الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: معالم في طريق الدعوة
المجابهة
مدخل
…
الفصل الرابع: معالم في طريق الدعوة
أ- المجابهة:
المجال الذي تعمل فيه الدعوة مجال دقيق وحساس، إنه مجال يمس التقاليد والعادات ويمس الوجدان والفكر، ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصا على تنقية المجتمع من الشرك، ووضح هدفه وغايته بأسلوب رفيع كريم، وتبرأ من كل غرض مادي دنيوي يتنافس عليه من البشر إلا أن القوم كفروا.
لقد كانوا ينتسبون إلى إبراهيم عليه السلام وهو نبي موحد {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكِّرهم بهذه الحقيقة، وكانوا هم كذلك يقرون له بأنه يُكلم من السماء.
قال في الحلبية:
صار كفار قريش غير منكرين لما يقول، فكان صلى الله عليه وسلم إذا مر عليهم في مجالسهم يشيرون إليه: إن غلام بني عبد المطلب ليُكلم من السماء، وكان ذلك دأبهم حتى عاب آلهتهم، وسفه عقولهم، وضلل آباءهم حتى أنه مر عليهم يوما وهم في المسجد الحرام
يسجدون للأصنام فقال: "يا معشر قريش! والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم"، فقالوا: إنما نعبد الأصنام حبا لله لتقربنا إلى الله1.
وهنا يجد الباحث مركز صعوبة العمل في التبليغ عندما يركب الناس هوى النفس، ويقدسون ما كان عليه الآباء والأجداد.
فهم متفقون مع النبي صلى الله عليه وسلم على أصلين:
إنهم من نسل إبراهيم.
وإنهم خالفوا التوحيد الذي كان عليه أبوهم إبراهيم.
وإذن فلماذا يجحدون؟
إن النبي صلى الله عليه وسلم أعلنها واضحة صريحة:
"ما جئت أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني رسولا، وأنزل عليّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم"2.
وبهذا يتحدد للقارئ أو الباحث أن الرسالة الإسلامية لم تكن تهدف إلى مال أو جاه، ولكنها كانت تريد أن تكرم بني البشر بخضوعهم إلى توحيد الله وتنزيهه، فهي لا تأخذ من أحد ماله ولا تعطي لأحد جاها.
1 الحلبية ج1 ص322، راجع تاريخ الطبري ج2 ص322.
2 راجع الحلبية ج1 ص340-341، السيرة لابن هشام ج1 ص296، 297.
لا هي مؤممة لأموال الناس، ولا هي مصدر لتمويل البشر، ولكنها نظام الله الذي يجب أن يعيش عليه البشر، ولهذا حدد القرآن الكريم قضيتين رئيستين:
الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الناس شيئا من أموالهم، يقول الله تعالى:
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} 1.
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} 3.
إنه لا يطلب أجرا وهو كذلك لا يعطي مالا.
1 الآية رقم 86 من سورة ص.
2 الآية رقم 47 من سورة سبأ.
3 الآية رقم 57 من سورة الفرقان.
4 الآية رقم 50 من سورة الأنعام.
5 الآية رقم 188 من سورة الأعراف.
الثانية: أن القرآن الكريم رفض كل اقتراح مادي فيما يتعلق بطلب المعجزات كثمن لدخولهم في الإسلام.
وإلى جوار هاتين الحقيقتين القرآنيتين يقرر التاريخ موقفين:
الأول: رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مساومة تتجه بالرسالة إلى غير هدفها الأسمى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} وفي هذا يحفظ التاريخ المقالة الخالدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تكأكأ عليه القوم في منزل أبي طالب:
"والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، ما تنازلت عن هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه"3.
1 الآيات من رقم 7-9 من سورة الأنعام.
2 الآية رقم 59 من سورة الإسراء.
3 الحلبية ج1 ص323، تاريخ الطبري ج2 ص323، السيرة لابن هشام ج1 ص266.
الثاني: أن القرشيين مع مجابهتهم دعوة الله، فقد اعترفوا بالرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم على نحو ما ذكره أبو جهل والنضر بن الحارث1، ولكنهم مع هذا جابهوا الدعوة، ووقفوا لها بالمرصاد، وصبوا عليها جام غضبهم مع ما تحلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من رفيع الخلق، وكريم السجايا، وعظيم الحلم، وطول الصبر، فكانت تلك المجابهة تحدد ظاهرة طبيعية في العمل من أجل الدعوة.
لقد أصبح من مظاهر العمل للدعوة الإسلامية أنه لا بد وأن تعاني مجابهة وخصومة، وقد تكون المجابهة القاسية من أقرب الناس إلى الداعية.
ومن واقع الأحداث التاريخية التي شنها القرشيون على الدعوة تبدو معالم الطريق دائما، وهي كما وقعت منذ فجرها تدور حول:
1-
الداعية واتباعه وما قدمه المشركون في مكة من صنوف الأذى للدعوة والداعية، وهي تصوير للمعالم التاريخية للدعوة في عهدها المكي.
2-
الأسباب التي دفعت بهم إلى هذه المجابهة، وتشكل خطا دائما في بقاء هذه المواجهة.
1 راجع الشفاء ج1 ص181، 316 علي القاري، راجع السيرة لابن هشام ج1 ص266، 316.