الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الرابعة والأربعون
غزوة حنين
(1)
(1)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد ..
غزوة حنين، ويقال لها غزوة أوطاس
(2)
، وهو الموضع الذي كانت به الوقعة في آخر الأمر، ويقال لها أيضًا: غزوة هوازن
(3)
.
قال ياقوت الحموي رحمه الله: «أوطاس وادٍ في ديار هوازن، فيه كانت وقعة حنين للنبي صلى الله عليه وسلم ببني هوازن» .
وقال ابن شبيب: «الغور من ذات عرق إلى أوطاس، وأوطاس على نفس الطريق، ونجد من حد أوطاس إلى
(1)
قال الحافظ في الفتح (8/ 27) حنين: بالتصغير، وادٍ إلى جنب ذي المجاز قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا من جهة عرفات.
(2)
أوطاس: وادٍ في ديار هوازن، وهناك عسكروا هم وثقيف، ثم التقوا بحنين، انظر: فتح الباري (8/ 3).
(3)
هوازن: بفتح الهاء، وكسر الزاي قبيلة كبيرة من العرب فيها عدة بطون، سميت الغزوة بها؛ لأنهم هم الذين أتوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلم وجمعوا لحربه، انظر: شرح المواهب (3/ 497).
القريتين»
(1)
.
وكان سبب هذه الغزوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، وخضعت له قريش، خاف أشراف هوازن وثقيف أن يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحشدوا وعزموا على قتاله
(2)
.
واجتمعت إلى هوازن وثقيف جموع كثيرة من القبائل وهم: نصر، وسعد بن بكر - وهم الذين استرضع فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وناس من هلال، وفي بني جُشم رجل يقال له دُرَيْدُ بن الصِّمَّة
(3)
شيخ كبير قد عمي، ليس فيه شيء إلا التيمن
(4)
برأيه، ومعرفته بالحرب، وكان شجاعًا مجربًا، وفي ثقيف سيدان لهم، في الأحلاف: قارب بن الأسود، وفي بني مالك: ذو الخمار سُبيع بن الحارث، وأخوه أحمر بن الحارث، وقد بلغ جيش الكفار عشرين ألفًا، وكان جماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري
(5)
، وهو يومئذٍ ابن ثلاثين سنة.
فلما أجمع مالك بن عوف السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
(1)
معجم البلدان (1/ 224).
(2)
انظر: فتح الباري (8/ 27)، سيرة ابن هشام (4/ 87)، الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 324).
(3)
قال الحافظ في الفتح (8/ 43)، دُريد: بضم الدال، والصمة: بكسر الصاد وتشديد.
(4)
التيمن: بتشديد الميم: أي الابتداء في أخذ رأيه. انظر: لسان العرب (15/ 457).
(5)
أسلم مالك بن عوف رضي الله عنه بعد ذلك، وكان من المؤلفة قلوبهم، وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم شهد القادسية، وفتح دمشق، انظر: الإصابة (9/ 473 - 475).
الناس أن يسوقوا معهم أموالهم، ونساءهم، وأبناءهم، فسار بهم حتى نزلوا بأوطاس
(1)
.
فقال له دُريد بن الصمة: أين مالك؟ فدُعي إليه فقال له: يا مالك! إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، مالي أسمع رغاء البعير
(2)
، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟
(3)
فقال مالك: سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم، قال: ولم ذاك؟ قال مالك: أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم، فقال له دُريد: راعي ضأن والله، وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم يتبعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، فقال مالك بن عوف: لا والله لا أفعل ذلك، إنك كبرت وكبر عقلك، والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن إلى هذا السيف حتى يخرج من ظهري، قالوا: أطعناك، فقال دُريد: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني.
ثم أمر مالك بن عوف بالخيل فصُفت، ثم صُفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك ثم صُفَّت النعم، ثم قال للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدوا عليهم شدة
(1)
انظر: سيرة ابن هشام (4/ 87)، زاد المعاد (3/ 408).
(2)
الرغاء: بضم الراء، صوت الإبل، لسان العرب (5/ 261).
(3)
يُعار: بضم الراء، هو صوت المعز، النهاية في غريب الحديث (5/ 297).
رجلٍ واحد
(1)
.
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماع هوازن، بعث عبد الله ابن أبي حدردٍ الأسلمي رضي الله عنه، وأمره أن يدخل في الناس، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ثم يأتيه بخبرهم، فانطلق ابن أبي حدرد رضي الله عنه، فدخل في هوازن، فأقام فيهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر
(2)
.
وبعد أن جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلومات العسكرية المطلوبة عن جيش هوازن، استعد لمواجهتهم، فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية - وكان ما زال مشركًا - أدراعًا وسلاحًا، فقال صفوان: أغصبًا يا محمد؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ» ، فأعار صفوان رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة درع
(3)
.
وروى ابن ماجه في سننه، والإمام أحمد في مسنده عن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، عن
(1)
أخرج قصة قدوم هوازن بالصبيان والنساء والإبل والنعم: الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم برقم 1059، والإمام أحمد في مسنده برقم 12977، والطحاوي في شرح مشكل الآثار برقم 4786، والطيالسي في مسنده برقم 2192، وغيرهم.
(2)
انظر: سيرة ابن هشام (4/ 89).
(3)
أخرج استعارة رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح من صفوان بن أمية: الإمام أحمد في مسنده برقم 15302، وقال محققوه: حديث حسن.
أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف منه حين غزا حُنينًا ثلاثين أو أربعين ألفًا، فلما قدم قضاها إياه، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْوَفَاءُ وَالْحَمْدُ»
(1)
.
وبعد أن أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يومًا
(2)
، خرج إلى حنين يوم السبت لست ليالٍ خلون من شهر شوال سنة ثمان للهجرة، واستعمل عتاب بن أسيد رضي الله عنه أميرًا على مكة، وهو أول أمير في الإسلام على مكة
(3)
.
ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر ألفًا من المسلمين: عشرة آلاف الذين جاؤوا معه من المدينة لفتح مكة، وألفان من أهل مكة وهم الطلقاء
(4)
، وأكثرهم حديثو عهد بالإسلام، لم يتمكن الإسلام من قلوبهم
(5)
، وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من
(1)
أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الصدقات، باب حسن القضاء برقم 2424، والإمام أحمد في مسنده برقم 16410، وقال محققوه: إسناده صحيح على قلب في اسم أحد رواته.
(2)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح برقم 4298، 4299.
(3)
أخرج استعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عتَّاب بن أسيد على مكة: الطيالسي في مسنده برقم 1453، وأورده الحافظ في الإصابة (7/ 63) وحسن إسناده.
(4)
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في شرح مسلم (12/ 158): الطلقاء: بضم الطاء وفتح اللام، وهم الذين أسلموا من أهل مكة يوم الفتح، سموا بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مَنَّ عليهم وأطلقهم، وكان في إسلامهم ضعف.
(5)
سيأتي بعد قليل عن الحديث على شجرة ذات أنواط ما يدل على أن الإسلام لم يتمكن من قلوبهم.