المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب نكاح الكفار - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٧

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌باب نكاح الكفار

‌باب نكاح الكفار

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: هل نكاح الشرك يحتاج لتجديد في الإسلام؟

فأجاب: نكاح الشرك لا يحتاج لتجديد في الإسلام.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله: عن زوجة الكافر إذا كانت مسلمة ومات، هل عليها عدة؟

فأجاب: إن كان قد تزوجها في حال كفره، فالنكاح باطل، لقوله تعالى:{وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [سورة البقرة آية: 221]، وقوله:{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [سورة الممتحنة آية: 10] ، وإن كان كفره طارئاً على النكاح، أو كانا كافرين فأسلمت قبله، فإن كان قبل الدخول انفسخ نكاحها، وإن كان بعد الدخول، وقف على انقضاء العدة، على الصحيح عند متأخري الأصحاب، واستدلوا بحديث مالك في إسلام صفوان بن أمية، بعد إسلام زوجته بنحو شهر، والحديث مشهور عند أهل العلم، قالوا: فإن أسلم الثاني قبل انقضاء العدة، فهما على نكاحهما، وإلا تبينا فسخه منذ أسلم الأول، والمرتد كغيره.

والذي اختاره ابن القيم، رحمه الله: عدم مراعاة زمن

ص: 208

العدة، واستدل بأحاديث وآثار، منها: ما روى أبو داود في سننه، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال:"رد رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب ابنته، على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول، ولم يحدث شيئاً بعد ست سنين " 1، وفي لفظ لأحمد: ولم يحدث شهادة ولا صداقاً، ولم يحدث نكاحاً. وقال في حديث عمرو بن شعيب:"أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها على أبي العاص بنكاح جديد": إن الإمام أحمد قال: هذا حديث ضعيف; والصحيح: أنه أقرهما على النكاح الأول. وقال الترمذي: في إسناد هذا الحديث مقال; وقال الدارقطني: هذا حديث لا يثبت، والصواب حديث ابن عباس.

وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: "كان المشركون على منْزلتين من رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، وأهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه. فكان إذا هاجرت امرأة من دار الحرب، لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه". وذكر ابن أبي شيبة عن معتمر بن سليمان عن معمر عن الزهري قال: إذا أسلمت ولم يسلم زوجها فهما على نكاحهما، إلا أن يفرق بينهما سلطان; قال: ولا يعرف اعتبار العدة في شيء من الأحاديث، ولا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل المرأة: هل انقضت عدتك أم لا؟

1 الترمذي: النكاح (1143)، وأبو داود: الطلاق (2240) .

ص: 209

ولا ريب، أن الإسلام لو كان بمجرده فرقة، لم يكن فرقة رجعية بل بائنة، فلا أثر لعدة في بقاء النكاح، وإنما أثرها في منع نكاحها للغير؛ فلو كان الإسلام قد نجز الفرقة بينهما، لم يكن أحق بها في العدة، ولكن الذي دل عليه حكم النبي صلى الله عليه وسلم أن النكاح موقوف، فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته، وإن انقضت عدتها، فلها أن تنكح من شاءت. ولا نعلم أن أحداً جدد للإسلام عقداً غير عقده الأول البتة، بل كان الواقع أحد أمرين: إما افتراقهما ونكاحها غيره، وإلا بقاؤها عليه، وإن تأخر إسلامها وإسلامه. وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع، وهو إنما أسلم زمن الحديبية، وهي أسلمت من أول البعثة، وبين إسلامها وإسلامه أكثر من ثمانية عشر سنة.

وأما قوله: في الحديث: كان بين إسلامها وإسلامه ست سنين، فوهم؛ إنما أراد بين هجرتها وإسلامه. ولولا إقراره صلى الله عليه وسلم الزوجين على نكاحهما - وإن تأخر إسلام أحدهما عن الآخر بعد صلح الحديبية وزمن الفتح - لقلنا بتعجيل الفرقة بالإسلام من غير اعتبار عدة، لقوله تعالى:{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [سورة الممتحنة آية: 10]، وقوله:{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [سورة الممتحنة آية: 10] ، وإن الإسلام سبب الفرقة، وكلما كان سبباً للفرقة تعقبته الفرقة، كالرضاع والخلع والطلاق؛ وهذا اختيار الخلال، وأبي بكر صاحبه، وابن

ص: 210

المنذر وابن حزم، وهو مذهب الحسن وطاووس، وعكرمة وقتادة والحاكم. قال ابن حزم: وهو قول عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله وابن عباس، وبه قال حماد بن زيد، والحكم بن عتبة، وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز، وعدي بن عدي الكندي، والشعبي وغيرهم. قلت: وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، لكن الذي نزل عليه قوله:{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [سورة الممتحنة آية: 10]، وقوله:{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [سورة الممتحنة آية: 10] لم يحكم بتعجيل الفرقة، وما حكاه ابن حزم عن عمر، فما أدري من أين حكاه، والمعروف عنه خلافه. ثم ساق الرواية عن عمر بخلاف ما حكاه ابن حزم. انتهى ملخصاً.

وأما: إذا مات الزوج قبل انقضاء العدة، فصحيح المذهب: أنها تستأنف العدة للوفاة، ويلغو ما مضى. وإن كان موته بعد انقضائها فلا عدة، والذي يتمشى عليه ما اختاره ابن القيم: أنها إن لم يفسخ نكاحها حاكم بطلبها، أنها تعتد منه أيضاً.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن رجل له امرأة ارتدت إلى بلد الحرب، فلما تم لها عشر سنين بلغ زوجها عنها كلام أغضبه، فظاهر منها، ثم بعد ذلك أسلمت

إلخ؟

ص: 211

فأجاب: الفرقة تكون بنفس الردة، وقيل تتوقف على انقضاء العدة، وهذا المشهور عن أحمد، رواه عنه خمسون رجلاً، والمختار لعامة الأصحاب. وعن أحمد رواية أخرى: الوقف في هذه المسألة. واختار الشيخ تقي الدين: فيما إذا أسلمت قبله بقي نكاحه، قبل الدخول وبعده، ما لم تنكح غيره، والأمر إليها ولا حكم ولا حق عليه، وكذا إن أسلم قبلها، وليس له حبسها، وأنها متى أسلمت ولو قبل دخوله أو بعده بمدة، فهي امرأته إن اختار. انتهى.

فإن قلنا: إن النكاح ينفسخ بنفس الردة، أو انقضاء العدة، فهي أجنبية يجري فيها من الخلاف ما يجري في المظاهر من الأجنبية، وإن قلنا: إن الأمر في ذلك إليه كما اختاره الشيخ تقي الدين، ولم يرد زوجها انفساخ نكاحها، فهي امرأته يلحقها ظهاره، وعليه كفارة الظهار المذكورة في القرآن، من قبل أن يمسها؛ وكلامهم في الظهار من الأجنبية أنه يصح، ولا يطؤها حتى يكفّر. قال في الإنصاف: على الصحيح من المذهب، نص عليه. وقيل: لا يصح كالطلاق؛ قال في الانتصار: هذا قياس المذهب كالطلاق، وذكره الشيخ تقي الدين رواية; والفرق بينهما: أن الظهار يمين، والطلاق حل عقد ولم يوجد. انتهى ما ذكره في الإنصاف. وبما ذكرناه يتبين لك الجواب في المسألة، إن شاء الله تعالى.

ص: 212