الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد كان من الواجب الذي يثاب عليه بالأداء ويعاقب عليه بالترك والإهمال أن تبذل جهود جمة لإبراز موضوعات الدعوة الإسلامية في إطار أكاديمي علمي حتى تكون نبراسا يستضاء به في الأحوال والظروف والملابسات المتشابهة.
ولقد تفضل الل جل شأنه فمنحني من واسع فضله العون لأفتح للمشتغلين بالدعوة الإسلامية هذا الباب ولأقدم طرفا من الواجب تجاه أحلى كلمة تقال وتصعد إلى الله مع الكلم الطيب، وأعظم وظيفة يصدر قرارها من عند الله ورسوله الخاتم عليه أفضل الصلاة والسلام.
فكانت هذه الرسالة منحة ونعمة وتوفيقا من عند الله. أعرض نواحيها الثلاث في هذه المقدمة عرضا موجزا.
أولا: الدافع
الدافع إلى هذا البحث أمشاج من الظروف:
أ- منها البعيدة والقريبة.
ب- ومنها العالمية والخاصة.
1-
إن أخص خصائص وظيفة الإنسان على وجه الأرض هي العبودية لله.
والعبودية هي: أن تسجد جوارح الإنسان وقلبه وعقله لله وحده، ولا يتأتى مطلقا أن تتحقق هذه العبودية إلا إذا كانت القوامة عليه من الأفق الأعلى الكريم عن طريق الوحي الأمين.
ولقد استطاعت التربية الإسلامية عن طريق هذا الوحي في العهد النبوي المضيء ببركة النبي صلى الله عليه وسلم أن تروض نفوس العرب على الانقياد لهذا الدين والاعتياد على السلوك، والأخلاق، والعادات، والتقاليد، التي أنشأتها معالم المنهج القرآني فكانت النقلة البعيدة من:"انصر أخاك ظالما أو مظلوما" في جوها الجاهلي.
إلى:
وبهذه العبودية التي حققها الرعيل الأول أنشأ القرآن "دولة الإسلام" أعز دولة في الوجود لم يكن لها من مآرب سوى أن تكون العبودية فوق الأرض لله وحده، فلا تسجد الجباه، ولا تخفق القلوب، ولا تقشعر الأبدان، إلا لجلال الله وعظمته وكبريائه، وبذلك فقط تتحقق للإنسانية كلها معاني الكرامة والسعادة في الحياة.
ثم كانت نكسة المسلمين وانزواؤهم عن المنهج القرآني حتى وقفت البشرية اليوم على شفا جرف هار، وذاقت مرارة ضياع الدولة الإسلامية التي كانت تصون -بالعبودية لله- كرامة الإنسان وتضمن له الأمن على ماله وعرضه وحياته كلها.
لقد كانت مأساة إنسانية عامة يوم خسر العالم دولة الإسلام. وإنه ليتذوق اليوم أنواعا شتى من مضاعفات هذه الخسارة.
إن نار الحرب التي تتأجج في كل جانب من جوانب الأرض.
وإن الشقوة الاقتصادية التي أعمت عيون الأخصائيين مع الحيارى التائهين في أزقة الجوع والحرمان.
وإن تزعزع الأمن للفرد والأسرة والدولة.
وإن انحراف الأخلاق التي مزجت في الشكل والموضوع تقاسيم الرجال بالنساء.
وإن الرعب العسكري الذي يحيط بالكرة الأرضية كلها.
وإن الضياع الفكري الذي امتلأت به بطون كتب إبليسية تهوي بقيمة العقل في مستواه الإنساني، إلى مستوى الأنعام بل أضل.
إن كل ذلك من المضاعفات التي جناها العالم كله نتيجة لضياع دولة الإسلام الحنيف وصدق الله العظيم: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} .
ولن يعود للإنسان معناه وقيمته وكرامته إلا إذا عاد إلى العبودية لله وحده، ولن يتأتى مطلقا أن يحقق الإنسان العبودية لله وحده إلا إذا عادت القيادة إلى القرآن الكريم وحده:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} .
فالقرآن وحده هو الذي يملك توجيه الحياة إلى الصراط المستقيم والإسلام وحده هو الذي يملك إعادة بناء الإنسانية ليعد للإنسان معناه وقيمته وكرامته؛ للمسلم ولغيره على السواء.
والسؤال الآن: هل في حياة الدعوة الإسلامية منهج يمكن من إعادة هذا البناء؟
2-
لقد قامت في هذه القاعة الكبرى بالجامع الأزهر الشريف عدة دورات دراسية عن أسلوب العمل مع الجماعة لمجموعات من شباب الأزهر الذين شِيءَ لهم حسبما زعم يومها أن يكونوا رواد العمل الاجتماعي في الوحدات المجمعة التي تتبع وزارة الشئون الاجتماعية لخدمة الريف المصري.
وكان أساس هذه الفكرة ادعاء أن الثقافة الأزهرية أو الإسلامية خالية من أسس ومناهج العمل مع الجماعة، وأكد المدرسون الذين اختيروا من خريجي جامعات أوربا وأمريكا ذلك الزعم. فهل كان ذلك حقا؟
3-
ثم مضت أيام وتبدلت أحوال وكرمني الله جل شأنه فأنابني الأزهر الشريف عنه في تبليغ الرسالة بالقطر الحبيب أندونيسيا وكلفت بتدريس مادة الدعوة الإسلامية في العصر الحديث بكلية أصول الدين بسومطرة الجنوبية palembang فوقع في نفسي أنه لا يمكن تدريس مادة الدعوة الإسلامية في العصر الحديث إلا إذا عدنا إلى مرحلتها الأولى في العهد النبوي، والناس يومها في رحاب النبي الكريم يتشرفون بالاتصال بالملأ الأعلى، وبالوحي الذي يترى ويأخذ بأيديهم رويدا رويدا إلى العبودية لله وحده. لا سيما أن ناسا في أندونيسيا تعدادهم يزيد أو ينقص على أربعة ملايين من البوذيين