الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في التشريع والأخلاق والجماعة الإسلامية
أولا: في التشريع والأخلاق
السلطة التشريعية
…
الفصل الثاني: في التشريع والأخلاق والجماعة الإسلامية
أولا: في التشريع والأخلاق:
من ثمار الشجرة الطيبة في العهد المكي بناء الأسس التشريعية والجماعة الإسلامية التي ستتحمل في المستقبل مسئولية بناء الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، ويمكن تركيز وحدات هذه الثمرات في:
أ- السلطة التشريعية.
ب- الأحكام الشرعية والأخلاق.
ج- بدء التدرج في أحكام تتعلق بنظام المجتمع الإسلامي مستقبلا.
أ- السلطة التشريعية:
أما فيما يتعلق بالوحدة الأولى فإن القرآن الكريم قد ألغى سلطة البشر في التحليل والتحريم وجعلها خالصة لله، وفوض رسوله الكريم في تبيان كتابه فانحصرت السلطة التشريعية في وحي الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا غير، يقول الله تعالى:
كان الجاهليون من العرب يعترفون بوجود الله سبحانه ويقرون بأنه الخالق وأنه الرازق، ولكنهم كانوا يزاولون التحريم والتحليل
1 الآية رقم 59 من سورة يونس.
لأنفسهم فيما رزقهم الله فواجههم القرآن الكريم بهذا التناقض، بين ما يعترفون به من وجود الله ومن أنه الخالق والرازق، وبين ما يزاولونه من ربوبية لغير الله تتمثل في التشريع الذي يزاوله نفر منهم، وكانوا يزعمون أن ما يزاولونه من التحريم والتحليل إنما بإذن من الله لهم، فجاءت الآيات تقرعهم {قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} 1.
قال ابن كثير: أنكر الله تعالى على من حرم ما أحل الله أو أحل ما حرم الله بمجرد الآراء والأهواء التي لا مستند لها ولا دليل عليها2.
قال الطبري: فحللتم بعض ذلك لأنفسكم وحرمتم بعضه عليها وذلك كتحريمهم ما كانوا يحرمونه من حروثهم التي كانوا يجعلونها لأوثانهم كما وصفهم الله به فقال: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} ، ومن الأنعام ما كانوا يحرمونه بالتبحير والتسييب ونحو ذلك، يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل "يا محمد" آلله أذن لكم، بأن تحرموا ما حرمتم منه أم على الله تفترون، أي تقولون الباطل وتكذبون؟ 3
1 في ظلال القرآن ج11 ص177، 178، راجع القرطبي ص1394. ط الشعب. وحول هذا راجع الموافقات للشاطبي ج531 ص راجع الرسالة المحمدية ص136.
2 تفسير ابن كثير ج3 ص421.
3 تفسير الطبري ج11 ص127، راجع الآلوسي ج11 ص142 في ظلال القرآن ج11 ص178، راجع تفسير القرطبي ط الشعب ص2526.
ومن هنا فقد تقرر منذ العهد المكي ألا سلطة لأحد من البشر في التحليل والتحريم، فإن الحاكمية والربوبية وهي مدار التحليل والتحريم صفات خاصة بالله جل شأنه، ومقصد الشرع من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختيارا كما هو عبدا لله اضطرارا، أو بمعنى آخر حتى يسلم وجهه لله وهو محسن.
قال الشاطبي: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فقد حصر الأمر في شيئين: الوحي وهو الشريعة، والهوى فلا ثالث لهما وإذا كان كذلك فهما متضادان وحين تعين الحق في الوحي توجه للهوى ضده، فاتباع الهوى مضاد للحق، فهذا كله واضح في أن قصد الشارع الخروج عن اتباع الهوى والدخول تحت التعبد للمولى1.
ولهذا جاءت آية سورة النحل قاطعة في هذا الباب: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} .
وترد آية سورة الشورى الأمر كله لله تعالى:
1 راجع الموافقات للشاطبي ج2 ص168.