الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: تحديد الهدف
لقد جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مؤتمر عائلي خاص وأعطاهم من الأمان والراحة ما أنسهم ثم قال لهم: "الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، ثم قال:
"إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعلمون، وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا"1.
فهو نبي لهم وللناس عامة.
يدعو إلى توحيد الله.
والإيمان بالبعث والحشر والحساب والجنة والنار.
وهو في سبيل هذا لا يسألهم أجرا وقد حدد لهم هذا بوضوح:
"ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل علي كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله، حتى يحكم الله بيني وبينكم"2.
1 الكامل في التاريخ لابن الأثير ج2 ص61.
2 ابن هشام، ج1 ص296.
لقد عرضوا عليه فعلا الدنيا بحذافيرها.
لقد عرضوا عليه الملك.
وعرضوا عليه المال.
وعرضوا عليه الرياسة والشرف1.
فرفضها كلها.
لقد رفضها رفضا قويا، لأنها ليست واحدة من أهداف الدعوة.
لقد رفضها بأسلوبه النبوي الأخاذ ورفضها بما أوحي إليه من عند ربه.
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} 2.
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} 4.
1 راجع شرح المواهب للإمام الزرقاني ج1 ص257، السيرة الحلبية ج1 ص340، راجع الخصائص الكبرى ج1 ص283.
2 الآية رقم 57 من سورة الفرقان.
3 الآية رقم 47 من سورة سبأ.
4 الآية رقم 86 من سورة ص.
5 الآية رقم 23 من سورة الشورى.
يقول الطبري في معنى بعض هذه الآيات:
ما أتبع إلا وحي الله الذي يوحيه إلي وتنزيله الذي ينزله علي في كل ما أقول لكم وأدعوكم إليه1.
إني لم أسألكم على ذلك جعلا فتتهموني وتظنوا أني إنما دعوتكم إلى اتباعي لمال آخذه منكم2.
يقول البغوي:
لا أسألكم أجرا فتتهموني، ومعنى قوله "فهو لكم" أي لا أسألكم شيئا كقول القائل مالي من هذا، فقد وهبته لك يريد ليس لي فيه شيء3.
إنما الذي يريده هو اهتداء الإنسان إلى ربه وتقربه إلى الله الحق، إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا. هذا وحده هو أجره، يرضى قلبه الطاهر ويستريح وجدانه النبيل أن يرى أهله والناس عامة قد اهتدوا إلى صراط الله العزيز الحميد.
وينفي الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك مرة أخرى في إطار منهج الدعوة العام الذي سلكه موكب الأنبياء من قبل.
1 بتصرف الطبري ج7 ص199.
2 الطبري ج22 ص105.
3 معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود الغراء البغوي ج5 ص195 ط ثانية م حلبي.
فيردد لقريش وللدنيا كلها من بعد ما قاله إخوانه الأنبياء: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
لقد قالها نوح.
وقالها هود.
وقالها صالح.
وقالها لوط.
وقالها شعيب.
وهو نص واحد لا يتغير ولا يتبدل:
{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1.
لقد طمأنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يريد شيئا من حطام الدنيا فما له فيها من مأرب وما يطلب منهم أجرا جزاء دعوتهم وهدايتهم إلى الله، إنما هو يطلب أجرا من رب الناس الذي كلفه دعوة الناس إلى الصراط المستقيم.
ذلك هو طريق الأنبياء جميعا وهو تنبيه يبدو أنه كان ضروريا للدعوة الصحيحة حتى تتميز عما عهده الناس من الكهان ورجال الأديان من استغلال الدين لسلب أموال العبادة، وهو توضيح لطبيعة الدعوة وبيان للشرف النبيل الذي يصطلح به الداعية المنتسب إليها2.
1 "109، 127، 145، 164، 180" من سورة الشعراء.
2 في ظلال القرآن ج19 ص99، 100.
وينفي الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك أن تكون الدعوة مصدر تمويل وارتزاق، لقد ضمن الله سبحانه وتعالى الرزق لكل مخلوق.
فالدعوة الإسلامية ليست هدفا يرتزق الناس بها.
فنفى أن هاتيك الخزائن مفوضة إليه يتصرف فيها كيفما شاء استقلالا أو استدعاء.
ونفى أنه لا يقول بعلم الغيب فذلك من خواص الألوهية.
ونفى أنه يدعي الملكية3.
لقد نفى ذلك مع وضوحه تبريا عن كل باطل يشوش على هدف الدعوة التي تقصد إلى توحيد الله تعالى وتنزيهه.
وعرضوا عليه أن يكذب عن سب آلهتهم ثم يقتسموا معه العبادة سنة وسنة، لآلهتهم سنة وللذي يدعو إليه سنة أخرى4.
1 الآية رقم 6 من سورة هود.
2 الآية رقم 50 من سورة الأنعام.
3 روح المعاني ج7 ص155.
4 فتح الباري ج10 ص364، أسباب النزول للواحدي ص505، راجع ابن هشام ج1 ص362.
ولكنه رفض.
ورفض بجزم يحيط بالذات والزمن معا.
فهو لا يعبد ما يعبدونه لما هو عليه من النبوة، وهم لا يعبدون ربه الذي يدعو إليه؛ لأنهم وقت الخطاب كافرون، فانتفى في زمن الخطاب معهم التقاء في العبادة الصحيحة التي يدعو إليها محمد صلى الله عليه وسلم.
وبرهن على أن هذا النفي ليس تعصبا منه وذلك للصفة القائمة في كل طرف، فهو متصف بالنبوة فلا يمكن أن يكون عابدا لآلهتهم.
وهم متصفون بعبادة باطل منذ الجاهلية فلا لقاء، وإذن فلكلٍ دينه2.
1 سورة الكافرون.
2 تثبيت دلائل النبوة ج1 ص40 المرحوم الدكتور إبراهيم سلامة له رأي في تفسير هذه الآيات ملخصه أنها رد على ما عرضوه على النبي صلى الله عليه وسلم اعبد أربابنا أسبوعا نعبد ربك شهرا، اعبد ربنا شهرا نعبد ربك سنة، فرفض كل واحدة بآية
…
إلخ. راجع ص50، 52 من كتاب خلق ودين ط أولى 1373هـ، راجع الحلبية ج1 ص340.
وهو فيصل التفرقة بين هدف الدعوة الصحيحة وكل دعوة ضالة تريد أن تخدع المخلصين ببريق الألفاظ ومعسول السموم.
ثم تلى عليهم الهدف من آيات الله البينات.
توحيد الله:
1 الآية رقم 19 من سورة الأنعام.
2 الآية رقم 56 من سورة الأنعام.
3 الآية رقم 73 من سورة الأنعام.
4 الآيتان 102، 103 من سورة الأنعام.
5 الآيتان 161، 162 من سورة الأنعام.
ولتبعثن كما تستيقظون:
1 الآيات من 3-5 من سورة يونس.
2 الآيات من رقم 55-57 من سورة يونس.
3 الآية رقم 36 من سورة فصلت.
ولتحاسبن بما تعملون:
وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا:
1 الآية رقم 26 من سورة الجاثية.
2 الآيات من رقم 6-11 من سورة القارعة.
3 الآيات من رقم 106-108 من سورة هود.