الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم هدف الدعوة بوضوح تام ونفى كل شبهة وجابه كل محاولة تريد الانحراف بهدف الدعوة وذلك التحديد للهدف والوضوح فيه هو ما يعوز جميع أنماط للعمل الاجتماعي في العصر الحديث.
وشتان ما بين هدف يتوجه إلى الله وهدف يريد أن يصيب دنيا أو امرأة ينكحها.
"إن الرائد لا يكذب أهله".
والله ما كذب أهله ولا كذب أحدًا من الناس بل كان لهم رحمة وهدى للعالمين.
ثالثا: التعرف على طبيعة المجتمع
التعرف على المجتمع: عاداته، وتقاليده، وأنماط الثقافة فيه جزء من وظيفة الأخصائي الاجتماعي الذي يؤهل للعمل مع الجماعة في حقل الخدمة الاجتماعية.
ووسيلة المتعرف على المجتمع هي الدراسة كما شرحها الكاتبون في فن خدمة الجماعة، ولكن التعرف الذي يحتاج إليه علم فن خدمة الجماعة1 هو تعرف سطحي ويحتاج إلى زمن، ثم هو تعرف على المجتمع من جانب الخادم الاجتماعي أو الأخصائي الاجتماعي وهنا تبرز
1 راجع مبادئ تنمية وتنظيم المجتمع دكتور عبد المنعم شوقي ص94، الخدمة الاجتماعية محمد كامل البطريق ص111-112 ط ثانية 1962م الأنجلو، دراسات في تنظيم المجتمع دكتور سيد أبو بكر حسانين ص87 أولى 1969، فن خدمة الجماعة دكتور محمد شمس الدين أحمد ص50-51 ط ثانية 1963.
علمية المنهج الإسلامي في العمل مع الجماعة بصورة أجل، وأسمى، وأشمل، وأوسع؛ لأنها تأخذ في مفهوم التعرف على المجتمع التبادل المعرفي بين طبيعة المجتمع وطبيعة الداعية.
لقد تعرف النبي صلى الله عليه وسلم على طبيعة المجتمع بأسلوب الممارسة والاشتراك، وهو نمط أقوى في إدراك حقائق الأمور من الدراسات المستعجلة التي يحاول إتقانها الأخصائيون في العصر الحديث.
لقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم مع المجتمع الذي سينقل إليه الدعوة عيشة المستوعب لثقافة البيئة دون أن يغامس حياة المجتمع في اتجاهاتها التي تؤثر مستقبلا عليه، فهو لم يغفل، ولم ينغمس فيها بل عاش حياة المجتمع الفاضلة، فكان راعيا للغنم عند أمه حليمة.
وكان راعيا للغنم عند قريش على قراريط1.
وكان تاجرا معهم في السوق2.
وكان قاضيا لهم في مدلهمات الأمور عند وضع الحجر الأسود3، واشترك معهم في حلف الفضول4.
1 ابن هشام ج1 ص167، الحلبية ج1 ص149، وراجع الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص125، البيهقي ج1 ص336 دلائل النبوة.
2 ابن هشام ج1 ص187، الحلبية ج1 ص157، الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص129-130.
3 ابن هشام ج1 ص197، الحلبية ج1 ص172.
4 ابن هشام ج1 ص133، الحلبية ج1 ص153، الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص128، السيرة لابن كثير ج1 ص257.
لقد عاش معهم الحياة الاجتماعية في مستواها العفيف.
وعاش معهم الحياة السياسية في مستواها العادل الواضح.
وعاش معهم الحياة الاقتصادية في مستواها الأمين الحلال.
ومع هذا فما سجد لصنم قط، ولا حلف باللات والعزى، ولا احتفل بعيد لهم، ولا شرب لهم خمرا، ولا طعم لهم ذبيحة ذبحوها على النصب1.
لقد عصمه الله جل شأنه منذ اختاره لهداية البشر رسولا مبشرا ونذيرا.
لقد كانت لديه ممارسة كاملة بالجانب الرفيع من ثقافة المجتمع، وكانت عنده حصانة فطرية لا يقدر معها على الانجذاب إلى ثقافة لا تتفق مع سويته التي خلق ليكون للعالمين نذيرا.
فهو لم يندمج كليا فيغامس حياة المجتمع كلها.
ولم ينعزل عنها فيجهلها كلها.
لقد كان موجودا في أوساطها لا في وسطها، فهو في المجتمع يشترك مع فضليات الأخلاق، وعظام الأمور، وهو في المجتمع يرى وينأى عن شرور البشر.
1 تاريخ الأمم الإسلامية ج1 ص65 الشيخ محمد الخضري ط ثامنة 1382هـ، ابن هشام ج1 ص183، الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص155، الدلائل للبيهقي ج1 ص313-315، السيرة لابن كثير ج1 ص250-252، راجع الخصائص الكبرى للسيوطي ج1 ص221-226، 227-246، الشفا شرحي: نسيم الرياض وعلي القاري ج3 ص279-280.
لقد كان إيجابيا مع الحياة الفاضلة.
وكان سلبيا بالطبع مع الحياة التي لا تتفق مع طبيعته، فقد عصمه الله من كل سوء. لقد كان منفتحا على المجتمع كله بذاته وطهارته، وكان هو كذلك معروفا للمجتمع، لقد كان معروفا منذ اللحظة الأولى التي ولد فيها.
وكان معروفا في فترة رضاعه.
وكان معروفا في فترة حضانته مع أمه.
وكان معروفا في فترة حضانته مع جده وعمه.
لقد كان معروفا وهو طفل.
وكان معروفا وهو غلام.
وكان معروفا وهو شاب.
معروفا بالأمانة، والخلق الرفيع، وكان محل الإكرام والتقدير والتبجيل من كل أطراف المجتمع.
ولم يحظ نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولم يحظ قط زعيم من الزعماء في الغابر والحاضر والمستقبل بانكشاف تام لحياته الفاضلة، وتعرف كامل على شخصيته الكبيرة الفذة إلا محمد صلى الله عليه وسلم.
لقد قال فيه أبوه من الرضاع وهو لا يزال طفلا صغيرا:
والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة1.
1 الحليبة ج1 ص107، المواهب ج1 ص12، ابن هشام ج1 ص163، دلائل البيهقي ج1 ص109.
وقالت فيه أمه حليمة:
لما دخلت به صلى الله عليه وسلم إلى منزلي لم يبق منزل من منازل بني سعد إلا شممنا منه ريح المسك وألقيت محبته صلى الله عليه وسلم واعتقاد بركته في قلوب الناس1.
وقالت أمه آمنة:
والله ما للشيطان عليه سبيل وإن لابني لشأنا2.
وقال فيه رجال من نصارى الحبشة:
إن هذا الغلام كائن له شأن نحن نعرفه3.
وقال فيه جده عبد المطلب:
يا بركة لا تغفلي عن ابني، فإن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه الأمة4.
وقال عمه أبو طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
…
فمال اليتامى عصمة الأرامل5
1 المواهب ج1 ص145 الحلبية ج1 ص110.
2 ابن هشام ج1 ص165 الحلبية ج1 ص113.
3 ابن هشام ج1 ص167، الحلبية ج1 ص114، السيرة لابن هشام ج1 ص232.
4 الحلبية ج1 ص131، الطبقات الكبرى ج1 ص118، السيرة لابن كثير ج1 ص240.
5 المواهب ج1 ص193 وفيها شعر طويل، الحلبية ج1 ص138، دلائل البيهقي ج12 ص223، الخصائص ج1 ص214، 311.
وقال بحيرى:
فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا، ورويناه عن آبائنا، واعلم أني قد أديت لك النصيحة1.
وقالت خديجة رضي الله عنها:
يابن عم! إني قد رغبت فيك لقرابتك، وسطتك في قومك، وأمانتك، وحسن خلقك، وحسن حديثك2.
وقال له ورقة:
ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه، ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه3.
وقد كان الخصوم معه أشهد الناس بكماله وسموه ورفعته وطهارته. يقول أبو جهل: والله إن محمد لصادق وما كذب محمد قط4.
وقال النضر بن الحارث:
قد كان محمد فيكم غلاما أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة5.
1 الحلبية ج1 ص142، ابن هشام ج1 ص182.
2 ابن هشام ج1 ص189، السيرة لابن كثير ج1 ص263.
3 السيرة لابن كثير ج1 ص454.
4 أسباب النزول للواحدي ص211.
5 ابن هشام ج1 ص299.
وقال له عتبة:
يابن أخي! إنك منا حيث قد علمت من السعة في العشيرة والمكان في النسب1.
ويقول الوليد بن المغيرة:
إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة2.
لقد كان معروفا لأبناء مجتمعه القريب، وكان معروفا لأبناء مجتمع دعوته البعيد، فقال فيه النجاشي:
أشهد أنه رسول الله وأنه الذي بشر به عيسى3.
وقال فيه كسرى:
فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه4.
والقرآن الكريم يضع هذا الانفتاح بكلتا شطريه في موضع الاستدلال على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم.
يقول الله تعالى:
{لَبِثْتُ} فوجودي مشهود كله لكم.
{فِيكُمْ} وأنتم مشهودون لي.
1 ابن هشام ج1 ص293.
2 ابن هشام ج1 ص270.
3 الحلبية ج1 ص377 الخصائص ج1 ص280.
4 فتح الباري ج1 ص40-41.
5 الآية رقم 16 من سورة يونس.
والحياة مكشوفة بيننا، وأنتم تعرفون عني كل شيء، حتى كيف تزوجت؟ وكيف سافرت؟ وكيف عاشرتكم؟
وأنتم مكشوفون لي عادة وسلوكا وأخلاقا.
ولهذا نفى القرآن عنهم في هذا الاستفهام التأنيبي المزلزل، نفى عنهم التعقل، فإن حياة محمد صلى الله عليه وسلم معلومة لهم لا تحتاج في إدراك نبوته إلى علم، فأمانته وصدقه وسطته ونسبه مشهورة معروفة معلومة، وهي كلها تؤهل مع تاريخه المجيد لأن يكون للعالمين رسولا.
ولكنهم لا يعقلون ما يعلمون.
يقول الأستاذ الندوي:
وحياة محمد صلى الله عليه وسلم من ميلاده إلى ساعة وفاته معلومة للذين عاصروه وشهدوا عهده، وقد حفظها التاريخ عنهم لمن بعدهم، وهو في حياته لم يحتجب عن عيون قومه.
إن جميع شئون وأطوار حياته: من ولادته، ورضاعه، وطفولته إلى أن صار يافعا وشابا، كل ذلك ظاهر أمره، معلومة تفاصيله، وقد علم التاريخ عن هذا النبي صلى الله عليه وسلم باشتغاله في التجارة وكيفية زواجه، وعلم الناس سجاياه في صداقته وفي وفائه للناس قبل النبوة.
واتصلوا به حين اتخذوه أمينا وأقاموه حكما فيما اختلفوا فيه من نصب الحجر الأسود في موضعه من الكعبة، ثم وقفوا على أمره حين حبب