الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَ) الشرط الخامس: (خُرُوجٌ) بعوضٍ (عَنْ شَبَهِ قِمَارٍ)؛ لأن القمار محرَّم فشبهه مثله، وذلك بأن لا يخرج جميعهم العوض؛ لأنه إذا أخرجه كلٌّ منهم لم يخل عن أن يغنم أو يغرم، وهو شبه القمار، وتقدم الكلام عن ذلك.
(فَصْلٌ) في العارية
العارية: مشددة الياء على المشهور، وحكى الخطابي وغيره تخفيفها، قال الأزهري: هي مأخوذة من عار الشيء يعير: إذا ذهب وجاء. وقيل: هي مشتقة من التعاور، من قولهم: اعتوروا الشيء، إذا تداولوه بينهم.
واصطلاحاً: العين المأخوذة من المالك أو وكيله للانتفاع بها مطلقًا بلا عوض.
والإعارة: إباحة نفع عينٍ تبقى بعد استيفائها بلا عوض.
- مسألة: (وَالعَارِيَّةُ سُنَّةٌ) إجماعًا؛ لقولِه تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)[المائدة: 2] وهي من البر، وقوله تعالى:{ويمنعون الماعون} [الماعون: 7]، قال ابن مسعود:«كُنَّا نَعُدُّ المَاعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَوَرَ الدَّلْوِ وَالقِدْرِ» [أبو داود: 1657].
ولا تجب العاريَّة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ» [الترمذي: 618، ابن ماجه: 1788]، ولحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في الرجل الذي جاء يسأل عن الإسلام، وفيه: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» [البخاري: 46، ومسلم: 11].
واختار شيخ الإسلام: وجوب العاريَّة مع غنى المالك؛ لقول ابن مسعود السابق في تفسير قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} ، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الخيل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَسِتْرًا وَتَعَفُّفًا، وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا فَهِيَ لَهُ كَذَلِكَ سِتْرٌ» [البخاري: 3646، ومسلم: 987]، ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ، وَلَا بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلَّا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطِحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ» قلنا: يا رسول الله، وما حقها؟ قال:«إِطْرَاقُ فَحْلِهَا، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا، وَمَنِيحَتُهَا» [مسلم: 988].
- فرع: يستثنى على المذهب: إعارة المصحف، فتجب لمن احتاج إلى القراءة فيه، ولم يجد غيره.
وخرَّج ابن عقيل: وجوب إعارة كتب العلم للمحتاج إليها من القُضاة والحكَّام وأهل الفتاوى.
- مسألة: (وَكُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ) من الأعيان تصح إعارته؛ كالدَّار، والعبد، والدَّابة، والثَّوب، ونحوها؛ لما تقدم من الأدلة على صحة إعارة البهائم وغيرها، والباقي بالقياس عليها.
- فرع: يشترط لصحة الإعارة أربعة شروط:
الشرط الأول: أهلية المعير للتبرع؛ لأن الإعارة نوع من التبرع؛ لأنها إباحة منفعة، فلا يعير مكاتب، ولا ناظر وقف، ولا ولي يتيم من ماله.
الشرط الثاني: أهلية المستعير للتبرع له بتلك العين، بأن يصح منه قبولها هبة، فلا تصح إعارة المصحف لكافر؛ لشبه الإباحة بالهبة.
الشرط الثالث: كون العين المعارة منتفعاً بها (مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهـ) ـا؛ كدوابَّ، ورقيق، ودور، ولباس، وأوان، بخلاف ما لا ينتفع به إلا مع تلف عينه؛ كأطعمة وأشربة.
وقال ابن عقيل فيما إن أعطى الأطعمة والأشربة بلفظ الإعارة: احتمل أن يكون إباحة الانتفاع على وجه الإتلاف.
الشرط الرابع: أن يكون نفع العين المعارة (نَفْعاً مُبَاحاً)، ولو لم يصح الاعتياض عنه؛ كإعارة كلب ماشية ونحوه، فـ (تَصِحُّ إِعَارَتُهُ)؛ لإباحة نفعه، والمنهي عنه العوض المأخوذ عن ذلك.
وعلى هذا: لا تصح إعارة ما كان نفعه محرمًا؛ كدار لمن يتخذها
كنيسة، أو يعصي الله فيها، ولا إعارة إناء من أحد النقدين، ولا حلي محرم ونحو ذلك؛ لأن الإعارة لا تبيح له إلا ما أباحه الشرع، ولأن ذلك كله إعانة على الإثم والعدوان المنهي عنه.
- فرع: كل عين مباحة النفع تجوز إعارتها (إِلَّا) أموراً، منها:
1 -
(البُضْعُ)، فلا تجوز إعارة بضع أمته؛ لأنَّ الوطء لا يجوز إلا في نكاحٍ أو ملك يمينٍ، وكلاهما مُنتفٍ.
2 -
(وَ) أن يعير (عَبْداً مُسْلِماً لِكَافِرٍ) لخدمته الخاصة؛ فلا يصح؛ لأنَّه لا يجوزُ له استخدامُه لما فيه من الإذلال، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
فإن أعاره لعمل في الذمة غير الخدمة؛ صح؛ لأنه لا يتضمن إذلال المسلم، واستخدامه أشبه مبايعته.
3 -
(وَ) أن يعير (صَيْداً وَنَحْوَهُ)؛ كمخيط وطيب (لِمُحْرِمٍ)؛ لأنه معاونة على الإثم والعدوان.
4 -
(وَ) أن يعير (أَمَةً، وَ) أن يعير (أَمْرَدَ لِغَيْرِ مَأْمُونٍ) عليهما، كإعارتهما لشاب ونحوه، فلا يصح؛ لأنه لا يؤمن عليه الفتنة.
- مسألة: (وَتُضْمَنُ) العاريَّة بعد قبضها، إذاتلفت في غير ما استُعيرت
له (مُطْلَقًا) أي: سواء فرط أم لم يفرط؛ لحديث الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه مرفوعاً: «عَلَى اليَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» [أحمد: 20086، وأبو داود: 3561، والترمذي: 1266، وابن ماجه: 2400]، ولحديث صفوان بن أمية رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعًا فقال: أغصبًا يا محمد؟ فقال: «بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» [أحمد: 15302، وأبو داود: 3562]، وعن ابن أبي مليكة:«أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يضمن العاريَّة» [عبد الرزاق: 14792].
ويضمن سواء شرط نفي ضمانها أم لا؛ لأنَّ كل عقدٍ اقتضى الضمان لم يُغيِّره الشرط.
وعنه واختاره شيخ الإسلام: لا تضمن إلا إذا شرط الضمان؛ لأنه قبضها بإذن مالكها فكانت أمانة وأما كونه يضمن إذا شرط الضمان؛ فلحديث صفوان السابق: «بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» ، فإن قوله:«مَضْمُونَةٌ» صفة مقيدة للعارية وليست صفة كاشفة.
وأما حديث سمرة فأعله ابن التركماني وغيره بأن الحسن لم يسمع من سمرة هذا الحديث.
واختار ابن القيم: أنها لا تتضمن إلا بالتعدي أو التفريط، وأما حديث
صفوان فالمقصود بقوله: «بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» ، ضمان الرد لا ضمان التلف، ويدل على ذلك ما في الرواية الأخرى بلفظ:«بَلْ مُؤَدَّاةٌ» [أبو داود: 3566]، وورد عن عمر رضي الله عنه قال:«العَارِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ الوَدِيعَةِ، وَلَا ضَمَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى» [عبد الرزاق: 14785]، وعن علي نحوه [عبد الرزاق: 14788].
- فرع: لا يخلو ضمان العاريَّة من أمرين:
الأول: أن تكون العاريَّة مِثلية: فتضمن (بِمِثْلِ مِثْلِيٍّ)، كقطعة من نحاس لا صناعة بها إذا تلفت، بمثل وزنها من نوعها؛ لأن المثلي أقرب إلى العين من القيمة.
(وَ) الثاني: أن تكون العاريَّة غير مثلية: فتضمن بـ (ـقِيمَةِ غَيْرِهِ) أي: غير المثلي (يَوْمَ تَلَفِـ) ـه؛ لأنه حينئذ يتحقق فوات العارية، فوجب اعتبار الضمان به.
- فرع: (لَا) تضمن العاريَّة في مسائل، منها:
1 -
(إِنْ تَلِفَتْ) العاريَّة أو تلف جزؤها (بِاسْتِعْمَالٍ بِمَعْرُوفٍ) كثوب بَلِيَ باللبس، و (كَخَمْلِ مِنْشَفَةٍ) وهو هدبها مما ينسج ويفضل له فضول؛ لأنَّ الإذن في الاستعمال تضمَّن الإذن في الإتلاف، وما أُذن في إتلافه غير مضمون؛ كالمنافع.
2 -
(وَلَا) تضمن العاريَّة (إِنْ كَانَتْ وَقْفاً؛ كَكُتُبِ عِلْمٍ)، وسلاح موقوف على غزاة، ونحوها؛ لأن قبض الوقف ليس على وجه يختص المستعير بنفعه؛ لأن تعلم العلم وتعليمه من المصالح العامة، أو لكون الملك فيه ليس لمعين، أو لكونه من جملة المستحقين له.
3 -
إن أركب منقطعًا طالبًا الثواب، وسيأتي.
- فرع: لا تضمن العاريَّة في المسائل الثلاث (إِلَّا) بتعدٍّ فيها أو (بِتَفْرِيطٍ)؛ كسائر الأمانات، فإنها تضمن بالتعدي والتفريط.
- مسألة: (وَعَلَيْهِ) أي: على المستعير (مُؤْنَةُ رَدِّهَا) أي: رد العاريَّة؛ لما تقدم من حديثِ: «عَلَى اليَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» ، وإذا كانت واجبة الردِّ وجب أن تكون مؤنة الردِّ على من وجب عليه الردُّ.
- مسألة: (وَإِنْ أَرْكَبَ) إنسان دابته شخصًا (مُنْقَطِعاً لِله) أي: طالبًا الثواب من الله، فتلفت الدابة تحته؛ (لَمْ يَضْمَنِ) الراكب؛ لأنها بيد صاحبها، وراكبها لم ينفرد بحفظها.