الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الخامسة والأربعون
غزوة حنين (2)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد ..
فاستكمالًا للحديث عن غزوة حنين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس رضي الله عنه، وكان رجلًا صيِّتًا
(1)
:
«يَا عَبَّاسُ! نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ»
(2)
.
وفي رواية أخرى قال أنس رضي الله عنه: فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! يَا لَلْمُهَاجِرِينَ» ، ثم قال:«يَا لَلأَنْصَارِ! يَا لَلأَنْصَارِ»
(3)
.
فلما سمع المسلمون نداء العباس رضي الله عنه أقبلوا، وهم يقولون: لبيك لبيك.
(1)
صيِّتًا: أي شديد الصوت عاليه. انظر النهاية (3/ 60).
(2)
أخرج ذلك مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين برقم 1775، قال النووي في شرح مسلم (12/ 98): السمرة: بفتح السين وضم الميم: هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان، ومعناه: ناد أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام برقم 1059/ 136.
ويذهب الرجل ليُثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وتُرسه، ويقتحم عن بعيره، ويُخلِّي سبيله، فيؤم
(1)
الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
قال العباس رضي الله عنه: «فوالله لكأن عطفتهم
(3)
، حين سمعوا صوتي، عطفة البقر على أولادها»
(4)
.
وتجالد الناس مجالدة شديدة، وأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من على بغلته كالمتطاول عليها ينظر إلى قتالهم، ثم قال:«الآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ»
(5)
. ثم أخذ حصيات
(6)
فرمى بهن وجوه الكفار، وقال:«شَاهَتِ الْوُجُوهُ» ، فلم يبق منهم أحدٌ إلا امتلأت عيناه وفمه ترابًا
(7)
.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، انْهَزَمُوا
(1)
أم: بفتح الهمزة: أي قصد. انظر النهاية (1/ 70).
(2)
انظر سيرة ابن هشام (4/ 95).
(3)
عطف عليه: رجع عليه. انظر لسان العرب (9/ 268).
(4)
أخرج ذلك مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين برقم 1775.
(5)
حمى الوطيس: أي حمي الضراب وجدت الحرب، واشتدت، انظر لسان العرب (15/ 336).
(6)
وفي رواية أخرى في صحيح مسلم برقم 1777: ثم قبض قبضة من تراب الأرض.
(7)
أخرج ذلك الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين برقم 1775، 1776، 1777، وأحمد في مسنده برقم 22467.
وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»
(1)
.
ثم أيد الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأن أنزل ملائكته لإرهاب الكفار، فقال تعالى:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)} [التوبة:25 - 27].
روى الإمام الذهبي بسند جيد عن عبدالرحمن مولى أم برثن، عمن شهد حنينًا كافرًا، قال: لما التقيا والمسلمون لم يقوموا لنا حلب شاةٍ، فجئنا نهش سيوفنا بين يدي رسول الله، حتى إذا غشيناه إذا بيننا وبينه رجال حسان الوجوه، فقال: شاهت الوجوه، فارجعوا، فهُزمنا من ذلك الكلام
(2)
.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن يعلى بن عطاء قال: فحدثني أبناؤهم، عن آبائهم، أنهم قالوا: «وَسَمعْنِا صَلْصَلَةً
(3)
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَإِمْرَارِ الْحَدِيدِ عَلَى الطِّسْتِ الْجَدِيدِ،
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين، برقم 1775.
(2)
أورد ذلك الإمام الذهبي في تاريخ الإسلام (1/ 354) وجَوّد إسناده.
(3)
الصلصلة: صوت الحديد إذا حُرِّك. انظر النهاية (3/ 43).