الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»
(1)
.
وفي رواية أخرى في مسند الإمام أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا، دَعُوهُ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شِيعَةٌ
(2)
يَتَعَمَّقُونَ
(3)
فِي الدِّينِ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهُ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ
(4)
، يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ
(5)
فَلا يَجِدُ شَيْئًا، ثُمَّ فِي الْقَدَحِ
(6)
فَلا يُوجَدُ شَيْءٌ، ثُمَّ فِي الفَوْقِ
(7)
فَلا يُوجَدُ شَيْءٌ، سَبَقَ الْفَرْثَ
(8)
وَالدَّمَ»
(9)
.
عَتْبُ الأنصار وخطبة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيهم:
أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الناس من الغنائم إلا الأنصار
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه برقم 1063، والبخاري مختصرًا برقم 3138.
(2)
الشيعة: أي الأنصار، انظر النهاية (2/ 464).
(3)
المتعمق: المبالغ في الأمر المتشدد فيه، الذي يطلب أقصى غايته. انظر النهاية (3/ 271).
(4)
قال الحافظ في الفتح (7/ 325): شبَّه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد، فيدخل فيه، ويخرج منه، ومن شدة سرعة خروجه - لقوة الرامي - لا يعلق من جسد الصيد شيءٌ.
(5)
النصل: الحديدة التي في السهم والرمح، انظر لسان العرب (14/ 167).
(6)
القدح: بكسر القاف وسكون الدال: عود السهم قبل أن يراش وينصل. انظر لسان العرب (11/ 51).
(7)
الفوق: بضم الفاء: وهو موضع الوتر من السهم، انظر النهاية (3/ 432).
(8)
سبق الفرث والدم: أي مر سريعًا في الرمية، وخرج منها، لم يعلق منها بشيء من فرثها ودمها لسرعته، شبه به خروجهم من الدين، ولم يعلقوا بشيء منه. انظر النهاية (2/ 305).
(9)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم 7038، وقال محققو المسند: صحيح، وهذا إسناده حسن.
- رضي الله عنهم أجمعين، فوجدوا
(1)
على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسهم، وقال أحداثهم
(2)
: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم! يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم
(3)
.
وفي رواية أخرى قالوا: إذا كانت الشدة فنحن نُدعى، وتُعطى الغنائم غيرنا
(4)
، وكثرت فيهم القالة حتى قال قائلهم: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه
(5)
.
فانطلق سعد بن عبادة رضي الله عنه سيد الأنصار، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه، وقال: يا رسول الله! إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، فقسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟» . قال: يا رسول الله! ما أنا إلا امرؤ من قومي
(6)
.
فقال رسول الله: «فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ»
(1)
وجد: حزن، انظر لسان العرب (15/ 220).
(2)
الحدث: هو الشاب، انظر لسان العرب (3/ 76).
(3)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه برقم 4331، ومسلم في صحيحه برقم 1059.
(4)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه برقم 4337، وأخرجه مسلم في صحيحه برقم 1059.
(5)
أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده برقم 11730، وقال محققوه: إسناده حسن.
(6)
أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده برقم 11730، وقال محققوه: إسناده حسن.
فخرج سعد، فجمع الأنصار في قبة من أدم، فلما اجتمعوا أتاه سعد، فقال: يا رسول الله! قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار.
فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه بالذي هو له أهل، ثم قال: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ، وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ؟ وَمُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً
(1)
فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟»، قالوا: بل الله ورسوله أَمَنُّ وأفضل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أَلَا تُجِيبُونِي يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ؟» ، قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله؟ ولله ولرسوله المن والفضل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، وَلَصَدَقْتُمْ، وَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلا فَأَغْنَيْنَاكَ» ، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ
(2)
مِنَ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا أَقْوَامًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَّلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ؟ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ، الأَنْصَارُ شِعَارٌ
(3)
،
(1)
العالة: الفقراء، انظر جامع الأصول لابن الأثير (8/ 390).
(2)
لعاعة من الدنيا: أي شيء يسير من الدنيا، انظر لسان العرب (12/ 290).
(3)
قال الحافظ في الفتح (8/ 52): الشعار: بكسر الشين هو: الثوب الذي يلي الجلد من الجسد.
وَالنَّاسُ دِثَارٌ
(1)
، اللَّهُمَّ ارحَمِ الأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ»، فبكى الأنصار رضي الله عنهم حتى أخضلوا
(2)
لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًا
(3)
.
ترتيب عجيب:
قال الحافظ في الفتح: وقد رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من الله عليهم على يده من النعم ترتيبًا بالغًا، فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازيها شيء من أمر الدنيا، وثنى بنعمة الألفة، وهي أعظم من نعمة المال؛ لأن الأموال تُبذل في تحصيلها، وقد لا تُحصل، وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع، فزال ذلك كله بالإسلام كما قال الله تعالى:{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63]
(4)
.
(1)
قال الحافظ في الفتح (8/ 52): الدثار: بكسر الدال: هو الذي فوق الشعار، وهي استعارة لطيفة لفرط قربهم منه صلى الله عليه وسلم، وأراد أيضًا أنهم بطانته وخاصته، وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم.
(2)
خضل لحيته: بلها بالدموع. انظر النهاية (2/ 42).
(3)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه برقم 4330، ومسلم في صحيحه برقم 1059، 1061، وأحمد في مسنده برقم 12021، وابن إسحاق في السيرة (4/ 113 - 114).
(4)
فتح الباري (8/ 50).