

بالثلاث، ويحلف أنه قاصد أصابعه الثلاث؟

فأجاب: هذا المقصد مشكل مع أنه بعيد، وهذا يشبه ما قاله شيخ الإسلام: أن النية إن أسقطت شيئاً من الطلاق لم يقبل، مثل قوله: أنت طالق ثلاثاً، وقال: نويت واحدة، فإنه لا يقبل رواية واحدة، وإن لم تسقط من الطلاق، وإنما عدل به من حال إلى حال، مثل أن ينوي من وثاق وعقال ودخول الدار إلى سنة ونحو ذلك، فهذا على روايتين: إحداهما: يقبل، قال في شرح المنتهى: إلا أن تكون قرينة من غضب، أو سؤالها الطلاق، والمقدم في المذهب: أنه يدين ولا يقبل في الحكم.

وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عمن قال لزوجته: أنت طالق، فقالت: طلقني بالثلاث، فطلقها، وقال: أردت عصاي؟

فأجاب: الذي قال لزوجته: أنت طالق، وقالت: ما يكفيني هذا، طلقني بالثلاث، فقال: أنت طالق بالثلاث، وقال: أردت عصاي، فالذي أرى أنه ما يقبل قوله، وتقع الثلاث إذا كانت الأولى على غير عوض، لأن قوله: أنت طالق بالثلاث، جواب لسؤال مشافهة، وضمير "أنتِ" إنما هو للعاقل لا للجماد، وأيضاً: العصا لا تتصف بالطلاق.

وسئل: إذا قال: أنت طالق قبل موتي بشهر؟

ص: 298

فأجاب: الذي نص عليه علماؤنا: أنه يجب على الزوج اعتزالها من حين ذلك، لأن كل شهر أو يوم يحتمل أن يموت فيه، فتكون قد طلقت قبله في الوقت الذي وقته، فإذا وطئها والحالة هذه، احتمل أن يموت، فيكون قد وطئها في حال بينونتها.

وسئل: إذا قال أنت طالق من نجد إلى مكة؟

فأجاب، إذا قال لزوجته: أنت طالق من نجد إلى مكة، فإنها تطلق واحدة في الحال، كما ذكر في الإقناع أنه قال: إذا قال أنت طالق إلى مكة، طلقت في الحال.

وأجاب الشيخ سعيد بن حجي: إذا قال لزوجته: أنت طالق إلى مكة، فقال في الإقناع وشرحه: وإن قال أنت طالق إلى مكة، ولم ينو بلوغها إلى مكة، أو قال: أنت طالق بعد مكة، طلقت في الحال; فقد علمت أنه إذا قال ذلك طلقت في الحال، وأنه إذا نوى بلوغ مكة لم تطلق حتى تبلغها.

سئل بعضهم: إذا طلق الرجل زوجته، وقال: إنها طلقة، ثم أقام بينة أنها ثلاث، وأقام بينة أنها طلقة؟

فأجاب: هي طلقة مع يمين المطلق، وإذا طلقها وادعت أنها ثلاث، وأنكر، وأقامت شاهداً، فظاهر المذهب: أنها واحدة، ولا تكون ثلاثاً إلا بشاهدين.

ص: 299

الصيغة التي يقع بها الطلاق

سئل الشيخ حسن بن حسين بن علي، رحمهم الله: عن صيغة التنجيز؟

فأجاب: مثل أن يقول: امرأتي طالق، أو أنت طالق، أو فلانة طالق، أو مطلقة، ونحو ذلك، فهذه الصيغة يقع بها الطلاق بإجماع المسلمين.

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى، عمن قيل له: امرأتك معك؟ فقال: لا؟

فأجاب: الرجل الذي سأله أخوه عن امرأته - وهي غائبة في بلاد - قائلا: امرأتك معك؟ فقال: لا، ويدعى أن مراده أنها ليست بهذا، فالذي أفهم أن هذا كناية، إن أراد به الطلاق طلقت، وإن لم يرد الطلاق، ولا أراد إلا أنها ليست عنده بهذه البلاد لم تطلق. وعبارة مختصر الشرح: ولو قيل: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم، وأراد الكذب لم تطلق، لأنه كناية يحتاج إلى نية، وإن نوى به الطلاق طلقت، وبه قال مالك والشافعي. فتأمل هذه العبارة، تجد المسألة المسؤول عنها قريبة من المسألة الأخيرة.

سئل الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن: عمن معه امرأتان، وأراد سفراً، فسئل فقال: ما معي إلا فلانة، وهو صحيح، ثم توفي؟

فأجاب: اللفظ محتمل قصد الطلاق أو غيره من

ص: 300

سقوط نفقة أو غير ذلك، والكناية تتقيد بالنية، وإذا كان كذلك لم تخرج من متيقن إلا بيقين.

[فصل في طلاق البتة]

سئل الشيخ سعيد بن حجي: عن طلاق البتة؟

فأجاب: قال في المطلع: وبتة بمعنى: مقطوعة، يقال طلقها ثلاثاً البتة; وفي حديث فاطمة بنت قيس:"أن أبا عمرو طلقها البتة وهو غائب"، وفي رواية:? "طلقها ثلاثاً

?" الحديث، متفق عليه; قال ابن دقيق العيد: لفظة "البتة" يعبر بها عن طلاق الثلاث دفعة، وتارة عن طلقة يتمم بها الثلاثة.

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: إذا قال لامرأته: اطلعي من داري؟

فأجاب: وأما قول الزوج اطلعي من داري، فليست قرينة؛ يحلف أنه ما أراد الطلاق.

سئل ابنه: الشيخ عبد الله: إذا قالت المرأة لزوجها: طلقني، فقال: الله يرزقك؟

فأجاب: هذه من الكنايات، والقرينة تدل على أنه أراد الطلاق. فإذا قالت: ما يكفيني، وقال: الله يرزقك، الله يرزقك، فهذه تحتاج إلى نية. فإن قال: إن مرادي تأكيد الأول، ولا أردت إلا واحدة، وحلف على ذلك،

ص: 301

فهي تصير واحدة. فإن قال: مرادي الثلاث، فهي تصير ثلاثاً. هذا الذي يبين لنا من كلام أهل العلم في المسألة، والله أعلم.

وأجاب أيضاً: إذا قال لزوجته عند سؤالها منه الطلاق: الله يرزقك، فهذا كناية يحتاج إلى نية الطلاق، ويصدق بيمينه أنه لم ينو الطلاق.

وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن: إذا قال الإنسان لزوجته: الله يرزقك بالثلاث، ناوياً الطلاق، ولكن لم يرد الثلاث، فإنها تقع الثلاث، ولا يقبل قوله إنه لم يردها، مع وجود اللفظ بها منه. انتهى.

وسئل الشيخ حسين بن الشيخ محمد، عمن قال لامرأته: الله يرزقك، ثم طلقها طلقتين

إلخ؟

فأجاب: الرجل إذا قال لامرأته: الله يرزقك، ثم طلقها طلقتين متواليتين، فهو يسأل عن نيته: هل نوى ثلاثاً، فهي ثلاث، أو يسمعها وقصده طلقة واحدة، فإن كان قصده واحدة، فهي تحل له.

وأجاب أيضاً: الذي قال لامرأته: الله يرزقك، وطلعت من العدة، فلا له طريق عليها إلا بعقد; وأيضاً، إن كان قائلاً لامرأته: الله يرزقك، ثلاث مرات، ونيته ثلاث تطليقات، فلا له طريق عليها إلا بعد أن تتزوج زوجاً آخر،

ص: 302

ويطلقها بعد الإصابة.

وأجاب الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف: الذي يفتي به علماء هذه الدعوة، رحمهم الله: أنها من الكنايات الخفية، وحكم الكنايات الخفية معلوم في كتب المذهب.

سئل بعضهم: إذا قال لزوجته: لست معي؟

فأجاب: هي كناية، وإن نوى به الطلاق فهو طلاق، سواء طلقة أو أكثر. وإن قاله بقرينة، كسؤالها أو عند الخصومة أو التنازع، فهي طلاق. وإذا قال لزوجته بعد سؤال الطلاق: أنت بالنفهان، فإن كان على عادتهم أنه طلاق، فهو طلاق.

سئل بعضهم: إذا قال لامرأته: إن كان كذا ما جرى، فأنت فسخ؟

فأجاب: هذا تعليق، وذكر الفقهاء في كتاب الخلع ما يفيد أنه كناية، إذا نوى به الطلاق صار طلاقاً، وصرح به في الاختيارات، فقال: ولا يقع الطلاق بالكناية إلا بنية مع قرينة إرادة الطلاق، كما إذا قرن الكناية بلفظ يدل على الطلاق، مثل أن يقول: فسخت النكاح، وقطعت الزوجية، ورفعت العلاقة بيني وبين زوجتي. انتهى. وبه يتم الجواب.

ص: 303

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: عن الكنايات، هل يقع بها طلاق

إلخ؟

فأجاب: وأما استعمال كنايات الطلاق، فالذي عليه أكثر العلماء، أن الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا مع النية؛ فإذا تكلم الزوج بالكناية، وقال: لم أرد الطلاق، ولم أنوه، ولم يتكلم بذلك في حال الغضب، أو سؤالها الطلاق، فهذا يقبل قوله، ولا يقع به طلاق. وأما إن تكلم بذلك في حال الغضب، فهذا مما اختلف الفقهاء فيه، فقال بعضهم: يقبل قوله أنه لم يرد الطلاق ولم ينوه.

وقال بعضهم: لا يقبل قوله في ظاهر الحكم، لأجل القرينة الدالة على إرادة الطلاق. وبعض أهل العلم يفرق بين الكنايات، ويقول: الكنايات التي يكثر استعمالها في الطلاق، ويعرف أن من تلفظ بها إنما يريد الطلاق، فهذا لا يقبل قوله; وأما الكنايات التي تستعمل في عرف أهل البلد في الطلاق، وفي غيره، فهذا يقبل قوله أنه ما أراد الطلاق، بل لو تلفظ بذلك، وقال: لم أرد الطلاق ولا غيره، لم تطلق إلا بالنية، إذا كان اللفظ يستعمل في الطلاق وفي غيره.

وسئل: عن رجل غضب على زوجته، وسألته الطلاق، وقال لها: اخرجي عن بيتي، لست معي؟

ص: 304

فأجاب: هذه المسألة قد ذكر الفقهاء فيها: أن الزوج إذا تلفظ بكنايات الطلاق، في حال الغضب، أو سؤالها الطلاق، ثم قال الزوج: لم أرد بذلك الطلاق، أنه لا يقبل في الحكم، بل تحسب عليه من الطلاق؛ هذا في الظاهر، وأما بينه وبين الله، فإن علم من نفسه أنه لم يرد الطلاق، لم يقع عليه طلاق فيما بينه وبين الله.

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: عن الكنايات، هل منها ما يقع ثلاثاً؟

فأجاب: الكنايات ليس منها شيء يعد ثلاثاً.

وأجاب الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر: وأما "الخلية" و"البرية" و"البائن" من الكنايات في الطلاق، هل تقع ثلاثاً أم واحدة؟ فهذه المسألة اختلف الفقهاء فيها; وأكثر الروايات عن أحمد: كراهة الفتيا في هذه الكنايات الظاهرة، مع ميله إلى أنها ثلاث. وحكى ابن أبي موسى عنه روايتين: إحداهما: أنها ثلاث. والثانية: يرجع إلى ما نواه، وهو مذهب الشافعي، قال: يرجع إلى ما نواه؛ وإن لم ينو شيئاً وقع واحدة، واحتج بحديث ابن عبد يزيد.

وقال الثوري، وأصحاب الرأي: إن نوى ثلاثاً فثلاث، وإن نوى اثنتين أو واحدة وقعت واحدة، ولا تقع اثنتين; وقال ربيعة ومالك: يقع بها الثلاث، وإن لم ينو

ص: 305

إلا في خلعه، أو قبل الدخول، فإنها تطلق واحدة، لأنها تقتضي البينونة، وهي تحصل في الخلع، وقبل الدخول بالواحدة، وفي غيرها تقع الثلاث. فهذا مذاهب الأئمة في هذه المسألة.

وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن: كنايات الطلاق في مذهب أحمد، ذكرها في الزاد والمقنع والمطولات، على قسمين: قسم إذا نوى به الطلاق بانت زوجته، لكونها تدل على البينونة بوضعها، وقسم إذا نوى به الطلاق وقعت واحدة، إلا إذا نوى الثلاث وقع ما نوى.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن توقف المفتي فيها

إلخ؟

فأجاب: وأما قولك: إذا توقف المفتي عن الإفتاء في الكنايات، هل يكون داخلاً في الكتمان؟ فاعلم أن الذي يتناوله الوعيد، الذي عنده علم من الله ورسوله، فيُسأل عنه فيكتمه، وأما من أشكل عليه الحكم، فتوقف حتى يتبين له حكم الله ورسوله، فهذا لا حرج عليه إذا توقف، ولو عرف اختلاف العلماء، ولم يعلم الراجح من القولين; وأحمد، رحمه الله، وغيره من العلماء يتوقفون كثيراً في مسائل، مع معرفتهم بكلام العلماء قبلهم في تلك المسائل، إذا لم يتبين لهم الصواب.

وأحمد يتوقف عن الإفتاء في كنايات الطلاق، في أكثر

ص: 306

أجوبته. وبعض العلماء لا يفتي في مسائل الطلاق بالكلية، لعظم خطرها. والواجب على المفتي: أن يراقب الله ويخشاه، ويعلم أنه قد عرض نفسه للحكم بين الله وبين عباده، فيما أحل لهم وحرم عليهم، فلا يتكلم إلا بعلم؛ وما أشكل عليه أو جهله فليكله إلى عالمه.

[فصل في قوله: أنت عليّ كظهر أمي، أعني به الطلاق]

سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: إذا قال: أنت علي كظهر أمي، أعني به الطلاق؟

فأجاب: هذا اللفظ ظهار، لا يكون طلاقاً، ولو نوى به الطلاق أو صرح به، ويكون عليه كفارة ظهار.

وسئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عمن قال لزوجته: أنت علي حرام

إلخ؟

فأجاب: وأما جواب المسألتين اللتين ذكرتهما، فنذكر كلام أهل العلم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك للصواب: قال في المغنى: إذا قال أنت علي حرام، فإن نوى به الظهار فهو ظهار في قول عامتهم; وبه يقول أبو حنيفة والشافعي. وإن نوى به الطلاق، فقد ذكرناه في باب الطلاق. وإن أطلق ففيه روايتان: إحداهما: هو ظهار، ونص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه، ذكره إبراهيم الحربي، عن عثمان وابن عباس وأبي قلابة، وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبستي، أنهم قالوا: الحرام ظهار. وروي عن

ص: 307

أحمد ما يدل على أن التحريم يمين; وعن ابن عباس أنه قال: التحريم يمين في كتاب الله، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [سورة التحريم آية: 1]، ثم قال:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [سورة التحريم آية: 2] .

وأكثر الفقهاء على أن التحريم إذا لم ينو به الظهار ليس بظهار، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي؛ ووجه ذلك: الآية المذكورة، وأن التحريم يتفرع منه ما هو: بظهار، وبطلاق، وبحرام، وصيام، ومحيض، ولا يكون صريحاً في واحد منها، ولا ينصرف إليه بغير نية، كما لا ينصرف إلى تحريم الطلاق. ووجه الأول: تحريم أوقعه بامرأته، فكان بإطلاقه ظهاراً، كتشبيهها بظهر أمه.

وقولهم: إن التحريم يتفرع، قلنا: إن تلك الأنواع ممتنعة، ولا يحصل منها إلا الطلاق وهذا أولى منه، لأن الطلاق يبين المرأة، وهذا يحرمها مع بقاء الزوجية، فكان أدنى التحريم يميناً، فكان أولى. فأما إن قال ذلك لمحرمة عليه بحيض ونحوه، وقصد الظهار فهو ظهار، وإن قصد أنها محرمة بذلك السبب فلا شيء فيه، وإن أطلق فليس بظهار لأنه يحتمل الخبر عن حالها، ويحتمل إنشاء التحريم فيها بالظهار، فلا يتعين أحدهما إلا بتعيين.

ص: 308

[فصل في قوله: الحل علي حرام]

وإن قال: الحل علي حرام، أو ما أحل الله علي حرام، أو ما انقلب إليه حرام، وله امرأة، فهو مظاهر؛ نص عليه في الصور الثلاث، قال أحمد فيمن قال: ما أحل الله علي حرام من أهل ومال، عليه كفارة الظهار، هو يمين، وتجزئه كفارة واحدة في ظاهر كلام أحمد. واختار ابن عقيل أنه يلزم الكفارتان للظهار، ولتحريم المال. ولنا أنها يمين واحدة، فلا توجب كفارتين، كما لو ظاهر من امرأتين، أو حرم من ماله شيئين؛ وفي قول أحمد: هو يمين، إشارة إلى التعليل بما ذكرناه. انتهى.

وقال البخاري، رحمه الله: باب إذا قال لامرأته: أنت علي حرام، قال الحسن: بنيته، قال في شرح البخاري لابن حجر العسقلاني: أي: يحمل على نيته، وهذا التعليق وصله البيهقي، ووقع لنا عالياً في جزء محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري، قال حدثنا الأشعث عن الحسن: في الحرام إن نوى يميناً فهو يمين، وإن نوى طلاقاً فهو طلاق، وبهذا قال النخعي والشافعي وإسحاق، وروي نحوه عن ابن مسعود وطاووس وابن عمر.

وقال الأوزاعي وأبو ثور: الحرام يمين مكفرة، وروي نحوه عن أبي بكر وعمر وعائشة، وسعيد بن المسيب وعطاء وطاووس، واحتج أبو ثور بظاهر قوله تعالى:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [سورة التحريم آية: 1]، وقال سعيد بن جبير وأبو قلابة: "من قال

ص: 309

لامرأته: أنت علي حرام، لزمته كفارة الظهار، وكان مظاهراً، وإن لم ينوه كان عليه كفارة يمين مغلظة، وهي كفارة الظهار، لأنه يصير مظاهراً حقيقة"، وفيه بُعْد.

وقال أبو حنيفة وصاحباه، والحكم وابن أبي ليلى: في الحرام ثلاث تطليقات، ولا يسأل عن نيته، وبه قال مالك. وعن مسروق والشعبي وربيعة: لا شيء فيه. وفي المسألة اختلاف كثير عن السلف، بلغها القرطبي إلى ثمانية عشر قولاً. ثم ذكر البخاري حديث ابن عباس، أنه قال:"إذا حرم الرجل امرأته، ليس بشيء، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} "[سورة الأحزاب آية: 21]، قال الشارح: يشير بذلك إلى قصة التحريم.

وقد أخرج النسائي بسند صحيح، عن أنس:" أن رسول الله كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها " 1، فأنزل الله هذه الآية:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [سورة التحريم آية: 1] ، وهذا أصح طرق هذا السبب، وله شاهد مرسل; وقد اختلفوا في سبب التحريم، هل هو تحريم العسل؟ أو تحريم مارية؟

وقوله ليس بشئ: يحتمل أنه يريد بالنفي التطليق، ويحتمل أن يريد به ما هو أعم من ذلك؛ والأول أقرب، ويؤيده ما تقدم في التفسير بهذا الإسناد، أنه قال في الحرام: يكفر; وفي رواية: "إذا حرم الرجل امرأته، فإنما هي يمين

1 النسائي: عشرة النساء (3959) .

ص: 310

يكفرها"; فعرف أن المراد بقوله: "ليس بشيء": بطلاق. وأنت تفهم، رحمك الله، أن مذهب ابن عباس في هذه المسألة، أقرب الأقوال إلى الكتاب والسنة، وهو اختيار شيخنا، رحمه الله.

[مسألة الحلف بالطلاق]

وذكر ابن القيم، رحمه الله: هذه المسألة، ومسألة الحلف بالطلاق في كتاب إعلام الموقعين، وبسطها، فأحببت أن أنقل لك أول المسألة:

قال، رحمه الله: فصل: المثال الثامن مما تتغير به الفتوى لتغير العرف والعادة: موجبات الأيمان والإقرار والنذر وغيرها; فمن ذلك: أن الحالف إذا حلف لا ركبت دابة، وكان في بلد عرفهم في لفظ الدابة: الحمار خاصة، اختصت يمينه به، ولا يحنث بركوب الفرس ولا الجمل. وإن كان عرفهم في لفظ الدابة: الفرس خاصة، حملت يمينه عليها دون الحمار. وكذلك إذا كان الحالف مما عادته ركوب نوع خاص من الدواب، كالأمراء ومن جرى مجراهم، حملت يمينه على ما اعتاده من ركوب الدواب؛ فيفتى في كل بلد بحسب عرف أهله، ويفتى كل أحد بحسب عادته. وكذلك إذا حلف لا اشتريت كذا ولا بعته، ولا حرثت هذه الأرض ولا زرعتها، ونحو ذلك، وعادته أن لا يباشر ذلك بنفسه، كالملوك، حنث قطعاً بالإذن والتوكيل فيه، فإنه نفس ما حلف عليه.

ص: 311

وإن كان عادته مباشرة ذلك بنفسه، كآحاد الناس، فإن قصد منع نفسه من المباشرة لم يحنث بالتوكيل، وإن قصد عدم الفعل والمنع منه جملة حنث بالتوكيل، وإن أطلق اعتبر سبب اليمين وبساطها وما هيجها. وعلى هذا، إذا قيل له: جاريتك أو عبدك يرتكبان الفاحشة، فقال: ليس كذلك، بل هما حران لا أعلم عليهما فاحشة، فالحق المقطوع به أنهما لا يعتقان بذلك، لا في الحكم ولا فيما بينه وبين الله.

ومن ذلك ما حدثني به بعض أصحابنا، أنه قال لامرأته: إذا أذنت لك في الخروج إلى الحمام فأنت طالق، فتهيأت للخروج إلى الحمام، فقال لها: اخرجي وأبصري. فاستفتى بعض الناس، فأفتوه بأنها قد طلقت منه، فقال للمفتي: بأي شيء أوقعت علي الطلاق؟ فقال: بقولك لها اخرجي، فقال: إني لم أقل لها ذلك إذناً، وإنما قلته تهديداً، أي: أنك لا يمكنك الخروج، وهذا كقوله تعالى:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [سورة فصلت آية: 40]، فهل هذا إِذْنٌ لهم أن يعملوا ما شاؤوا؟ فقال: لا أدري، أنت لفظت بالإذن، فقال له: ما أردت الإذن، فلم يفقه المفتي، وغلظ فهمه عن إدراكه، وفرق بينه وبين امرأته بما لم يأذن الله به ولا رسوله، ولا أحد من أئمة الإسلام.

وأطال الكلام - إلى أن قال - فصل: ومن هذا الباب: اليمين بالطلاق والعتاق، فإن إلزام الحالف بهما إذا

ص: 312

حنث بطلاق زوجته وعتق عبده، مما حدث الإفتاء به بعد انقضاء عصر الصحابة؛ فلا يحفظ عن صحابي في صيغة القسم إلزام الطلاق به أبداً، وإنما المحفوظ إلزام الطلاق بصيغة الشرط، والجزاء الذي قصد به الطلاق عند وجود الشرط، كما في صحيح البخاري، عن نافع قال:"طلق رجل امرأته البتة، إن خرجت. فقال ابن عمر: إن خرجت فقد بانت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء"؛ فهذا لا ينازع فيه إلا من يمنع وقوع الطلاق المعلق بالشرط مطلقاً.

وأما من يفصل بين القسم المحض، والتعليق الذي يقصد به الوقوع، فإنه يقول بالآثار المروية عن الصحابة كلها في هذا الباب، فإنهم صح عنهم الإفتاء بالوقوع في صور، وصح عنهم عدم الإفتاء بالوقوع في صور، والصواب ما أفتوا به في النوعين، ولا يؤخذ ببعض فتاويهم ويترك بعضها - إلى أن قال – فصل: قد عرف أن الحلف بالطلاق له صيغتان: إحداهما: إن فعلت كذا فأنت طالق، والثانية: الطلاق يلزمني لا أفعل كذا، وأن الخلاف في الصيغتين قديماً وحديثاً. وهكذا الحلف بالحرام له صيغتان: إحداهما: إن فعلت كذا فأنت علي حرام، أو ما أحل الله علي حرام، والثانية: الحرام يلزمني لا أفعل كذا.

فمن قال في: الطلاق يلزمني، إنه ليس بصريح ولا كناية، ولا يقع به شيء، ففي قوله: الحرام يلزمني أولى;

ص: 313

ومن قال: إنه كناية، إن نوى به الطلاق كان طلاقاً وإلا فلا؛ فهكذا يقول في: الحرام يلزمني، إن نوى به التحريم كان كما لو نوى بالطلاق التطليق، فكأنه التزم أن يحرم كما التزم ذلك أن يطلق. ولا يجوز أن يفرق بين المسلم وبين امرأته بلفظ لم يوضع للطلاق، ولا نواه، وتلزمه كفارة يمين لشدة اليمين، إذ ليست كالحلف بالمخلوق التي لا تنعقد، ولا هي من لغو اليمين، فهي يمين منعقدة، وفيها كفارة يمين؛ وبه أفتى ابن عباس.

وفي قوله: أنت علي حرام، أو أنت علي حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير، مذاهب:

أحدها: لغو وباطل لا يترتب عليه شيء، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس، وبه قال مسروق والشعبي، وأبو سلمة وعطاء وداود، وجميع أهل الظاهر، وأكثر أصحاب الحديث.

الثاني: أنها ثلاث تطليقات، وهو قول علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وابن عمر، والحسن ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.

الثالث: أنها حرام عليه، ولم يذكر أهل هذا القول طلاقاً.

الرابع: الوقف فيها، صح ذلك عن علي، وهو قول الشعبي.

الخامس: إن نوى به الطلاق فهو طلاق، وإلا فيمين - إلى أن قال:

التاسع: أن فيه كفارة الظهار، صح ذلك عن ابن عباس أيضاً، وأبي قلابة وسعيد بن جبير،

ص: 314

ووهب بن منبه؛ قال: وهذا أقيس الأقوال وأفقهها - إلى أن قال:

الثالث عشر: أنه يمين يكفره ما يكفر اليمين على كل حال، صح ذلك عن أبي بكر الصديق، وعمر، وابن عباس وعائشة وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وخلق سواهم؛ وحجة أهل هذا القول: ظاهر القرآن، فإن الله سبحانه وتعالى فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال، فلا بد أن يتناوله يقيناً، فلا يجوز جعل تحلة الأيمان لغير المذكور، ويخرج المذكور عن حكم التحلة التي قصد ذكرها لأجله.

وفي المسألة مذهب آخر وراء هذا كله، وهو: أنه إن أوقع التحريم كان ظهاراً ولو نوى به الطلاق، وإن حلف به كان يميناً مكفرة؛ وهذا اختيار شيخ الإسلام، وعليه يدل النص والقياس، فإنه إذا أوقعه كان قد أتى منكراً من القول وزوراً، وكان أولى بكفارة الظهار ممن شبه امرأته بالمحرمة، وإن حلف كان يمينا من الأيمان، كما لو حلف بالتزام الحج والإعتاق والصدقة، وهذا محض القياس والفقه. ألا ترى أنه إذا قال: لله علي أن أعتق أو أحج أو أصوم، لزمه; ولو قال: إن كلمت فلاناً فلله علي ذلك، على وجه اليمين، فهو يمين، وكذلك لو قال: هو يهودي أو نصراني، كفر بذلك، ولو قال: إن فعلت كذا فهو يهودي أو

ص: 315

نصراني، كان يميناً. وطرد هذا أيضاً إذا قال: أنت طالق، كان طلاقاً، ولو قال: إن فعلت كذا فأنت طالق، كان يميناً. فهذه هي الأصول الصحيحة المطردة، المأخوذة من الكتاب والسنة والميزان. انتهى كلامه في هذه المسألة.

وقال في الإنصاف: لو قال: علي الحرام، أو الحرام يلزمني، فهو لغو لا شيء فيه مع الإطلاق، وفيه مع قرينة أو نية وجهان، وأطلقهما في المغني والشرح والفروع. قلت: الصواب أنه مع النية والقرينة، كقوله: أنت علي حرام، ثم وجدت ابن رزين قدمه، وقال في الفروع: ويتوجه الوجهان إن نوى به طلاقاً، وأن العرف قرينة. قلت: الصواب أنه مع النية أو القرينة، كقوله: أنت علي حرام. انتهى.

وقال في المغني: فصل: واختلف أصحابنا في الحلف بالطلاق: فقال القاضي في الجامع، وأبو الخطاب: هو تعليقه على شرط، أي شرط كان، إلا قوله: إذا شئت فأنت طالق، ونحوه، فإنه تمليك، وإذا حضت فأنت طالق، فإنه طلاق بدعة، وإذا طهرت فأنت طالق، ونحوه، فإنه طلاق سنة؛ وهذا قول أبي حنيفة، لأن ذلك يسمى حلفاً عرفاً فيتعلق الحكم به، كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، ولأن في الشرط معنى القسم، من حيث كونه جملة غير مستقلة، دون الجواب، فأشبه قوله: والله وبالله وتالله.

ص: 316

وقال القاضي في المجرد: هو تعليقه على شرط يقصد به الحث على الفعل أو المنع، كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، وإن لم تدخلي فأنت طالق، أو على تصديق خبره، مثل قوله: أنت طالق، قدم زيد أو لم يقدم. فأما التعليق على غير ذلك، نحو قوله: أنت طالق إن طلعت الشمس، أو قدم الحاج، أو إن لم يقدم السلطان، فهو شرط محض ليس بحلف، لأن حقيقة الحلف القسم، وإنما يسمى تعليق الطلاق على شرط حلفاً تجوزاً، لمشاركته الحلف في المعنى المشهور، وهو الحث أو المنع، أو تأكيد الخبر، نحو قوله: والله لأفعلن، أو لا أفعل، أو لقد فعلت; وما لم يوجد فيه هذا المعنى لا يصح تسميته حلفاً، وهذا مذهب الشافعي.

فإذا قال لزوجته: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: إذا طلعت الشمس فأنت طالق، لم تطلق في الحال على القول الثاني، لأنه ليس بحلف، وتطلق على الأول لأنه حلف. وإن قال: كلما كلمت أباك فأنت طالق، طلقت على القولين جميعاً، لأنه علق طلاقها على شرط يمكن فعله وتركه، فكان حلفاً، كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق. انتهى كلام صاحب المغني.

قال في الاختيارات: ومن علق الطلاق على شرط، أو التزامه، لا يقصد بذلك إلا الحض والمنع، فإنه يجزئه

ص: 317

فيه كفارة يمين إن حنث. وإن أراد الجزاء بتعليقه طلقت، كره الشرط أو لا؛ وكذا الحلف بعتق وظهار وتحريم، وعليه يدل كلام أحمد في نذر اللجاج والغضب. انتهى. والله أعلم.

وسئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: عمن حرم زوجته

إلخ؟

فأجاب: تحريم الزوجة ظهار ولو نوى به طلاقاً أو يميناً، نص عليه إمامنا، رحمه الله، في رواية الجماعة؛ وهو المذهب، ونقل عنه ما يدل على أنه يمين، وفاقاً للثلاثة; وجزم شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات، والفتاوى المصرية، في باب الظهار بالأول، لكن قال ابن القيم - في الإعلام -: إنه إن أوقع التحريم كان ظهاراً لو نوى به الطلاق، وإن حلف به كان يميناً مكفرة؛ وهذا اختيار شيخ الإسلام، وعليه يدل النص والقياس، فإنه إذا أوقعه كان قد أتى منكراً من القول وزوراً، وكان أولى بكفارة الظهار ممن شبه امرأته بالمحرم، وإذا حلف به كان يميناً من الأيمان، كما لو التزم الإعتاق والحج، وهذا محض القياس والفقه. انتهى.

قلت: قوله وإذا حلف كان يميناً

إلخ، بناء على ما ذهب إليه، من أن المعلق للطلاق على شرط، يقصد بذلك الحض أو المنع أو الالتزام، فإنه يجزئه كفارة يمين إن

ص: 318

حنث، وإن أراد الإيقاع عند وجود المعلق عليه طلقت، وصرح به الشيخ في باب تعليق الطلاق بالشروط. قال: وكذا الحلف بعتق وظهار وتحريم.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما تحريم الرجل زوجته، ففيه خلاف مشهور، وأقوال العلماء فيه كثيرة: قيل: هو طلاق ثلاث، وقيل: طلقة بائنة، وقيل: يمين فيه كفارة، وقيل: ظهار فيه كفارة الظهار؛ وهذا القول هو المشهور عند الحنابلة. وأما تحريم الإنسان أمته، أو الطعام، أو الشراب، أو اللباس ونحو ذلك، ففيه كفارة يمين.

وأجاب أيضاً: وأما تحريم الرجل امرأته، فمعلوم لديكم ما في المسألة من الخلاف الكثير، وأن المشهور في مذهب أحمد أنه ظهار مطلقاً، وعند مالك طلاق ثلاث، وهو رواية عن أحمد; وعن أحمد: أنه يمين، وهو قول أبي حنيفة. والفتيا في هذه الأمور صعب، لاختلاف الصحابة في ذلك ومن بعدهم، والله أعلم.

وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم، رحمه الله: عمن ظاهر من امرأته بالثلاث؟

فأجاب: الذي قال: امرأتي علي كأمي بالثلاث، فالذي أرى: أن قوله: بالثلاث، لا يفيد شيئاً، أعني: ما يلزمه طلاق بذلك، وإنما هو مظاهر، فإن لم يجد ما يعتق

ص: 319

لفقره، لزمه صيام شهرين متتابعين. وكونه جامع قبل التكفير، فإنه يأثم بذلك، ولا يلزمه إلا الكفارة الواجبة، فإذا أخبر بما يجب عليه، فهو أمانة عنده، والله أعلم.

وسئل أيضاً: عمن قال: مثل أمي ما أذوق لك طعاماً، أو ذبيحة؟

فأجاب: أما من قال: مثل أمي ما أذوق لك طعاماً، أو ذبيحة، ومراده: تشبيه زوجته بأمه، فإن هذا حلف بالظهار، فإن لم يأكل فلا حنث، وإن أكل حنث، ويلزمه حكم الظهار عند الأصحاب. وعند الشيخ تقي الدين، وابن القيم: أن الحالف بالظهار، لا يلزمه إلا كفارة يمين، وهذا هو الذي نفتي به.

وسئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عمن قال: علي الطلاق لأفعلن كذا، ثم حنث؟

فأجاب: هذه المسألة، الخلاف فيها مشهور بين السلف والخلف، وفيها روايتان عن أحمد: إحداهما: تطلق ثلاثاً، صححه في التصحيح; قال في الروضة: هو قول جمهور أصحابنا، لأن الألف واللام للاستغراق، فتقتضي استغراق الكل وهو ثلاث. والرواية الثانية: لا تطلق إلا واحدة، وهي المذهب، لأنه يحتمل أن تعود الألف واللام إلى معهود، يريد الطلاق الذي أوقعته؛ قال الموفق: والأشبه في هذا جميعاً، أن يكون واحدة في حال

ص: 320

الإطلاق، لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثاً، ولهذا ينكر أحدهم أن يكون طلق ثلاثاً، ولا يعتقد أنه طلق ثلاثاً. انتهى.

وأما الروايتان عن أحمد، إذا قال ذلك وأطلق ولم ينو شيئاً، فأما إن نوى ثلاثاً، فإنه يقع به ثلاث طلقات. وأما الشيخ تقي الدين، فإنه فرق بين أن يقصد الحالف إيقاع الطلاق أو لا يقصده، وإن كان يكره وقوع الجزاء، ولكن علقه على شرط ليحث نفسه على فعل شيء أو تركه، فهذا يكون عنده من باب الأيمان، وتكون كفارة يمين. وإن كان يقصد إيقاع الطلاق، ولا يكره وقوع الجزاء، فهذا إذا وقع عنده الجزاء، وقع عنده الطلاق.

وأجاب أيضاً: وأما من قال: علي الطلاق أو الحرام لا أفعلن كذا، وفعله، فالذي نعمل عليه: أنه ليس عليه إلا كفارة يمين، إذا فعل المحلوف عليه.

وأجاب أيضاً: إذا قال: علي الطلاق بالثلاث إن لم أفعل كذا، أو لا أفعل كذا، فإذا لم ينو به الطلاق بل مراده الحث أو المنع، فهو يمين مكفرة، يخير بين عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد بر أو مدي شعير أو مدي تمر، فإن عجز عن ذلك صام ثلاثة أيام.

وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: وأما إذا قال الرجل لامرأته: علي الطلاق بالثلاث ما أضاجعك سنة،

ص: 321

فوطئها وضاجعها قبل ذلك، فهذه المسألة اختلف العلماء فيها، فذهب الجمهور: إلى أنه يقع به الطلاق، وتبين منه امرأته.

وذهب الشيخ تقي الدين، وطائفة من التابعين، إلى أنه إن كان قصده بالحلف بالطلاق منع نفسه عن مضاجعتها، ولم يقصد إيقاع الطلاق، بل قصد منع نفسه فقط، لم يقع به الطلاق، ويكون ذلك بمنزلة اليمين، فيكفر كفارة يمين. وإن كان قصده وقوع الطلاق، عند فعل ما حلف عليه، وقع؛ قال الشيخ: بلا خلاف، لأنه قصد الإيقاع فوقع.

وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد، رحمهم الله تعالى: وقول السائل: استعمال الناس اليوم الحلف بالطلاق، عند إلجاء أحدهم إلى الغضب، كقولهم: علي الطلاق لأفعلن

إلى آخر ما نقل السائل، نقل شيخنا: الشيخ الهمام العلامة، رحمه الله، عن الإمام أحمد، رحمه الله، روايتين، في قول القائل: علي الطلاق: إحداهما: تطلق ثلاثاً

إلخ. أقول: هذه الرواية هي المذهب، إذا نوى الثلاث. وإن لم ينو ثلاثاً فواحدة، عملاً بالعرف، وكذا قوله: الطلاق لازم لي، أو علي صريحاً، أو معلقاً، أو منجزاً، أو محلوفاً به؛ هذا شرح ما نقله عن شيخنا، وهو المعتمد.

ص: 322

وأما ما فرق به شيخ الإسلام، فقد ذكرته للسائل في جوابنا الذي صدر قبل هذا في مسألة التحريم، وأشرت إلى قوة ما ذهب إليه شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وحاصله: أنهما اختارا أنه يقع بوجود شرطه، إذا أراد الجزاء بتعليقه، إلا إن أراد الحض أو المنع. وقولهم: إن أراد الجزاء، أي: الطلاق، احترازاً من أن يريد حضاً، أو منعاً، وهو يكره وقوعه عند شرطه، فإنه- والحالة هذه- عندها يمين مكفرة. انتهى. والذي عليه مشايخنا من أهل الفتوى: إنما يعتمدون كلام الجمهور في هذه المسألة، فيفتون بإيقاع الطلاق، إذا وجد المعلق عليه، وهو الشرط، كما عليه الأئمة وجمهور العلماء.

وأجاب الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: إذا قال الرجل: علي الطلاق بالثلاث إن لم أفعل كذا، أو لا أفعل كذا، ففعل، فإذا لم ينو به الطلاق، بل مراده الحث أو المنع، فهو يمين مكفرة؛ يخير بين عتق رقبة، أو كسوة عشرة مساكين، أو إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مدي شعير، أو مدي تمر أو مد بر، فإن عجز عن ذلك صام ثلاثة أيام.

[ألفاظ الطلاق]

سئل الشيخ حسين بن الشيخ محمد: إذا طلق امرأته عدد خوص النخل؟

فأجاب: إذا طلق امرأته عدد خوص النخل، فلا

ص: 323

سبيل له عليها.

وسئل الشيخ سعيد بن حجي: عن رجل تشاجر هو وزوجته عند الأمير، فقالت للأمير: أنصفني وإلا طلقني من إمارتك، فحرص زوجها، وقال: أنت طالق عدد زقان الجراد، فقالت: هبت ريحك، فقال لها: من إمارة فلان، ويحلف أن كلامه مجاوبة عن الأمير، حيث قالت: طلقني من إمارتك، فقال: أنت طالق عدد زقان الجراد من إمارته، ومعه على ذلك شهود؟

فأجاب: قال ابن رجب في شرح الأربعين: وقد روي "عن عمر أنه رفع إليه رجل، قالت امرأته: شبهني، قال: كأنك ظبية، كأنك حمامة، فقالت: لا أرضى حتى تقول أنت خلية، أنت طالق، فقال ذلك، فقال عمر: خذ بيدها فهي امرأتك"، خرجه أبو عبيد، وقال: أراد الناقة تكون معقولة، ثم تطلق من عقالها فيخلى عنها، فهي خلية من عقالها، وهي طالق لأنها قد طلقت منه، فأراد الرجل ذلك، فأسقط عنه عمر الطلاق بنيته. قال: وهذا أصل لكل من تكلم بشيء، يشبه لفظ الطلاق والعتاق، وهو ينوي غيره، أن القول فيه قوله، فيما بينه وبين الله (وفي الحكم على تأويل عمر رضي الله عنه.

ويروى عن الأشيمط السدوسي، قال: "خطبت امرأة، فقالوا: لا نزوجك حتى تطلق امرأتك، فقلت: إني طلقتها

ص: 324

ثلاثاً، فزوجوني، ثم نظروا فإذا امرأتي عندي، فقالوا: أليس قد طلقتها ثلاثاً؟ قال: كان عندي فلانة فطلقتها، وفلانة فطلقتها، وأما هذه فلم أطلقها، فأتيت شقيقاً أبا ثور، وهو يريد الخروج إلى عثمان وافداً، فقلت: سل أمير المؤمنين عن هذه، فسأله، فقال: نيته"، خرجه أبو عبيد في كتاب الطلاق، وحكى إجماع العلماء على مثل ذلك. وقال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: حديث الأشميط تعرفه؟ قال: نعم، السدوسي إنما جعل نيته بذلك. انتهى كلام ابن رجب.

وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" أن المرأة إذا أقامت شاهداً واحداً على الطلاق، فإن حلف الزوج أنه لم يطلق لم يقض عليه. وإن لم يحلف، حلفت المرأة ويقضى عليه ". انتهى من إعلام الموقعين لابن القيم. فهذا كلام الخليفتين الراشدين، عمر وعثمان، رضي الله عنهما، أنهما ردا ما احتمل معنيين إلى نية المطلق، ولأن الأصل مع الزوج وهو الزوجية، وفي حديث عمرو بن شعيب: أن الزوج يستحلف أنه لم يطلق.

إذا تقرر هذا، فإن كان الزوج الذي قال لامرأته حين قالت للأمير: طلقني من إمارتك، قال: أنت طالق عدد زقان الجراد من إمارة فلان، لم يقع عليها طلاق لأنه وصله بما يصرفه عن ظاهره، فإن لم يكن وصل الطلاق

ص: 325

بقوله من إمارة فلان، حلف الزوج بالله الذي لا إله إلا هو، ما أردت طلاق زوجتي، وإنما أردت طلاقها من إمارة فلان، فإن حلف فهي زوجته؛ وهذا الذي ذكرنا، قد صرح به بعض العلماء في كتبهم، لكن إن كانت الزوجة قالت له: طلقني، وهو في شدة غضب، فقال: أنت طالق عدد زقان الجراد، ولم يصله بقوله من إمارة فلان، فلا يقربها إلا بمراجعة العلماء، والله أعلم.

سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: إذا قال: أمرك بيدك؟

فأجاب: المشهور أن القضاء ما قضت، فإن طلقت نفسها ثلاثاً وقع، وإن نوى أقل منها؛ روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء الزهري; وروي عن عمر وابن مسعود: أنها طلقة واحدة، وبه قال عطاء ومجاهد، والقاسم وربيعة، ومالك والشافعي; قال الشافعي: القول قوله في نيته; وعن أحمد ما يدل على ذلك، وأنه إذا نوى واحدة فهي واحدة.

وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: ما الفرق بين: طلقي نفسك، وأمرك بيدك؟

فأجاب: أما قوله: طلقي نفسك، ونحو هذا اللفظ، فهذا وكالة صريحة، كما لو قاله لغير زوجته; وقوله: أمرك بيدك، كناية في التوكيل في الطلاق، يحتاج إلى نية

ص: 326

الزوج، أن مراده تفويض أمرها إليها.

والفرق من جهة العربية، أن قوله: أمرك بيدك، يقتضي توكيلها في جميع أمرها، لأن قوله: أمرك، اسم جنس مضاف، فيتناول الطلقات الثلاث، أشبه ما لو قال: طلقي نفسك ما شئت. وكذا لو قال لأجنبي: أمر زوجتي بيدك، ملك تطليقها ثلاثاً.

تفويض الطلاق للزوجة

قال في الشرح: وإن قال لامرأته: طلقي نفسك، فلها ذلك كالوكيل، فإن نوى عدداً فهو على ما نوى، وإن أطلق من غير نية لم تملك إلا واحدة، لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم؛ وكذلك الحكم لو وكل أجنبياً، فقال: طلق زوجتي، فالحكم على ما ذكرنا.

قال أحمد فيمن قال لامرأته: طلقي نفسك، ونوى ثلاثاً، فطلقت نفسها ثلاثاً: فهي ثلاث; وإن كان نوى واحدة لم تطلق إلا واحدة، لأن الطلاق يكون واحدة، ويكون ثلاثاً، فأيهما نواه، فقد نوى بلفظه ما يحتمل، وإن لم ينو تناول اليقين، وهو واحدة.

ثم قال الشارح: ولا يطلق الوكيل أكثر من واحدة، إلا أن يجعل ذلك إليه، لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم، إلا أن يجعل إليه أكثر من واحدة، بلفظه، أو نيته، نص عليه، والقول قوله في نيته، لأنه أعلم بها..

ثم قال الشارح: إذا قال لامرأته: أمرك بيدك، كان

ص: 327

لها أن تطلق ثلاثاً، وإن نوى أقل منها؛ هذا ظاهر المذهب، لأنها من الكنايات الظاهرة، روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب والزهري، قالوا: إذا طلقت ثلاثاً، فقال: لم أجعل لها إلا واحدة، لم يلتفت إلى قوله، والقضاء ما قضت. وعن عمر وابن مسعود: أنها طلقة واحدة، وبه قال عطاء ومجاهد والقاسم، ومالك والأوزاعي. وقال الشافعي: إن نوى ثلاثاً، فلها أن تطلق ثلاثاً، وإن نوى غير ذلك لم تطلق ثلاثاً، والقول قوله في نيته.

ثم احتج الشارح للقول الأول، بما ذكرناه أولاً، من أن قوله: أمرك، اسم جنس مضاف، فيتناول الطلقات الثلاث، أشبه ما لو قال: طلقي نفسك ما شئت. انتهى. فإن ادعى الزوج، أنه لم يرد بقوله لزوجته: أمرك بيدك، تفويض الطلاق إليها، فالقول قوله، ما لم يقع ذلك جواباً لسؤالها الطلاق ونحوه. وأما قول العامة: طلقتك على نفسك، فالذي يظهر: أن هذا كناية في الوكالة، تملك به واحدة، وتعتبر نيته أيضاً، أو يكون ذلك جواباً لسؤالها.

وأجاب أيضاً: إذا قال الزوج لامرأته: أمرك بيدك، فإنها تملك ثلاثاً، ولو قال: طلقي نفسك، لم تملك إلا واحدة.

ص: 328

الطلاق لحرمان الزوجة من الميراث

سئل الشيخ حسين وعبد الله: ابنا الشيح محمد، رحمهم الله: إذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق قبل موتي بشهر، أو بثلاثة أيام، أو قال: قبل موتي بثلاثة أيام أنت طالق، وطلب هذا الزوج أن يحرم زوجته من الميراث الشرعي، فهل يقع في الحال؟ أم يجوز له أن يطأها إلى أن يموت؟

فأجابا: الذي نص عليه علماؤنا، رحمة الله عليهم، أنه يجب على الزوج اعتزالها من حين ذلك، لأن كل شهر، أو يوم، يحتمل أن يموت فيه، فتكون قد طلقت قبله في الوقت الذي وقَّته، فإذا وطئها والحالة هذه، احتمل أن يموت، فيكون قد وطئها في حال بينونتها.

وأما إذا عرف أن قصده بكلامه ذلك، حرمانها من الميراث، فإنها ترثه ولو خرجت من العدة، كما هو مذهب الإمام أحمد وغيره من العلماء؛ وهو الذي تدل عليه قصة عمر، مع غيلان بن سلمة الثقفي، لما طلق زوجاته، وقسم الميراث بين أولاده. وهذه المرأة في حال حياة زوجها، لها حكم الزوجات من النفقة والكسوة والسكنى، لا في الوطء والنظر، فإن ذلك لا يجوز. هذا الذي دل عليه كلام الحنابلة، والله أعلم 1.

1 وتقدم بعض من مضمونها في صفحة 149.

ص: 329

[تعليق الطلاق على الماضي والمستقبل]

سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن تعليق الطلاق على الماضي والمستقبل

إلخ؟

فأجاب: التعليق على الماضي، معلوم من الكتاب والسنة، ونحو هذا التعليق يسمى حلفاً، لأن التعليق الذي يقصد به الحث على شيء، أو المنع منه، أو يراد به تصديق خبر، أو تكذيبه، يسمى حلفاً; وأما التعليق الذي لا يقصد به شيء من ذلك، فلا يسمى حلفاً على الصحيح من المذهب. فلو قال: إن كنت فعلت كذا، فزوجتي طالق، وكان قد فعله، حنث. وكذا لو قال: إن لم أكن فعلت كذا، فزوجتي طالق، أو فعبدي حر، وكان لم يفعله، حنث إن لم يتأول، حيث جاز التأويل، كما ذكروه في باب التأويل في الحلف.

وما ذكرتموه من كلام منصور: بأن المعلق عليه لا يكون ماضياً، فلعل مراده إذا تجرد الشرط عن لفظ كان، كما قال القاضي فيما روي عن أحمد، في رجل قال لامرأته: إن وهبت كذا فأنت طالق، وإذا هي قد وهبته، قال الإمام: أخاف أن يكون قد حنث؛ قال القاضي: هذا محمول على أنه قال: إن كنت قد وهبتيه، وإلا فلا يحنث حتى تبتدي هبته. انتهى. فإذا اتصلت كان بأدوات الشرط، جاز كون المعلق عليه ماضياً أو حالاً.

ص: 330

وقال المصنف: وقد يكون المعلق عليه موجوداً في الحال، وقد يكون مستقبلاً، ولا يكون ماضياً، ولذلك تقلب أدوات الشرط الماضي إلى الاستقبال، فدل قوله: وكذلك

إلخ، على أن مراده بقوله: ولا يكون ماضياً إذا تجرد من كان، لأن الماضي إذا اقترنت به كان، لا يكون مستقبلاً، بل يبقى على مضيه، وهي إنما تقلب الماضي إلى الاستقبال إذا لم تقترن بكان، أو يكون أو مضارعاً، فدل قوله: ولذلك تقلب أدوات الشرط 1.

1 آخر ما وجد من الجواب.

ص: 331