الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة السابعة والستون
دفن الميت وأحكامه (2)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد ..
فاستكمالاً للحديث عن أحكام دفن الميت الذي ورد في الكلمة السابقة، فمن ذلك:
1 -
«أن الذي يتولى إنزال الميت الرجال، ولو كان المتوفى أنثى لأنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم؛ ولأنهم الأقوى على ذلك، روى البيهقي في سننه من حديث عبدالرحمن بن أبزى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه -كبر على زينب بنت جحش أربعًا، ثم أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من يدخلها قبرها؟ وكان عمر يعجبه أن يدخلها قبرها، فأرسلن إليه رضي الله عنه -ن يدخلها قبرها من كان يراها في حياتها، قال: صدقن
(1)
.
(1)
السنن الكبرى (7/ 386 - 387)، برقم 7030، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز ص 187.
ولأن النساء لو تولت إنزال الميت لأفضى ذلك إلى انكشاف شيء من أبدانهن أمام الأجانب، وهو غير جائز»
(1)
.
2 -
يُغطى قبر المرأة عند إدخالها في القبر لئلا يظهر ولا يبرز من معالم جسدها شيء، قال ابن قدامة:«لا نعلم في استحباب هذا بين أهل العلم خلافًا، ثم قال -بعد أن ذكر بعض الآثار في ذلك: لأن المرأة عورة، ولا يؤمن أن يبدو منها شيء فيراه الحاضرون»
(2)
.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «أن هذا مما فعله السلف واستحبه العلماء رحمهم الله؛ لأن هذا أستر لها، ولئلا تبرز معالم جسمها، ولكن هذا ليس بواجب، ويكون هذا التخمير أو التسجية إلى أن يصف اللبن عليها»
(3)
.
3 -
أولياء الميت أحق بإنزاله: لعموم قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} [الأنفال:75]، ولحديث علي رضي الله عنه -قال:«غَسَّلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَكَانَ طَيِّبًا حَيًّا وَمَيِّتًا» ، وولي دفنه وإجنانه
(4)
دون
(1)
أحكام الجنائز ص 186.
(2)
المغني (3/ 431).
(3)
مجموع رسائل ابن عثيمين (17/ 173 - 174).
(4)
إجنانه: ستره، النهاية (1/ 307).
الناس أربعة: علي، والعباس، والفضل، وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولُحِد لرسول الله لحدًا، ونصب عليه اللبن نصبًا
(1)
.
وروى أبو داود في سننه من حديث عامر قال: «غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَهُمْ أَدْخَلُوهُ قَبْرَهُ» . قال: حدثنا مرحب - أو أبو مرحب- أنهم أدخلوا معهم عبدالرحمن بن عوف، فلما فرغ علي قال:«إِنَّمَا يَلِي الرَّجُلَ أَهْلُهُ»
(2)
.
4 -
يجوز للزوج أن يتولى بنفسه دفن زوجته، لما روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بُدئ فيه، فقلت: وارأساه، فقال:«وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ، فَهَيَّأْتُكِ وَدَفَنْتُكِ» ، قالت: فقلت -غيرى: كأني بك في ذلك اليوم عروسًا ببعض نسائك، قال:«وَأَنَا وَارَأْسَاهْ! ادْعُوا لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ، وَيَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ: أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللَّهُ عز وجل وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ»
(3)
. لكن ذلك مشروط بما إذا كان لم يطأ تلك الليلة
(1)
السنن الكبرى للبيهقي (7/ 434)، برقم 7124، وصححه الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز ص 186 - 187.
(2)
برقم 3209، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود برقم 2748.
(3)
(42/ 50)، برقم 25113، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وإلا لم يشرع له دفنها وكان غيره هو الأولى بدفنها، ولو كان أجنبيًا لحديث أنس رضي الله عنه قال: شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، ثُمَّ قَالَ:«هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟» فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ:«فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا» ، فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا
(1)
.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «في الحديث إيثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت - ولو كان امرأة - على الأب والزوج، وقيل: إنما آثره بذلك لأنها كانت صنعته وفيه نظر، فإن ظاهر السياق أنه اختاره صلى الله عليه وسلم لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع»
(2)
.
5 -
السُنة إدخال الميت من مؤخر القبر، لحديث أبي إسحاق قال:«أَوْصَى الْحَارِثُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِي الْقَبْرِ وَقَالَ: هَذَا مِنَ السُّنَّةِ»
(3)
.
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن سيرين قال: «كُنْتُ مَعَ أَنَسٍ فِي جِنَازَةٍ، فَأَمَرَ بِالْمَيِّتِ فَسُلَّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَ
(1)
صحيح البخاري برقم 1342.
(2)
فتح الباري (3/ 159).
(3)
سنن أبي داود برقم 3211، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز ص 190.
الْقَبْرِ»
(1)
.
6 -
يقول عند إدخال الميت القبر: «بسم الله، وعلى ملة رسول الله» والدليل حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال - وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقُبُورِ فَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ»
(2)
. وفي رواية: «مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ»
(3)
.
7 -
أن يجعل الميت في قبره على جنبه اليمين، ووجهه قبالة القبلة، ورأسه إلى يمين القبلة، ورجلاه إلى يسارها، وعلى هذا جرى عمل أهل الإسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وهكذا كل مقبرة على ظهر الأرض
(4)
، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «
…
الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا»
(5)
.
8 -
تُحَلُّ عن الميت العقد إذا وضع الميت داخل القبر على
(1)
(7/ 162)، برقم 4081، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(2)
سنن أبي داود برقم 3213، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز ورد على من قال بوقفه.
(3)
مسند الإمام أحمد (8/ 430)، برقم 4812 وقال محققوه: رجاله رجال الشيخين، وقال بعضهم بوقفه.
(4)
المحلى لابن حزم (3/ 404).
(5)
جزء من حديث في سنن أبي داود برقم 2875، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود برقم 2499.
جنبه الأيمن، قال ابن قدامة رحمه الله:«وأما حل العقد من عند رأسه ورجليه، فمستحب، لأن عقدها كان للخوف من انتشارها، وقد أُمن ذلك بدفنه»
(1)
.
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في حل العقد عن الميت في القبر: «هذا هو الأفضل لفعل الصحابة»
(2)
.
9 -
يستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثيات بيديه جميعًا بعد الفراغ من سد اللحد، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ أَتَى قَبْرَ الْمَيِّتِ، فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثًا»
(3)
. قال النووي: «السنة لمن كان على القبر أن يحثو في القبر ثلاث حثيات بيديه جميعًا من قبل رأسه»
(4)
.
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: «وهذا يدل على أنه يستحب لمن حضر الدفن أن يشارك مع الناس ولو بثلاث حثيات»
(5)
.
(1)
المغني (3/ 434).
(2)
مجموع الفتاوى (13/ 195).
(3)
سنن ابن ماجه برقم 1565، وقال النووي في المجموع (5/ 292): جيد، وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (3/ 200) برقم 751، وانظر تلخيص الحبير (2/ 263).
(4)
الأذكار من كلام سيد الأبرار ص 277.
(5)
صلاة المؤمن، د. سعيد بن وهف القحطاني (3/ 1307).
10 -
يسن بعد الفراغ من دفنه أمور:
الأول: أن يرفع القبر عن الأرض قليلاً نحو شبر، ولا يُسوى بالأرض، وذلك ليتميز فيصان ولا يهان، لحديث جابر رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُلْحِدَ لَهُ لَحْدٌ، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصَبًا، وَرُفِعَ قَبْرُهُ مِنَ الأَرْضِ نَحْوًا مِنْ شِبْرٍ»
(1)
. قال الشافعي رحمه الله: «وأحب أن لا يُزاد في القبر تراب من غيره؛ لأنه إذا زيد ارتفع جدًّا، وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبرًا أو نحوه»
(2)
.
الثاني: أن يجعل مسنمًا لحديث سفيان التمار أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنمًا
(3)
.
الثالث: أن يعلمه بحجر أو نحوه ليدفن إليه من يموت من أهله، لحديث المطلب - وهو ابن عبد الله بن المطلب بن حنطب رضي الله عنه - قال: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، أُخْرِجَ بِجَنَازَتِهِ فَدُفِنَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، قَالَ الْمُطَّلِبُ: قَالَ الَّذِي يُخْبِرُنِي ذَلِكَ عَنْ
(1)
صحيح ابن حبان برقم 6635، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز ص 195.
(2)
الأم (1/ 245 - 246) باختصار.
(3)
صحيح البخاري برقم 1390.
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَسَرَ عَنْهُمَا ثُمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ: «أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي»
(1)
.
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: «لا بأس بوضع علامة على القبر ليعرف، كحجر، أو عظم، أو حديد، من غير كتابة ولا أرقام، لأن الأرقام كتابة، وقد صح النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة على القبر، أما وضع حجر على القبر أو صبغ الحجر بالأسود أو الأصفر حتى يكون علامة على صاحبه فلا يضر»
(2)
.
11 -
(3)
.
(1)
سنن أبي داود برقم 3206، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود برقم 2745.
(2)
مجموع فتاوى ابن باز رحمه الله (13/ 200).
(3)
سنن أبي داود برقم 3220، والحاكم في المستدرك (1/ 700 - 701) برقم 1408، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الشيخ عبدالقادر الأرناؤوط في جامع الأصول (11/ 82) برقم 548، وضعفه بعض أهل العلم ومنهم الألباني كما في أحكام الجنائز، وقال: في سنده عمرو بن عثمان بن هانئ وهو مستور، كما قال الحافظ في التقريب، ولم يوثقه أحد البتة، ص 196.
والبطحاء في هذا الحديث هو الحصى الصغار
(1)
، وقوله:«ولا لاطئة، يقال: لطئ بالأرض إذا لزق»
(2)
، قال ابن قدامة: والمشرف ما رفع كثيرًا
(3)
، وقال أيضًا: ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر ليعلم أنه قبر فيتوقى ويترحم على صاحبه
(4)
.
وقد وردت آثار تدل على وضع الحصباء على القبور، فقد روى البيهقي في سننه من حديث جعفر بن محمد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر إبراهيم ابنه الماء ووضع عليه حصباء
(5)
،
وغيرها من الآثار، قال النووي رحمه الله: «ويستحب أن يوضع على القبر حصباء وهو الحصى الصغار
(6)
.
رش القبر بالماء بعد الانتهاء من أعمال الدفن، قال ابن
(1)
يقال بطحاء الوادي وأبطحة هو حصاة اللين في بطن المسيل. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (1/ 134).
(2)
النهاية في غريب الحديث (4/ 249).
(3)
المغني (3/ 436).
(4)
المغني (3/ 436).
(5)
البيهقي (7/ 272 - 273)، وقال الألباني في إرواء الغليل (3/ 206): هذا سند صحيح مرسل.
(6)
المجموع (5/ 298).
قدامة: «ويستحب أن يرش على القبر ماء، ليلتزق ترابه
(1)
. وقد ورد حديث جعفر بن محمد السابق، وذكر ابن أبي شيبة آثار أخرى، قال الشيخ عبدالعزيز بن باز في حكم وضع الحصباء على القبر ورشه بالماء:«هذا مستحب إذا تيسر ذلك لأنه يثبت التراب ويحفظه، ويروى أنه وضع على قبر النبي صلى الله عليه وسلم بطحاء، ويستحب أن يرش بالماء حتى يثبت ويبقى القبر واضحًا معلومًا حتى لا يمتهن»
(2)
.
وقال الشيخ ابن عثيمن رحمه الله: «لا بأس أن يُرش القبر؛ لأن الماء يمسك التراب فلا يذهب يمينًا ويسارًا»
(3)
(4)
.
13 -
يجوز إخراج الميت من القبر لغرض صحيح، كما لو دفن قبل غسله وتكفينه ونحو ذلك، لما رواه البخاري في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله قال:«أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ حُفْرَتُهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ،] وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا»
(5)
.
(1)
المغني (3/ 436).
(2)
مجموع فتاوى ابن باز رحمه الله (13/ 198).
(3)
مجموع رسائل ابن عثيمين رحمه الله (17/ 194).
(4)
صلاة المؤمن، د. سعيد بن وهف القحطاني (3/ 1312).
(5)
برقم 1350، يعني العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وذلك يوم بدر، لما أُتي بالأسارى وأُتي بالعباس، ولم يكن عليه ثوب، فوجدوا قميص عبد الله بن أُبي، فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، فلذلك ألبسه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه. هكذا ساقه البخاري في الجهاد، فيمكن أن يكون هذا هو السبب من إلباسه قميصه. ويمكن أن يكون السبب ما أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجنائز أن ابن عبد الله المذكور قال: يا رسول الله ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك، وفي رواية أنه قال: أعطني قميصك أكفنه فيه، ويمكن أن يكون السبب هو المجموع: السؤال والمكافأة ولا مانع من ذلك، نيل الأوطار للشوكاني (4/ 137).
ولا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك هو ولا أصحابه، والعبد لا يدري أين يموت، وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت، فهذا يكون بالعمل الصالح
(1)
.
سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية عن طريقة دفن الميت باختصار؟
فكانت الإجابة: «أما طريقة دفن الميت وتوجيهه في قبره، فالمستحب أن يدخل رأسه من الجهة التي ستكون فيها رجلاه من القبر إذا تيسر ذلك، ثم يسل سلًّا حتى يتم وضعه في لحده الذي جعل له في الحفر مما يلي القبلة على جنبه الأيمن، روي ذلك عن عبد الله بن عمر وأنس وعبد الله بن يزيد الأنصاري والنخعي والشافعي رضي الله عنهم، ويدل عليه ما روى الإمام أحمد بإسناده عن عبد الله بن يزيد الأنصاري، أن الحارث أوصاه أن يليه عند موته، فصلى عليه ثم دخل القبر، فأدخله من رجلي القبر، وقال: هذه السنة
(2)
، وهذا يقتضي سنة النبي صلى الله عليه وسلم،
(1)
الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/ 362).
(2)
تقدم تخريجه ص 634.
وروى ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلًّا، فإن كان الأسهل على من يتولون دفنه أن يدخلوه القبر من جانبه الذي يلي القبلة معترضًا، أو من جهته التي سيكون فيها رأسه فلا حرج؛ لأن استحباب إدخاله من جهة القبر التي ستكون فيها رجلاه إنما كان لسهولة ذلك على من يتولى دفنه، والرفق به وبهم، فإذا كان الأسهل غيره كان مستحبًّا، والأمر في ذلك واسع، والمقصود مراعاة ما كان عليه العمل في عهد الصحابة رضي الله عنهم طلبًا للسنة، وتحقيقًا للسهولة والرفق، فإن اعترض ما يجعل غيره أسهل وأرفق عُمل به.
ويوضع الميت في اللحد على جنبه الأيمن مستقبلاً القبلة بوجهه، ويوضع تحت رأسه شيء مرتفع لبنة، أو حجر، أو تراب، كما يصنع الحي، ويدنى من الجدار القبلي من القبر لئلا ينقلب على وجهه، ويسند بشيء من وراء ظهره لئلا ينقلب إلى خلفه، وينصب عليه لبن من خلفه نصبًا، ويسد ما بين اللبن من خلل بالطين لئلا يصل إليه التراب؛ لقول سعد بن أبي وقاص: وانصبوا علي اللبن نصبًا كما صُنع برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن لبن وضع حجر أو قصب أو حشيش ونحو ذلك بما يتيسر، ثم يهال عليه التراب.
ويقول من تولى دفنه حين وضعه في اللحد: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما -
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل الميت القبر قال: «بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»
(1)
»
(2)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
تقدم تخريجه ص 635.
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة (8/ 425 - 426).