الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الديات
قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: وأما قولكم: إنه يحكى لنا أنكم تأخذون من مال القاتل غير الدية، فنقول هذا كذب وزور، وبهتان علينا؛ بل المسلم إذا قتل المسلم، فالولي مخير بين القود، والدية، والعفو.
سئل الشيخ سعد بن عتيق: عن رجل ثارت بندقه، لما أراد أخذ عصاه من الخرج بغير اختياره، وأصابت رجلاً ومات، وكان المصاب أحضر رجالاً عدولاً، وأشهدهم أنه عفا عن صاحب البندق، وأنه أعتقه، ولا يعارض بطرد ولا مطالبة؟
فأجاب: كلام العلماء في العفو عن الجاني وعن الجناية طويل، على أنواع جملة وتفصيلاً، وهذه المسألة هي مسألة: عفو القتيل عن قتل الخطإ.
والذي يظهر لي في هذه المسألة: أن حكمها حكم الوصية، وأن الدية يراعى فيها الثلث، فإن خرجت من الثلث، أعني ثلث مال القتيل، فليس للورثة المطالبة بشيء من الدية، وإن كانت الدية أكثر من ثلث مال القتيل، فيعطي الجاني الورثة ما زاد على الثلث، فإن لم يكن للقتيل
مال سقط عن الجاني ثلث الدية، والله أعلم.
سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: عن رجلين تكامخا
…
إلخ؟
فأجاب: وأما مسألة الرجلين اللذين تكامخا، فالدية أو يصالحون على دون منها. وأما مسألة الصبي ابن خمس عشرة سنة، فأرجو أن مثله ما يضمن.
وأجاب ابنه: الشيخ عبد الله: من روع صبياً فشهق فمات، ضمن الدية.
مقادير ديات النفس
وسئل: عن مقادير ديات النفس؟
فأجاب: وأما دية المسلم الحر إذا قتل عمداً، وقبل أولياؤه الدية، فهي مائة من الإبل: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة؛، وقيمتها وقتنا هذا، بتقدير أمير المسلمين عبد العزيز، وأهل المعرفة: ثمانمائة ريال، وتكون حالَّة.
وأما دية الخطإ المخففة، فهي: خمسة أخماس على عشرين، منها عشرون ذكراً، وهي على العاقلة مؤجلة ثلاث سنين، إلا إن كان القتل لم يثبت بالبينة، بل ثبت بإقرار القاتل، فلا تحملها العاقلة، وتكون في مال القاتل.
وأجاب أيضاً: ومقدار الدية: مائة ناقة، تقدر اليوم
بقيمة ثمانمائة ريال، ودية المرأة: نصف دية الرجل. وإن كان قتله خطأ زلة، ما قصد قتله، فتلزمه الدية، وتصير على عاقلته، وتصير أثلاثاً في ثلاث سنين، ويلزمه معها عتق رقبة إن كان يقدر، وإن كان لا يقدر، فيصوم شهرين.
[أصل الدية وتقديرها]
وسئل الشيخ حسن بن الشيخ حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهم الله تعالى، ونص السؤال: أصول دية النفس من الإبل، والذهب، والفضة، والبقر، والغنم، والْحُلَل، غير خاف عليكم، وقدر عبد العزيز: مائة من الإبل بثمانمائة ريال، فهل هذا التقدير برخصة من الشيخ، رحمه الله، أو لا؟ والآن صارت قيمة الإبل عما هي معلومة ناقصة، فما المعمول به؟
فأجاب: لا نزاع في أن دية الحر المسلم: مائة من الإبل، أصل في الدية; واختلف عن أحمد، هل هي الأصل لا غير، أو معها غيرها؟ وهل ذلك الغير أربعة أشياء، أو خمسة؟ فعنه: أنها الأصل، لأن في حديث عمرو بن حزم:" في النفس مائة من الإبل "، رواه النسائي، ومالك عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال:" قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من قتل خطأ، فديته من الإبل: ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة، وعشرة بني لبون ذكور " 1، رواه أبو داود والنسائي، وذكر حديث عقبة بن عامر بن أويس، وحديث عبد الله بن عمرو، ثم قال:
1 النسائي: القسامة (4801)، وأبو داود: الديات (4541)، وابن ماجة: الديات (2630) ، وأحمد (2/217) .
وظاهر هذه الأحاديث، أن الدية هي الإبل خاصة، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية العمد والخطإ، فغلظ العمد، وخفف الخطأ، ولم يرد ذلك عنه إلا في الإبل.
وعنه: أنها خمسة أشياء كل منها أصل برأسه: الإبل، والبقر، والغنم، والذهب، والفضة; أما في الإبل فلما تقدم; وأما في البقر والغنم، فإن في حديث عمرو بن شعيب:? "قضى على أهل البقر بمائتي بقرة، ومن كان دية عقله في شاء، فألفا شاة".
وأما في الذهب والفضة، فلما روى ابن عباس:" أن رجلاً من بني عدي قتل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفاً " 1، رواه الترمذي والنسائي وأبو داود وهذا لفظه. ولمالك في الموطأ: بلغه أن "عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوّم الدية على أهل القرى، فجعل على أهل الذهب: ألف دينار، وعلى أهل الورِق: اثني عشر ألف درهم"، قال مالك: فأهل الذهب أهل الشام ومصر، وأهل الورق أهل العراق.
وعنه: أنها ستة أشياء، فيضاف إلى الخمسة السابقة: مائتا حلة، وهذه اختيار القاضي، وكثير من أصحابه، لما روى عطاء بن أبي رباح: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الدية على أهل الإبل: مائة من الإبل، وعلى أهل البقر: مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء: ألفي شاة، وعلى أهل الحلل: مائتي
1 الترمذي: الديات (1388)، والنسائي: القسامة (4803)، وأبو داود: الديات (4546)، وابن ماجة: الديات (2632)، والدارمي: الديات (2363) .
حلة، وعلى أهل القمح: شيئاً لم يحفظه محمد بن إسحاق " 1، والرواية الأولى أظهر دليلاً، على أن أحاديث تلك الرواية لا تقاوم تلك الأحاديث.
وعلى تقدير مقاومتها، فيحمل على أنه جعل ذلك بدلاً عن الإبل، وظاهر في حديث عمرو بن شعيب، إذ أوله:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم الدية على أهل القرى: أربعمائة دينار، أو عدْلها من الورق، ويقومها على أثمان الإبل إذا غلت أرفع قيمتها، وإذا هاجت - رخصت - نقصت من قيمتها "، وبلغت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة، إلى ثمانمائة، وعدلها: ثمانية آلاف درهم.
قال: "وقضى على أهل البقر: بمائتي بقرة، ومن كان دية عقله في شاء: فألفا شاة"، وهذا ظاهر في أنه إنما كان يعتبر الإبل لا غير، بل هو نص في الذهب والورق، أنه كان يعتبرهما بالإبل، وحديث ابن عباس واقعة عين لا عموم له، وفعل عمر ظاهر على أن تلك في سبيل التقويم، فهو مؤيد لما قلناه.
وأبو محمد يختار في العمد قولاً رابعاً، هو بعض الرواية الثانية، وهو: أن الدية: مائة من الإبل، أو ألف مثقال، أو اثنا عشر ألف درهم؛ وهذا ظاهر في الورق، لحديث ابن عباس إن صح. وعلى الرواية الأولى: من وجب عليه الدية، متى قدر على الإبل لا يجزئه غيرها،
1 أبو داود: الديات (4543) .
وإن عجز عنها انتقل إلى ما شاء من الأربعة أو الخمسة على اختلاف الروايتين، وكذلك إذا لم توجد الإبل إلا بأكثر من ثمن المثل.
قال أبو محمد: وهذا ينبغي فيما إذا كانت الإبل موجودة بثمن مثلها، إلا أن هذا لا يحدها، لكونها في غير مثبت، أو نحو ذلك، فإذًا ينتقل إلى غيرها; أما إذا غلت الإبل من غير نظر إلى قيمة، وهذا إحدى الروايتين، واختيار الشيخين، لظاهر حديث عمرو بن حزم، وحديث عمرو بن شعيب، وغيرهما، فإنه صلى الله عليه وسلم أطلق الإبل، ولم يقيدها بقيمة، فتقييدها بها يحتاج إلى دليل، وكذلك الأحاديث التي فيها ذكر: البقر، والغنم، والحلل التي فيها اعتبار قيمة.
أيضاً، فإنه صلى الله عليه وسلم فرق بين دية العمد والخطإ، فغلظ دية العمد وشبهه، وخفف دية الخطإ، واعتبار القيمة يفضي إلى التسوية بينهما، وهو خلاف ما تضمنته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والرواية الثانية: يعتبر أن لا تنقص المائة بعيراً عن دية الأثمان، نظراً إلى أن عمر قوّمها كذلك، فيعتبر أن قيمتها كذلك؛ وأجيب: أنه اتفق أن قيمتها في ذلك الوقت كان كذلك، فصرنا إليه عند ذلك، حذراً من التنازع. وحكى أبو محمد في الكافي الرواية: أنه يعتبر أن يكون قيمة كل
بعير مائة وعشرين درهماً، وقال في المغني: إن الأصحاب ذكروا أن ذلك مذهب أحمد، والتحقيق هو الأول. انتهى ملخصاً من شرح الزركشي على الخرقي.
إذا تقرر هذا، فالمتعين المعمول به هو ما نص عليه الشارع - صلوات الله وسلامه عليه - مهما أمكن، ولا يقال بالقيمة إلا عند التعذر، فحينئذ يرجع إلى القيمة في الجميع، كل أصل بقيمته؛ وقيمة الريال بالدراهم الإسلامية، بالتحرير تقريباً: تسعة دراهم، كذا قيل.
وما علمنا، فيما بلغنا عن شيخ الإسلام، رخصة بتقدير قيمة الإبل خاصة بما ذكر، وإنما ذلك من ولي الأمر، في دية أعوز السن فيها ذلك الوقت، فقومت المائة بثمانمائة ريال، لا أنها بدل وقيمة مطلقاً، بل في وقت تقوم تكون قيمتها الثمان، وفي وقت أربعاً، وفي غيره ثلاثاً، وغير ذلك بحسب الغلاء والرخص؛ فقد عرفت المتيقن المعمول به، هذا ما ظهر لي.
وأجاب بعضهم، رحمه الله: وأما إذا اختلفت القيم، أي: قيم الدية والبلدان، فإنه ينظر إلى قيمة الإبل في بلد القاتل، إذا لم توجد الإبل.
[حكم الدية على من قتل في الجاهلية ثم أسلم]
سئل علماء الدرعية، رحمهم الله: عمن قتل في الجاهلية ثم أسلم؟
فأجابوا: وأما حكم هذا الشخص إذا قتل ثم أسلم قاتله، فإنا لا نحكم بديته على قاتله إذا أسلم، بل نقول: الإسلام يجُبُّ ما قبله، لأن القاتل قتله في حال كفره.
وأجاب الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: وأما قتل الجاهلية، والجراحات، فما كان من ذلك مقطوعاً ديته، مضموناً، كثيراً أو قليلاً، فإنه يدفع إلى صاحبه، أو لم يكن مقطوعاً، ولا مطالباً به، فهدر.
وأجاب أيضاً: إذا أسلم سقط ما فعله في الشرك، وليس عليه دية لأهل القتيل، فإن كانت ديناً في الذمة، وقدرت بشيء معلوم، ودفع بعضه فيدفع الباقي، فإن كان لم يطالب بها إلا بعد الإسلام، ولا دفع منها شيئاً، فهدر.
سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: هل يودى المشرك؟
فأجاب: إذا ضرب المشرك أو جرح فدمه هدر، إلا الذمي، والمعاهد، والمستأمن، فديتهم إذا أصيبت نفس أحدهم، ثمانمائة درهم، والجروح ينظر فيها على قدر دياتهم.
[هل المرأة تعاقل الرجل حتى تبلغ ثلث الدية]
سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ: هل المرأة تعاقل الرجل حتى تبلغ ثلث الدية؟
فأجاب: المرأة كالرجل، تساوي جراحها جراحه، حتى تبلغ ثلث ديته، على الصحيح من المذهب. واستدل
علماؤنا، رحمهم الله، في كتبهم، بحديث عمرو بن شعيب، الذي رواه النسائي، بكلام سعيد بن المسيب لربيعة، وهو ظاهر في أن المراد الثلث من دية الرجل؛ ولفظ الحديث الذي نقلت من شرح زاد المستقنع، هو كما نقلت، وهو كذلك في المنتقى والمحرر، والجامع الصغير، ولفظه: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عقل المرأة مثل عقل الرجل، حتى تبلغ الثلث من ديتها "1، رواه النسائي والدارقطني.
قال الحافظ ابن عبد الهادي في محرره: هو من رواية إسماعيل بن عياش، وهو كثير الخطإ؛ وعلى تقدير صحته، واستدلال الفقهاء به، يحتمل أن يكون الضمير للمضاف إليه المحذوف، أي: عقل جراح المرأة، فهو راجع إلى الجراح، لكونه مفهوماً من الحديث، لا إلى المرأة، إذ لو كان كذلك، لما صح الاستدلال به، على أن جراح المرأة مثل جراح الرجل، حتى تبلغ الثلث من ديته، مع مخالفته لكلام سعيد؛ وقد استدل العلماء بهما معاً على حكم واحد، وذلك ينبئ عن الاتفاق في المعنى.
دية الرقيق
سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: عن دية الرقيق؟
فأجاب: دية المملوك قيمته، سواء كثرت أو قلت.
وسئل: هل الغرة في الجنين واجبة على كل حال، خلق أم لا؟
1 النسائي: القسامة (4805) .
فأجاب: المشهور أن الغرة تجب إذا وضعت المرأة ما تنقضي به عدتها، وتصير به الأمة أم ولد، وذلك إذا تبين فيه خلق الآدمي.
دية الجنين
سئل الشيخ سعيد بن حجي: إذا شربت دواء أو جنى الزوج على زوجته وألقت جنيناً ميتاً، هل تجب الغرة ولا يرث منها
…
إلخ؟
فأجاب: إذا شربت الحامل دواء وألقت جنينها، فعليها غرة عبد أو أمة، ولا ترث منها شيئاً، لأن القاتل لا يرث المقتول، فتكون الغرة لسائر ورثته، وعليها عتق رقبة؛ وليس في هذا اختلاف بين أهل العلم نعلمه. ولو كان الجاني المسقط الجنين أباً، أو غيره من ورثته، فعليه غرة لا يرث منها شيئاً ويعتق رقبة؛ وهذا قول الزهري والشافعي وغيرهما. ولو قتل حاملاً فلم تسقط جنينها، فلا شيء فيه، لأنه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه. انتهى من الإقناع وشرحه.
وعبارة الكافي: وإن قُتِلت فلم تسقط لم يضمن جنينها، لعدم اليقين لحملها. انتهى. وكذا قال الزركشي وغيره، وكذا قال ابن المقري الشافعي في شرح الإرشاد.