الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)
الحَج: بفتح الحاء، لا بكسرها في الأشهر، وعكسه شهر ذي الحِجة.
وهو لغة: القصد إلى من تعظمه، وشرعاً: قصد مكة لعمل مخصوص، في زمن مخصوص.
والعمرة لغة: الزيارة، يقال: اعتمره إذا زاره، وشرعاً: زيارة بيت الله على وجه مخصوص.
- مسألة: (يَجِبَانِ) أي: الحج والعمرة.
فأما الحج: فبالإجماع، لقول الله عز وجل:(وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[آل عمران: 97]، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» [البخاري 8، ومسلم 16].
وأما العمرة: فتجب على المكي وغيره؛ لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله)[البقرة: 196]، ولحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله، على النساء
جهاد؟ قال: «نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، الحجُّ وَالْعُمْرَةُ» [أحمد 25322، وابن ماجه 2901]، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما في سؤال جبريل عن الإسلام، وفيه:«وَتَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ» [ابن خزيمة 3065، والدارقطني 2708 وقال: إسناده صحيح]، ولحديث الصُّبَيّ بن مَعْبَدٍ، أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أميرَ المؤمنين، إني كنتُ رجلاً أعرابيًّا نصرانيًّا، وإني أسلمتُ، وأنا حريص على الجهاد، وإني وجدتُ الحجَّ والعُمرةَ مكتوبين عليَّ، فأتيتُ رجلاً من قومي فقال لي: اجمعهما واذبحْ ما استيسرَ من الهدي، وإني أهللتُ بهما معاً، فقال عُمَرُ رضي الله عنه:«هُدِيتَ لِسُنَّة نبيكَ صلى الله عليه وسلم» [أحمد 254، وأبو داود 1799، وابن ماجه 2970]، وقال ابن عمر رضي الله عنهما:«لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ» [البخاري معلقاً مجزوماً 3/ 2، ومصنف ابن أبي شيبة 13655] وعن جابر رضي الله عنه نحوه [ابن خزيمة 3067]، ولأنها تشتمل على إحرام وطواف وسعي، فكانت واجبة كالحج، وأما بعض الأحاديث المسكوت فيها عنها؛ فلأن اسم الحج يتناولها، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:«دَخَلَتِ العُمْرَةُ فِي الحجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» [مسلم 1241].
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: أنها سنة؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقلُ فيسألَه ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد
…
، وسأله عن الصلاة والزكاة والصوم والحج، ثم قال: والذي بعثك بالحق، لا أزيد عليهن، ولا أنْقُصُ منهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَئِنْ
صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ» [مسلم 12]، ولحديث جابر رضي الله عنه: أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني عن العمرة، أواجبة هي؟ فقال:«لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ» [أحمد 14397، الترمذي 931، وضعفه الألباني].
- مسألة: يجب الحج والعمرة (عَلَى) من اجتمعت فيه خمسة شروط:
(الـ) شرط الأول: أن يكون (مُسْلِمـ) ـاً، وهو شرط للوجوب والصحة، فلا يجبان على كافر وجوب أداء إجماعاً، لكن الكافر يتوجه إليه خطاب وجوب التكليف؛ لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ولا يصحان منه؛ لأنهما عبادة من شرطها النية، وهي لا تصح من الكافر.
الشرط الثاني: كمال (الحُرِّ) يَّة، إجماعاً، وهو شرط للوجوب والإجزاء فقط، فلا يجبان على قنٍّ ومكاتبٍ ومدَبَّرٍ وأم الولد ومُعْتقٍ بعضُه؛ لأن منافعهم أو بعضها مستحقة للسيد، فليسوا بمستطيعين.
فإن حج القن ونحوه؛ صح حجهم؛ لأنهم من أهل العبادة، فصح منهم كالحر، ولا يجزئهم عن حجة الإسلام اتفاقاً؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً:«أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ الحِنْثَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» [البيهقي 8613]، ولأنه فعل للعبادة قبل وجوبها عليه، فلم يجزئه عن حجة الإسلام؛ كحج الصبي.
وأشار بقوله: (المُكَلَّفِ) إلى شرطين:
الشرط الثالث: أن يكون بالغاً، إجماعاً؛ وهو شرط للوجوب والإجزاء فقط، فلا يجبان على صغير؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ» [أحمد 24694، وأبو داود 4403، والنسائي 3432، وابن ماجه 2041].
فإن حج الصغير ولو غير مميز صح منه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: رفعت امرأة صبيًّا لها، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال:«نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» [مسلم 1336]، ولا يجزئه عن حجة الإسلام اتفاقاً؛ لحديث ابن عباس السابق:«أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى» .
الشرط الرابع: أن يكون عاقلاً، إجماعاً، وهو شرط للوجوب والصحة، فلا يجبان على مجنون؛ لحديث عائشة السابق:«وَعَنِ المجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ» ، ولا يصحان منه، سواء عقده بنفسه؛ لعدم النية، أم عقده له وليه؛ كالصوم، وإنما صح من غير المميز إذا عقده له وليه؛ لحديث ابن عباس السابق:«نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» .
(الـ) ـشرط الخامس: أن يكون (مُسْتَطِيعـ) ـاً، إجماعاً، وهو شرط للوجوب دون الإجزاء والصحة؛ لقوله تعالى:(وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[آل عمران: 97]، فلو حجَّ الفقير أو المريض صحَّ، وأجزأهم عن حجة الإسلام؛ لأن خلقاً من الصحابة حجوا ولا شيء معهم،
ولم يؤمر أحد منهم بالإعادة، ولأن الاستطاعة إنما شرعت للوصول، فإذا وصل وفعل أجزأه.
- تنبيه: تنقسم شروط الحج إلى ثلاثة أقسام:
1 -
شروط الوجوب: وهي الخمسة السابقة: الإسلام، وكمال الحرية، والبلوغ، والعقل، والاستطاعة.
2 -
شروط الصحة: وهي الإسلام، والعقل.
3 -
شروط الإجزاء: وهي الحرية، والبلوغ.
- مسألة: الاستطاعة في الحج: مِلك الزاد والراحلة، واختاره شيخ الإسلام؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما يوجب الحج؟ قال:«الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» [الترمذي 813، وابن ماجه 2897، قال الترمذي: حديث حسن، والعمل عليه عند أهل العلم]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى:(من استطاع إليه سبيلا)، قال:«الزَّادُ وَالبَعِيرُ» [مصنف ابن أبي شيبة 15706]، ونحوه عن عمر رضي الله عنه [مصنف ابن أبي شيبة 15710].
قال شيخ الإسلام: (فإن قول الله سبحانه في الحج: (من استطاع إليه سبيلا) إما أن يعني به القدرة المعتبرة في جميع العبادات، وهو مطلق المُكْنة، أو قدراً زائداً على ذلك.
فإن كان المعتبر هو الأول، لم يحتج إلى هذا التقييد، كما لم يحتج إليه في آية الصوم والصلاة، فعلم أن المعتبر قدر زائد على ذلك، وليس هو إلا المال).
وعند المالكية: الاستطاعة هي: إمكان الوصول بلا مشقة عظيمة زائدة على مشقة السفر العادية، مع الأمن على النفس والمال، ولا يشترط عندهم الزاد والراحلة، بل يجب على القادر على المشي إن كانت له صنعةٌ يحصِّل منها قوته في الطريق كالحمَّال والنجَّار؛ لقوله تعالى:{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، ومن قدر على المشي فهو مستطيع، ولأن الله عز وجل سوَّى في كتابه بين الحاج الراكب والماشي على رجليه، وقدم الماشي على الراكب في قوله تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27].
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» ، فهو تفسير بأغلب حالات الاستطاعة، وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له.
- مسألة: الاستطاعة في الحج والعمرة تكون بتوفر أمرين:
1 -
الزاد: وهو ما يحتاج إليه من مأكول ومشروب وكسوة، لذهابه وعودته، ولو قربت المسافة (1)، قال في الفروع: (المراد بالزاد: ألا يحصل
(1) ولم يعتبروا في الزاد أن يكون صالحاً لمثله، قال في الإنصاف (8/ 45):(وهو صحيح)، وهو ظاهر المنتهى وشرحه، وقال في الفروع (5/ 235):(ويتوجه احتمال أنه كالراحلة) أي: يعتبر أن يكون صالحاً لمثله.
معه ضرر لرداءته)، أو يملك ما يقدر به على تحصيل ذلك من نقد أو عرض.
ويشترط الزاد سواء قربت المسافة أم بعدت.
2 -
الراحلة: بأن يملك راحلة صالحة لمثله، لذهابه وعوده، أو يملك ما يقدر به على تحصيل ذلك من نقد أو عرض.
واختار ابن عثيمين: عدم اعتبار كون الراحلة صالحة لمثله، فيجب عليه الحج إن وجد راحلة تصل به إلى المشاعر ولو لم تكن صالحة لمثله؛ لأن ذلك لا يعد عجزاً.
- فرع: اعتبار الراحلة لا يخلو من أمرين:
1 -
أن تكون المسافة بينه وبين مكة مسافة قصر فأكثر: فيعتبر وجود الراحلة، ولو قدر على المشي وتقدم الخلاف فيه.
2 -
أن تكون المسافة بينه وبين مكة أقل من مسافة قصر: فلا يعتبر وجود الراحلة، ويلزمه المشي، للقدرة على المشي فيها غالباً؛ ولأن مشقتها يسيرة ولا يخشى فيها عطب على تقدير الانقطاع بها بخلاف البعيد.
إلا مع عجز لكبر ومرض ونحوه، فتعتبر الراحلة حتى فيما دون المسافة؛ للحاجة إليها إذن.
- مسألة: يجب الحج والعمرة (فِي العُمْرِ مَرَّةً) واحدة، إجماعاً؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحجُّ مَرَّةٌ، فَمَنْ زَادَ فَتَطَوُّعٌ» [أحمد 2304، وأبو داود 1721، والنسائي 2619، وابن ماجه 2886].
- فرع: يجب الحج في العمر مرة، إلا في ثلاث حالات:
1 -
إذا نذر أن يحج؛ لوجوب الوفاء بالنذر.
2 -
إذا أفسد الحج قبل التحلل الأول، فيلزمه الحج من قابل، ويأتي.
3 -
إذا فاته الحج ولم يكن اشترط، فإنه يقضيه وجوباً، ويأتي في الفوات.
- مسألة: من كملت له الشروط وجب عليه السعي للحج والعمرة (عَلَى الفَوْرِ)، فيأثم إن أخر بلا عذر، بناء على أن الأمر المطلق للفور، ويؤيده: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَرَادَ الحجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ» [أحمد 1834، وأبو داود 1732، وابن ماجه 2883].
وأما قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة) فنزلت في السنة السادسة، وليس فيها وجوب الحج والعمرة، بل وجوب إتمامهما، وقد فرض الحج في السنة التاسعة لما نزل قوله تعالى:(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً)، وتأخيره عليه الصلاة والسلام إلى السنة العاشرة يحتمل أنه كان في آخرها، أو لانشغاله بالوفود الذين قدموا عليه، أو لأن الله تعالى كره له الحج مع المشركين وهم عراة حول البيت.
- مسألة: (فَإِنْ زَالَ مَانِعُ) إجزاء (حَجٍّ)، بأن عَتَق العبدُ محرِمًا، أو أفاق مجنون أحرم قبل جنونه، أو بلغ الصغير محرماً، فلا يخلو من أمرين:
الأول: أن يزول المانع قبل فوات وقت الوقوف، فإن زال المانع وهو (بِعَرَفَةَ) قبل الدفع منها، أو بعد الدفع إن عاد فوقف في وقته، ولم يكن سعى بعد طواف القدوم؛ وقع فرضاً؛ لأن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم، لحديث عبد الرحمن بن يَعْمَر الدَّيلي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجَّهُ» [أحمد 18773، والترمذي 889، وابن ماجه 3015]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً:«إِذَا عَتَقَ العَبْدُ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ تِلْكَ الحَجَّةُ، وَإِذَا عَتَقَ بِجَمْعٍ لَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ» [عبد الله بن أحمد في مسائله 798]، ولأنهم أتوا بالنسك حال الكمال، فأجزأهم، كما لو زال المانع قبل الإحرام.
- فرع: إن كان قد سعى بعد طواف القدوم قبل الوقوف بعرفة لم يجزئه الحج؛ لوقوع الركن في غير وقت الوجوب، أشبه ما لو كبر للإحرام ثم بلغ، فلا يجزئ ولو أعاد السعي؛ لأنه لا يشرع مجاوزة عدده ولا تكراره، بخلاف الوقوف؛ فإنه لا قدر له محدود.
وفي وجه: إذا أعاد السعي أجزأه الحج؛ لحصول الركن الأعظم وهو الوقوف بعرفة، وتبعية غيره له، ولعموم قول ابن عباس السابق، حيث لم يفرق بين من سعى ومن لم يسع.
الثاني: أن يزول المانع بعد فوات وقت الوقوف بعرفة؛ فلا يجزئه عن حجة الإسلام؛ لأثر ابن عباس السابق.
- مسألة: (وَ) إن زال مانع إجزاء (عُمْرَةٍ)، بأن عَتَقَ العبدُ محرِمًا، أو أفاق مجنون أحرم قبل جنونه، أو بلغ الصغير محرماً، فلا يخلو من أمرين:
الأول: أن يزول المانع (قَبْلَ) الشروع في (طَوَافِهَا): وقعت العمرة فرضاً؛ لأنهم أتوا بالنسك حال الكمال فأجزأهم، كما لو زال المانع قبل الإحرام.
الثاني: أن يزول المانع بعد الشروع في الطواف: لم يقع فرضاً ولو أعاده، وفاقاً؛ لوقوع بعض الركن في غير وقت الوجوب، ولم يجزئهم عن عمرة الإسلام؛ لوقوعه نفلاً.
وأشار إلى ذلك بقوله: (وَفُعِلَا) أي: الحج والعمرة (إِذَنْ) أي: إذا زال المانع في الحج بعرفة قبل الدفع منها، أو بعد الدفع إن عاد فوقف في وقته، ولم يكن سعى بعد طواف القدوم، أو زال المانع في العمرة قبل الشروع في طوافها، (وَقَعَا فَرْضاً).
- مسألة: القدرة في الحج والعمرة على أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يكون قادراً بماله وبدنه: فيجب عليه الحج والعمرة على الفور؛ لما سبق.
القسم الثاني: أن يكون قادراً ببدنه دون ماله: فلا يجب عليه الحج والعمرة إلا بوجود الاستطاعة، وهي: الزاد والراحلة، وسبقت المسألة.
القسم الثالث: أن يكون عاجزاً بماله وبدنه: فيسقط عنه وجوب الحج والعمرة بغير خلاف؛ لعدم الاستطاعة.
القسم الرابع: أن يكون قادراً بماله دون بدنه: وأشار إليه بقوله: (وَإِنْ عَجَزَ) من توفرت فيه شروط الوجوب عن السعي إلى الحج ببدنه لم يخلُ من أمرين:
الأول: أن يَعْجِز بسبب مرض يرجى برؤه: فإنه يؤخر الحج والعمرة إلى وقت القدرة، ولا يجوز له أن ينيب غيره عنه؛ لأن النص إنما ورد في النيابة عن الشيخ الكبير الذي لايرجى منه حج، فلا يقاس عليه إلا من كان مثله.
الثاني: أن يعجز (لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ: لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ) على الفور؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: جاءت امرأة من خَثْعَمٍ عام حجة الوداع، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستويَ على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال:«نَعَمْ» [البخاري 1855، ومسلم 1334]، فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على وصف الحج على أبيها بأنه فريضة مع عجزه عنه ببدنه.
- فرع: يلزم النائبَ أن يحج ويعتمر عن المنيب (مِنْ حَيْثُ وَجَبَا)،
أي: من بلد المنيب أو من الموضع الذي أيس فيه؛ لأن القضاء يحكي الأداء، والبدل يقوم مقام المبدل منه.
واختار ابن عثيمين: أنه لا يلزمه أن ينيب من يحج من بلده؛ بل يجزئ ولو من مكة؛ لإطلاق حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق، ولأن السعي إلى مكة ليس مقصودًا لذاته، بل هو مقصود لغيره، بدليل: أن الآفاقي لو صادفه الحج وهو في مكة فأحرم منها، أجزأه ذلك.
- مسألة: من أناب من يحج أو يعتمر عنه لمرض لا يرجى برؤه، ثم عوفي بعد ذلك، فلا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: إذا عوفي قبل الإحرام، فلا يجزئه بالاتفاق؛ لأنه قدر على الأصل قبل الشروع في البدل، كالمتيمم يجد الماء قبل الصلاة، فلا تصح صلاته بالتيمم.
الثانية: إذا عوفي بعد فراغ النائب من النسك: أجزأه حج النائب وعمرته، وهو من المفردات؛ لأنه أتى بما أُمر به، فخرج من العهدة، ولأن القول بعدم الإجزاء يفضي إلى إيجاب الحج عليه مرتين.
الثالثة: إذا عوفي بعد إحرام النائب وقبل الفراغ من النسك، وأشار إليه بقوله:(ويُجْزِئَانِهِ) أي: يجزأ المنيب الحج والعمرة (مَا لَمْ يَبْرَأْ قَبْلَ إِحْرَامِ نَائِبٍ)، فيجزئه ذلك، سواء عوفي قبل فراغ النائب من النسك أم بعده؛ كالمتمتع إذا شرع في الصوم ثم قَدَر على الهدي.
وفي وجه، واستظهره شيخ الإسلام: لا يجزئه؛ لأنه قَدَر على الأصل قبل تمام البدل، كالمتيمم يجد الماء في الصلاة.
- مسألة: (وَشُرِطَ لِـ) وجوب الحج والعمرة على (امْرَأَةٍ): وجود (مَحْرَمٍ) لها (أيضاً) أي: زيادة على ما تقدم من شروط وجوب الحج، سواء كانت المرأة شابة أم عجوزاً، وسواء كان السفر مسافة قصر أم دونها، فإن لم تجد المحْرَمَ لم يجب عليها الحج ولا الإنابةُ فيه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» ، فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، فقال:«اخْرُجْ مَعَهَا» [البخاري 1855، ومسلم 1334]، وهو عام في كل سفر، سواء كان في سفر طاعة أم غيره، وهذا تقييد للإطلاق في قوله تعالى:(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا).
وعنه، وقال به شيخ الإسلام: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم (1)،
(1) هكذا في الفروع (5/ 245): (وعند شيخنا: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم، وقال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة).
وفي مجموع الفتاوى (26/ 13): (وسئل: هل يجوز أن تحج المرأة بلا محرم؟
فأجاب: إن كانت من القواعد اللاتي لم يحضن، وقد يئست من النكاح ولا محرم لها، فإنه يجوز في أحد قولي العلماء أن تحج مع من تأمنه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومذهب مالك والشافعي).
وقال: (هذا متوجه في كل سفر طاعة)؛ لأن «عُمَرَ رضي الله عنه أَذِنَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ» [البخاري 1860].
- مسألة: (فَإنْ) وجدت المَحْرَم وفرطت بالتأخير، ثم (أَيِسَتْ مِنْهُ) أي: من وجود المحرم (اسْتَنَابَتْ) من يحج عنها ويعتمر؛ كالكبير العاجز.
- فرع: المحرَم في السفر: هو الزوج، أو من تحرُمُ عليه على التأبيد، ويأتي ذكرهم في المحرَّمات في النكاح؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً:«لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إِلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا، أَوِ ابْنُهَا، أَوْ زَوْجُهَا، أَوْ أَخُوهَا، أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» [مسلم 1340].
- فرع: شروط المحْرَم:
1 -
أن يكون مسلمًا؛ لأن الكافر لا يؤمن عليها أن يفتنها في دينها.
وقال ابن مفلح: (ويتوجه: أنه لا يعتبر إسلامه إن أُمِنَ عليها)، واختاره ابن عثيمين.
2 -
أن يكون ذكراً، ولو عبداً؛ لأن المقصود منه الحفظ.
3 -
أن يكون بالغًا عاقلاً؛ لأن غير المكلف لا يحصل به المقصود من الحفظ؛ لأنه يحتاج إلى من يحفظه، فلا يقدر على حفظ غيره.