الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الواحدة والستون
الفتور أسبابه وعلاجه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد ..
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ»
(1)
. وفي رواية أخرى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «فَإِنْ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالَأصَابِعِ فَلَا تَعُدُّوهُ»
(2)
.
وفي هذين الحديثين حقائق في غاية الأهمية أخبرنا عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإليك البيان:
الحقيقة الأولى: إن لكل عابد شرة وحِدَّة، وهو النشاط في العبادة بصورة تدعو إلى الانتباه والإعجاب. وهو مشاهد
(1)
(11/ 376) برقم 6764، وقال محققوه: إسناده صحيح.
(2)
سنن الترمذي برقم 2453، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي (2/ 298)، برقم 1995.
في كثير من الناس، وخصوصًا الشباب، فإنه يرى منهم أول التزامهم نشاطًا شديدًا، وحرصًا ومثابرة على العبادات والطاعات، وحضور مجالس العلم والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر .. وغير ذلك.
الحقيقة الثانية: أن هؤلاء العباد -أو ما يسمون في زماننا هذا الملتزمون، أو شباب الصحوة- يحدث لبعضهم بعد ذلك النشاط والقوة ضعفًا وكسلًا، وتهاونًا وفتورًا، وهم في ذلك على مراتب:
المرتبة الأولى: من سلكوا حال فتورهم طريق الاستقامة، وذلك بلزوم السنة، وتجنب البدعة، وأحاطوا أعمالهم في أنفسهم وفي دعوة غيرهم بالتسديد والمقاربة، وسلوك الطريق الوسط الذي لا غلو فيه، ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط، ويعود السبب إلى توفيق الله لهم حال حدتهم وشرتهم إلى التمسك بأصول صحيحة ثابتة، إما كتب لأهل العلم من السلف الصالح وأئمة الهدى، أو طلب العلم على مشايخ وعلماء أهل فضل وسنة، أو رفقة صالحة قد هداهم الله إلى الصراط المستقيم بالحق يهدون وبه يعدلون، قال صلى الله عليه وسلم:«سدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا»
(1)
.
(1)
صحيح البخاري برقم 6467، وصحيح مسلم برقم 2359.
(1)
.
2 -
المرتبة الثانية: من كان فتورهم ضعف في العبادة، وتقصير في العمل، وربما الوقوع في بعض الذنوب والمعاصي عن شهوة لا عن شبهة، فهؤلاء إذا وجدوا من يعظهم ويذكرهم فحري أن ينشطوا، ويقوى ضعفهم، ويقل تفريطهم.
3 -
المرتبة الثالثة: من كان فتورهم إلى بدع وضلالات اتباعًا للهوى وحبًّا للظهور والشهرة، والتعلق بالشبهات في استحلال المحرمات، وقد يتمادى بهم ذلك إلى الانقلاب على أعقابهم - نسأل الله العافية والسلامة -.
الحقيقة الثالثة: اشتمل هذا البيان منه صلى الله عليه وسلم على سبب هذا الداء وبيان دواؤه، وأن سببه هو عين دواؤه حين ترك ولم يعمل به، وينحصر ذلك في أمرين ذُكرا في الحديثين السابقين:
أولهما: ترك لزوم السنة ظاهرًا.
ثانيهما: ترك تجريد القلب بالإخلاص لله الإخلاص التام
(1)
صحيح ابن حبان شرح حديث رقم 113.
الذي لا يكون للنفس منه نصيب باطنًا.
مظاهر الفتور العائد إلى الانحراف:
أن العظة والتذكير لا يؤثر فيهم وذلك لقساوة حدثت لقلوبهم، وران أطبق عليها بما كانوا يكسبون.
حبهم للجدل والمراء ومعارضة الحق، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ» ثُمَّ تَلَا: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)} [الزخرف:58]
(1)
، وفي التنزيل المبارك:{وَمَا كَانَ اللَّهُ قَوْمًا إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة:115].
تحليلهم لكثير مما كان حرامًا عندهم قبل نكوسهم، وكذلك العكس، وذلك بوقوعهم في الفتنة كما أخبر بذلك حذيفة رضي الله عنه حين سُئل:«كيف يعرف الرجل منا، هل أصابته الفتنة أم لا؟ فأجاب: إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؟ فلينظر، فإن كان رأى حلالًا كان يراه حرامًا، فقد أصابته الفتنة، وإن كان يرى حرامًا كان يراه حلالًا فقد أصابته»
(2)
.
(1)
مسند الإمام أحمد (36/ 540)، برقم 22204، وقال محققوه: حديث حسن بطرقه وشواهده.
(2)
مستدرك الحاكم (4/ 415) برقم 3448، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.