المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الخاتمة: يتصل عمر هذه الدراسة بأمد طويل من حياتي، فقد أكرمني - الدعوة الإسلامية في عهدها المكي مناهجها وغاياتها

[رؤوف شلبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌مدخل

- ‌أولا: الدافع

- ‌ثانيا: المنهج

- ‌الباب الأول: مناهج الدعوة الإسلامية في عهدها المكي

- ‌الفصل الأول: منهج إثبات وحدانية الله تعالى

- ‌تمهيد حول مفهوم الدعوة الإسلامية

- ‌تحديد المراد من محاولة التعريف:

- ‌على بدء نعود ظلال على التعريف:

- ‌نتيجة المحاولة:

- ‌الدعوة الإسلامية:

- ‌منهج إثبات الوحدانية لله تعالى

- ‌مدخل

- ‌أولا: تصوير العقيدة العربية قبل الإسلام

- ‌ثانيا: دعوة المعاندين إلى التجرد من المواريث الثقافية التي تبعدهم عن التفكير السليم في التوصل إلى الحقيقة

- ‌ثالثا: دعوة المعاندين للتفكير بالمشاهدة في آثار قدرة الله جل شأنه وتعريفهم طريقة استخدام هذا المنهج

- ‌أدلة التوحيد والتنزيه:

- ‌أولا: وحدانية الذات:

- ‌ثانيا: وحدانية الصفات:

- ‌ثالثا: وحدانية التدبير وتصريف الملك:

- ‌رابعا: بعث الوجدان الفطري

- ‌طريقة استخدام المنهج

- ‌مدخل

- ‌أولا: الدعوة إلى البحث في حقائق التاريخ

- ‌ثانيا: ولكن كيف ينظرون

- ‌الفصل الثاني: منهج العمل مع الجماعة

- ‌مدخل

- ‌أولا: ثقة الداعية

- ‌ثانيا: تحديد الهدف

- ‌ثالثا: التعرف على طبيعة المجتمع

- ‌رابعا: تربية قيادة

- ‌مدخل

- ‌مستوى تربية القيادة:

- ‌خامسا العرض الواضح:

- ‌سادسا: إيجاد استقطاب حول الدعوة

- ‌سابعا: السلوك المطابق للمبادئ

- ‌ثامنا: الصبر وتحمل المشاق

- ‌الفصل الثالث: مراحل الدعوة

- ‌تمهيد:

- ‌ضابط التقسيم:

- ‌مراحل تبليغ الدعوة:

- ‌مرحلة التبليغ الأول: إعداد القيادة

- ‌مدخل

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌النموذج الثالث:

- ‌مرحلة التبليغ الثاني: وأنذر عشيرتك الأقربين

- ‌مرحلة التبليغ الثالث: لتنذر أم القرى ومن حولها "العرب

- ‌مرحلة التبليغ الرابع: لتخرج الناس من الظلمات إلى النور "عالمية الدعوة

- ‌أسلوب التبليغ ووسيلته

- ‌مدخل

- ‌الحكمة:

- ‌الموعظة الحسنة:

- ‌وسيلة التبليغ:

- ‌الفصل الرابع: معالم في طريق الدعوة

- ‌المجابهة

- ‌مدخل

- ‌أولا: المعالم التاريخية للمجابهة في العهد المكي

- ‌ثانيا: لماذا كفرت قريش

- ‌ثالثا: النماذج القرآنية لمعالم الطريق

- ‌رابعا: المجابهة الثقافية

- ‌الباب الثاني: الغايات ثمار العهد المكي وخاتمته

- ‌الفصل الأول: في العقيدة الإسلامية

- ‌لا إله إلا الله

- ‌مدخل

- ‌الموجة الأولى تتجه نحو ما يشركون به:

- ‌الموجة الثانية: في تسميتهم الملائكة بنات الله، وقالوا اتخذ الله ولدا

- ‌الفصل الثاني: في التشريع والأخلاق والجماعة الإسلامية

- ‌أولا: في التشريع والأخلاق

- ‌السلطة التشريعية

- ‌ الأحكام الشرعية والأخلاق:

- ‌بدء التدرج في الأحكام:

- ‌ثانيا: في الجماعة الإسلامية

- ‌الفصل الثالث: خاتمة العهد المكي

- ‌التجهيز للهجرة:

- ‌أولا: الإسراء والمعراج

- ‌ثانيا: النشاط النبوي معاهدات العقبة

- ‌الخاتمة:

- ‌المراجع:

- ‌أولًا: القرآن الكريم وعلومه

- ‌ثانيا: الحديث وعلومه

- ‌ثالثا: كتب السيرة النبوية

- ‌رابعا: كتب الدعوة

- ‌خامسا: كتب في التصوف

- ‌سادسا: كتب في الفقه وأصوله وتاريخ التشريع

- ‌سابعا: كتب في التاريخ الإسلامي

- ‌ثامنا: كتب في التاريخ العام

- ‌تاسعا: كتب في الفلسفة والدراسات الاجتماعية والنفسية

- ‌عاشرا: كتب الأدب

- ‌حادي عشر "ب": كتب اللغة

- ‌ثاني عشر: الكتب الملاوية

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ ‌الخاتمة: يتصل عمر هذه الدراسة بأمد طويل من حياتي، فقد أكرمني

‌الخاتمة:

يتصل عمر هذه الدراسة بأمد طويل من حياتي، فقد أكرمني الله عز وجل منذ طفولتي الواعية، وأنا مندرج في سلك الحياة الإسلامية حتى نضجت فيها عملا وتدريبا وعاصرت زعماء الفكرة الإسلامية على مستواها: الاجتماعي والأكاديمي في كلية أصول الدين بالأزهر الشريف وفي لقاءات بالدعاة إلى الله في العالم الخارجي وخاصة علماء الحركة الإسلامية في أندونيسيا وماليزيا وبروني Brunei قطر "في الشاطئ الشرقي لماليزيا".

وقد كنت حريصا في تجوالي مع زعماء هذه الحركة على أن أربط نجاحها أو فشلها بالمنهاج الإسلامي الذي سنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن هذا البحث وليد مذكرة في الكتب الأمهات فقط، ولا كان مجرد اقتراحات أو افتراضات أو نتائج لقراءات أكاديمية فحسب، بل إن الله تعالى منح هذا البحث عدة هدايا:

الهدية الأولى: أنني عشت حياة الدعوة عماليا واجتماعيا.

الهدية الثانية: أن الله وهبني صحبة كبار رجال الفكر الإسلامي.

الهدية الثالثة: أنني منحت شرف العمل للدعوة الإسلامية في كلية أصول الدين بسومطرة الجنوبية Palmbang.

ومارستها كمدرس في الكلية وكداعية وسط المجتمع ومنظمات الشباب ثم كانت نعمة الله الكبرى أن شرفني الأزهر الشريف

ص: 622

بالاضطلاع بالعمل الإسلامي في ماليزيا ووجهت إلى المجلس الماليزي الأعلى للشئون الإسلامية لتأسيس مركز للبحوث الإسلامية تكون مهمته بعث الثقافة الأصيلة وتنقيتها من الشوائب والهوى والفضول على أساس من عمل السلف الصالح، وتقعيد منهج الدعوة الإسلامية لإعداد الشباب المسلم ليحتمل نشر رسالة الإسلام وسط الجاليات الصينية والهندية التي تشكل نسبته أكثر من نصف المجتمع الماليزي1 53% فهيأ الله جل شأنه بهذه النعم لي ولهذه الدراسة أن تعيش في الجو الأكاديمي والجو الاجتماعي الذي يكسبها فاعلية وواقعية ويمنحها قوة وتمثيلا لما كان عليه المجتمع الماضي، وما يحتاجه المجتمع الحاضر من منهج مثيل.

وقد قدمت الأبحاث في هذه الدراسة عدة حقائق علمية أهمها بإيجاز أن الدعوة الإسلامية.

هي نقل الأمة من محيط العبودية للبشر إلى العبودية لله وحده.

لم تفاجئ الدعوة الإسلامية المجتمع الإنساني بل تقدمتها تهيئة وإرهاصات شاءها الله تعالى، وأخبر بها أهل الكتاب وتعرف عليها الحزاءون.

ولم يكن المجتمع العربي فيما قبل الرسالة منحرفا غارقا في الظلمات، بل كان على مستوى من الأخلاق والتنظيم مما سمح بأن يكوك هو

1 راجع كتاب أسس العلم الاقتصادي في الإسلام باللغة الملاوية "جداول الإحصائيات" ط سنة 1972م ماليزيا.

ص: 623

وحده أنسب مجتمع يستقبل الدعوة، ويكون التفاعل فيه عاديا يسمح لها بالبقاء والتحرك.

كانت الدعوة الإسلامية ضرورة حتى ولو كان المجتمع فاضلا، فإن العبودية لله في العقيدة والقانون والعادات لا تتحقق إلا عن طريق الوحي.

رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ كان آدم منجدلا في طينته، وهو في كنف الله ورعايته ينتقل من طهر إلى طهر تربى، وتأدب بتربية الله وآدابه:{فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} .

لم تكن بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم منذ وجد منفصلة عن "بشر يوحى إليه"، وعلى هذا فكل مقاييس علم النفس والتربية وموازين البطولة والزعامة لا مجال لها في الجو النبوي، فكل ذلك دونه بكثير جدا {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} .

لا ينبغي علميا ولا أخلاقيا ولا شرعيا أن يفصل عند دراسة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بين بشريته، والوحي إليه {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} .

لم يكن تحنث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جريا على قاعدة من عادات قريش، بل كان وحيا حبب إليه، وسعى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التحنث، وهو نبي "بالرؤيا الصادقة""ورؤيا الأنبياء وحي".

ليس صحيحا من الناحية العلمية ما أدرجه العلماء في الحديث أو قيل عنه: إنه من البلاغات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أوفى بذروة جبل كان يلقي بنفسه.

ص: 624

دلائل النبوة حقيقة ثابتة، نطق بها أحبار اليهود والنصارى وورقة بن نوفل، وكان للعرب معرفة بها، وكان أمية بن الصلت يجاهد بحثا وتنقيبا؛ ليتعرف على أوصافها في نفسه، وقد كان من آثار هذه الدلائل: إسلام ورقة واستعجاله الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم وإسلام خديجة وسعيها للزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتراف هرقل بالرسالة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

استدلت السيدة خديجة رضي الله عنها على صدق نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخلاقه وأحواله، ولم تسأله دليلا ولا حجة، فافتتحت بذلك أصل مناهج البحث الديني القائم على الحيدة بعيدا عن التعصب والقومية والهوى الشخصي والعقل الصلف.

وأكدت تصديقها عن طريق حاله بأسلوب دعوته، فسألت أهل الذكر ممن يعرفون أساليب الوحي عن جبريل، فقيل لها: قدوس قدوس ما بال جبريل يذكر هنا إنه أمين الله بينه وبين النبيين.

ولقد أعطت السيدة خديجة المثل الطبيعي لما ينبغي أن تكون عليه أسرة الداعية الذي يتصدى لتبليغ دعوة الله من الأخلاق والإيمان والذكاء والتضحية ففي الحلبية، وكان لا يسمع شيئا يكرهه، من قومه إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها وأخبرها به1.

من بركة آثار التهيئة الإلهية التي سبقت الدعوة الإسلامية النجاشي عندما عرض عليه سيدنا جعفر بن أبي طالب دعوة الإسلام قال: هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، فدلل على أن

1 الحلبية ج12 ص302.

ص: 625

مرحلة التمهيد للدعوة كانت منحة ربانية أرادها الله ليوعي بها المجتمع حتى يستقبل الرسالة على بصيرة، ومثل النجاشي نسطورا وبحيرا، وعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، مما لا يدع مجالا لصلف العقل أن ينكر هذه المرحلة المهمة ودلل بذلك على وحدة الدين الذي حمله موكب الأنبياء.

المنكرون للنبوة مع معرفتهم دلائلها وأعلامها دفعهم إلى ذلك مرض الأنانية والعصبية القبلية والحسد والجحود ظلما وعلوا، مثل أمية بن الصلت، وهرقل، وأبو جهل، والنضر بن الحارث، وعتبة بن ربيعة

إلخ. وذلك هو داء العصر الحديث حتى في الجامعات العلمية حيث تظهر فكرة القومية كعنصر مضاد للإسلام.

سبقت الدعوة الإسلامية منذ عهدها المكي جميع نظريات الإصلاح الفكري والاجتماعي بما وضعته من مناهج في التفكير والعمل مع الجماعة مؤسسا على احترام مستوى كل فرد، وظروف كل جماعة دون قسر أو خداع أو إرهاب أو تضليل، بل بالحق والعدل والإقناع والإرادة، ولهذا فالدعوة الإسلامية لا توافق على نشرها بطريق العنف والثورة.

لم يحاول القرآن أن يثبت وجود الله؛ لأن هذه القضية لم تكن مثار جدل أو إنكار بين الناس، فهم يجدون الأصنام زلفى إلى الله، ولكن القرآن أقام أدلة على التوحيد وإفراد العبودية لله في الحكم والتشريع والاعتقاد والأخلاق والمعاملات.

دعا الإسلام منذ القرون الوسطى إلى استخدام السمع والبصر والفؤاد في البحث العلمي، ونهى عن اتباع الشك والظن، فإنها لا تغني

ص: 626

من الحق شيئا، وبذلك سبق الإسلام العلم الحديث في اتخاذه الحواس الخمس فقط، كأدوات للبحث وتركه الفؤاد كأداة للبحث العلمي الروحي.

لقد زاوج الإسلام بين العلمين المادي والروحي ومنح الإنسان كلا الوسيلتين لكلا العلمين.

فلتنزوي حضارة السمع والبصر فإن نهايتها حثالة يتأفف منها القائمون على شأن النظافة في المدن الحديثة، ولتسمو علوم الروح، فإنها كلم طيب يصعد إلى الله مع الملائكة.

والعلم المادي في الإسلام تركة يورثها المسلم للمجتمع؛ لتكون له في صحائف أعماله حسنات طيبات يوم القيامة.

العمل مع الجماعة له قانون يبدأ من ثقة الداعية بنفسه، وينتهي إلى تحمل مشاق العمل في سبيل توصيل المبادئ للمجتمع بالحسنى والحكمة والجدل المهذب وتقديم عون الضعفاء والمساكين، وترقيق قلوب أعضاء الجماعة، والوصول بهم إلى أخوة في الله يستعدون معها لبذل الروح والمال والأهل من أجل إعلاء كلمة الله، ولقد سبق الإسلام جميع النظريات التي تعمل مع الجماعة في إيجاد هذا النموذج الذي حقق العبودية لله، وفتح الله في أرضه ملكا واسعا يقوم على "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ليس وراءها طمع في مال أو جاه أو دنيا.

وما أحوج مجمع البحوث الإسلامية في العصر الحديث ليربي قيادات تعمل بهذا المنهج لتنهي دولة الأصنام في جنوبي شرقي آسيا التي تضغط

ص: 627

ثقافة الأصنام فيها على الوجود الإسلامي، وتحاول الأمة الإسلامية هنا في ماليزيا وأندونيسيا والفيلبين وسيام أن تتحرك بعقيدتها لتنقذ عباد هذه الأحجار من نار يوم القيامة، ولكن يعوزها العالم الأزهري الذي يحقق هذا المنهج الذي قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقق به نفعا جليلا، واستجاب به بلال وسمية وعمار وسعيد ببركته وسنا ضوئه المبارك.

لا بد من إعداد تربوي للبعثات الأزهرية التي تتشرف، بالاضطلاع بالعمل الإسلامي بحيث يشمل هذا المنهج اللغة والتقاليد والعادات والمشاكل الخاصة بالمنطقة التي سيبعث إليها العالم الأزهري.

في فجر الدعوة وفي فكر علماء النصارى في مرحلة التمهيد وعند ورقة بن نوفل ليس هناك فرق بين الرسول والنبي، وإنما ذلك صنعه علم الكلام ولا يجوز إطلاقا بحث اكتساب النبوة بالرياضة لأن تكاليف العبادة الشاقة في سورة المزمل جاءت بعد الاصطفاء والنبوة.

اتخذت الدعوة لها عدة مراحل وهو تسلسل طبيعي، ولكنها أعلنت منذ اللحظة الأولى بالنص والغاية إنها دعوة عالمية للناس جميعا.

إن النصوص في القرآن الكريم تفيد مسألتين فيما يتعلق بعالمية الدعوة.

المسألة الأولى: إن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ما زال في مكة أمر بتبليغ الدعوة عالميا.

المسألة الثانية: إن القرآن نص في آيات عدة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم للعالمين نذيرا.

ص: 628

اتخذت الدعوة وسائل خاصة لتبليغ الدعوة المقابلة الشخصية: المؤتمر المؤقت والمؤتمرات الدورية والجماعة الثنائية

إلخ. أو المناظرة، فسبقت بهذا جميع نظريات علم خدمة الجماعة في العصر الحديث، فلم يبق لعلماء هذه الدراسات فخر يزهون به على علماء الدين.

اتخذت الدعوة أسلوبا خاصا في استخدام وسائل التبليغ حسب معادن الناس أو حسب ظروف الشخص الواحد وهي:

الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن.

فعمدت بذلك إلى تربية جميع مشاعر الفرد وشملت نواحيه الفكرية والوجدانية كما أصابت في استخدام بعض هذه الأساليب في مخاطبة بعض الناس، حسب درجاتهم ومعادنهم فكرا ووجدانا، فكانت أول دعوة تحترم كرامة الإنسان وتقدر فيه أنواع مستوياته.

أظهرت مراحل تبليغ الدعوة أن الكفار جابهوها لأسباب قومية وشخصية مع اعترافهم بالرسالة والنبوة، فدل ذلك على أن الدعوة حق في ذاتها، وأن طلبهم المعجزات تعنت وإسراف في الجدل العابث.

ولهذا لم يوافق القرآن الكريم على الاستجابة لما طلبه الكافرون من معجزات مادية كتعلة للدخول في الإسلام؛ لأنهم يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم.

اتخذت المجابهة للدعوة جميع أصناف التنكيل والتعذيب، ومع هذا فقد اتخذت الدعوة سبيلها إلى الحبشة وإلى أسلم، وغفار، ودوس، ونجران، ثم إلى يثرب "طيبة".

ص: 629

فدل ذلك على أن الدعوة إذا اتخذت المنهج الطبيعي لنا كتب الله لها البقاء والنصر، ولهذا قدم القرآن الكريم في مكة عدة نماذج تاريخية تجابه بها الدعوة دائما منها:

1-

التسلط البشري أو الحكم.

2-

الضغط الاقتصادي.

3-

الأذى البدني والأدبي.

4-

ثم حدد أبعاد المعركة بين الداعية وخصومه.

وأن النهاية هناك يوم يكون الملك لله الواحد القهار حيث يكون النصر للداعية، ومن الثمار والغايات التي أنتجتها الدعوة في العهد المكي:

إثبات وحدانية الله وإلغاء جميع ألوان الشرك بالدليل.

إثبات القرآن والنبوة وإبطال جميع مزاعم الكافرين.

إثبات البعث بالمشاهدة والدليل والسلطان الإلهي.

إفراد السلطة التشريعية لله وحده.

تفويض النبي صلى الله عليه وسلم في تبيين ما نزل للناس من الوحي.

فرض الصلاة والصيام والزكاة دون تحديد لعددها ومقدارها؛ وذلك لإعطاء فرصة لانطلاق الطاقة في الفرد لينفذها بقدر ما يستطيع،

كذلك حرم الله أكل ما ذبح على النصب؛ لأنه دم يتحول بعد إلى الجسم والقلب ويتجافى وجوده مع الإيمان في القلب المؤمن.

ص: 630

وحرم الله قتل النفس الزكية.

وقتل الأولاد، وحرم الفواحش.

وأمر بالعدل، والإحسان، والوفاء بالوعد.

وكانت مهمة هذه الأحكام تربية قيادة تقوم على قاعدة منهج كامل أساسه: "لا إله إلا الله" لتتولى بناء المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة.

وأكد القرآن المكي احترام الوالدين وأوصى بهما خيرا إلى غير ما حد.

ووضع القرآن المكي النفقة ورعاية اليتامى، وتحديد المسئولية والتوبة، وبقيت هذه الأحكام على عموميتها لا نسخ فيها؛ لأنها جدول تربية للجماعة الإسلامية التي يمكن أن يناط بها مستقبلا إعادة بناء المجتمع الإسلامي إذا فرض أنه أصيب بخلل أو تفكك، كما هو الوضع الحالي للأمة الإسلامية في الشرق والغرب.

وفي العهد المكي ابتدأ غرس بذور بعض قوانين يحتاج إليها التنظيم الاجتماعي مستقبلا تمهيدا لإكمالها رويدا رويدا حسب طبيعة المنهج القرآني، وكان من هذه القوانين:

البدء في قانون: الخمر، والربا، والرق.

الدين هو منهج إلهي رباني لحياة الإنسان جميعا، يتم تحقيقه في حياة البشر عن طريق الجهد الإنساني نفسه في حدود لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وغاية هذا المنهج هو تحقيق العبودية لله في العقيدة والأخلاق

ص: 631

والتشريع والعادات والتقاليد وجميع تحرك الإنسان على وجه الأرض تنفيذا للعهد الذي أوثق به الإنسان نفسه، ألست بربكم؟ قالوا: بلى.

وعناصر الدين أربعة:

مصدر هو الله الحق.

ونبي هو الرسول النبي المصطفى.

ووحي هو الموكل بالاتصال بالأنبياء.

وكتاب هو دستور الله للبشر.

ومن ثمار العهد المكي بناء الجماعة الإسلامية وتحديد خصائصها التي تملك القيادة الراشدة لبناء المجتمع الإسلامي مستقبلا، وكانت الشورى والعفو عن الجاهلين والانتصار للحق، وتحقيق العبودية لله في كل شيء، هي قاعدة هذه الخصائص التي امتلكتها وتمثلتها وحققتها الجماعة التي نيط بها بناء المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة، وقد خلصت من كل شوائب الحياة الدنيا، فعمرها ورزقها وولدها منح من عند الله تعالى، وهي في الكون تسير معه بقانونها الرباني الذي جاء من عند الله تعالى، وهي في الكون تسير معه بقانونها الرباني الذي جاء به الوحي الأمين، ولا تملك إلا السمع والطاعة والدعاء الرخي الندي:

{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} .

فدل ذلك على إعادة بناء المجتمع الإسلامي إنما يجب أن تبدأ من هذه المرحلة.

لقد أصبح المجتمع المكي فاسد الهواء سبخ الوجدان فكان لا بد من نقلة تسمح للدعوة أن تعبر فيها عن صلاحيتها ومواءمتها وأصالتها

ص: 632

والتقائها مع الطبع الإنساني الذي يحيا بها في رخاء وسعادة وأمن، ويحقق بها العبودية لله، فنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحل عليه البركات، ولكن هذه النقلة تحتاج إلى تصفية للجماعة حتى تنتقل، وهي كلها جيدة المعدن عميقة الإيمان، فكان الإسراء والمعراج كغربلة وتصفية نهائية، تمهيدا للنقلة إلى طابة لتبدأ الدعوة بأسلوب جديد في العمل والبناء.

ولقد ادعى الكافرون زهاء ثلاثة عشر عاما أن محمدا ساحر، ووقفوا عند الغار أمام العنكبوت الذي ضلل الله به عقولهم وسفه أحلامهم وحقر عقولهم، فقال أمية بن خلف:"إن فيه لعنكبوتا أقدم من ميلاد محمد"، فشهد على نفسه أنه كان كاذبا يوم أن قال: إن محمدًا ساحر.

ولا ينتهي الركب إلى "قديد" في يوم الثلاثاء في العقد الأول من شهر الهجرة حتى تبدو علامات النبوة، وقد در الضرع الجهيد باللبن مرات ثلاث، وتغور قوائم فرس سراقة، ويطلب الغوث ويكتب له الأمان، ثم يهبه رسول الله -وهو ما زال في الطريق إلى طابة- هدية ما كان يحلم بها طوال حياته قط "سواري كسرى" وتبقى دلائل النبوة إلى يوم القيامة تؤكد أن محمدا رسول الله حقا، وأنه لا خلاص لهذه الدنيا من حيرتها وفسادها وآلامها وضيقها إلا بالعودة إلى دعوة الإسلام والدستور الحكيم {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} .

هذا، وبالله التوفيق.

متولي يوسف حسن شلبي

الشهير: رءوف شلبي

ص: 633

‌ثاني عشر: الكتب الملاوية

1-

Dr. Hamka. Sejarah Umat Islam 1965- K. L Pustaka Antara.

تاريخ الأمة الإسلامية. دكتور الحاج عبد المالك كريم أمر الله.

2-

H.Zainal Arifnn Abbas. Sejarahdan Perjuangan Nabi Mahamnad. 1968- K. L. Pustaka Antara.

زين العارفين عباس

تاريخ وجهاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

3-

H.Zainal Abbas، Peri Hidup Muhamad Rasulullah S. A. W. 1964- Maju-Medan.

حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.

4-

H. Manawar -Khalil. Kelengkapan Tarikh Nabi Muhammad S. Aw. Ketiga 1966- Djakarta.

التاريخ الكامل للنبي صلى الله عليه وسلم.

حاج منوار خليل.

ص: 622