المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة الطبعة الثالثة - الدعوة الإسلامية في عهدها المكي مناهجها وغاياتها

[رؤوف شلبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌مدخل

- ‌أولا: الدافع

- ‌ثانيا: المنهج

- ‌الباب الأول: مناهج الدعوة الإسلامية في عهدها المكي

- ‌الفصل الأول: منهج إثبات وحدانية الله تعالى

- ‌تمهيد حول مفهوم الدعوة الإسلامية

- ‌تحديد المراد من محاولة التعريف:

- ‌على بدء نعود ظلال على التعريف:

- ‌نتيجة المحاولة:

- ‌الدعوة الإسلامية:

- ‌منهج إثبات الوحدانية لله تعالى

- ‌مدخل

- ‌أولا: تصوير العقيدة العربية قبل الإسلام

- ‌ثانيا: دعوة المعاندين إلى التجرد من المواريث الثقافية التي تبعدهم عن التفكير السليم في التوصل إلى الحقيقة

- ‌ثالثا: دعوة المعاندين للتفكير بالمشاهدة في آثار قدرة الله جل شأنه وتعريفهم طريقة استخدام هذا المنهج

- ‌أدلة التوحيد والتنزيه:

- ‌أولا: وحدانية الذات:

- ‌ثانيا: وحدانية الصفات:

- ‌ثالثا: وحدانية التدبير وتصريف الملك:

- ‌رابعا: بعث الوجدان الفطري

- ‌طريقة استخدام المنهج

- ‌مدخل

- ‌أولا: الدعوة إلى البحث في حقائق التاريخ

- ‌ثانيا: ولكن كيف ينظرون

- ‌الفصل الثاني: منهج العمل مع الجماعة

- ‌مدخل

- ‌أولا: ثقة الداعية

- ‌ثانيا: تحديد الهدف

- ‌ثالثا: التعرف على طبيعة المجتمع

- ‌رابعا: تربية قيادة

- ‌مدخل

- ‌مستوى تربية القيادة:

- ‌خامسا العرض الواضح:

- ‌سادسا: إيجاد استقطاب حول الدعوة

- ‌سابعا: السلوك المطابق للمبادئ

- ‌ثامنا: الصبر وتحمل المشاق

- ‌الفصل الثالث: مراحل الدعوة

- ‌تمهيد:

- ‌ضابط التقسيم:

- ‌مراحل تبليغ الدعوة:

- ‌مرحلة التبليغ الأول: إعداد القيادة

- ‌مدخل

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌النموذج الثالث:

- ‌مرحلة التبليغ الثاني: وأنذر عشيرتك الأقربين

- ‌مرحلة التبليغ الثالث: لتنذر أم القرى ومن حولها "العرب

- ‌مرحلة التبليغ الرابع: لتخرج الناس من الظلمات إلى النور "عالمية الدعوة

- ‌أسلوب التبليغ ووسيلته

- ‌مدخل

- ‌الحكمة:

- ‌الموعظة الحسنة:

- ‌وسيلة التبليغ:

- ‌الفصل الرابع: معالم في طريق الدعوة

- ‌المجابهة

- ‌مدخل

- ‌أولا: المعالم التاريخية للمجابهة في العهد المكي

- ‌ثانيا: لماذا كفرت قريش

- ‌ثالثا: النماذج القرآنية لمعالم الطريق

- ‌رابعا: المجابهة الثقافية

- ‌الباب الثاني: الغايات ثمار العهد المكي وخاتمته

- ‌الفصل الأول: في العقيدة الإسلامية

- ‌لا إله إلا الله

- ‌مدخل

- ‌الموجة الأولى تتجه نحو ما يشركون به:

- ‌الموجة الثانية: في تسميتهم الملائكة بنات الله، وقالوا اتخذ الله ولدا

- ‌الفصل الثاني: في التشريع والأخلاق والجماعة الإسلامية

- ‌أولا: في التشريع والأخلاق

- ‌السلطة التشريعية

- ‌ الأحكام الشرعية والأخلاق:

- ‌بدء التدرج في الأحكام:

- ‌ثانيا: في الجماعة الإسلامية

- ‌الفصل الثالث: خاتمة العهد المكي

- ‌التجهيز للهجرة:

- ‌أولا: الإسراء والمعراج

- ‌ثانيا: النشاط النبوي معاهدات العقبة

- ‌الخاتمة:

- ‌المراجع:

- ‌أولًا: القرآن الكريم وعلومه

- ‌ثانيا: الحديث وعلومه

- ‌ثالثا: كتب السيرة النبوية

- ‌رابعا: كتب الدعوة

- ‌خامسا: كتب في التصوف

- ‌سادسا: كتب في الفقه وأصوله وتاريخ التشريع

- ‌سابعا: كتب في التاريخ الإسلامي

- ‌ثامنا: كتب في التاريخ العام

- ‌تاسعا: كتب في الفلسفة والدراسات الاجتماعية والنفسية

- ‌عاشرا: كتب الأدب

- ‌حادي عشر "ب": كتب اللغة

- ‌ثاني عشر: الكتب الملاوية

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌مقدمة الطبعة الثالثة

‌مقدمة

الإهداء:

إلى أرواح شهداء الدعوة الإسلامية الذين يسبشرون بنعمة من الله وفضل، ويسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم..

ص: 1

تقديم الكتاب: لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل مخلوق وخير مبعوث، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هديه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين.

أما بعد..

فإن من رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه أن رسم لهم سبيل السعادة في دنياهم وفي أخراهم، وهو طريق لا استحالة فيه ولا مشقة، لقد جربه الكثيرون ففازوا، ولقد ضمن الله لهم حياة هنيئة في الدنيا والآخرة.

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

هذه السعادة تتحقق للفرد باتباعه، إذا حقق ما اشترطه الله عليه.

وتتحقق للأسرة إذا وفرت لحياتها ما اشترطه الله عليها.

وتتحقق للدولة إذا سهرت على تطبيق ما اشترطه الله على الأمة.

ص: 2

ولقد رسم القرآن الكريم شروط هذه السعادة فيما بينه من قوانين تتعلق بالحياة السلوكية للفرد والأسرة والجماعة، لقد بينها الوحي بالتعبير الإلهي، في دقته وروعته، وجلاله، وبينها الرسول الكريم في تطبيق واضح وسلوك نقي وسنة مطهرة، وإذن فالدعوة الإسلامية هي مناط السعادة للناس جميعا: أفراد وأسر وجماعات ودول.

لقد ظهرت الدعوة الإسلامية في مجتمع تعج فيه الآراء الدينية، والتقاليد البشرية، فكانت الدعوة هي البلسم الشافي.

إنه في الآونة التي كانت الآراء الدينية تتصارع في جزيرة العرب قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوته، وهي دعوة ربانية لم تنشأ عن تفكير إنساني شخصي، ولكنها وحي الله المعصوم، وهي معصومة لأنها وحي، إنها معصومة عن التخبط والهوى في الرأي، ومعصومة عن ضلالات الأوهام ومتاهات الخيال وانزلاق التفكير.

وأساس هذه الدعوة هو القرآن الكريم؛ إنه حبل الله المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، وهو عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيع من استمسك به ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد.

والدعوة الإسلامية بهذا القرآن الكريم تحمل في طياتها قيمتها الذاتية، وذلك سر انتشارها وسيادتها.

إنها تمتاز عن النصرانية المنتشرة -إذ ذاك- بنظام اقتصادي خلت منه الأنانية وبمنطق عقلي لا يوجد فيما كان من مأثور حنيذاك

ص: 3

من الكلام الذي نسب للسيد المسيح عليه السلام. ثم هي تصحيح للفكرة الدينية جملة.

وهي كذلك تمتاز عن اليهودية بما فيها من البساطة والنضرة وتنزيه الله ورسله وأنبيائه جميعا.

إنها معصومة لأنها وحي الله وليست رأيا يجوز مناقشته أو تعديله.

وهي دعوة موحدة لا مفرقة. إنها دعوة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام:

{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} .

إنها إذن دعوة الرسل من قبل فهي موحدة تقرر أصولا في ناحية العقيدة، وشعائر العبادة، ومبادئ القانون والأخلاق.

ومع أن الدعوة الإسلامية لخير الناس جميعا، وليست دعوة لأنانية أو عصبية، فإن العرب قابلوها بصراع متعدد الألوان غير أن الدعوة اتخذت من أجل هدايتهم أحكم الوسائل وأعظم المناهج.

ولقد كان إثبات الرسالة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الأهداف الأساسية في بدء الرسالة.

ص: 4

وإن أشق مرحلة يصادفها كل رسول من الرسل إنما هي إقناع الناس برسالته وقد اختلفت وسائل هذا الإقناع واختلفت أساليبه.

ولقد بدأ الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم كأسلافه بإثبات أنه رسول، وأنه متصل بالسماء، وأن الذي يأتيه إنما هو وحي يوحى، ولكن العرب سخروا من دعوته فتحداهم بعنف، وتحداهم متدرجا بهم، ومع أنهم أساطين البلاغة وأهل الفراسة غير أنهم أفحموا وانتهى الأمر إلى أن الذي يأتيه إنما هو وحي من عند الله.

قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} .

لقد لبث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أربعين عاما ولم يحدثهم بنبوة، ولم يحدثهم برسالة، ولم يكن من مشاهير رجال الشعر، فلم الشك في أمره؟ مع أنه صلى الله عليه وسلم لو أخبرهم أن خيلا وراء هذ الوادي تريد أن تغير عليهم لصدقوه، لقد قالوا له: ما عهدنا عليك كذبا. فلم الشك في أمره؟ {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} .

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} .

إنه صلوات الله عليه وسلامه بشر، وما يجول في خلد مسلم قط أن يخرجه عن البشرية، ولكنه صلى الله عليه وسلم بشر خاص. إنه بشر يوحى إليه، وما يتأتى قط أن يوحى إليه إلا وقد اصطفاه الله.

ص: 5

{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} .

{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} .

غير أن بعض الناس حينما يقرأ قول الله تعالى: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} يقف عند كلمة {بَشَرٌ} ، ويحاول التركيز عليها، واستقطاب الانتباه حولها، فيتحدث في إسهاب عن خصائص البشرية العادية، ويندفع في هذا الاتجاه المنحرف اندفاعا لا يتناسب مع عجز الآية:{يُوحَى إِلَيَّ} وينسى قول الله تعالى:

{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} .

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} .

والله سبحانه ببيانه ذلك في هذه المواضع التي كان من الممكن أن يقف فيها الرسول صلوات الله عليه، مع العدالة الحاسمة، فعدل عن ذلك إلى الرأفة والرحمة. إن الله سبحانه وتعالى ببيانه ذلك إنما يمدح الرسول صلوات الله عليه وسلامه يبين أن منزع الرحمة إنما هو الغالب عليه صلوات الله عليه وسلامه.

ولم يلغ الله جل شأنه اتجاها عاما سار فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينقص كلمة أقرها صلوات الله عليه وسلامه، ولم ينف مبدأ أثبته رسوله الأمين فيما كان يسير عليه، ولقد شهد له الله بذلك فقال:

{وإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} .

ص: 6

ولقد جعل الله طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعة لجلاله: {وَمَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} .

ومن هنا فإن من يركز على "بشر" فقط من المستشرقين ومن لف لفهم إنما يتبع في ذلك زعم الجاهلين عندما قال: إنما أرى يتيم أبي طالب.

إن النظرة إلى الدعوة الإسلامية من الوسائل التي تثبت صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد تابع هذا الاتجاه العالم الكبير ابن خلدون فقال:

ومن علامتهم أيضا: دعاؤهم إلى الدين والعبادة: من الصلاة والصدق والعفاف.

وقد استدلت خديجة على صدقه صلى الله عليه وسلم بذلك وكذلك أبو بكر ولم يحتاجا في أمره إلى دليل خارج عن حاله وخلته.

وهرقل حين جاءه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام أحضر من وجده في بلدة من قريش وفيهم أبو سفيان يسألهم عن حاله، ثم انتهى من مناقشته لأبي سفيان إلى قوله:"إن يكن ما تقول حقا فهو نبي وسيملك ما تحت قدمي هاتين".

وكان في الجو العربي نزعات تتجه نحو توحيد الله، لقد كان هناك الحنفاء الموحدون، والحمس الذين يفتخرون بالنسب إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، وكان هناك غيرهم من الذين أشركوا مع الله غيره في العبادة لا في الخالقية فتصدت الدعوة الإسلامية إلى

ص: 7

‌مقدمات

‌مقدمة الطبعة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الطبعة الثالثة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فإن حاجة العالم أجمع للدعوة الإسلامية كان أمرا حتميا تمليه الظروف الحضارية والسياسية والعسكرية والدينية والاقتصادية التي كان يعيشها الإنسان الجاهلي: في أمة العرب، أو في أمة فارس، أو في أمة الرومان.

ذلك لأن العقيدة وهي غاية الغايات لبني آدم إذ لم يخلقوا إلا ليعرفوا ربهم الواحد الأحد الفرد الصمد. هذه العقيدة كان قد تراكم عليها حطام الزنادقة في جميع بلدان العالم:

- فقد كان العرب في اعتقادهم قد انحرفوا عن ملة إبراهيم وتوجهوا نحو أصنام لا تضر ولا تنفع.

- وكان الفارسيون قد تخبطوا في اثنينية ماني بن فاتك ذلك الحكيم الفارسي الذي ظهر في زمان "سابور بن أردمشير" وقتله "بهرام بن هرمز بن سابو".

فقد ذهب ذلك الحكيم المخرف إلى أن العالم مصنوع من النور والظلمة ثم اختلفوا بعد ذلك في العلاقة بين النور والظلمة.

هل امتزجا بالخيط والإتقان أو بالقصد والاختيار.

ص: 1

كما اختلفوا في سبب هذا المزاج هل هو التشاغل، أو شيء آخر، ثم قالوا: إن المزاج القديم هو:

امتزاج الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة.

وأن المزاج الحديث هو:

الخير والشر.

ولم يكن في حلبة المحكمة سوى ماني بل كان هناك مزدك الذي ظهر أيام قباذ والد أنوشروان، ونهاية مذهبه شيوع في النساء والأموال والخلاص بالانتحار.

- كما تخبط الرومانيون في عقائدهم فالألوهية عندهم أسرة تتناسل: تعيش وتموت، وتحب وتكره، وتغار وتكيد.

فالإله "جوبيتر" يغضب على إله العلم والصناعة "برومثيوس" لأنه يعلم الإنسان كيف يستخدم النار في الصناعة فيعطيه قوة تصارع قوة الأرباب.

كما كان "جوبيتر" يخدع زوجته "هيرة" فيرسل إليها الغمام ليحجب عنها الشمس حتى لا تراه مع عشيقاته.

كذلك كان الإله "جوبيتر" شرها يحب الطعام لذلك كان يغضب على الإله "استولاب" إله الطب، لأنه يداوي المرضى وبذلك يحجبه عن جباية الضرائب على أرواح الموتى.

- وفي الهند عجب عجاب آلهة تتوالد وتتناسل وبعضها لما يوجد فبينما الآلهة: براهما، وفشتو، وسيفا تتصاهر نجد لهما زميلا لما يولد بعد هو الإله كلاكي kalaki فهو إله بلا وظيفة، بل إن وظيفته لما تحدد بعد.

ص: 2

وفي زيارة لي لجزيرة بينانج pinang بماليزيا الغربية زرت معبدا لابن الإله سيفا وسألت الحارس: معبد من هذا؟ فقال لي: معبد ابن الإله سيفا. فقلت له: وأين أبوه؟ قال لي: إنه تحت هناك أسفل الجبل. فقلت له: ولم تركه أبوه؟ ألم يخشى عليه صعود الجبل؟ ألا يخشى أن تأكله الثعابين؟ أو أن يضربه الأطفال؟ فنظر إلي الرجل ونام، فقلت له: هل تعلم لماذا مات ابن الإله سيفا؟ قال: لا. قلت له: لأن الأطفال ضربوه على رأسه بعرف شجرة الرمبوتان.

هل تترك العقائد هكذا يعبث بها البشر. آلهة تصنع من الحجارة، وخرافات تنظم عقائد، وفلسفة تقدس البشر، ومصالح شخصية تجعل الأسطورة دينا.

لقد كانت الرسالة الإسلامية ذات أهمية خاصة لتصحح مسار الاتجاه الديني في البشرية بعد أن ضلت طريقها إلى العقيدة الصحيحة والإيمان المستقيم.

وكذلك كان لا بد من مجيء الدعوة الإسلامية لتضع ميزانا كريما للأخلاق.

فهل ستظل الأخلاق موجة بالمبدأ الشخصي عند السفوسطائية؟ ذلك المبدأ الأناني الذي يثير الفوضى في كل اتجاه.

أو بمبدأ المعرفة دون احترام لبقية مكونات الإنسان وظروف حياته؟

أو ميزانها الوسط وما هو المعيار في معرفة هذا الوسط وهل الميزان في الفضيلة المجردة واحتقار الحياة وأساليبها؟

أو هل المعيار هو اللذة والمنفعة سواء كانت قريبة أو بعيدة خاصة أو عامة؟

ص: 3

هل الخليط الفلسفي المختلف في معيار الأخلاق وميزانها هو الرصيد الذي تحتاجه البشرية لمعرفة كمال الأخلاق التي تتفق مع كرامة الإنسان؟

وهل الإنسان قادر على أن يشرع لأخلاق زملائه من البشر؟ ومن هو ذلك الإنسان الذي يستوعب أفق عقله كل إمكانات البشر النفسية والعصبية والعقلية حتى يضع لهم ميزانا للأخلاق ومعيارا للسلوك؟

لذلك كانت الدعوة الإسلامية حتمية لإراحة الإنسان في مجال الأخلاق من مهاترات نظريات الفلاسفة المختلفين. وكذلك في السلم والحرب، وفي العلم والتعلم، وفي الاجتماع والأسرة، وفي الحرية والرق. كان لا بد لليل الكئيب أن ينتهي وتأتي شمس الحقيقة لتنير للناس الطريق الصواب في العقيدة والأخلاق والسلوك، والسلم والحرب، والعلم والتعلم، والعمل والإنتاج، والحرية والرق، والأسرة والمجتمع، والدولة والأفراد.

بل، إن الدعوة الإسلامية كان لا بد وأن تأتي حتى لو كان المجتمع الإنساني فاضلا لتنقل سلوك المجتمع من العادة إلى العبادة لأن الغاية من وجود العباد في حياتهم الدنيا هي عبادة الله وحده، وهم قد عبدوا بالفعل لكنهم عبدوا أهواء، واخترعوا أديانا ما أنزل الله بها من سلطان. فكان لا بد للدعوة الإسلامية أن تأتي لهذه المهمة ويظهر ذلك جليا في قول الله تعالى:

{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ، فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا

ص: 4

وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى: 14، 15] .

ولقد صادفت هذه الدعوة من القوى المعادية لها مثلما تصادفه اليوم.

لقد صادفت من العلمانيين أصحاب الشهوة والملذات والمنفعة الشخصية صدا بالحرب، والإشاعة، والصد، والقطيعة، وجلب الفكر المعادي، كما صادفت الصليبية بقسميها: المتعصبة والعسكرية الغازية.

كذلك لم يمهل اليهود عمر الدعوة منذ سمعوا عن بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فألبوا عليه الخصوم من بعيد، ثم شرعوا أسنة الرماح وحاكوا جلابيب الغدر والخيانة وزينوا للنفاق والمنافقين مقاعد في حصونهم.

وبنفس الأسلحة المعاصرة:

التقدمية في لغة الشيوعيين.

القومية في لغة العلمانيين.

الدهاء والمراوغة والإشاعة في لغة المنافقين.

اللقاء الروحي والسلام الاجتماعي في لغة الماجنين.

والاعتقالات، والسجون، والحصار الاقتصادي، والزحف العسكري، والتضليل السياسي. كل ذلك واجهته الدعوة منذ عهدها المكي. لكنها استطاعت أن تتخطى الحواجز، وأن تتغلب على الصعاب لأنها لم ترتجل العمل ارتجالا، ولا ركنت إلى المعجزات كوسيلة، بل اتخذت لها -كما أراد لها ربها- المناهج، والمراحل، والوسائل، وساوقت بين المرحلة، والوسيلة، والمنهج حتى صنعت جماعة لا تعرف العرقية، ولا العصبية ولا الثأر للذات، ولا التفاني

ص: 5

في مجد الأسرة ولا حب الديار من أجل ليلى بل تعرف العقيدة آصرة، ومحل قرابة، ووطنا لجميع المسلمين.

ثم تخطت بهذه الجماعة إلى بناء المجتمع الذي أقام أول دولة ذات أيديولوجية لا تقوم على أساس من الميراث الملكي، ولا الغلبة العسكرية، ولا على الجنس الواحد بل قامت بناء على رغبة من جميع بانيها، وعلى أساس من العقيدة التي هي آصرة الولاء والإخاء واللقاء في الله العلي العظيم.

وكان بناءو هذه الدولة هم الأمة التي خاطبها الله جل جلاله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] .

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110] .

ولئن كان الله جل جلاله قد فتح علي من فيوضات رحمته وعلمه فكتبت عن تصوري فيما يتعلق بالدعوة الإسلامية في عهدها المكي لأبرز المراحل، والوسائل، والمناهج التي أسسها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ الدعوة لتكون لنا أسوة ونبراسا، فسوف أحاول إن شاء الله أن أضع تصوري عن الدعوة في عهدها المدني من حيث المناهج والغايات كذلك، وكان ذلك عزمي منذ عشرة أعوام لولا أنني تركتها لعل بعض أبنائي في قسم الدعوة أو في كلياتها يكون لهم الحظ في التشرف بالاضطلاع بخدمة الدعوة في هذا الجانب. إلا أنني حتى هذا الحين لم أجد من كتب فيه. فعزمت بحول الله تعالى وقدرته على الإقدام لهذه المحاولة عسى الله جل شأنه أن يهبنا الفتوح والمدد كي أكمل خدمتي للدعوة الإسلامية في طوريها: الطور المكي الذي أقدم له بهذه المقدمة للطبعة الثالثة،

ص: 6

والطور المدني الذي أتعشم وآمل في فضل الله أن يرزقني نعمة التوفيق في حسن آدائه وكتابته والله من وراء القصد وهو وحده مالك الملك بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والدعاة المخلصين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين1.

انتهى في الدوحة، قطر

عصر يوم الأربعاء

19 من رجب مضر 1402هـ

12 من مايو 1982م

دكتور

رءوف شلبي

الأستاذ المعار إلى جامعة قطر

1 راجع المعلومات حول ما جاء في هذه المقدمة في الكتب التالية:

* الوحي في الإسلام وأهميته في الحضارة الإنسانية.

* آلهة في الأسواق. د/ رءوف شلبي.

* يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء.

* فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة. تحقيق دكتور سليمان دنيا.

ص: 7