الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: مناهج الدعوة الإسلامية في عهدها المكي
الفصل الأول: منهج إثبات وحدانية الله تعالى
تمهيد حول مفهوم الدعوة الإسلامية
…
الفصل الأول: منهج إثبات وحدانية الله تعالى:
تمهيد: حول مفهوم الدعوة الإسلامية
في مجال الحديث عن الدعوة الإسلامية يتحتم تحديد المفهوم من هذا الاصطلاح لكثرة بريق الشعارات والاصطلاحات في العصر الحديث، إن المواجهة للإسلام وإن غيرها، حتى يتميز جانب الدعوة الإسلامية عن كل ما يغايرها، سواء كان ذلك الغير ملتقيا معها أو كان مخالفا لها.
والدعوة الإسلامية في التصور العادي البسيط ليست مبادئ بيئة خاصة، وليست ظاهرة اجتماعية لظروف خاصة.
ولا هي مثل عليا فقط لجماعة مثالية من البشر.
ولا هي دعوة مادية لإيواء المشردين، وإشباع الجائعين، وكساء العرايا، وإنما هي شيء غير ذلك نعالجه في هذه المحاولة مع بعض المشتغلين بها بحثا ومعملا.
"أ" مع فضيلة الشيخ علي محفوظ:
في كتاب "هداية المرشدين" تحت عنوان "مفهوم الدعوة" قال الشيخ رحمه الله تعالى:
"إن الدعوة إلى الله حياة الأديان، وأنه ما قام دين من الأديان ولا انتشر مذهب من المذاهب، ولا ثبت مبدأ من المبادئ إلا بالدعوة.
وما تداعت أركان ملة بعد قيامها ولا درست رسوم طريقة بعد ارتفاع أعلامها، ولا تلاشت نزعة من النزعات بعد إحكامها إلا بترك الدعوة، فالدعوة حياة كل أمر عام تدعى إليه الأمم والشعوب، سواء أكان الأمر حقا أم باطلا"1.
ففي كلام الشيخ -رحمه الله تعالى- محاولة لتوضيح بعض مفهوم الدعوة كحركة تنفيذ وتطبيق للمبادئ المنشودة مطلقا، فهي ظلال عامة لجزء من مفهوم الدعوة بإطلاقها العام، وليس في كلامه بيان عن حقيقة التعريف الذي يجلي مفهوم الدعوة الإسلامية كاصطلاح، وكل ما في كلامه توضيح اتجاه حول مفهوم الدعوة بالنسبة لمبدأ ما كحركة حياة له.
وعلى كل حال فإن الشيخ رحمه الله قد فتح لنا الطريق وأعطانا إشارة للتفرقة بين الدعوة كحركة بناء لمبدأ ما وبين المبدأ كفكرة تحتاج إلى هذا البناء.
وإذن:
فإن مفهوم الدعوة غير مفهوم الدين، إذ الدعوة كما يذكر النص السالف:"حياة الأديان"، إنها حركة التبليغ لمبدأ ما، حقا كان أو باطلا "والمبادئ لا يقوم صرحها إلا بالدعوة".
فالدعوة بالنسبة للدين أو للمبدأ عملية إبراز لوجوده وتنفيذه في الواقع الحي الملموس.
1 هداية المرشدين ص14.
ونمضي مع الشيخ رحمه الله فنجده في موضع آخر تحت عنوان "معنى الدعوة" يقول:
"الدعوة من الدعاء إلى الشيء، بمعنى الحث على قصده، ومنه قول الله تعالى:{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} 1.
{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} 2.
ومثلها الدعاية، وفي كتاب هرقل:"أدعوك بدعاية الإسلام"، أي بدعوته وهي كلمة الشهادة التي يدعى إليها أهل الملة الكافرة.
وفي العرف:
حث الناس على الخير والهدى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليفوزوا بسعادة العاجل والآجل3.
بهذا التعريف حاول فضيلة الشيخ علي محفوظ -رحمه الله تعالى- أن يضع مفهوما لاصطلاح الدعوة الإسلامية بأنها: الحث على الخير والهدى
…
إلخ.
فأعطانا بهذه المحاولة -في أقل تقدير- أن عملية الدعوة ليست هي الدين نفسه بل هي إيجاد الدين كسلوك واقعي محسوس.
وهذا هو الذي يبدو في تصور مفهوم الدعوة الإسلامية.
1 من الآية رقم 33 من سورة يوسف.
2 من الآية رقم 25 من سورة يونس.
3 المرجع السالف.
ب- مع الأستاذ محمد الراوي:
ولهذا، فإن التعريف الذي وضعه الأستاذ محمد الراوي في كتابه، "الدعوة الإسلامية دعوة عالمية" لم يكن دقيقا لأنه خلط بين مفهوم الدعوة ومفهوم الدين وعبارته.
فما هذه الدعوة إذن؟ بعد أن تمت وكملت على يد خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يمكننا أن نقول: إنه دين الله الذي ارتضاه للعالمين تمكينا لخلافتهم، وتيسيرا لضرورتهم، ووفاء بحقوقهم ورعاية لشئونهم، وحماية لوحدتهم، وتكريما لإنسانيتهم وإشاعة للحق والعدل فيما بينهم هي الضوابط الكاملة للسلوك الإنساني وتقرير الحقوق والواجبات1.
فلم يفصل الأستاذ الراوي بين الدعوة كحركة لبناء الدين عمليا، والدين كضوابط للسلوك البشري تنزل بها الوحي الأمين على النبي المعصوم.
ففي الدراسات التي قام بها فضيلة الدكتور محمد عبد الله دراز تحديد لمفهوم الدين ملخصه بأنه:
"جملة النواميس النظرية التي تحدد صفات تلك القوى الإلهية، وجملة القواعد العملية التي ترسم طريق عبادتها"2.
وهذا يغاير في دلالته مفهوم الدعوة الإسلامية.
1 الدعوة الإسلامية دعوة عالمية، ص12.
2 الدين، دكتور دراز ص44.