الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما زالوا يعكفون على عبادة الأصنام ومنطقهم كمنطق الذين مضوا: {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} . {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} .
4-
وكان هناك دافع آخر هو ما تعانيه الدعوة الإسلامية من الفشل حتى تعرضت للتصفية ولم يبق لها كما يقولون من أثر بعد عين إلا الجامع الأزهر الشريف الذي تتكأكأ عليه محن وإحن.
فهل هذا الفشل العام الذي أصاب حقل الدعوة الإسلامية سببه خروج العاملين عن المنهج الذي حدده الله للدعوة؟
تلك هي الدوافع أو هي كلها الدافع الذي وجهني لتحمل مسئولية شرف هذه الدراسة منذ عام 1964م.
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} .
ثانيا: المنهج
والمنهج الذي التزمته بتوفيق الله عز وجل في عرض هذه الدراسة قام على ركيزة خاصة هي: "الذاتية الإسلامية".
إن الذاتية الإسلامية ليست مفهوما يصور في حد أو رسم منطقي أو فلسفي ولكنها سلوك عملي قدم له الرعيل الأول إطاره الذي يعيه العقل المسلم وتطبقه الجوارح الخاشعة.
لقد قال سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه لأمه:
والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت واحدة واحدة ما تركت دين محمد صلى الله عليه وسلم.
وقالت: زنيرة يوم عذبوها فكف بصرها فقالوا: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذبوا والله؛ ما تضر اللات والعزى ولا تنفعان.
والذاتية الإسلامية في حدودها الإسلامية هي ما يصفه سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
لقد كان هناك قصد من الجماعة الإسلامية نفسها أن يكون النبع الذي تستقي منه هو القرآن الكريم وحده، وهي يوم أن تستقي من القرآن الكريم لا تستقي للثقافة والعلم أو للنهضة الفكرية أو للحركة الدائبة في الدراسة والبحوث والمناقشة، ولكنها كانت تستقي منه لتحقق العبودية المطلقة لله وحده.
وكانت الأمة الإسلامية تستقي من النبع الصافي وتتخرج عليه وتتكيف به لذته لا لفقر عالمي في الثقافة أو جدب في العلوم والمعارف.
فلقد كانت للعرب أسواق للأدب والحكم.
ولقد كان لفارس والروم والهند والصين ثقافات ومعارف.
ولكنها كلها نبع طيني لا ينهض لبناء حضارة تقوم العبودية فيها لله وحده، ويتحقق بها للإنسان معناه وقيمته وكرامته.
ومن هنا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غضب لورقة من التوراة كان يقرؤها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له: $"والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني".
كان يقصد عليه الصلاة والسلام بهذا الغضبة الربانية أن يظل النبع الصافي الذي تستقي منه الأمة الإسلامية ماء حياتها هو القرآن الكريم وحده.
وإذن فالركيزة التي يجب أن يقوم عليها منهج البحث الإسلامي عامة، وخاصة في مجال الدعوة ورسالتي هذه: هي الذاتية الإسلامية. تلك التي جعلت الدنيا كحلقة مغفر في يد الرعيل الأول فأقاموا دولة العبودية لله في أقل من ربع قرن وصار في خلالها الرجل يسير من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه.
وحدات المنهج:
أولا: قسمت الدعوة إلى قسمين رئيسين:
1-
دور العرض.
2-
دور الدفاع.
ثم قسمت دور العرض إلى قسمين:
1-
دور العهد المكي، وهو موضوع هذا البحث.
2-
دور العهد المدني، وهو بحث أسأل الله تعالى أن ييسره لي لتتم نية صالحة لخدمة الدعوة الإسلامية.
ودور الدفاع ينقسم إلى قسمين:
1-
دفاع عن المجابهة الفكرية الثقافية.
2-
ودفاع عن الخصومة التاريخية.
فموقع هذه الدراسة ومكان هذا البحث من هذا التقسيم هو العهد المكي فقط، لأن النواة الأولى التي ستترعرع بعد إن شاء الله في العهد المدني لتتكون منها {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} .
ثانيا: قسمت دراسة العهد المكي إلى:
1-
مرحلة تمهيدية تصور البيئة التي نشأت فيها الدعوة، وكيف هيأ الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في هذا الجو ليكون للعالمين نذيرا، واستتبع هذا العمل تحديد المراد من اصطلاح الدعوة الإسلامية فقدمت حديثا عن التعريف بالدعوة الإسلامية وناقشت بعض الآراء التي تعرضت لتحديد المراد من هذا الاصطلاح ليكون حادي الطريق في دراسة العمل الإسلامي مستقبلا إنْ في العهد المكي أو في العهد المدني أو في دور مناقشة الخصوم والمجابهين للدعوة فيما بعد إن شاء الله.
2-
ثم دراسة التحرك النبوي منذ بدئَ نبيا بالرؤيا الصالحة لاستنباط وحدات المناهج التي قدمتها الدعوة الإسلامية منذ القرون الوسطى لتكون أسلوبا عمليا للعمل مع الجماعة، في مستقبل حياة الأمة الإسلامية {وَلَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
ثالثا: التزمت في دراسة هذه المرحلة تاريخ الدعوة من مصادر رئيسية ثلاثة:
- القرآن الكريم وعلومه.
- والسنة الإسلامية وشروحها.
- وكتب السيرة المعتمدة وخاصة ما دونه السالفون الذين تسمح حياتهم الاجتماعية بالثقة والاطمئنان إلى ما كتبوه بوعي وإخلاص.
وقد استبعدت في عرضي لهذا الدور المكي المناقشات مع الخصوم، كما رفضت الأخذ في كتبهم فلهم دور سيأتي فيما بعد إن شاء الله.
رابعا: اعتمدت في إبراز نتائج الدعوة الإسلامية على القرآن الكريم المكي وحده لأنه منبعها الأصيل الذي قصد به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون وحده المنبع الذي تستقي منه الأمة الإسلامية ماء حياتها، وقد أثبتت الأحداث التاريخية فيما بعد صحة وصدق ذلك في التربية والبناء.
خامسا: درست النظريات الحديثة بعد انتهائي من استيعاب ما كتب عن العهد المكي في مراجعه الأصيلة، لأتعرف على مقدار ما اقترضه الغربيون ثم أصبحوا به يفتخرون.
سادسا: كنت أحاول أن أختبر وحدات المنهج التي استخلصتها قبل تدوين البحث في البيئة المماثلة للحياة الجاهلية حيث منحني الله جل شأنه فرصة التشرف بالعمل الإسلامي في ماليزيا في وظيفة تتساوى مع طبيعة البحث ودراساته.
سابعا: مع وضوح المعلومات في رأسي حسبما كان يرزق الله جل شأنه، فإني كنت أنتظر دائما لحظات تفضله جل وعلا أن يشرح لي صدري للكتابة، وكثيرا ما كنت أبدؤها بعد صلاة ركعتين لله تقربا وشكرا ودعاء.
ثامنا: اخترت في عرض مادة الرسالة الأسلوب الذي يتفق مع الذاتية الإسلامية، فلم أجنح إلى صرامة الأسلوب الفلسفي المنطقي الذي يعتمد على إثبات المقدمات وإقامة الملازمات، ولم أجنح إلى الأسلوب الطنان البراق الأديب، ولكن حاولت أن أكون مع أسلوب الدعوة حيث تكون هي منطقية كقرآنها أو وجدانية كقرآنها، مرغبة أو مرهبة كقرآنها، لقد كان الأسلوب الذي أحاول به تدوين مادة هذه الرسالة هو أسلوب الدعوة الإسلامية حسب طبيعة مواقفها: صرامة وحنانا.
فإن أكن هديت فلله وحده المنة والفضل والله يهدي من يشاء، وإن تكن الأخرى، فكل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب الروضة الشريفة صلى الله عليه وسلم.
ومع هذا فقد كان الإخلاص لله رائدي والخير قصدي والله من وراء القصد، أستغفر الله لي ولكم وحسبي في ذلك:"كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".
هذا وبالله التوفيق
متولي يوسف شلبي
الشهير: رءوف شلبي