الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله صلى الله عليه وسلم: «وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدُ يَوْمَ بَدْرٍ» : يستحيل أن يكون يوم بدر هنا هو غزوة بدر الكبرى، لتقدم بدر الكبرى على أُحد بزمان طويل؛ لأن بدر الأولى في شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة، وكانت أُحد في السنة الثالثة والنصف من شوال، ولذلك قال علماؤنا إن يوم بدر في هذا الحديث هو يوم بدر الثاني، وكان من أمرها أن قريشًا لما أصابت في أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما أصابت وأخذوا في الرجوع نادى أبو سفيان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: موعدكم يوم بدر في العام المقبل، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يجيبه بنعم، فلما كان العام المقبل - وهي السنة الرابعة من الهجرة - خرج في شعبان إلى بدر الثانية، فوصل إلى بدر، وأقام هناك ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى بلغ عسفان، ثم إنهم غلبهم الخوف فرجعوا، واعتذروا بأن العام عام جدب، وكان عذرًا محتاجًا إلى عذر، فأخزى الله المشركين، ونصر المؤمنين، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل منصورًا، وبما يفتح الله عليه مسرورًا، إلى أن أظهر الله تعالى دينه على الأديان، وأخمد كلمة الكفر والطغيان.
الرؤيا الثالثة:
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ فِي
يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي المَنَامِ أَنِ أنْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي، فَكَانَ أَحَدُهُمَا العَنْسِيُّ صَاحِبُ صَنْعَاءَ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ صَاحِبُ اليَمَامَةِ»
(1)
.
قوله: «فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي» : أي يظهران ويغلبان بعد موتي، وإلا فقد كانا موجودين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم متبعين، وقد دل على هذا قوله في الرواية الأخرى: فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما، ووجه مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا: أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانا قد أسلما وكانا كالساعدين للإسلام، فلما ظهر فيهما هذان الكذابان وتبهرجا لهما بترهاتهما وزخرفا أقوالهما، فانخدع الفريقان بتلك البهرجة، فكان البلدان للنبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة يديه؛ لأنه كان يعتضد بهما، والسواران فيهما هما مسيلمة وصاحب صنعاء بما زخرفا من أقوالهما.
ونفخ النبي صلى الله عليه وسلم: هو أن الله أهلكهما على أيدي أهل دينه، أما مسيلمة فقد قُتل في معركة اليمامة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأما صاحب صنعاء، فقد قتل على يد فيروز الديلمي، وقيس بن مكشوح، وكان ذلك في خلافة أبي بكر
(1)
صحيح البخاري برقم 4373، وصحيح مسلم برقم 2274.