الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لعلهم يرجعون إلى "لا إله إلا الله" فليتزموا بها كما التزم بها أبوهم إبراهيم وبعث بها إليهم محمد الأمين.
وبذلك وضحت عقيدة إبراهيم ولزمت الحجة للمعادنين وكان ذلك سبيل القرآن في معالجة هذه القضية؛ لأنها سوف تكون المنهاج الدائم مع اليهود في مستقبل الدعوة، إذ هم يدعون أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا، وهم كذلك ينتمون إلى أصل إبراهيم، فإذا ما ثبت في مكة أن أصول عقيدة إبراهيم هي التوحيد الخالص كان ذلك حجة على الآخرين مستقبلا ممن يدعون أنهم من ذرية سيدنا إبراهيم، ثم لا يسلمون.
فقد كان إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين فهو منهاج يقرر في مكة ليكون في المدينة أمرا ثابتا لا يحتاج إلى مناقشة أو تدليل.
ثانيا: دعوة المعاندين إلى التجرد من المواريث الثقافية التي تبعدهم عن التفكير السليم في التوصل إلى الحقيقة
رد العرب أيديهم في أفواههم ورفضوا دعوة التوحيد متعللين بأنهم وجدوا آباءهم على أمة وأنهم على آثارهم مهتدون، وقد ناقش القرآن الكريم في العهد المكي هذه القضية، وعلى طريقة المنهج القرآني في معالجة القضايا، فقد تصدى إليها، واستوى مناقشا من الجذر الأساسي.
فلم يكن العرب وحدهم هم الذين اخترعوا هذه التعلة: {وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ، بل هي تعلة رددها الذين استحبوا العمى على الهدى، من قبل.
لقد قالها قوم نوح:
فقد رفض قوم نوح الإيمان بنبوته؛ لأنه لم يأتهم خبر من أسلافهم أن النبوة تكون لواحد من البشر.
وهكذا يطمس التقليد على حركة الفكر وحرية القلب فلا يهتدي الناس لما بين أيديهم من الحق الواضح لأنهم ما زالوا متشبثين بركام الماضي وأوهامه.
ومن المؤسف أن القرآن يدعوهم إلى التحرر من هذا السجن، ويعلمهم ألا يحيلوا أعذارهم على آباءهم وأجدادهم، بل إن القرآن لينعي على هؤلاء أن أعفوا أنفسهم من مؤنة التفكير والعقل؛ لأنهم ورثوا من آبائهم وأجدادهم عقيدة لا عقل فيها ولا شفاء للصدور2.
ويا ليت هؤلاء يدركون أنهم جامدون متحجرون، إنما هم يتهمون دعاة التحرر والانطلاق بالجنون أو بالسحر
…
إلخ.
ولما أصر هود على معالجتهم بكل وسيلة أيأسوه وقالوا له:
{سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} وتعللوا لهذه السخافة3:
1 الآية رقم 24 من سورة المؤمنون.
2 راجع في ظلال القرآن ج18 ص25، التفكير فريضة للمرحوم العقاد ص26، التفكير الفلسفي في الإسلام ص54.
3 راجع ابن كثير ج3 ص342.
وإذن فمثل هؤلاء الجامدين لا يستحقون الحياة ولا العيش فجاءهم نصيبهم:
{فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} .
لقد انتهى أمرهم في كلمتين: {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ} وطوي قوم عاد الجبارون، وطويت مصانعهم، وطوي معهم ما كانوا فيه من نعيم، وما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون1.
وقالها من بعدهم قوم إبراهيم.
فلم يكن لهم جواب ولا حجة سوى أنها صنيع آبائهم صنعة الضلال والغي، ويتكرر السؤال:
{هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} 3.
فلم يكن لهم جواب غير:
1 راجع في ظلال القرآن ج19 ص104.
2 الآيتان رقم 52، 53 من سورة الأنبياء.
3 الآيتان 72، 73 من سورة الشعراء.
4 الآية رقم 74 من سورة الشعراء.
لم تكن لديهم حجة غير أن يكشفوا عن التحجر الذي يصيب المقلدين بلا وعي ولا تفكير1.
إن الإسلام يرفض أن يستخدم الإنسان التعلة بالتبعية لما كان عليه الآباء في مقابل احترام العقل الذي وهبه الله ليكرم الإنسان به نفسه.
وليقوم به الأشياء بقيمها الحقيقة والإيمان بالله هو أسمى الغايات التي يسعى إليها المرء وهم يعترفون بوجود الله إذا ما سئلوا لكن تحجبهم عن حقيقة الإيمان به سلطة العادات وجبرية التقاليد، وفي مقابل هذا يأمر الإسلام الفرد أن يستقل بمستواه العقلي عن الاستبداد الاجتماعي الموروث في التقاليد والعادات، فليس الإنسان تركة تورث وإنما هو إرادة تعمل ولن تبلغ إرادة الإنسان به مستوى التكريم إلا إذا آمنت بالله إيمانا خالصا من شوائب العادات، والتقاليد وجبرية مواريث الآباء والأجداد.
لقد قالوا لسيدنا إبراهيم:
{وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} .
نفس المرض الاجتماعي والتعلة الفاسدة التي تعلل بها من قبل قوم نوح وهود ومنذ الزمن السحيق وهذه العلة مرفوضة لأنها قيد وهمي وكابوس خرافي على العقل الممنوح من الله للإنسان ليفكر به ويستقبل به ما يوحيه الله إلى الأنبياء من أجل هدايته.
1 راجع في ظلال القرآن ج19 ص91.
وبعدما تصل المسألة إلى العرب المعاصرين لبدء الوحي فإن القرآن يحاول أن يخلع هذه العادة من جذورها الغائرة في أعماق النفس فيلومهم على ما كانوا يفعلونه قديما من حقوق ابتدعوها على مشركي العرب الذين يفدون لحج بيت الله، وأقاموا هذه الحقوق على تصورات اعتقادية زاعمين أنها تركة من عند آبائهم حللها إليهم الله1، عندئذ يكذبهم الله ويلغي هذه التبعية الباطلة كما جاء في سورة الأعراف:
وتمضي الآيات المكية تحطم هذا البيت العنكبوتي الذي طمس البصر، وضلل العقل فتنفي آيات سورة لقمان تعللهم بمسلك آبائهم:
إن هذا الموقف استجابة لدعوة إبليسية شيطانية مصيرها العذاب فهل هم سائرون في الطريق وراء آبائهم حتى جهنم؟ إنها لمسة مخيفة
1 في ظلال القرآن ج8 ص157.
2 الآية رقم 28 من سورة الأعراف.
3 الآية رقم 21 من سورة لقمان.
مزعجة موقظة منبهة تعيد الرشد إلى فاقد الوعي، ولكن لمن ألقى السمع وهو شهيد1.
وتطيل آيات الزخرف مع القوم مناقشة هذ التحجر البليد:
بل قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} 2.
قال ابن كثير في تفسيرها:
ليس لهم مستند فيما هم فيه من الشرك سوى تقليد الآباء والأجداد بأنهم كانوا على أمة.
ثم بين جل وعلا أن مقالة هؤلاء قد سبقتهم إليها أشباههم ونظائرهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل تشابهت قلوبهم3.
فالقرآن في سورة الزخرف يربط مقالتهم بالمقالات السابقة من الأمم التي أهلكها الله بسبب هذا التحجر المتبلد:
فيجلى طبيعة المعارضين عن الهدى إنها طبيعة واحدة تستخدم أسلوبها واحدا ليس هناك حجة لأنهم سدوا منافذ العقل، وألغوا وظيفة.
1 راجع حول هذا في ظلال القرآن ج21 ص79.
2 من الآية رقم 22 من سورة الزخرف.
3 ابن كثير ج4 ص126.
4 الآية رقم 23 من سورة الزخرف.
الفكر، وارتبطوا في حبال بالية واهية قائمة حتى ولو جاءهم بما هو أهدى:{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} 1.
فهي عقول طمس عليها وقلوب سدت منافذها.
والقرآن يحاون أن يكشف عنها الغطاء ويقطع حبال التبعية الإبليسية فيعقب على مواقف السالفين دائما بعقاب صارخ صارم: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} 2.
{مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} .
إنها مقالة الذين يريدون علوا في الأرض وفسادا ولا يحبون الخير والهدى للناس لقد قالها المتعجرفون من آل فرعون وأذنابه إلى سيدنا موسى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} 3.
ولهذا فإن القرآن يجاهد في هذه المرحلة ليخلع معاندو الدعوة أغشية العمى وأتمال التقاليد وصدأ المواريث الثقافية التي حملوها أثقالا ثقالا من الآباء والأجداد الذين لا يعقلون، وتلك خطوة رئيسية
1 الآية رقم 24 من سورة الزخرف.
2 الآية رقم 25 من سورة الزخرف.
3 الآية رقم 78 من سورة يونس.
يحاولها القرآن بعد أن أوضح لهم ملة جدهم إبراهيم الذي يدعون النسبة إليه في النسب والتدين، حتى إذا ما انتهى دور التخلية وتجرد المعاندون من الهوى الموروث وتخلصوا من جبرية العادات وتحرروا من عبودية التقاليد صح لهم أن يرجعوا إلى أنفسهم ويشاهدوا دلائل التوحيد والتنزيه.
ولذلك يأخذ القرآن الكريم في تصوير عواقب هذه التبعية لكل الذين يتعللون بما وجدوا عليه آباءهم:
إنهم أصحاب عراقة في الضلالة؛ ضلالة التقليد والطاعة العمياء بلا دليل ولا تفكير ولا روية.
فذلك مآبهم مزيج من حميم وغساق يشربونه مع الزقوم جزاء اتباعهم لما وجدوا عليه آباءهم من الضلالة دون تفكير أو برهان، فهم على آثار آبائهم يهرولون وهم سفهاء ملعونون2.
يقول شيخنا فضيلة الإمام الدكتور عبد الحليم محمود، ولكن العرب قابلوها بصراع فاتخذت الدعوة الإسلامية من أجل هدايتهم أحكم الوسائل.
1 الآيات من رقم 67-71 من سورة الصافات.
2 راجع ابن كثير ج4 ص11 في ظلال القرآن ج23 ص57.
نبهتهم إلى أنه ليس من المنطق أن يكون الإلف، وأن تكون العادة، أو العرف مقاسا للحق، فليس من المنطق إذا قيل لهم:{اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} أن يقولوا: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} .
لأنه من الجائز أن يكون آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون.
وليس من المنطق أن يقولوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} .
ثم أضاف الإسلام إلى ذلك تقدير المسئولية الفردية ليجتث بذلك كل محاولة من الفرد لإلقاء التبعة على الجماعة أو على البيئة أو على الآباء والرؤساء.
{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} 1.
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} 2.
ومن ثم فقد آثار القرآن الكريم شعورهم نحو الإحساس بهذه المسئولية فإن فردية التبعة ذات أثر حاسم في الشعور الأخلاقي وفي السلوك العملي، فشعور كل فرد بأنه مجزي بعلمه لا يؤاخذ بكسب غيره ولا يستطيع هو أن يتخلص من كسبه، لهو عامل قوي في يقظة
1 الآيتان 38، 39 من سورة النجم.
2 الآيتان 7، 8 من سورة الزلزلة. راجع التفكير الفلسفي في الإسلام ص52.
قلبه وعقله ووجدانه ومحاسبة نفسه وفي دفعه للتخلي عن كل أمل خادع في أن ينفعه شيء غير ما عملت يداه.
والآيات القرآنية تصور هذه الحقيقة من جانبين:
جانب أن: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} .
وجانب أن الإنسان لا يتحمل وزر الآخرين فلا قلق ولا خوف ولا بأس ما دام قد أدى واجبه بقدر ما يملك وما يستطيع.
إن تعبيرات القرآن الكريم وهي تحاول أن تنقذ العرب المعاندين للدعوة تصور المشهد كأنهم قافلة كل من فيها يحمل أثقال نفسه ويمضي في طريقه وحده واحدا واحدا يسعون حتى الوقفة الحازمة أمام الوزان، وهي وقفة فيها جهد وتعب وهم وثقل وانشغال عن الأهل والأقارب ولا يملك لقريبه عونا فالكل قد شغله حاله وأعيته أثقاله1، ويقول الله تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} 2.
ويبرز القرآن الكريم هذه المسئولية في إطار الناموس الكوني والقوانين المستقرة الدائمة {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} .
1 راجع ظلال القرآن ج22 ص124.
2 من الآية رقم 18 من سورة فاطر.
فكل إنسان قرين ما عمل لا يفارقه، ولا يملك التخلص منه ولا يستطيع كتمانه فهو منشور مكشوف ولا يقدر على تجاهله فهو في عنقه وكفى بنفسه في ذلك اليوم شهيدا على سلوكه.
إنها المسئولية الفردية التي تربط كل إنسان بنفسه إن اهتدى فلها، وإن ضل فعليها وليس في مقدور أحد أن يخفف حمل أحد {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} 2. {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} 3.
ولقد كان ذلك قضاء مبرما وقانونا ثابتا ودينا شرعه الله في صحف إبراهيم الذي وفى.
{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} 4.
لقد وفى إبراهيم جد العرب المعاندين بكل التزاماته مع ربه، حتى استحق هذا الوصف المطلق ومن جزئيات ما وفى به وبلغه، {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، فلا تحمل نفس حمل غيرها لا تخفيفا ولا تثقيلا فلا تطوع بل لا تملك نفس هذا التطوع.
1 الآيات من رقم 13-15 من سورة الإسراء.
2 من الآية رقم 21 من سورة الإسراء.
3 الآيتان 14، 15 من سورة القيامة.
4 الآيتان 28، 29 من سورة النجم.
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} .
فالله غني عن العباد لا يزيد ملكه بإيمانه ولا ينقص منه شيء لكفرهم.
يحبه لكم ويعجبه منكم ويجزيكم عليه، وكل مجزى بعمله:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
وفي النهاية إليه المرجع والمآب:
هذه هي العاقبة وهذه هو مفرق الطريق ولكل أن يختار عن بينة وتدبر وتفكير، فهل كان لديهم علم أو استعملوا -ولو مرة- والتدبر والتفكر؟
1 من الآية رقم 7 من سورة الزمر.
2 الآية رقم 23 من سورة النجم.
قال ابن كثير:
"ليس لهم مسند إلا حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم، وإلا حظ نفوسهم في رياستهم وتعظيم آبائهم الأقدمين"1.
وإذن فهم خلو من المعرفة وهم براء من التفكير والتدبر.
وفي الالتفاتة من المخاطب إلى الغائب "سميتموها""إن يتبعون إلا الظن" منتهى الاستخفاف بعقولهم فكأن حضورهم لا كحضور فقد ألغوا عقولهم ونكسوا على رؤوسهم فأنى يكون لهم احترام أو تقدير؟ وقد جاءهم من ربهم الهدى، وتستمر سورة النجم في كشف سلوكهم العقلي ومستواهم التفكيري:{إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى، وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} 2.
ليس لهم على صحيح بهذه الدعاوى التي أطلقوها من خيالهم بل هو كذب وزور وافتراء وكفر شنيع.
والظن أكذب الحديث لا يقوم أبدا مقام الحق ولا يجدي عنه شيئا.
1 ابن كثير ج4 ص204.
2 الآيتان 27، 28 من سورة النجم.