المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: وحدانية الذات: - الدعوة الإسلامية في عهدها المكي مناهجها وغاياتها

[رؤوف شلبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌مدخل

- ‌أولا: الدافع

- ‌ثانيا: المنهج

- ‌الباب الأول: مناهج الدعوة الإسلامية في عهدها المكي

- ‌الفصل الأول: منهج إثبات وحدانية الله تعالى

- ‌تمهيد حول مفهوم الدعوة الإسلامية

- ‌تحديد المراد من محاولة التعريف:

- ‌على بدء نعود ظلال على التعريف:

- ‌نتيجة المحاولة:

- ‌الدعوة الإسلامية:

- ‌منهج إثبات الوحدانية لله تعالى

- ‌مدخل

- ‌أولا: تصوير العقيدة العربية قبل الإسلام

- ‌ثانيا: دعوة المعاندين إلى التجرد من المواريث الثقافية التي تبعدهم عن التفكير السليم في التوصل إلى الحقيقة

- ‌ثالثا: دعوة المعاندين للتفكير بالمشاهدة في آثار قدرة الله جل شأنه وتعريفهم طريقة استخدام هذا المنهج

- ‌أدلة التوحيد والتنزيه:

- ‌أولا: وحدانية الذات:

- ‌ثانيا: وحدانية الصفات:

- ‌ثالثا: وحدانية التدبير وتصريف الملك:

- ‌رابعا: بعث الوجدان الفطري

- ‌طريقة استخدام المنهج

- ‌مدخل

- ‌أولا: الدعوة إلى البحث في حقائق التاريخ

- ‌ثانيا: ولكن كيف ينظرون

- ‌الفصل الثاني: منهج العمل مع الجماعة

- ‌مدخل

- ‌أولا: ثقة الداعية

- ‌ثانيا: تحديد الهدف

- ‌ثالثا: التعرف على طبيعة المجتمع

- ‌رابعا: تربية قيادة

- ‌مدخل

- ‌مستوى تربية القيادة:

- ‌خامسا العرض الواضح:

- ‌سادسا: إيجاد استقطاب حول الدعوة

- ‌سابعا: السلوك المطابق للمبادئ

- ‌ثامنا: الصبر وتحمل المشاق

- ‌الفصل الثالث: مراحل الدعوة

- ‌تمهيد:

- ‌ضابط التقسيم:

- ‌مراحل تبليغ الدعوة:

- ‌مرحلة التبليغ الأول: إعداد القيادة

- ‌مدخل

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌النموذج الثالث:

- ‌مرحلة التبليغ الثاني: وأنذر عشيرتك الأقربين

- ‌مرحلة التبليغ الثالث: لتنذر أم القرى ومن حولها "العرب

- ‌مرحلة التبليغ الرابع: لتخرج الناس من الظلمات إلى النور "عالمية الدعوة

- ‌أسلوب التبليغ ووسيلته

- ‌مدخل

- ‌الحكمة:

- ‌الموعظة الحسنة:

- ‌وسيلة التبليغ:

- ‌الفصل الرابع: معالم في طريق الدعوة

- ‌المجابهة

- ‌مدخل

- ‌أولا: المعالم التاريخية للمجابهة في العهد المكي

- ‌ثانيا: لماذا كفرت قريش

- ‌ثالثا: النماذج القرآنية لمعالم الطريق

- ‌رابعا: المجابهة الثقافية

- ‌الباب الثاني: الغايات ثمار العهد المكي وخاتمته

- ‌الفصل الأول: في العقيدة الإسلامية

- ‌لا إله إلا الله

- ‌مدخل

- ‌الموجة الأولى تتجه نحو ما يشركون به:

- ‌الموجة الثانية: في تسميتهم الملائكة بنات الله، وقالوا اتخذ الله ولدا

- ‌الفصل الثاني: في التشريع والأخلاق والجماعة الإسلامية

- ‌أولا: في التشريع والأخلاق

- ‌السلطة التشريعية

- ‌ الأحكام الشرعية والأخلاق:

- ‌بدء التدرج في الأحكام:

- ‌ثانيا: في الجماعة الإسلامية

- ‌الفصل الثالث: خاتمة العهد المكي

- ‌التجهيز للهجرة:

- ‌أولا: الإسراء والمعراج

- ‌ثانيا: النشاط النبوي معاهدات العقبة

- ‌الخاتمة:

- ‌المراجع:

- ‌أولًا: القرآن الكريم وعلومه

- ‌ثانيا: الحديث وعلومه

- ‌ثالثا: كتب السيرة النبوية

- ‌رابعا: كتب الدعوة

- ‌خامسا: كتب في التصوف

- ‌سادسا: كتب في الفقه وأصوله وتاريخ التشريع

- ‌سابعا: كتب في التاريخ الإسلامي

- ‌ثامنا: كتب في التاريخ العام

- ‌تاسعا: كتب في الفلسفة والدراسات الاجتماعية والنفسية

- ‌عاشرا: كتب الأدب

- ‌حادي عشر "ب": كتب اللغة

- ‌ثاني عشر: الكتب الملاوية

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌أولا: وحدانية الذات:

‌أدلة التوحيد والتنزيه:

‌أولا: وحدانية الذات:

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} 1.

{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} 2.

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 3.

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ، أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ، أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ، أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ،

1 من الآية رقم 102 من سورة الأنعام.

2 الآية رقم 22 من سورة الأنبياء.

3 من الآية رقم 11 من سورة الشورى.

ص: 107

أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} .

هذه جولة واسعة في صفحة الكون وفي أقطار النفس الإنسانية لا يملك المعاندون إنكار وجودها، ولا يملكون تعليلها بغير التسليم بوجود الخالق الواحد ليس الكثرة التي يدعونها من دون الله.

ويعرض القرآن الكريم هذه المشاهدات في إيقاعات تملك على العقل مناحي فكره وتلزمه بالحجة، فهو يسأل في تلاحق لا يدع له مجالا للشك.

من خلق السموات والأرض؟

من أنزل من السماء ماء فأنبت به هذه الحدائق ذات البهجة؟

من جعل الأرض قرارا، وجعل خلالها أنهارا، وجعل لها رواسي، وجعل بين البحرين حاجزا؟

من يجيب المضطر إذا دعاه؟

من يكشف السوء؟

من يجعل البشر خلفاء في هذه الأرض؟

من يهدي الإنسان في ظلمات البر والبحر؟

من يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمة الله؟

1 الآيات من رقم: 59-65 من سورة النمل.

ص: 108

من يبدأ الخلق ثم يعيده؟

ثم يرزقكم من السماء والأرض؟

وفي كل مرة يسأل القرآن يقرعهم باستفهام يحوي جميع معاني الاستفهام فهو تقريع للمعاندين، وهو تقرير للموقنين، وهو إرشاد للطالبين {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} .

وبحكم عقيدتهم لا يملكون جوابا يردون به أن هناك مع الله إلها يفعل هذا، وإذن فلماذا تكثر الأرباب من دون الله؟

إن السموات والأرض حقيقة قائمة لا يملك المعاندون إنكارها، ولا ادعاء مشاركة الأصنام والكواكب والجن والملائكة، وما يشركونها في العبادة في خلقها، فالبداهة تصرخ في وجه هذا الادعاء وترده وترفضه، بل ما كان واحد من المشركين يزعم أن هذا الكون قائم بنفسه كما يدعي التافهون في العصر الحديث، وإذن فخلق السموات والأرض على هذا النحو فيه القصد والإبداع، وفيه كذلك التدبير، ويظهر فيه التناسق المطلق الذي لا يمكن أن يكون فلتة ولا مصادفة، وهو فيه التناسق المطلق الذي لا يمكن أن يكون فلتة ولا مصادفة، وهو تناسق ملجئ بذاته والتفكر فيه إلى الإقرار بوجود الخالق الواحد، تتضح وحدانيته في آثاره فإن هذا التصميم والتناسق والتدبير لهذا الكون، لا تعدد في طبيعته، ولا تعدد في اتجاهه، ولا تعدد في مصدره، فلا بد وأن يكون صادرا عن إرادة واحدة غير متعددة، إرادة قاصدة لا يفوتها القصد في الكبير ولا في الصغير.

والماء النازل من السماء حقيقة كذلك يستحيل على المعاندين أن ينكروها ولا يمكن لهم تعليلها بغير الإقرار والإذعان بخالق مدبر وفق

ص: 109

الناموس الطبيعي الذي خلقه وقدره جل جلاله لنزول المطر بهذا القدر الذي توجد به الحياة، فأنبتنا به حدائق ذات بهجة، والالتفات هنا إلى المتكلم دون إيراد الضمير لنفي شبهة عودة الضمير إذا ذكر على غير الخالق الأعظم الفرد الصمد الواحد الأحد.

وتدبر آثار الإبداع الإلهي في الحدائق كفيل بتمجيد الصانع الذي أبدع هذا الجمال العجيب فأمواج من الألوان تتداخل في خطوط متشابكة متناسقة، ووريقات تنظيم متكاثفة مرتبة منمقة تتقاصر دونها عبقرية الفن حديثا وقديما فضلا عن سر تعدد الألوان في الزهرة وفي الورقة الواحدة، ونمو الحياة في الشجر والجذور والأغصان {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} فما يزال سر الحياة في النبات بل وفي الإنسان مستغلقا على المتخصصين فما يملك واحد منهم أن يقرر كيف جاءت هذه الحياة إلى الزهرة أو الحشرة أو الحيوان أو الإنسان فهل مع الخالق الأعظم إله؟ أإله مع الله؟ وإذن فلم يعدلون ويسوون في العبادة بين الخالق الأعظم، وما يزعمون من إشراك؟

والأرض التي جعلها الله قرارا للحياة لو تغير وضعها من الشمس أو من القمر أو تغير شكلها أو حجمها أو دورانها أو محورها أو تغيرت عناصر الجو فيها.

لما كانت الأرض صالحة للحياة والأنهار والرواسي فيها عوامل النماء والحياة وعوامل الاستقرار والثبات1.

1 راجع: العلم يدعو للإيمان. تأليف كريس موريسون ترجمة محمود صالح الفلكي 1954م النهضة ص53، 55، راجع قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن لفضيلة الشيخ نديم الجسر ص315، 323 ط ثالثة، راجع كذلك: إعجاز القرآن والاكتشافات الحديثة للمهندس عبد الرحمن شاهين ص10.

ص: 110

والفاصل بين مياه البحرين من الكثافة أو البرزخ الحاجز بين البحرين، فقد جعل الله النهر أخف كثافة من ماء البحر فيظل مجرى كل منهما منفصلا مميزا عن الآخر لو التقيا لا يمتزجان ولا يبغيان، فمن فعل هذا كله؟ أإله مع الله؟ إنهم قوم لا يعلمون، ومصدر الإيمان هو العلم وإدراك النواميس الإلهية ومنها هذا الوحي أساسه العلم فالمعاندون منكرون لهذا الوحي لأنهم لا يعلمون كما أنهم لا يعلمون شيئا عن حقيقة الكون، ثم تتجه الآيات إلى لمسة وهمسة في الوجدان والمشاعر.

من يجيب المضطر؟

في لحظات الكربة والضيق لا يجد البشر لهم ملجأ إلا الله يدعونه فيكشف عنهم السوء عندما يشتد الكرب، وتضعف القوى وتتخاذل الهمم، وتتهاوى المؤزرات ولا يجد الفرد الإنساني له قوة ولا لخلاصه سبيلا، فيتجه إلى الله رب الكون كله فيصرف عنه السوء.

إن لحظة الكرب توقظ الفطرة فتلجأ تلقائيا إلى بارئها فتجده برا رحيما، وتلك حقيقة كائنة في الفطرة الإنسانية يسوقها القرآن الكريم للمعاندين في مجال حقائق الكون كله لعلهم يستبصرون أإله مع الله؟ كلا.

ص: 111

وتمضي اللمسة القرآنية تستحث المشاعر نحو استخلاف الجنس البشري لهذه الأرض يخلف بعضهم بعضا. إن هذه الخلافة تذكرهم بقصتين:

أ- الطوفان الذي طهر الله به الأرض من الكفرة عبدة الأوثان، والأصنام في عهد نوح.

والمعاندون على هذه الصفة وأسباب إهلاكهم قائمة ومماثلة.

ب- التناسل وهو من منح الله وعطاياه لو شاء لجعل المعاندين عقما.

إن نواميس الاجتماع والاستخلاف مرتبطة بالتناسق الفذ الذي أوجده الله في هذا الكون.

والله هو الذي قدر الموت والحياة واستخلف جيلا بعد جيل ولو لم يحدث هذا الاستخلاف لأبطأ سير الحياة وتعطل عمل العقل والتفكير لأن تجدد الأجيال هو الذي يسمح بالمحاولات والتجارب وتجدد أنماط الحياة دون تصادم بين طريقة التفكير للسالفين وطريقة التفكير للحاضرين فلو عاش الكل لتضخم التصادم، وكثرت الاعتراضات وازدحمت الحياة بالشلل وتوقف الركب عن السير.

لعلها حقيقة موجودة يلمسها الفكر ولكنكم قليلا ما تذكرون؟

وهم يسلكون فجاج الأرض، برا وبحرا ويضربون في الأرض بتجارتهم ليلا ونهارا برا وبحرا، فمن يهديهم في ظلمات البر والبحر؟

من أودع في كيانهم القوى المدركة للتعرف على سبل الهداية؟

ص: 112

من سخر لهم النجوم ليهتدوا بها وجعلها علامات؟

من وصل فطرتهم وقدرتهم وطاقتهم بفطرة هذا الكون.

من هداهم هذا العقل وتلك الحواس التي تدرك وتعي وتفهم وتستنبط وتنتفع بما سخره الله في هذا الكون من آلاء.

أإله مع الله؟ كلا، تعالى الله عما يشركون.

وتلك الرياح مهما قيل في أسباب تكوينها فلكيا وجغرافيا يبقى تسييرها إلى أماكنها التي قدرت لها حاملة الرزق مبشرة بأسبابه تتجلى رحمة من رحمات الله.

فمن الذي فطرها وسبب لها أسبابها.

أإله مع الله؟ كلا تعالى الله عما يشركون.

وهذه الحقيقة حقيقة الخلق واقع ملموس يشهدون به إذا سئلوا فلا يملكون إنكارا ولا يقدرون على تعليل له غير وجود إله واحد لأن آثار صنعته ملجئة للإقرار بوحدانيته.

من الذي يبدأ الخلق ثم يعيده.

أإله مع الله؟ كلا.

والرزق في السماء هو آثار تابعة لمالك الخلق بدءا وإعادة،

ورزق الناس من الأرض يتمثل في صور منها:

انفلاق الحب والنوى.

وصب الماء من المزن صبا.

واستخراج كنوز البحر والبر.

ص: 113

وقوانين طبيعية وكيماوية أودعها الله الواحد القهار في هذه البسيطة فمن ذللها وهيأها؟ أإله مع الله؟ كلا.

ورزق الناس من السماء يتمثل في صور منها:

الضوء والحرارة.

والمطر.

والمد والجزر في البحار.

والهواء والرياح.

من الذي سخرها وأهداها؟

أإله مع الله؟ كلا.

إنهم ليعجزون عن إقامة برهان وهو عجز مستمر منذ طرح هذا السؤال في البيئة الأولى لمولد الدعوة حتى يوم القيامة وفي كل عصر وزمن فإن الفطرة السليمة تنطق {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} .

إنه الله الواحد الأحد الفرد الصمد لا شريك له ولا ولد وهكذا يجلو القرآن الكريم فطرة الإنسان؛ لتصفو صفحة العقل من ترهات التقاليد والعادات، وتتخلص خلايا المخ من مواريث الآباء والأجداد، وهنا يظهر المنهاج القرآني الذي استخدم في هذه المرحلة.

إنه كشف حقائق الكون وحقائق النفس حتى لكأنها تبدو إطارا واحدا يأخذ بالقلوب ويوقظ الفطرة ويجلو العقل ويستجيش الوجدانات ويبرز مركوز الحقائق في المشاعر التي تغشيها الغفلة

ص: 114

ويحجبها الجمود وتطمسها موروثات الآباء والأجداد، حتى تظهر الحقيقة حية ثابتة في تصميم هذا الكون وفي أغوار النفس واضحة قوية لا يملك لمعاند معها مراء ولا جدالا، فتنطق وقد صفيت من الركام المعنكب {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} 1.

وهكذا تبرز طريقة القرآن في منهاج التفكير متسقة مع الفطرة الإنسانية مغايرة لمقولات المناطقة الفاسدة فلا تستطيع أن تجعل آية دالة على الخلق دون القصد، ولا آية دالة على القصد دون العناية ولا آية دالة على العناية دون التدبير للرحمة والرأفة بالعباد، وأن مجرد إثبات الخلق إلى الله يكفي في إثبات القصد والترابط والعناية والتدبير.

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} 2.

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} 3.

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} 4.

فكل آية في كتاب الله جل شأنه سيقت لإثبات الوحدانية في الذات هي دليل كوني ودليل رباني، ودليل استعلائي.

وتلك صفة ممتازة للأسلوب القرآني بالإضافة إلى أنه يتوجه إلى:

1-

العقل يوقظه عن طريق استجاشة الفطرة.

1 راجع حول هذا في ظلال القرآن ج20 ص8-17 ط ثالثة بيروت.

2 الآية رقم 16 من سورة الأنبياء.

3 الآية رقم 38 من سورة الدخان.

4 الآية رقم 17 من سورة "المؤمنون".

ص: 115

2-

وإلى الوجدان يستحثه لينتفض العقل من ثباته.

ويهيج المشاعر بحقائق الكون وحقائق النفس ويضعها جميعا أمام مشاهدات الحس والوجدان.

{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} 1.

ذلك رد على سؤال سابق:

{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ} .

وهو سؤال استنكار وتهكم؛ لأنهم يعرفون أن آلهة الأرض اتخذت زلفى، ولكن تسميتها آلهة وهي عاجزة عن الفعل بالمشاهدة والواقع هو ما يريد القرآن أن يلفت أنظارهم إليه.

إن الوصف بالألوهية مرتبط بالفعل وانتظام الكون لا يصدر إلا عن إرادة واحدة والإرادة الواحدة لا تصدر إلا عن إله واحد.

والكون قائم على ناموس واحد وترتبط جميع أجزاء الكون بهذا الناموس الواحد، وهو من صنع إرادة واحدة لآله واحد، فلو تعددت الذوات لتعددت الإرادات. إذًا تعددت النواميس تبعا لتعدد الإرادات، والإرادة هي مظهر الذات والناموس مظهر الإرادة النافذة، فإذا ما تعددت النواميس التي تنسق الجهاز الكوني تتصادم وتختلف وتضطرب الموجودات فيفسد العالم على فرض وجوده، وذلك شعور يحس به الفرد إذا تعددت إرادته البشرية نحو فعل شيء معين.

1 الآية رقم 22 من سورة الأنبياء.

ص: 116

وتحس به الأسرة إذا ازدوجت فيها الإرادة المنظمة، وتحس به الدولة إذا تعددت فيها الرياسة، وذلك الإحساس في الواقع البشري إحساس فطري، فما بال هذا الكون عاليا وسافلا وقد أودع من القوانين ما تربط بين أجزائه قوة واحدة صانتها إرادة نافذة واحدة، هي إرادة إله وحد، أتستقر أمور هذا الكون لو تعددت الإرادات النافذة لتعدد الآلهة.

أيعيش الفرد متصفا بالاتزان عند الناس إذا عرف عنه التردد لتعدد إرادته نحو: هل يفعل أولا يفعل؟

أتسعد الأسرة إذا ازدوجت فيها إرادة التنظيم؟

وإذن فكيف يكون العالم علوية وسفلية إذا تعددت الإرادات بتعدد الآلهة؟ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} .

إن الفطرة السليمة البريئة من أمراض المواريث الاجتماعية لتشهد شهادة فطرية بوحدة الناموس للوجود كله، ووحدة الإرادة النافذة التي أوجدته ووحدة الخالق المدبر لهذا الكون المنسق المنظم المرتب الذي لا يطرأ عليه خلل ما دام في رعاية الله1.

{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} 2.

وإذن يأتي التكليف الطبيعي للبشرية عامة.

1 راجع في ظلال القرآن ج17 ص20، 21.

2 الآية رقم 41 من سورة فاطر.

ص: 117

{وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ، وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} 1.

هنا يأمر الله أنه لا ينبغي أن يعبد إله سواه؛ لأنه وحده مالك كل شيء وخالق كل شيء ورب كل شيء والتعبير هنا متجه إلى التقرير ولهذا أتى بالوصف "اثنين" لنفي التعدد مطلقا وإتاحة الفرصة للعقل ليفهم مفاد القصر في قوله تعالى: {إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ويتبع قصر الوحدانية على الذات بقصر آخر لازم للأول وهو قصر الرهبة عليه وحده جل جلاله دون واسطة أو شبيه أو نظير2.

إنما هو إله واحد وإنما هو كذلك مالك واحد، وله ما في السموات والأرض، ولا دين منذ الأزل إلا دينه، وله الدين واصبا لازما مستمرا، وهو منعم واحد.

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 3.

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 4.

1 الآيتان رقم 51، 52 من سورة النحل.

2 راجع ابن كثير ج2 ص572، راجع في ظلال القرآن ج12 ص70-71.

3 الآية رقم 17 من سورة الأنعام.

4 من الآية رقم 11 من سورة الشورى.

ص: 118