المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فلا مفر إذن من الالتزام بالمنطق الإسلامي للحفاظ على ذاتية - الدعوة الإسلامية في عهدها المكي مناهجها وغاياتها

[رؤوف شلبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌مدخل

- ‌أولا: الدافع

- ‌ثانيا: المنهج

- ‌الباب الأول: مناهج الدعوة الإسلامية في عهدها المكي

- ‌الفصل الأول: منهج إثبات وحدانية الله تعالى

- ‌تمهيد حول مفهوم الدعوة الإسلامية

- ‌تحديد المراد من محاولة التعريف:

- ‌على بدء نعود ظلال على التعريف:

- ‌نتيجة المحاولة:

- ‌الدعوة الإسلامية:

- ‌منهج إثبات الوحدانية لله تعالى

- ‌مدخل

- ‌أولا: تصوير العقيدة العربية قبل الإسلام

- ‌ثانيا: دعوة المعاندين إلى التجرد من المواريث الثقافية التي تبعدهم عن التفكير السليم في التوصل إلى الحقيقة

- ‌ثالثا: دعوة المعاندين للتفكير بالمشاهدة في آثار قدرة الله جل شأنه وتعريفهم طريقة استخدام هذا المنهج

- ‌أدلة التوحيد والتنزيه:

- ‌أولا: وحدانية الذات:

- ‌ثانيا: وحدانية الصفات:

- ‌ثالثا: وحدانية التدبير وتصريف الملك:

- ‌رابعا: بعث الوجدان الفطري

- ‌طريقة استخدام المنهج

- ‌مدخل

- ‌أولا: الدعوة إلى البحث في حقائق التاريخ

- ‌ثانيا: ولكن كيف ينظرون

- ‌الفصل الثاني: منهج العمل مع الجماعة

- ‌مدخل

- ‌أولا: ثقة الداعية

- ‌ثانيا: تحديد الهدف

- ‌ثالثا: التعرف على طبيعة المجتمع

- ‌رابعا: تربية قيادة

- ‌مدخل

- ‌مستوى تربية القيادة:

- ‌خامسا العرض الواضح:

- ‌سادسا: إيجاد استقطاب حول الدعوة

- ‌سابعا: السلوك المطابق للمبادئ

- ‌ثامنا: الصبر وتحمل المشاق

- ‌الفصل الثالث: مراحل الدعوة

- ‌تمهيد:

- ‌ضابط التقسيم:

- ‌مراحل تبليغ الدعوة:

- ‌مرحلة التبليغ الأول: إعداد القيادة

- ‌مدخل

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌النموذج الثالث:

- ‌مرحلة التبليغ الثاني: وأنذر عشيرتك الأقربين

- ‌مرحلة التبليغ الثالث: لتنذر أم القرى ومن حولها "العرب

- ‌مرحلة التبليغ الرابع: لتخرج الناس من الظلمات إلى النور "عالمية الدعوة

- ‌أسلوب التبليغ ووسيلته

- ‌مدخل

- ‌الحكمة:

- ‌الموعظة الحسنة:

- ‌وسيلة التبليغ:

- ‌الفصل الرابع: معالم في طريق الدعوة

- ‌المجابهة

- ‌مدخل

- ‌أولا: المعالم التاريخية للمجابهة في العهد المكي

- ‌ثانيا: لماذا كفرت قريش

- ‌ثالثا: النماذج القرآنية لمعالم الطريق

- ‌رابعا: المجابهة الثقافية

- ‌الباب الثاني: الغايات ثمار العهد المكي وخاتمته

- ‌الفصل الأول: في العقيدة الإسلامية

- ‌لا إله إلا الله

- ‌مدخل

- ‌الموجة الأولى تتجه نحو ما يشركون به:

- ‌الموجة الثانية: في تسميتهم الملائكة بنات الله، وقالوا اتخذ الله ولدا

- ‌الفصل الثاني: في التشريع والأخلاق والجماعة الإسلامية

- ‌أولا: في التشريع والأخلاق

- ‌السلطة التشريعية

- ‌ الأحكام الشرعية والأخلاق:

- ‌بدء التدرج في الأحكام:

- ‌ثانيا: في الجماعة الإسلامية

- ‌الفصل الثالث: خاتمة العهد المكي

- ‌التجهيز للهجرة:

- ‌أولا: الإسراء والمعراج

- ‌ثانيا: النشاط النبوي معاهدات العقبة

- ‌الخاتمة:

- ‌المراجع:

- ‌أولًا: القرآن الكريم وعلومه

- ‌ثانيا: الحديث وعلومه

- ‌ثالثا: كتب السيرة النبوية

- ‌رابعا: كتب الدعوة

- ‌خامسا: كتب في التصوف

- ‌سادسا: كتب في الفقه وأصوله وتاريخ التشريع

- ‌سابعا: كتب في التاريخ الإسلامي

- ‌ثامنا: كتب في التاريخ العام

- ‌تاسعا: كتب في الفلسفة والدراسات الاجتماعية والنفسية

- ‌عاشرا: كتب الأدب

- ‌حادي عشر "ب": كتب اللغة

- ‌ثاني عشر: الكتب الملاوية

- ‌الفهرس:

الفصل: فلا مفر إذن من الالتزام بالمنطق الإسلامي للحفاظ على ذاتية

فلا مفر إذن من الالتزام بالمنطق الإسلامي للحفاظ على ذاتية الدعوة الإسلامية بالعود إلى مصادرها الربانية التي عصمها الله تبارك وتعالى.

ومن أوليات هذا الالتزام للتجرد من التبعية مطلقا، تجردا من التبعية في:

- الفكر.

- وفي المنهج.

- وفي القصد.

هذا التجرد يجب أن يكون مخلصا وخالصا لوجه الله وفاء لدينه الحنيف وامتثالا لشريعته الغراء.

يروي الإمام أحمد -رضي الله تعالى عنه- بإسناد صحيح عن سيدنا جابر -رضي الله تعالى عنه- أن سيدنا عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فغضب، وقال:

"أتتهوكون فيها يابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني".

ثم يقوم النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا ليحدد معالم التثقيف للفرد المسلم ومصادر تعليمه فيقول:

ص: 28

"يا أيها الناس! إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه، واختصر لي اختصارا وقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكون ولا يغرنكم المتهوكون".

ثم أمر صلى الله عليه وسلم بتلك الصحيفة فمحيت حرفا حرفا.

وتتكرر الحادثة ويتكرر نصح النبي صلى الله عليه وسلم فيتضح أن الاستقلال بالدستورية الإسلامية في التفكير والتثقيف أمر واجب.

يروى أن جريرا قال: جاء أناس من المسلمين بكتب كتبوا فيها ما سمعوه من اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم، إلى ما جاء به غيره"1.

فجعل عليه الصلاة والسلام مجرد الميل إلى وحي آخر لنبي آخر يعتبر ضلالة في العرف الإسلامي فكيف بالجنوح إلى خارج دائرة الوحي الإلهي؟ كيف بالجنوح إلى دائرة الفكر البشري؟ كيف بالجنوح إلى منطق أرسطو الذي ما قدر لله حق قدره؟

وتتكرر الحادثة مرة أخرى -ثالثة- ويتكرر معها نصح النبي عليه الصلاة والسلام فتتضح شرعية وجوب الاستقلال بالدستورية

1 الإسلام والإيمان ص18-21 راجع مسند الإمام أحمد ج3 ص387 مسند جابر.

ص: 29

الإسلامية في التفكير والبحث، فعن الإمام الزهري رضي الله عنه أن حفصة -رضي الله تعالى عنها- جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كشف، فجعلت تقرؤه، والنبي صلى الله عليه وسلم يتلون وجهه، ثم أعاد عليها ما سبق أن قال للآخرين، وهو:

"والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني ضللتم، وأنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم"1.

ويستقر الأمر على هذا، على أن الذاتية الإسلامية في البحث منهج واجب.

فقد مر الصحابة يوما على جماعة من اليهود، وهم يتلون التوراة، فتخشع المسلمون فعاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 2.

"ج" مع الأستاذ البهي الخولي:

ولقد أحسن بهذا المنهاج الأستاذ البهي الخولي فعرف الدعوة الإسلامية تعريفا بعيدا عن دائرة المنطق البشري، ومهد لذلك بقوله:"فما هي الدعوة مجردة عن التعريف الفني والحد الاصطلاحي؟ ".

1 المرجع السابق، ورواية الفتح الكبير:"لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم أنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم" ج3 ص49. راجع رواية الإمام أحمد ج3 ص338.

2 الآية رقم 51 من سورة العنكبوت.

ص: 30

فقد أدرك ببصيرة المسلم أن الدعوة الإسلامية، بتركيبها لا تنسجم ولا ينبغي أن تنسجم مع قيود المنطق واحترازاته فأطلقها من هذا العقال لأنها ربانية في وجهتها ومنهاجها.

إنها ربانية في كل شيء يتصل بها والمنطق الأرسطي بشرى في كل شيء.

ولهذا فقد عرفها الأستاذ البهي الخولي بتعريف خاص بعيد عن قيود المنطق فقال:

"هي نقل الأمة من محيط إلى محيط"1.

ثم يعلل ذلك بقوله:

"ومن ظنها غير ذلك فقد جهل نفسه ورسالته"2.

إن الذاتية الإسلامية هي الموقف الطبيعي الذي يجب أن يمارسه وأن يلتزمه المسلم العادي بله الداعية ولعل في الحديث الشريف: "رضيت بالله تعالى ربا، وبالإسلام دينا، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا"3.

ما يلزم المسلم باتباع هذه الذاتية، اتباعا في التفكير، وفي السلوك، وفي المشاعر، وفي البحث، ويزكي هذا الاتجاه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين"4.

1 تذكرة الدعاء ص30 الأستاذ البهي الخولي.

2 تذكرة الدعاء ص30، 31.

3 في رواية أبي داود: "من قال إذا أصبح، وإذا أمسى: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، إلا كان حقا على الله أن يرضيه".

4 أخرجه البخاري ومسلم.

ص: 31

‌على بدء نعود ظلال على التعريف:

ونعود بعد هذا إلى محاولة تعريف الدعوة الإسلامية مستخدمين الذاتية الإسلامية منهاجا.

الدعوة عملية إحياء لنظام ما لتنتقل الأمة بها من محيط إلى محيط.

والدعوة الإسلامية على هذا حركة إحياء للنظام الإلهي الذي أنزله الله عز وجل على نبيه الخاتم.

هذا النظام الإلهي قد اتخذ له مجرى في الحياة الإنسانية فكان له: تاريخ يحفظ للدعوة منهاجا.

ودعاة حملوها للناس بمنهاجها الفاضل.

وكان لها غايات حققت بها للبشر حياة ربانية.

فاكتمل لهذه الدعوة في الوجود الإنساني بناء دولة قامت على أسس الإسلام فحققت عبودية الإنسان لربه ونشرت العدل والرخاء والبر للبشر عامة، وصانت الأمن النفسي، والاجتماعي، والسياسي، وأكرمت بني الإنسان قاطبة له، لا فرق بين أبيضهم وأسودهم إلا بالتقوى ورعاية حقوق الله وقد انزوى في ظلالها كل لون للتعصب، وأفلس الشيطان وكسدت بضاعته، وبات حظ الماجنين فيها ضعيفا.

ص: 32

فانتشر فيها عبير الخلق الفاضل وشاع فيها الخير والتوادد والبر والتعاطف والتراحم والإيثار، فأدى الإنسان وظيفته التي خلقه الله لها:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 1.

وسجدت لله فيها جباه عزت بطاعة ربها، وهدي بها إلى سبيل الحق وطريق الله خلق كثير.

هذه الدعوة في دولتها الإسلامية الأولى هوجمت في صورة الدولة الإسلامية، هوجمت من عناصر التعصب القومي، والتعصب الديني اليهودي، والمسيحي، والتعصب بالخشوع للفكر غير الإسلامي فتصدعت، تصدعت الدولة الأولى وهي في شرخ صباها ورواء فتوتها فتلاشت بهذا التصدع ركيزة العدل وإن بقي للدعوة أصولها إنجازا لوعد الله تعالى:

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 2.

ومن هنا فإن المفهوم الذي نتصوره ونراه لائقا بتاريخ الوجود الإسلامي هو:

أولا:

جانب الدعوة في مبادئ النظام الإلهي الذي بعث بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله.

وأساس هذا الجانب في التصور هو: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

1 الآية رقم 56 من سورة الذاريات.

2 الآية رقم 9 من سورة الحجر.

ص: 33

وملخص هذا الجانب: إحياء الإسلام، وبعثه من أصوله الثقافية النظرية إلى سلوك عمل أخلاقي في الحركة والعمل والتعايش الإنساني ومهمة هذا الجانب، عرض الدعوة كفكرة.

وتطبيقها كسلوك.

وتحتاج هذه المهمة إلى منهاج يستخدم في العرض، وتحتاج كذلك إلى غاية تكون مقياسا صحيحا لمجال التطبيق ومداه.

كما تحتاج إلى داعية يتشرف بالاضطلاع بأعباء العمل في سبيل الله.

ثانيا:

جانب الدعوة في لقائها مع الخصوم:

أ- الخصوم التاريخيين: الذين التقوا بها في حروب الصليب وكان من نتائجها:

1-

الاستعمار الثقافي.

2-

التبشير المسيحي.

3-

الاستشراق.

4-

الاستعمار العسكري.

5-

الصهيونية العالمية ويهودها.

ص: 34

ب- الخصوم الفكريين: الذين يجابهون الدعوة الإسلامية بمناهج ومبادئ عقدية ضالة مثل:

1-

الشيوعية وأسرتها.

2-

الوجودية وأخواتها.

3-

المبادئ الوضعية بتمامها: القاديانية، البهائية، البابية، النصيرية

إلخ.

هذان الجانبان:

جانب الدعوة في إحياء مبادئ النظام الإلهي.

وجانب الدعوة في مواجهة الخصوم. لهما هدف.

هذا الهدف هو:

تنفيذ الرسالة الإسلامية، وبعث الوجود الإسلامي لتعود الدعوة الأستاذة. دولة الإسلام إلى سيرتها الأولى، تخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربها مرة أخرى، تخرجهم من الحيرة إلى الطمأنينة، ومن الجهل إلى العلم، ومن الظلم في صورة العدل، إلى العدل في صورة الإحسان ومن الضعف إلى القوة، ومن الذلة إلى العزة، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن عبادة الإنسان إلى عبادة الرحمن.

إن الظلال التي ألقيت على التعريف في هذه المحاولة تتلخص في هذه النقاط لتوضيح المراد من اصطلاح: الدعوة الإسلامية:

أ- الحركة التنفيذية للمبادئ الإسلامية القائمة على أساس من القرآن الكريم والسنة المطهرة.

ص: 35

هذه الحركة تتخذ لها منهاجا، وغاية، وداعية.

هذا الداعية ينبغي أن يكون ربانيا يرتفع بالعمل فوق كل الآمال والآلام وهذا الدور هو:

دور البناء.

دور العرض والتطبيق.

وهو باختصار: دور المناهج والغايات.

ب- وبعد ما تكتمل للدعوة مقوماتها في دولتها تحتاج ثمارها هذه إلى صيانة ودفاع تجاه محاولات الخصوم والمجابهين.

وهذا هو:

دور الدفاع والمناصرة.

وهو باختصار: دور مجابهة الخصوم.

ص: 36

‌نتيجة المحاولة:

وإذن فمفهوم الدعوة الإسلامية عندما يطلق كاصطلاح يكون تصوره الحركة الإسلامية في جانبيها: النظري والتطبيقي، من حيث هي حركة بناء للدولة الإسلامية.

ومن حيث هي دفاع عن استمرار وجود الدولة الإسلامية.

وتلك رسالة جد شاقة تحتاج مع عون الله ووعده بالنصر إلى طراز خاص من الدعاة في المستوى الفكري والثقافي والسلوكي والأسري، وأقطار الحياة جميعا، من:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} 1.

1 الآية رقم 82 من سورة الأنعام.

ص: 36

‌الدعوة الإسلامية:

رسم يسحب إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟

بناء على هذه الخطة فقد استبعدنا ما كتبه المستشرقون عن الإسلام والدعوة حتى ولو كانوا مخلصين تمشيا مع طبيعة الدراسة الذاتية الإسلامية إلى أن يحين اللقاء في دور الدفاع لنلتقي بهم إن شاء الله.

1 صدر الموضوع في كتاب مستقل عن سلسلة البحوث الإسلامية بعنوان: بشائر النبوة الخاتمة.

ص: 37

الكريم، أنه لا يتأتى مطلقا أن يبشر السابقون من الأنبياء بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويعلن ذلك المنصفون من أهل الكتاب ثم ندعي تجاهلا أو تعسفا أو استعلاء بالعقل: إن الرسالة الإسلامية فاجأت المجتمع الإنساني.

وقد كان لها عند اليهود قدر عظيم، وعند النصارى قسمات معروفة، وعند الروم علامات، وعند الحبشة دلائل، وفي العرب إجماع بامتياز محمد صلى الله عليه وسلم خلقيا على جميع أبناء المجتمع قاطبة.

بل لقد هيأه الله جل شأنه لهذه الرسالة، وانتظرها الفطريون من الحنفاء، وأهل الذكر والمعرفة من الباحثين، كما ثبت أن الأحبار والرهبان والملوك والعظماء كانوا يتناقلون هذه الأخبار ويبحثون عن مولد هذا الدين الحنيف، وقد عاد زيد بن عمرو بن نفيل ليلحق به فمات دونه، وأرادها أمية لنفسه فضل لهواه، فثبت كذلك أن الاصطفاء منحة ربانية يهبها الله لمن يشاء من عباده:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 2.

وقد وهبها الله لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم على تهيؤ بها دون ترقب وإن ظهرت بوادرها له فليست من رياضاته لاكتسابها بل سبقت له علامة من مانحها جل شأنه بعد أن هيأه الله فعشق أنوارها

1 من الآية رقم 75 من سورة الحج.

2 من الآية رقم 124 من سورة الأنعام.

ص: 39

فهداه إياها1، قال ابن عطاء:{وَوَجَدَكَ ضَالًا} أي محبا لمعرفتي فهداك إلى طريق محبتي وسبيل مودتي، قال صاحب الشفاء: والضال هو المحب2.

قال في المواهب اللدنية:

"ولو علم بالبشارات الحاصلة قبل ولادته وإخبار الكهنة، وبحيرا، وغيرهم بأنه نبي آخر الزمان لكن صانه الله سبحانه عن اعتقاد ما يخالف ما عنده تعالى من أنها لا تنال بطلب"3.

على أن قضية الاكتساب للنبوة وعلمه أمر حادث ابتدعته دراسات علم الكلام وهو نظريات العقل في غير مجاله الطبيعي وما طلب واحد من السابقين طريق النبوة مع إدراكه لأوصاف النبي الخاتم حتى أمية بن الصلت ما كان يجتهد في العبادة طلبا للنبوة.

وذلك هو طريق الكسب المراد كلاميا بل اجتهد في معرفة انطباق الأوصاف الخاصة بالنبي الخاتم على صفات نفسه فلما علم أنه ليس هو يئس وانجدل في سريره لا ينام ولا يقوم طوال الليل.

وكان محمد صلى الله عليه وسلم يربى لها وما كان يرجو أن يلقى إليه الكتاب إلا رحمة من ربه فقد أعده ربه فكانت له لا لغيره وكان هو لها لا لغيرها وكان قدرا مقدورا.

1 راجع الشفاء شرحيّ: علي القاري ونسيم الرياض ج41 ص213.

2 الشفاء ج4 ص48.

3 المواهب اللدنية ج1 ص220.

ص: 40

يقول الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي:

"والنبوة هبة الله لا تنال بالكسب لكن حكمة الله وعلمه قاضيان بأن تمنح للمستعد لها والقادر على حملها: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ومحمد صلى الله عليه وسلم أعد لأن يحمل الرسالة للعالم أجمع، أحمره وأسوده، إنسه، وجنه، وأعد لأن يحمل رسالة أكمل دين، ولأن يختم به الأنبياء والرسل وليكون شمس الهداية وحده إلى أن تنفطر السماء، وتنكدر النجوم وتبدل الأرض غير الأرض والسموات1.

يقول شيخنا الإمام العارف بالله الدكتور عبد الحليم محمود حول إعداد الأنبياء للرسالة:

"يصطفيهم فيعدهم إعدادا خاصا قبل ميلادهم، يعدهم في أصلاب أجدادهم وآبائهم فيتخير الله عز وجل لهم الأجداد والآباء".

يقول الإمام البوصيري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لم تزل في ضمائر الكون تختا

ولك الأمهات والآباء

ويستمر مولانا في شرح هذه الحقيقة فيقول:

يعد سبحانه أوعيتهم -الجدات والأمهات- خَلْقا وخُلُقا، ويعد سبحانه الرسل بعد ميلادهم، وسطا وبيئة.

يعدهم على عينه

ولتصنع على عيني

ويصطنعهم لنفسه

واصطنعتك لنفسي

1 راجع مقدمة كتاب: حياة محمد لهيكل باشا.

ص: 41

ويقول صلى الله عليه وسلم عن كل ذلك فيما رواه الإمام مسلم: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".

لقد رسم الله ماضيهم البعيد ورسم حاضرهم الذي عاشوه طفولة فشبابا فكهولة فشيخوخة منذ الأزل1.

فضاع بذلك صلف العقل الكلامي الذي اشتط في بحث الاكتساب في طلب النبوة، وبقي للنبوة مكانها الرباني:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ومناقشة العلاقات بين الأنبياء وربهم في مرحلة الإعداد لهم أو الإيحاء إليهم ليست من حق العقل البشري أيما كان ذكاؤه وعلمه؛ لأنها مرحلة ذاتية بين مقامين دونهما مقام العقل حتى ولو كان في سامق قمم الاتزان والفطنة.

لقد نزل الوحي بالنبوة وكانت {اقْرَأْ} إعلانا واضحا للاصطفاء ورجف فؤاده صلى الله عليه وسلم بها غبطة2، فقد تم اللقاء والإقبال وارتاحت سريرته لهذا الاصطفاء وتأهب لهذا العمل الجليل، وهو به جد سعيد، لقد فتر الوحي بعد بدء إعلان النبوة ليتشوق النبي الكريم إلى لقائه، بعد أن تستقر غبطته باصطفائه، وذلك تقدير الله لحياة نبيه ثم تتابع الوحي ونزلت مواصفات العمل النبوي تزكيته:

1 راجع الإسلام والعقل ص105، 106، دار الكتب الحديثة.

2 راجع المواهب اللدنية ج1 ص221.

ص: 42

{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} 1.

فأوجز الله فيها تزيكة لحاله، وأساسا لدعوته.

{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} استمر على ما أعددناك به من الكمال النفسي الفذ الذي هيأناك به للرسالة.

{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} استمر على ما أودعناكه من السلوك السامي الذي درجت عليه من الصغر وشرحنا لك به صدرك.

{وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} بلغ دين الله دون النظر إلى متاع دنيوي فقد وجدناك عائلا فأغنيناك.

{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} أساس تبليغ دعوتك هو الصبر على أذى البشر إرضاء لوجه الله، فهل كان ذلك تبليغ مستندا على أسس وقواعد؟

أو كان مستندا فقط على العون الإلهي بالمعجزات؟

نعم، إن كل حركة في الوجود حتى طرفة العين وخلجة النفس تسيرها إرادة الله جل شأنه.

ولكن هل كانت الدعوة الإسلامية في مكة تعمل دون مناهج؟

لقد كانت الدعوة الإسلامية في مكة تعمل في داخل مجتمع بشري له تقاليده وعاداته وأنظمته وتفكيره، فهل واجهت الدعوة الإسلامية هذا المجتمع بقوة المعجزات التي تقهر العقل فقط؟

1 الآيات رقم 1-6 من سورة المدثر.

ص: 43

لقد سبقت الدعوة الإسلامية جميع نظريات الإصلاح الاجتماعي في العصر الحديث بما وضعته من مناهج لبناء مجتمع الدعوة الإسلامية.

فقد استخدمت الدعوة:

1-

مناهج لإثبات الوحدانية وللعمل مع الجماعة.

2-

ولفن التبليغ ومراحله.

ومعنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل دعوة الله ولم يبلغها للناس جزافا ولا اتكالا على عصمته وتأييد الله له فذلك فهم العجزة وهمة القعيد المتواكل ولكنه صلى الله عليه وسلم نقلها بالأسلوب الفطن الواعي الذي رسم للعمل الإصلاحي في مستقبل الإنسانية كلها قواعد العمل البناء الذي يحترم ظروف جميع الناس ويداوي بالتؤدة والمودة لا بالقسوة والثورة والجبروت، ويود استجابة من صميم القلب لتنساب جوارح الناس استسلاما في تنفيذ أوامر الله وتلك هي مستويات العمل الفاضل لبناء المجتمع الفاضل وذلك ما حققته الدعوة في هذا الدور الجليل.

ويمكن باختصار أن نقول أن الجو الديني قبل الإسلام في الجزيرة العربية ينقسم إلى قسمين رئيسيين:

1-

جو منحرف في التوحيد، عنده إسراف بكثرة الآلهة أو منحرف السلوك في العبادة.

ص: 44

ويشمل هذا الجو الديانة اليهودية على قلة نفوذها وضعف تأثيرها1، والديانة المسيحية على تعقدها وغموضها وقلة خطرها وضعف جاذبيتها2 ثم الوثنية بأصنامها ووثنها ونصبها وهي العقيدة العامة الشاملة للشعب العربي.

وهذا الجو فيه إيمان بالله غير أنه إيمان واسع مبذر في معنى إدراكه الألوهية وإيمان منحرف في توجهه بالعبادة إلى الله.

ب- ثم كان هناك جو خافت لبعض الملاحدة الذين يقولون: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} وأولئك يمثلون المرض الخبيث وهم حثالة تافهة لا وزن لها في نظر العلم والأخلاق3.

وقد ذكر في الشفاء أنه على حد هذا المنطق فأولئك القوم لم يكونوا منكرين للخالق، وعبادته.

ولا يلزم من قول بعضهم حيث قالوا:

{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} ، إن الدهر خالقهم إذ لم يقل به أحد منهم، بل أرادوا به أن طول الزمان ودورة الدوران يقتضي أن يحيا بعضنا ويموت بعضنا فنسبوا بعض الأفعال إلى الدهر4.

1 التاريخ الإسلامي العام دكتور علي إبراهيم حسن ص157.

2 حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، عباس العقاد، دار القلم، ط ثالثة، ص52، 53. راجع تاريخ الإسلام، دكتور حسن إبراهيم حسن، سنة 1961، ص574، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ج1 ص1، 2، راجع الشفاء ج3 ص299، 300، شرح نسيم الرياض.

3 الإسلام والإيمان ص214.

4 شرح على القاري ج3 ص299.

ص: 45

ويرشح لهذا أن هذا الاتجاه لم يرد تصويره في القرآن الكريم كله إلا مرتين في سورة: "المؤمنون" آية رقم 37، وفي سورة الجاثية1 آية رقم 24 وهذا مما يقوي وجهة النظر القائلة بأن هؤلاء حثالة ليس لها قيمة في المجتمع، أو أنه رأي فطري لجماعة تخاف البعث لسوء الحساب، وهم مع عدم إنكارهم الخالق ينكرون البعث.

جاءت الدعوة الإسلامية إذن وهناك جو مسرف في توحيد الله ضل أصحابه طريق العبادة الصحيحة.

وهناك حفنة تافهة وحثالة متعفنة من المنحرفين عن الفطرة، فقدمت الدعوة الإسلامية لهؤلاء جميعا منهجا ليصلوا إلى الحق في التوحيد ولينزهوا الله جل شأنه عن كل ما سواه مما يشركونه مع جلاله سبحانه وتعالى هذا المنهج صالح للنوع الواحد بكل خطواته، وخطوة منه صالحة لنوع واحد من البشر.

ذلك لأن القرآن يبني الإنسان من جميع نواحيه النفسية والعقلية والخلقية فهو يخاطبه بكل ما يؤسس فيه عوامل الخير:

يخاطبه نفسيا ووجدانيا.

يخاطبه عقليا وذهنيا.

ويخاطبه عاطفيا إن بالترغيب أو بالتهديد2.

1 راجع معجم الألفاظ والأعلام القرآنية للأستاذ محمد إسماعيل إبراهيم ج2 ص214 ط ثانية 1969 المعجم المفهرس للمرحوم الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ص264، 278.

2 راجع حول هذا الحياة الوجدانية والعقيدة الدينية دكتور محمود حب الله ص287.

ص: 46

‌منهج إثبات الوحدانية لله تعالى

‌مدخل

منهج إثبات الوحدانية لله تعالى:

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} .

لقد انتهت مرحلة الاصطفاء بالرؤيا واختار الله محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا نبيا للعالمين جميعا، ونزل الوحي عيانا، وصدقه المترقبون له، لقد صدقت به بادئ بدء السيدة خديجة رضي الله عنها، لم تتوان فقد كانت تعمل لذلك منذ خمسة عشر عاما وتقدر لهذا اليوم قدره فآمنت، وآمن من بعدها ورقة، فقد كان على علم به؛ صفة ومكانا واستبطاء ورقة نزول {اقْرَأْ} وأنشد شعرا طويلا1 ذكره أصحاب السير فتمت بذلك المؤكدات.

إن البعثة المحمدية لم تكن على غفلة من الزمن والأحداث، وأنه لا يتأتى مطلقا أن يقرر القرآن:{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} 4

إلخ.

ونجد من كلام النجاشي وهرقل وبحيرا ونسطورا تأكيدا لمعرفتهم بمعالم النبي الخاتم من كتبهم على نحو ما جاء في آيات القرآن

1 راجع السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص399، 400.

2 من الآية رقم 6 من سورة الصف.

3 من الآية رقم 89 من سورة البقرة.

4 من الآية رقم 146 من سورة البقرة.

ص: 28