المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خامسا العرض الواضح: - الدعوة الإسلامية في عهدها المكي مناهجها وغاياتها

[رؤوف شلبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌مدخل

- ‌أولا: الدافع

- ‌ثانيا: المنهج

- ‌الباب الأول: مناهج الدعوة الإسلامية في عهدها المكي

- ‌الفصل الأول: منهج إثبات وحدانية الله تعالى

- ‌تمهيد حول مفهوم الدعوة الإسلامية

- ‌تحديد المراد من محاولة التعريف:

- ‌على بدء نعود ظلال على التعريف:

- ‌نتيجة المحاولة:

- ‌الدعوة الإسلامية:

- ‌منهج إثبات الوحدانية لله تعالى

- ‌مدخل

- ‌أولا: تصوير العقيدة العربية قبل الإسلام

- ‌ثانيا: دعوة المعاندين إلى التجرد من المواريث الثقافية التي تبعدهم عن التفكير السليم في التوصل إلى الحقيقة

- ‌ثالثا: دعوة المعاندين للتفكير بالمشاهدة في آثار قدرة الله جل شأنه وتعريفهم طريقة استخدام هذا المنهج

- ‌أدلة التوحيد والتنزيه:

- ‌أولا: وحدانية الذات:

- ‌ثانيا: وحدانية الصفات:

- ‌ثالثا: وحدانية التدبير وتصريف الملك:

- ‌رابعا: بعث الوجدان الفطري

- ‌طريقة استخدام المنهج

- ‌مدخل

- ‌أولا: الدعوة إلى البحث في حقائق التاريخ

- ‌ثانيا: ولكن كيف ينظرون

- ‌الفصل الثاني: منهج العمل مع الجماعة

- ‌مدخل

- ‌أولا: ثقة الداعية

- ‌ثانيا: تحديد الهدف

- ‌ثالثا: التعرف على طبيعة المجتمع

- ‌رابعا: تربية قيادة

- ‌مدخل

- ‌مستوى تربية القيادة:

- ‌خامسا العرض الواضح:

- ‌سادسا: إيجاد استقطاب حول الدعوة

- ‌سابعا: السلوك المطابق للمبادئ

- ‌ثامنا: الصبر وتحمل المشاق

- ‌الفصل الثالث: مراحل الدعوة

- ‌تمهيد:

- ‌ضابط التقسيم:

- ‌مراحل تبليغ الدعوة:

- ‌مرحلة التبليغ الأول: إعداد القيادة

- ‌مدخل

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌النموذج الثالث:

- ‌مرحلة التبليغ الثاني: وأنذر عشيرتك الأقربين

- ‌مرحلة التبليغ الثالث: لتنذر أم القرى ومن حولها "العرب

- ‌مرحلة التبليغ الرابع: لتخرج الناس من الظلمات إلى النور "عالمية الدعوة

- ‌أسلوب التبليغ ووسيلته

- ‌مدخل

- ‌الحكمة:

- ‌الموعظة الحسنة:

- ‌وسيلة التبليغ:

- ‌الفصل الرابع: معالم في طريق الدعوة

- ‌المجابهة

- ‌مدخل

- ‌أولا: المعالم التاريخية للمجابهة في العهد المكي

- ‌ثانيا: لماذا كفرت قريش

- ‌ثالثا: النماذج القرآنية لمعالم الطريق

- ‌رابعا: المجابهة الثقافية

- ‌الباب الثاني: الغايات ثمار العهد المكي وخاتمته

- ‌الفصل الأول: في العقيدة الإسلامية

- ‌لا إله إلا الله

- ‌مدخل

- ‌الموجة الأولى تتجه نحو ما يشركون به:

- ‌الموجة الثانية: في تسميتهم الملائكة بنات الله، وقالوا اتخذ الله ولدا

- ‌الفصل الثاني: في التشريع والأخلاق والجماعة الإسلامية

- ‌أولا: في التشريع والأخلاق

- ‌السلطة التشريعية

- ‌ الأحكام الشرعية والأخلاق:

- ‌بدء التدرج في الأحكام:

- ‌ثانيا: في الجماعة الإسلامية

- ‌الفصل الثالث: خاتمة العهد المكي

- ‌التجهيز للهجرة:

- ‌أولا: الإسراء والمعراج

- ‌ثانيا: النشاط النبوي معاهدات العقبة

- ‌الخاتمة:

- ‌المراجع:

- ‌أولًا: القرآن الكريم وعلومه

- ‌ثانيا: الحديث وعلومه

- ‌ثالثا: كتب السيرة النبوية

- ‌رابعا: كتب الدعوة

- ‌خامسا: كتب في التصوف

- ‌سادسا: كتب في الفقه وأصوله وتاريخ التشريع

- ‌سابعا: كتب في التاريخ الإسلامي

- ‌ثامنا: كتب في التاريخ العام

- ‌تاسعا: كتب في الفلسفة والدراسات الاجتماعية والنفسية

- ‌عاشرا: كتب الأدب

- ‌حادي عشر "ب": كتب اللغة

- ‌ثاني عشر: الكتب الملاوية

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌خامسا العرض الواضح:

فقام عمر فقال: يا رسول الله علام نخفي ديننا ونحن على الحق؟

ويظهر دينهم وهم على الباطل؟ قال: "يا عمر! إنا قليل قد رأيت ما لقينا"1.

وكان إسلام عمر على ما هو معروف في السنة السابعة من البعثة، وهذا يبرهن على أن القوة الإسلامية كانت معروفة واضحة، ولكن العمل لها هو الذي كان سرا، وذلك منهج معروف في قواعد العمل مع الجماعة في العصر الحديث، وذلك ما تحتاجه الدعوة في الظروف المعاصرة2.

وإذن فليس من الجيد علميا أن يقال: سرية الدعوة فإن الحق الذي سجله التاريخ هو وضوح الدعوة واشتهارها، وسرية العمل لها إعداد القيادة وتربية لهم؛ ليحملوا مع الداعية وظيفة العمل عند الصدع بها عامة، والجهر بها للناس كافة.

1 السيرة لابن كثير ج1 ص441.

2 راجع سيرة الرسول ج1 ص162 عزة دروزة. الدرر في اختصار المغازي والسير ص58.

ص: 213

‌خامسا العرض الواضح:

نجاح أية دعوة واستمرارها يتوقف على مقدار عرضها واضحا صادقا يضمن لها الوضوح، والنفقة في المستقبل1.

وواضح في العصر الحديث أن أهداف الدعوات لا يفصح عنه، ويستخدم الزعماء شعارات براقة يخفون وراءها الهدف الأسود حتى

1 من حضارة الإسلام للأستاذ عبد العزيز سيد الأهل ج1 ص13-15.

ص: 213

إذا ما أتيح لهم إعلانه بأسلوب القهر أو السيطرة، وإلغاء العقل، والإرادة، والكرامة، فإنهم لا يألون جهدا في ذلك، ويفسرون نداءاتهم الأولى بعذب من الحديث المخادع الكاذب، وبذلك لا تلبث أن تنفض الناس، والجماهير من حولهم كما هي طبيعة الزبد يذهب جفاء، وتبقى الحسرة والغيظ والكمد والحيرة والآلام والضيق والعسر للناس من بعد.

ولذلك فإن الدعوة الإسلامية حرصت، وهي تقعد منهج العمل مع الجماعة على أن يكون الهدف من الدعوة واضحا، اتخذ عرض الدعوة زمنا فسيحا زهاء ثلاثة عشر عاما على ما رواه العلماء1، واتخذت لذلك أسلوبا واضحا جليا مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم.

ووضوح العرض هنا يراد منه:

وضوح الهدف.

ووضوح الدليل.

أما وضوح الهدف، فقد استفاض النص المعصوم أن القرآن الكريم، أو الأثر النبوي الشريف في تحديد المراد من الدعوة الإسلامية.

لقد كان تحديد الهدف بارز المعالم، فصيح المنطق قوي الأسلوب.

وكان مع ذلك جديا لا هزل فيه، وكانت جديته صريحة يعزب معها كل لون من التجاهل أو التناسي أو التعامي أو التغافل أو التثاقل

1 ابن كثير ج1 ص389 الطبقات الكبرى ج1 ص225 راجع مسلم كتاب الفضائل ج4 ص1825 راجع فتح الباري ج8 ص164 باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. راجع التاج الجامع للأصول ج3 ص256 المحبر ص10.

ص: 214

إلى هوى النفس ووسوسة الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.

لقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في استفاضة طويلة يحكيها ابن هشام:

"ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم"1.

وتلا عليهم القرآن الكريم تلاوة مرتلة وحدد لهم الدعوة:

{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ، قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} 2.

{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ،

1 ابن هشام ج1 ص296، 297، المواهب اللدنية ج1 ص257، الحلبية ج1 ص340.

2 الآيات من 56-58 من سورة الأنعام.

ص: 215

قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} 1.

{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} 2.

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} 3.

ولقد نقى هذا الهدف من كل شائبة حتى صار قانونا سرمديا إذا حادت عنه الدعوة ضل القائمون عليها طريق الرشاد.

لقد نقى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدف الدعوة من عرض الحياة الدنيا قل أو عظم، قل:

{مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} 4.

كما نفى أن تتخذ الدعوة مصدرا للإثراء والتجارة.

1 الآيات من رقم 161-164 من سورة الأنعام.

2 الآية رقم 3 من سورة الأعراف.

3 الآية رقم 3 من سورة يونس.

4 راجع تحديد الهدف المرحلة الثانية من هذا الفصل الثاني، وراجع الشفاء شرح علي القاري نسيم الرياض فصل أو فصاحة اللسان وبلاغة القول ج1 ص385 وما بعدها.

ص: 216

{قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ} .

لقد قال لهم في قوة وصرامة:

ترون هذه الشمس؟

قالوا: نعم.

قال: فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشتعلوا منه بشعلة1.

وأما وضوح الدليل فهو قائم على وضوح اللفظ وشمول الدليل على عناصر الإقناع، وهي قبول العقل لها، إحساس الوجدان بصدقها، تصويرها لحقائق مسلمة.

واللفظ القرآني والنبوي قد اشتملا على هذه الركائز.

أما عن اللفظ النبوي فقد أحاطه الله بالعصمة: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى} ، وأما اللفظ القرآني فقد استفاض القرآن نفسه في ألفاظه وآياته بذلك.

{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} 2.

{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} 3.

{تِلْكَ آَيَاتُ الكِتَابِ المُبِينِ،

1 السيرة لابن كثير ج1 ص463.

2 الآية رقم 92 من سورة الأنعام.

2 من الآية رقم 11 من سورة هود.

ص: 217

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 1.

{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} 2.

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} 3.

{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} 4.

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا، قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} 5.

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} 6.

{وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} 7.

{قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ، مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ، أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ،

1 الآيتان 1، 2 من سورة يوسف.

2 الآية رقم 103 من سورة النحل.

3 من الآية رقم 82 من سورة الإسراء.

4 الآية رقم 106 من سورة الإسراء.

5 الآيتان 1، 2 من سورة الكهف.

6 الآية رقم 113 من سورة طه.

7 الآية رقم 9 من سورة الأنبياء.

ص: 218

أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} 1.

{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين} 2.

{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ، أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ، وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} 3.

{طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ، هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} 4.

{وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين} 5.

{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 6.

1 الآيات من رقم 66-70 من سورة "المؤمنون".

2 الآية رقم 2 من سورة الشعراء.

3 الآيات من رقم 193-199 من سورة الشعراء.

4 الآيتان 1، 2 من سورة النمل.

5 الآية رقم 77 من سورة النمل.

6 الآيتان 2، 3 من سورة القصص.

ص: 219

{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 1.

{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ، هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} 2.

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 3.

{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ} 4.

{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} 5.

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} 6.

{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} 7.

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} 8.

1 الآية رقم 6 من سورة العنكبوت.

2 الآيتان 2، 3 من سورة لقمان.

3 الآية رقم 2 من سورة السجدة.

4 الآية رقم 69 من سورة يس.

5 الآية رقم 29 من سورة ص.

6 الآيتان رقم 1، 2 من سورة الزمر.

7 الآية رقم 23 من سورة الزمر.

8 الآية رقم 2 من سورة غافر.

ص: 220

{تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} 1.

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} 2.

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 3.

{حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} 4.

{حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} 5.

{حم، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} 6.

{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} 7.

1 الآيتان 2، 3 من سورة فصلت.

2 الآيتان 41، 44 من سورة فصلت.

3 الآية رقم 52 من سورة الشورى.

4 الآيات من رقم 2-4 من سورة الزخرف.

5 الآيات من رقم 1-3 من سورة الدخان.

6 الآيتان 1، 2 من سورة الجاثية والأحقاف.

7 الآية رقم 6 من سورة الجاثية.

ص: 221

{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} 1.

{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} 2.

{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد} 3.

ولقد شهد القوم بهذا.

لقد قال فيه عتبة بن ربيعة:

قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم.

وقال فيه الوليد بن المغيرة:

والله إن لقوله حلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة.

إن عليه لطلاوة، وإن له لنورا، وإنه يعلو، وما يعلى عليه.

1 الآية رقم 12 من سورة الأحقاف.

2 الآيتان 29، 30 من سورة الأحقاف.

3 أول سورة ق.

ص: 222

والله إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه، مغدق في أسفله وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يعلى عليه1.

تقول الروايات: إن عتبة بن ربيعة أمسك بفم رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف عن القراءة عندما وصل قوله تعالى:

{أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُود} 2.

وقال لقومه: قد علمتم أنه لا يكذب أبدا فخفت نزول العذاب عليكم فأطيعوني واعتزلوه3.

وصدق الله العلي العظيم:

{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} 4.

قال في الشفاء:

فإنهم لا يكذبونك، لا ينسبونك إلى الكذب ولا يتهمونك به ولا ينكرون أمانتك وديانتك.

قال علي كرم الله وجهه: قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك في الصدق والأمانة ولكن نكذب بما جئت به من القرآن5

1 الوفاء ج1 ص203 راجع السيرة لابن كثير ج1 ص499، دلائل النبوة للبيهقي ج1.

2 ص446 المواهب اللدنية ج1 ص250، راجع الحلبية ج1 ص339.

3 المواهب ج1 ص258، السيرة لابن كثير ج1 ص503، الحلبية ج1 ص340، دلائل النبوة للبيهقي ج1 ص450، 451.

4 الآية رقم 33 من سورة الأنعام.

5 الشفاء ج1 ص178-179.

ص: 223

قال ابن كثير في تفسيرها:

لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر، ولكنهم يعاندون الحق، ويدفعونه بصدودهم1.

وأما شمول الدليل على عناصر الإقناع فقد عرضنا نماذج لها في الفصل الأول من هذا الباب شملت:

أدلة التوحيد والتنزيه.

ووحدانية الصفات.

ووحدانية التدبير.

ووحدانية التصرف في الملك.

كما شملت بعث الوجدان الفطري لإدراك وحدانية الله جل جلاله

إلخ.

وهي كلها أدلة للخلق والقصد والإبداع والتدبير.

وهي كلها دون تحذلق أو تشدق تشمل كل أنواع الأدلة:

العقلية.

والوجدانية.

والفطرية الأولى.

{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ،

1 راجع تفسير ابن كثير ج1 ص129.

ص: 224

فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ، وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ، لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} 1.

إن هذا السياق يشبه في تدافعه وإيقاعاته على العقل والحس مجرى النهر، وهو يتدافع بالأمواج المتلاحقة لا تفر واحدة منها حتى تأتيها لاحقة تدفعها من الخلف، وتتشابك معها في مجراها المتصل.

وهي كلها في تدافعها وتشابكها تسمو فوق حد الروعة الباهرة، وتأخذ على النفس كل أقطارها، وتغلق على النفس كل دروب الهرب وهي تهزها بالروعة الباهرة، والحيوية الدافعة، وتقول للإنسان: هذا

1 الآيات من رقم 95-103 من سورة الأنعام.

ص: 225

هو ربك الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، فيشاهد السامع كأنما الآي تنبثق عن مدلولاتها في التماع لآلاء مشرق تتجلى للحواس والقلب والعقل في بهاء أخاذ يبلغ آفاق الروعة.

واللفظ القرآني في آيه قوي الدلالة على كل ما تزخر به الحقيقة الأصيلة في عقيدة الإسلام.

ها هو ذا المرء يقف أمام الخارقة المعجزة التي تقع في كل لحظة من الليل ومن النهار، إنها خارقة انبثاق الحياة النابضة من هذه المواد الهامدة.

{فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى} لا ندري كيف ينبثق؟ ولا ندري من أين جاءت؟ اللهم إلا إنها من عند الله وانبثقت بقدرته.

وها هو ذا المرء يقف أمام دورة الفلك العجيب الدائبة السرمدية الدقيقة {فَالِقُ الإِصْبَاحَ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} .

ويقف كذلك أمام نشأة الحياة في النبات ويشاهد من التدفق النوراني للآيات، يشاهد الأمطار الهاطلة والزروع النامية، وأثماره اليانعة تحشد له الحياة حشدا ليتأمل، ويشاهد ليعي الحس المتحفز، والقلب المتفتح.

وكأنما الوجود يرى لأول مرة حيا شابا مزهرا معطرا متحركا تدب أوصاله الحركة، ينطق بذاته عن وحدة خالقه، دالا بآياته على انفراده جل شأنه بالربوبية والملك والتدبير.

ص: 226

حتى ليبدو للعاقل -والسياق يواجه بهذه الآيات جماعة المشركين- أن الشرك غريب على الفطرة، غريب على فطرة الوجود وغريب على فطرة الإنسان، فينطق القلب السليم، ويشهد الحس الواعي وتنشد العواطف الكريمة إلى تلك الحقيقة:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} 1.

ومع هذا فقد قدم القرآن الكريم عرض الدعوة في أسلوب عبقري التسلسل في مجموعة السور المكية التي سجلت حياة الدعوة الإسلامية في ظلال البيت العتيق.

ففي سورة الأنعام عالج القرآن قضية العقيدة على أنها القضية الكبرى، والقضية الأساسية فهي القاعدة الرئيسية للعبودية الصحيحة لله رب العالمين.

وعالج مع قضية العقيدة قضية الطعام. فالطعام يغذي القلب بالدم والقلب محل الاعتقاد، فإذا ما طهر مما ذبح على الأصنام والأوثان والنصب، فقد خلص القلب لنور الحقيقة، أما إذا تغذى القلب بلحوم النصب والأصنام، فقد قسي وأظلم. وقد سمعت فضيلة مولانا الدكتور عبد الحليم محمود أثناء زيارته للكلية الإسلامية بماليزيا أستاذا زائرا، أن أكل لحم الخنزير مفسد للأخلاق يجعل العرض والشرف أمرا هينا.

ولهذا عالجت سورة الأنعام قضية الطعام لأنه ذا صلة بالاعتقاد صحة وفسادا.

1 من التصرف في ظلال القرآن ج7 ص308-311 راجع حول هذا من حضارة الإسلام ج1 ص16-17.

ص: 227

وتأتي سورة الأعراف، فتعالج موضوع العقيدة بطريق آخر، إنها تعرض العقيدة في مجال التاريخ البشرى، مجال رحلة البشر كلها من آدم وقصته، مع المدى المتطاول تسير السورة مع موكب الإيمان من لدن آدم إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، تعرض هذا الموكب وهو يحمل "لا إله إلا الله" ويمضي بها على مدار التاريخ مواجها بها البشرية جيلا بعد جيل، ويرسم سياق السورة في تتابعه: كيف استقبلت البشرية هذا الموكب وما معه من الهدى؟ وكيف خاطبها هذا الموكب وكيف جاوبته؟

وكيف وقف الملأ منها لهذا الموكب بالمرصاد؟ وكيف تخطى هذا الموكب أرصادها ومضى في طريقه إلى الله؟

وكيف كانت عاقبة المكذبين، وعاقبة المؤمنين في الدنيا والآخرة؟ 1

وسورة الفرقان:

فيها أدلة الرسالة وضحد لافتراءات الكافرين.

وسورة الشعراء:

فيها إثبات للرسالة بطريق آخر، إنها تثبت الرسالة بالجوار والتسلسل والقرابة.

وسورة النمل:

إثبات للوحي كفضل من عند الله يمنحه لمن يشاء كما منح داود وسليمان ملكا ونبوة.

1 في ظلال القرآن ج8 ص104.

ص: 228

وسورة القصص:

تحديد لمدى ما يملكه البشر بالمال والسلطان إن جاءه محق الله وغضبه.

وسورة العنكبوت:

تعرض حاصل نتائج الدعوة التي بلغها الأنبياء وعاقبة المكذبين.

وسورة الروم:

تدريب للعواطف على تخير صداقة الجانب الإلهي، وفيها محاصرة للفرد بعديد من الأدلة على صدق رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وسورة لقمان:

رد على المواجهة الثقافية وتعليم للبشر وتحديد لقدرتهم بالنسبة لسلطان الله وجلاله.

وسورة سبأ:

حصر الحمد لله وحده، ودعوة الكافرين للتفكير المنظم، ليصلوا إلى الحق الذي يجحدونه ظلما وعلوا.

وسورة فاطر:

بيان كامل عن السلطان الإلهي، وأن الناس جميعا فقراء إلى الله.

وسورة يس:

مثل عملي للطائعين بالفطرة، وإن لم يأتهم دليل، ولا أقيمت لهم حجة، ومثل كذلك للمعاندين الجاحدين دين الله للهوى والبغي..

وسورة الصافات:

تصفية وجلاء لحقيقة الدين من العبث البشري.

ص: 229

وسورة ص:

مقارنة بين أحوال المؤمنين الطائعين وأحوال الكافرين الذين ردوا الحق انحرافا وعبثا وغيا.

وسورة الزمر:

تحديد لموقف المسلم وبيان لطبيعة سلوكه ومداه.

وسورة غافر:

النموذج العملي لهذا الموقف الذي حددته من قبل سورة الزمر.

وسورة فصلت:

إثبات للرسالة في إطار السلطان الإلهي.

وسورة الشورى:

توضيح لحقيقة الدين ووحدته وهيمنة الرسالة المحمدية على كل ما سبقها من رسالات.

وسورة الزخرف:

بيان لهيمنة الكتاب الكريم الخاتم على كل الكتب السماوية الأولى ومعالجة لعديد من قضايا التدين التي ابتدعها البشر انحرافا وجذافا..

وسورة الدخان:

قرع للمشاعر وهز عنيف للقلوب، وجذب للبشر من نواصيهم ليدخلوا في دين الله الحنيف.

ص: 230

وسورة الجاثية:

هجوم على القلب، وضرب في الأحاسيس والمشاعر ليستيقظ ضمير الإنسان وتسلم فطرته حتى يعود إلى رحاب ربه حيث الأمان والراحة.

وسورة الأحقاف:

تقريع وتأنيب للمعاندين المتجافين مع الفطرة والطبع المتزن الذي أحست به الجن، فأسلموا لما سمعوا كتابا يهدي إلى الحق، وإلى طريق مستقيم دون أن يطالبوا النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أو برهان.

لقد فهمت الجن معاني القرآن فآمنوا ورجعوا إلى قومهم يدعونهم إلى الإيمان.

{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 1.

لقد عرضت الدعوة الإسلامية عرضا واضحا تفردت به على طول الزمن.

لقد فهمها الجن قبل البشر ولسانها هو لسان القرآن، عربي مبين.

ولقد أحاط اللفظ القرآني بجميع جلال المعاني في جاذبية انسيابية حلوة تستجيب لها العاطفة النيرة، وينشد إليها القلب الصادق، ويتلذذ حلاوتها الوجدان السليم.

لقد عرض اللفظ القرآني الدعوة مستوعبا لكل أجزاء الموضوع متخذا كل زاوية من زوايا الفكر والوجدان والتاريخ في جملة ما ساقه، حتى لا تكون للناس حجة بعد هذا التوضيح الواضح.

1 الآيتان 31، 32 من سورة الأحقاف.

ص: 231