المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: دعوة المعاندين للتفكير بالمشاهدة في آثار قدرة الله جل شأنه وتعريفهم طريقة استخدام هذا المنهج - الدعوة الإسلامية في عهدها المكي مناهجها وغاياتها

[رؤوف شلبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌مدخل

- ‌أولا: الدافع

- ‌ثانيا: المنهج

- ‌الباب الأول: مناهج الدعوة الإسلامية في عهدها المكي

- ‌الفصل الأول: منهج إثبات وحدانية الله تعالى

- ‌تمهيد حول مفهوم الدعوة الإسلامية

- ‌تحديد المراد من محاولة التعريف:

- ‌على بدء نعود ظلال على التعريف:

- ‌نتيجة المحاولة:

- ‌الدعوة الإسلامية:

- ‌منهج إثبات الوحدانية لله تعالى

- ‌مدخل

- ‌أولا: تصوير العقيدة العربية قبل الإسلام

- ‌ثانيا: دعوة المعاندين إلى التجرد من المواريث الثقافية التي تبعدهم عن التفكير السليم في التوصل إلى الحقيقة

- ‌ثالثا: دعوة المعاندين للتفكير بالمشاهدة في آثار قدرة الله جل شأنه وتعريفهم طريقة استخدام هذا المنهج

- ‌أدلة التوحيد والتنزيه:

- ‌أولا: وحدانية الذات:

- ‌ثانيا: وحدانية الصفات:

- ‌ثالثا: وحدانية التدبير وتصريف الملك:

- ‌رابعا: بعث الوجدان الفطري

- ‌طريقة استخدام المنهج

- ‌مدخل

- ‌أولا: الدعوة إلى البحث في حقائق التاريخ

- ‌ثانيا: ولكن كيف ينظرون

- ‌الفصل الثاني: منهج العمل مع الجماعة

- ‌مدخل

- ‌أولا: ثقة الداعية

- ‌ثانيا: تحديد الهدف

- ‌ثالثا: التعرف على طبيعة المجتمع

- ‌رابعا: تربية قيادة

- ‌مدخل

- ‌مستوى تربية القيادة:

- ‌خامسا العرض الواضح:

- ‌سادسا: إيجاد استقطاب حول الدعوة

- ‌سابعا: السلوك المطابق للمبادئ

- ‌ثامنا: الصبر وتحمل المشاق

- ‌الفصل الثالث: مراحل الدعوة

- ‌تمهيد:

- ‌ضابط التقسيم:

- ‌مراحل تبليغ الدعوة:

- ‌مرحلة التبليغ الأول: إعداد القيادة

- ‌مدخل

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌النموذج الثالث:

- ‌مرحلة التبليغ الثاني: وأنذر عشيرتك الأقربين

- ‌مرحلة التبليغ الثالث: لتنذر أم القرى ومن حولها "العرب

- ‌مرحلة التبليغ الرابع: لتخرج الناس من الظلمات إلى النور "عالمية الدعوة

- ‌أسلوب التبليغ ووسيلته

- ‌مدخل

- ‌الحكمة:

- ‌الموعظة الحسنة:

- ‌وسيلة التبليغ:

- ‌الفصل الرابع: معالم في طريق الدعوة

- ‌المجابهة

- ‌مدخل

- ‌أولا: المعالم التاريخية للمجابهة في العهد المكي

- ‌ثانيا: لماذا كفرت قريش

- ‌ثالثا: النماذج القرآنية لمعالم الطريق

- ‌رابعا: المجابهة الثقافية

- ‌الباب الثاني: الغايات ثمار العهد المكي وخاتمته

- ‌الفصل الأول: في العقيدة الإسلامية

- ‌لا إله إلا الله

- ‌مدخل

- ‌الموجة الأولى تتجه نحو ما يشركون به:

- ‌الموجة الثانية: في تسميتهم الملائكة بنات الله، وقالوا اتخذ الله ولدا

- ‌الفصل الثاني: في التشريع والأخلاق والجماعة الإسلامية

- ‌أولا: في التشريع والأخلاق

- ‌السلطة التشريعية

- ‌ الأحكام الشرعية والأخلاق:

- ‌بدء التدرج في الأحكام:

- ‌ثانيا: في الجماعة الإسلامية

- ‌الفصل الثالث: خاتمة العهد المكي

- ‌التجهيز للهجرة:

- ‌أولا: الإسراء والمعراج

- ‌ثانيا: النشاط النبوي معاهدات العقبة

- ‌الخاتمة:

- ‌المراجع:

- ‌أولًا: القرآن الكريم وعلومه

- ‌ثانيا: الحديث وعلومه

- ‌ثالثا: كتب السيرة النبوية

- ‌رابعا: كتب الدعوة

- ‌خامسا: كتب في التصوف

- ‌سادسا: كتب في الفقه وأصوله وتاريخ التشريع

- ‌سابعا: كتب في التاريخ الإسلامي

- ‌ثامنا: كتب في التاريخ العام

- ‌تاسعا: كتب في الفلسفة والدراسات الاجتماعية والنفسية

- ‌عاشرا: كتب الأدب

- ‌حادي عشر "ب": كتب اللغة

- ‌ثاني عشر: الكتب الملاوية

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ثالثا: دعوة المعاندين للتفكير بالمشاهدة في آثار قدرة الله جل شأنه وتعريفهم طريقة استخدام هذا المنهج

فأولى لهم:

أن يخلعوا هذه المواريث:

التبعية للآباء.

الخضوع للعادات والتقاليد.

اتباع الظن الذي لا يغني من الحق شيئا.

أولى لهم، وقد جاءهم من ربهم الهدى، وألا تزر وازرة وزر أخرى، أن ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون؟

أولى لهم أن يفكروا، ويتدبروا.

ص: 91

‌ثالثا: دعوة المعاندين للتفكير بالمشاهدة في آثار قدرة الله جل شأنه وتعريفهم طريقة استخدام هذا المنهج

ثالثا: دعوة المعاندين للتفكير بالمشاهدة في آثار قدرة الله جل شأنه وتعريفم طريقة استخدام هذا المنهج

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 1.

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 2.

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 3.

1 من الآية رقم 61 من سورة العنكبوت.

2 من الآية رقم 63 من سورة العنكبوت.

3 من الآية رقم 25 من سورة لقمان.

ص: 91

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} 1.

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} 2.

إن معرفتهم بالله الخالق البارئ المصور موجودة ولكنهم يعبدون الأصنام، لقد عبدوها على حسب ما ادعوه:

{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 3.

وهي علة واهية تستند إلى خنوعهم لجبرية التقاليد وعشقهم تبعية الآباء.

{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ، فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} 4.

وقد اعترفوا بذلك صراحة:

{قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} 5.

{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} 6.

{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} 7.

1 الآية رقم 9 من سورة الزخرف.

2 الآية رقم 87 من سورة الزخرف.

3 من الآية رقم 3 من سورة الزمر.

4 من الآية رقم 28 من سورة الأعراف.

5 من الآية رقم 28 من سورة الأعراف.

6 من الآية رقم 78 من سورة يونس.

7 الآية رقم 53 من سورة يونس.

ص: 92

{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} 1.

{قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} 2.

{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} 3.

{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} 4.

وكذلك مبلغ الظن، وقد عاب القرآن هذا المنطق الأعوج الذي يستند إلى الظن.

{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} 5.

{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} 6.

{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} 7.

{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} 8.

{ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} 9.

1 الآية رقم 74 من سورة يونس.

2 من الآية رقم 21 من سورة لقمان.

3 الآية رقم 22 من سورة الزخرف.

4 من الآية رقم 23 من سورة الزخرف.

5 من الآية رقم 116 من سورة الأنعام.

6 من الآية رقم 148 من سورة يونس.

7 من الآية رقم 36 من سورة يونس.

8 من الآية رقم 66 من سورة يونس.

9 من الآية رقم 27 من سورة ص.

ص: 93

{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} 1.

{وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} 2.

فهم مسرفون في إيمانهم بالله، مشوشون في فهم العبودية، لجلاله فأشركوا مع جلاله الجن والملائكة والكواكب والأوثان والأصنام والنصب.

ولقد كان في البيئة قبل البعثة رهبان وأحبار ومثقفون يبشرون بالنبوة الخاتمة.

لقد آمن ورقة والنجاشي وكلاهما تعلم المسيحية وتبحر فيها.

وآمن بحيرا ونسطورا وهما من رجال الدين المتخصصين.

وآمن عبد الله بن سلام وهو من كبار علماء اليهود.

وآمن خلق من البشر الذين عاشوا فترة التوعية والتمهيد للدعوة دون أن يقيم الرسول صلى الله عليه وسلم لهم دليلا ولا طلبوا منه برهانا.

فالجو الإيماني بالله موجود ولكنه مشوش في إدراكه وتنزيهه لله جل جلاله.

وإذن فالقرآن عندما يواجه هؤلاء القوم يواجههم على مقتضى حالهم ودعاويهم وأفكارهم، إنه يواجه موجة إسراف في الإيمان بآلهة

1 من الآية رقم 23 من سورة النجم.

2 الآية رقم 28 من سورة النجم.

ص: 94

ويواجه موجة تبذير في العبودية لله، وذلك يتطلب رد هؤلاء المسرفين إلى الاعتدال في التوحيد والتنزيه فيصحح لهم العقيدة ويحدد لهم أسلوب العبادة إنه إله واحد1، خلق فسوى وقدر فهدى، فالق الإصباح جعل الليل سكنا والنهار مبصرا وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا للعباد.

فحق العباد تجاهه أن يعبدوه وحده لا يشركون به شيئا.

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 2.

وهم لا ينكرون هذا أبدا ولكنهم يخلطون، والقرآن يحاول أن يهذب فكرتهم تجاه الله الحق الموجود وذلك ما حاولته آيات السور المكية وقررته على مدى ثلاثة عشر عاما مدة العهد المكي للدعوة الإسلامية فأثبتت وحدانية الله جل شأنه وسلطانه الكامل وصفاته الحسنى.

إن القرآن لم يحاول أن يثبت وجود الله لأن وجود الله حق في ذاته والمنطقة العربية في أم القرى ومن حولها لا تعاني من أجل هذه القضية جهدا، فالله موجود عقيدة يؤمن بها كل من في الجزيرة العربية من أصحاب الديانات اليهودية والمسيحية والوثنية.

ولكن التوحيد كان هو المعركة الأساسية لإزالة الشرك وتعليم العباد كيف يعبدون الله الواحد الفرد الصمد الذي لا شريك له ولا ولد.

1 راجع في ظلال القرآن ج7 ص326.

2 الآية رقم 4 من سورة الأحقاف.

ص: 95

ولا أقصد بهذا إعلان فكرة جديدة تعارض الاتجاهات الفلسفية التي أنفقت كثيرا من الجهد والعرق والاطلاع والتدوين والطباعة والنشر في التنافس على الأولوية في القدرة على إثبات وجود الله فليس في ذلك شرف لمسلم ولا لباحث، لأن سير الدراسات هذه يملي علينا حقيقة واضحة، أن المجتمع في أم القرى وما يجاورها لم يكن ملحدا بل كان مشركا والإشراك في مفهومه العادي إسناد الألوهية إلى أكثر من واحد واعتقاد أن الله له شريك، والإشراك كان في العبادة لا في الخلق ولهذا توجه القرآن الكريم لتنقية الإيمان بالله من شوائب هذا الشرك ويتضح هذا جليا في أسلوب الدعوة أثناء العهد الملكي.

فالرسول صلى الله عليه وسلم طول العهد المكي كله لم يستخدم أسلوبا واحدا يثبت به وجود الله ولم يثبت عنه مرة واحدة أنه سئل أو أجاب على سؤال يتعلق بوجود الله.

وما سأل واحد من الصحابة أو من غيرهم في هذا العهد عن وجود الله.

لقد انتهى العهد المكي وليس ثمة سؤال أو جواب عن وجود الله.

بل كان مثله العهد المدني، وقد جاءت وفود اليهود والنصارى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يثبت تاريخيا ولا علميا أن وجود الله كان مدار حديث بينهما، وما تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بالتحدث عن إثبات وجود الله حتى نودي إلى الرفيق الأعلى.

ص: 96

لقد مضت حياة الرسول كلها في العهدين:

المكي والمدني بكاملها ولم يثبت مرة واحدة أن تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن وجود الله لا بطريق الإجابة عن سؤال، ولا بطريق التطوع والتبليغ.

والقضية في حد ذاتها لو عرضت لكانت مثار دهشة المجتمع نفسه؛ لأن الإيمان بالله موجود إلى حد الإسراف فيه والتبذير حتى صارت الآلهة أفنانا فلأية علة تثار أدلة وجود الله؟

والقرآن نفسه لم يتخذ إلى ذلك سبيلا بل كل ما فيه من الآيات والدلائل إنما تتوجه إلى إثبات التوحيد وإلغاء الإسراف والكثرة في الإيمان وإذا تأملنا هذه الآيات نجد أنها جاءت لإثبات صفات الله الموجود.

{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} 1.

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ، يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .

{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .

1 الآية رقم 59 من سورة الأنعام.

ص: 97

{وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ، وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} .

فالآيات هنا تنزه الله جل شأنه عن الشريك وتضفي على العقل الإنساني هيمنة الله الأحد وتهدهد على عقول البشر بنعمائه وآلائه وتقرر أنه وحده جل جلاله المنفرد بتدبير هذه الآلاء وأن الذين تدعون من دون الله عجزة لا يخلقون شيئا بل هم مخلوقون خاضعون لسلطانه وجلاله.

1 الآيات من رقم 10-20 من سورة النحل.

ص: 98

ونستأنس هنا لتأكيد ما وصلت إليه هذه الدراسات في عدم وجود محاولة من القرآن نحو إثبات وجود الله برأي فضيلة مولانا العارف بالله الدكتور عبد الحليم محمود، يقول:

أشهد أن لا إله إلا الله، وجه الإسلام الأذهان في عنف وفي قوة إلى التوحيد لا إلى إثبات الوجود، لقد وجه الأذهان إلى أن الله لا يحتاج في إثباته وفي وجوده إلى دليل وصور -على العكس- هو الدليل على غيره، فغيره ثابت به، والعالم ثابت به، والسموات والأرض والعرش والكرسي، كل ذلك موجود بوجوده ثابت بثباته، والوجود بأكمله محتاج في كل لحظة إليه فضلا عن احتياجه إليه في نشأته الأولى ووجوده الأصلي.

أما في القرآن مما تخيله بعض الناس استدلالا على وجود الله فليس إلا بيانا لمظاهر قدرة الله وعنايته بالعالم ومن ذلك مثلا:

{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .

إن ذلك وكثيرا غيره إنما يذكر ليبين عظمة الله وجلاله وقدرته، ويبين رحمته بعباده وعنايته بهم.

وما من شك في أنه يمكن أن يؤخذ من ذلك أدلة كثيرة على وجود الله.

وما من شك في أن الأدلة التي تؤخذ من ذلك يمكن أن تصاغ في أسلوب منطقي في قياس يشتمل على المقدمات والنتائج، ويكون

ص: 99

متفقا مع قواعد المنطق الأرسطي ومبادئه ولكن ذلك لن يكون قط تصويرا لهدف من أهداف القرآن الكريم.

فالقرآن الكريم لا يضع قط وجود الله موضع الشك حتى يحتاج إلى الاستدلال عليه.

ومن القصص التي تروى على أنحاء شتى وبأساليب مختلفة تتفق في الجوهر وتختلف في الرسم، ما يحكى من أن بعض مشاهير العلماء ألف كتابا ضخما في إثبات وجود الله فأقام له أصدقاؤه حفلة تكريم من أجل عمله هذا الضخم، ومر بهم بعض الصالحين فأخذوا يحدثونه عن عبقرية المؤلف فسأل.

ومتى غاب الله حتى يكون في حاجة إلى إثبات؟

فوجم الجميع، ولم يستطع المؤلف الإجابة وتركهم الرجل الصالح وهو يردد:

قل: الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون1.

هذه شهادة عالم متخصص عاش الفلسفة حياتها بالطول والعرض والعمق والغاية انتهى إلى أن القرآن لا يستشير الإنسان في أية قضية من القضايا التي جاء بها الوحي، ولا يحتكم الوحي إلى الإنسان باعتباره حكما في أي مبدأ من مبادئه، ولا يطلب منه مشورة في أية قاعدة من القواعد التي شرعها. بل هذه الأوهام لا تدور بخلد المتدين قط.

1 الإسلام والإيمان: 208، 212.

ص: 100

ذلك أن الوحي نزل على أنه رسالة السماء النهائية إلى العالم ونزل يبلغ أن هذه الرسالة صدق كلها، حق جميعها، ليس فيها مبدأ مشكوك فيه، ولا قضية تحتمل الصدق والكذب، وليس فيها جملة زائدة ولا كلمة ليست في موضعها ولا حرف كان يحسن ألا يوجد، كلا، إنها الحق الخالص من اتبعها فقد اهتدى، ومن حاد عنها فقد انحرف ومن ابتغى الهدى في غيرها أضله الله ومن تركها من جبار قصمه الله، لأنها صراط الله المستقيم ونوره اللألاء.

وكل ما ذكره من التفكير والنظر والتدبر إنما أراد به الاعتبار وأراد أن يقول: تفكروا لتروا أن ذلك هو الحق، انظروا لتعلموا أن ذلك هو الخير، أما إذا رأيتم غير ذلك فإنما العيب في بصركم أو في بصيرتكم، إذا رأيتم غير ذلك فإن الفساد في عقولكم وفي تفكيركم.

إذا رأيتم غير ذلك فاعلموا أن فطرتكم فسدت لانحرافكم وأن قلوبكم ران عليها الإثم فضلت وأن عقولكم قد صدئت فأصبحت لا ترى الحق حقا ولا الخير خيرا وأصبحت من الضلال بحيث ترى الخير شرا، والشر خيرا وأصبح أصحابها كالأنعام بل هم أضل سبيلا، كل ذلك لانحرافكم عن الصراط المستقيم1

إلخ.

تلك نظرة متخصص في الدراسات الفلسفية زهاء ثلث قرن تقريبا نستأنس بها في نفي ما أنفق فيه المخلصون من المنافحين عن الإسلام

1 الإسلام والعقل: 14، 15.

ص: 101

عمرا طويلا في إثبات وجود الله، تلك القضية التي لم تواجهها الدعوة الإسلامية عند بدئها.

لقد بدأت الدعوة الإسلامية بالأمر الإلهي، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وهذه الآية الكريمة التي بدأ بها الله سبحانه وتعالى الوحي ليس فيها شيء اسمه الاستدلال على وجود الله، وهي بعيدة كل البعد عن جو الاستدلال على وجود الله.

ومسألة الاستدلال على وجود الله والتي كانت تنتظر في مبدأ الوحي -فرضا- والتي لم يكن مبدأ الوحي فيها "العالم حادث""وكل حادث لا بد له من محدث"، لم يكن هذا أول الوحي، أو هو آية في الوحي أو آية في القرآن.

مسألة وجود الله سبحانه وتعالى إنما هي ثقافة انحراف ابتدعها الملاحدة وتشبثوا بها، إن الفطرة تعترف تلقائيا بوجود الله.

ومن الملاحظ عبر التاريخ أن الأنبياء جميعا كانوا يأتون لبيان الاعتقاد في وجود الله إذا أمكن هذا التعبير بمعنى أن آدم عليه السلام، أتى التوحيد ثم انحرفت الإنسانية من بعده.

إلى أي شيء انحرفت؟

لم تنحرف إلى إنكار الله.

ولكنها انحرفت إلى التعدد.

وأتى نوح عليه السلام بالتوحيد، ثم انحرفت الإنسانية إلى التعدد أيضا.

ص: 102

وطهر الله الإنسانية تطهيرا كاملا في عهد سيدنا نوح عليه السلام وبقي من بقي على التوحيد الخالص، ثم انحرفت الإنسانية فيما بعد إلى التعدد.

وإذن فانحراف البشرية دائما إلى التعدد لا إلى الإنكار، والإنكار لم ينشأ إلا في العصور الحديثة، والله سبحانه وتعالى يقول:

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} .

وأنت إذا تصفحت الأناجيل على ما هي عليه من التحريف والتبديل لا تجد فيها مطلقا ما يشير إلى مشكلة اسمها، مشكلة إثبات وجود الله.

وإذا تصفحت التوراة على ما هي عليه من التبديل والتغيير لا تجد فيها مشكلة، اسمها مشكلة إثبات وجود الله.

وإذا تصفحت القرآن الكريم أيضا لن تجد فيه ذلك.

إنما يتحدث القرآن الكريم عن صفات الله، عن هيمنته عن علمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، عن علمه بكل ورقة تسقط، عن علمه بالسر وما هو أخفى من السر، عن إرادته الشاملة عن قدرته التامة. ولكن ذلك ليس حديثا عن إثبات وجود الله1.

فالقرآن الكريم لم يضع وجود الله موضع الاحتمال والفرض.

1 الإسلام دعوة إلى العلم من محاضرة لفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود في كلية الهندسة بأسيوط إبريل سنة 1970.

ص: 103

والاستدلال بالآيات الكونية وغيرها لا يقصد بها نفي طرف في قضية لها طرفان ليثبت الطرف الآخر، وإنما القصد من هذه الاستدلالات توجيه المدارك العقلية والمشاعر الوجدانية إلى جلال سلطانه وعظمة تدبيره1.

إن أمر وجود الله لا يحتاج إلى دليل، إنه أظهر من كل شيء وأوضح من كل أمر، وكما قال بعض الصالحين:

ومتى غاب حتى يكون في حاجة إلى إثبات وكما قال العارف بالله العلامة الثقة أبو الحسن الشاذلي:

ومن أعجب العجب أن تكون الكائنات موصولة إليه فليت شعري هل لها وجود معه حتى توصل إليه؟ أو لها من الوضوح ما ليس له؟ حتى تكون هي المظهرة له؟

يقول الألوسي: فلا تثبتوا لأنفسكم وجودا مع وجوده لأنه الذي أظهر تعيناتكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا2.

إن مجرد البدء في إثبات وجود الله هو بدء في الاعتراف بمشروعية إنكاره أو احتمال ذلك وهو غير متصور في بيئة كان فيها من أسلم شعره وكفر قلبه، وكان فيها من سيبعث يوم القيامة أمة وحده، وكان فيها من يقول:"الله أحد".

1 القرآن العظيم لفضيلة الشيخ محمد الصادق عرجون ص14.

2 الألوسي ج4 ص209.

ص: 104

لهذا فإنا سنجنب هذه الدراسة الإملاءات التي غصت بها كتب الفلاسفة من علماء الإسلام احتراما منا لمجرى البحث في جوه القرآني واستيثاقا بأن وجود الله أقوى من كل دليل وأكمل من كل مستويات الفكر الإنساني كلها1.

وسأستعين بالله في تحسس الحركة الفكرية التي دعا إليها القرآن الكريم معاندي الدعوة بعد أن وضح لهم ملة إبراهيم حنيفا مسلما إن كانوا حقا صادقين في الانتساب إليه.

وشدهم من نواصيهم ليخلعوا ثياب التقاليد ويحررهم من ربقة الاستبداد الصنمي.

ثم قدم إليهم آيات في الكون الفسيح عساهم يتهيئون لمرحلة جديدة في علاقاتهم مع الدعوة ينعمون النظر في ملكون الله ونعمه وآلائه خلقا وتنسيقا وتدبيرا أو ترابطا وعناية وقصدا.

فيشاهدون في آثار قدرة الله وحدانيته في الذات والصفات المنفردة

1 استفاض الأستاذ المرحوم العقاد في شرح هذه الأدلة راجع كتابه: الفلسفة القرآنية 134 وما بعدها ط دار الهلال، وكتابه: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص34، 42 وكتابه التفكير فريضة إسلامية ص6، 33، وكتابه: الله كتاب في نشأة العقيدة الإلهية ص158، 233، 243، وراجع كتاب: قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن لفضيلة الشيخ نديم الجسر مفتي طرابلس ص279، 298.

ص: 105

بتدبير هذا الملكوت ويستنبطون بعقولهم ما شاءوا من معاني الأدلة:

* دليل الخلق والإيجاد1 Cosmological Argument.

* أو دليل الإبداع2 Teleological Argument.

* أو دليل الكمال والسمو3 Ontological Argument.

فإن فكرة الألوهية في الإسلام هي الفكرة الصحيحة التي بلغت المثل الأعلى في صفات الذات الإلهية وتضمنت تصحيحا دقيقا لتفكير العقول البشرية على اختلاف مستوياتها وعصورها وقررت بالثقة والطمأنينة ما يجب لله جل شأنه من الكمال والإيمان بوحدانيته وجلال سلطانه وليس من السهل ولا من الممكن أن تخضع الآيات القرآنية لهذا التقسيم الذي نقلناه عن العلماء4، فإن القرآن لا ينزل على هوى البشر.

{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} ولكننا ذكرناه تمشيا مع هذا الاتجاه لكي يرى أصحابه أن أدلة القرآن أصدق في دلالاتها من محاولات البشر. {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} .

1 القاموس العصري ص167.

2 ص725 المصدر السالف.

3 ص496، ص52، راجع الفلسفة القرآنية للأستاذ المرحوم العقاد ص134، الإسلام والإيمان لفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود ص185 والتفكير الفلسفي في الإسلام ص64، 71.

4 راجع الفلسفة القرآنية للعقاد ص134، الإسلام والإيمان ص185، التفكير الفلسفي في الإسلام ص64، 71.

ص: 106