المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الإحرام - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ٢

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌فصل في الإحرام

- ‌(فَصْلٌ) في المواقيت

- ‌فصل في محظورات الإحرام

- ‌(فَصْلٌ في الفِدْيَةِ)

- ‌فصل في جزاء الصيد

- ‌فصل في حكم صيد الحرم

- ‌(فَصْلٌ في صِفَةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في أركان وواجبات الحج والعمرة

- ‌(فَصْلٌ)في الهدي، والأضحية، والعقيقة

- ‌فصلفي العقيقة

- ‌(كِتَاب الجِهَادُ)

- ‌(فَصْلٌ)في عقد الذمة وأحكامها

- ‌فصلفي أحكام أهل الذمة

- ‌(كِتَابُ البَيْعِ وَسَائِرِ المُعَامَلَاتِ)

- ‌فَصْلٌفيما نُهِيَ عنه من البيوع ونحوها

- ‌(فَصْلٌ)الشروط في البيوع

- ‌(فَصْلٌ) في الخيار

- ‌(فَصْلٌ)في التصرف في المبيع قبل قبضه، وما يحصل به قبضه

- ‌(فَصْلٌ)في الربا والصرف

- ‌فَصْلٌ فِي الصَّرْفِ

- ‌(فَصْلٌ)في بيع الأصول والثمار

- ‌(فَصْلٌ)في السلم

- ‌(فَصْلٌ) في القرض

- ‌(فَصْلٌ) في الرهن

- ‌(فَصْلٌ) في الضمان

- ‌فصل في الكفالة

- ‌فصل في الحوالة

- ‌(فَصْلٌ) في الصلح

- ‌(فَصْلٌ) في أحكام الجوار

- ‌(فَصْلٌ) في الحَجْرِ

- ‌(فَصْلٌ) في المحجور عليه لحظ نفسه

- ‌(فَصْلٌ) في الوكالة

- ‌(فَصْلٌ) في الشركة

- ‌(فَصْلٌ) في المساقاة

- ‌(فَصْلٌ)في الإجارة

- ‌فَصْلٌ

- ‌(فَصْلٌ) في السَّبَق

- ‌(فَصْلٌ) في العارية

- ‌(فَصْلٌ) في الغصب

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ) في الشُّفْعَة

- ‌(فَصْلٌ) في الوديعة

- ‌(فَصْلٌ) في إحياء المَوَات

- ‌(فَصْلٌ) في الجعالة

- ‌(فَصْلٌ) في اللُّقَطة

- ‌فصل في اللَّقِيط

- ‌(فَصْلٌ) في الوقف

- ‌(فَصْلٌ) في الهبة والعطية

- ‌فصل

- ‌فصل في تصرفات المريض

- ‌(كِتَابِ الوَصَايَا)

- ‌فصل في الموصى له

- ‌فصل في الموصى به

- ‌فصل في الوصية بالأنصاء والأجزاء

- ‌(فَصْلٌ) في الموصى إليه

- ‌(كِتَابُ الفَرَائِضِ)

- ‌(فَصْلٌ) في الجد والإخوة

- ‌(فَصْلٌ) في الحجب

- ‌(فَصْلٌ) في العصبات

- ‌(فَصْلٌ) في أصول المسائل والعول

- ‌فصل في الرد

- ‌فصل في قسم التركات

- ‌(فَصْلٌ) في ذوي الأرحام

- ‌(فَصْلٌ) في ميراث الحَمْل

- ‌فصل في ميراث القاتل والمبعض

- ‌(كِتَابُ العِتْقِ)

- ‌فصل في التدبير

- ‌فصل في الكتابة

- ‌فصل في حكم أمهات الأولاد

الفصل: ‌فصل في الإحرام

- مسألة: (وَإِنْ مَاتَ مَنْ لَزِمَاهُ) أي: الحج والعمرة، سواء كان واجباً بأصل الشرع أم بالنذر، وسواء فرط أم لم يفرط؛ (أُخْرِجَا مِنْ تَرِكَتِهِ) من رأس المال، أوصى به أو لا؛ لحديث بريدة رضي الله عنه: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت ولم تحج قط، أفأحج عنها؟ قال:«حُجِّي عَنْهَا» [مسلم: 1149]، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة من جهينة، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال:«نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا الله، فالله أَحَقُّ بِالوَفَاءِ» [البخاري: 1852]، ولأنه حق استقر عليه فلم يسقط بموته، ولهذا كان مِن جميع ماله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم شبهه بالدَّين، فوجب مساواته له.

‌فصل في الإحرام

الإحرام لغة: نية الدخول في التحريم.

وشرعًا: نية الدخول في النسك، لا نية أن يحج أو يعتمر.

- مسألة: (وَسُنَّ لِمُرِيدِ إِحْرَامٍ):

أولاً: (غُسْلٌ)، ذكراً كان أو أنثى؛ لحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه:«أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ لِإِهْلالِهِ وَاغْتَسَلَ» [الترمذي 830]، ولو حائضاً ونفساء؛ لحديث

ص: 19

جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس رضي الله عنها وهي نفساء: «اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، وَأَحْرِمِي» [مسلم 1218]، وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لما حاضت:«إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ الله عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالحَجِّ» [مسلم 1213].

- فرع: (أَوْ) أي: وسن (تَيَمُّمٌ لِعُذْرٍ)؛ كمن عدم الماء أو عجز عن استعماله؛ لأنه غسل مشروع، فناب التيمم عنه؛ كالواجب.

وعنه، واختاره ابن قدامة: لا يتيمم؛ لأن الغسل يراد للنظافة الحسية، والتيمم نظافته معنوية، ولأن التيمم إنما جاء في الحدث، فلا يقاس عليه غيره.

ثانياً: (وَ) سن لمريد الإحرام (تَنَظُّفٌ) بأخذ شعر، من حلق عانة، وقص شارب، ونتف إبط، وتقليم أظفار، وقطع رائحة كريهة؛ لقول إبراهيم النخعي:(كانوا يستحبون إذا أرادوا أن يحرموا أن يأخذوا من أظفارهم وشواربهم، وأن يستحدوا، ثم يلبسوا أحسن ثيابهم)[سعيد بن منصور، ذكره شيخ الإسلام في شرح العمدة 4/ 163، ولم نقف عليه]، ولئلا يحتاج إليه في إحرامه فلا يتمكن منه.

واختار شيخ الإسلام: أن ذلك ليس من خصائص الإحرام؛ لأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة، لكن يشرع إن احتاج إليه، وقال:(وهكذا يشرع لمصلي الجمعة والعيد على هذا الوجه).

ص: 20

ثالثاً: (وَ) سن لمريد الإحرام (تَطَيُّبٌ)، سواء كان الطيب مما تبقى عينه كالمسك، أم يبقى أثره كالعود والبخور وماء الورد.

وتطيب مريد الإحرام على ثلاثة أقسام:

1 -

التطيب في الرأس: مستحب؛ لقول عائشة رضي الله عنها: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ المِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ» [البخاري 271، ومسلم 1190].

2 -

التطيب (فِي بَدَنٍ): مستحب؛ لقول عائشة رضي الله عنها: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» [البخاري 1539، ومسلم 1189].

وأما حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه: جاء رجل متضَمِّخ بطيب، فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم في جبة، بعد ما تضمخ بطيب؟ فقال:«أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» [البخاري 4985، ومسلم 1180]، فقال ابن عبد البر:(لا خلاف بين جماعة أهل العلم بالسير والآثار، أن قصة صاحب الجبة كانت عام حنين، بالجِعرانة سنة ثمان، وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر، فعند ذلك إن قدر التعارض، فحديثنا ناسخ لحديثهم)، أو لأنه تطيب بخَلُوقٍ -وهو طيب من زعفرانٍ وغيره-، والرجل منهي عن التطيب بالزعفران في غير الإحرام، ففيه أولى.

ص: 21

وقال شيخ الإسلام (إن شاء المحرم أن يتطيب في بدنه فهو حسن، ولا يؤمر المحرم قبل الإحرام بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولم يأمر به الناس).

3 -

التطيب في ثوب: وأشار إليه بقوله: (وَكُرِهَ فِي ثَوْبٍ)، ولا يحرم؛ لأن المنع إنما ورد في ابتداء التطيب وابتداء لبس المطيَّب، لا استدامته، ويكره خروجاً من الخلاف، ولئلا يعرِّض نفسه لارتكاب المحذور، وله استدامة لبسه ما لم ينزعه، فإن نزعه فليس له أن يلبسه قبل غسل الطيب منه.

واختار ابن باز وابن عثيمين: أنه يحرم تطييب الثياب؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم: «وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ» [البخاري 366، ومسلم 1177].

رابعاً: (وَ) سن لمريد الإحرام (إِحْرَامٌ بِإِزَارٍ وَرِدَاءٍ)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَليُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَنَعْلَيْنِ» [أحمد 4899].

وسن كونهما (أَبْيَضَيْنِ)، نظيفين، واختاره شيخ الإسلام؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ البَيَاضَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ» [أحمد 2219، وأبو داود 3878، والترمذي 994، وابن ماجه 1472].

خامساً: سن لمريد الإحرام أن يحرم (عَقِبَ) صلاة (فَرِيضَةٍ، أَوْ) عقب (رَكْعَتَيْنِ) من صلاة نفل؛ لحديث عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ

ص: 22

آتٍ مِنْ رَبِّي أَنْ صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ» [البخاري 1534]، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:«أَهَلَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي دُبُرِ صَلَاةٍ» [الترمذي 819، والنسائي 2753].

واختار شيخ الإسلام: أنه يستحب أن يُحرِمَ عقيب فرض إن كان وقته، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلَّى للإحرام ركعتين، وأما حديث عمر وابن عباس رضي الله عنهم فالمراد بهما ركعتا الظهر؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه:«أَنَّ النَّبِيَّ الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا عَلَا عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ» [أبو داود 1774، والنسائي 2931].

- فرع: يصلي الركعتين النافلة (فِي غَيْرِ وَقْتِ نَهْيٍ)، وتقدم الخلاف في فعل ما له سبب في أوقات النهي، في صلاة التطوع.

- مسألة: (وَنِيَّتُهُ) أي: نية الإحرام (شَرْطٌ)، فلا يصير محرِمًا بمجرد التجرد أو التلبية من غير نية الدخول في النسك؛ لحديث:«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» [البخاري: 1، ومسلم: 1907].

ولا يشترط مع النية تلبية ولا سوق هدي؛ لعدم الدليل على اشتراط ذلك مع النية، وقياساً على الصوم، فتكفي فيه النية، ولا يشترط معه قول أو فعل.

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: ينعقد الإحرام بنية النسك مع قولٍ

ص: 23

كالتلبية، أو فعلٍ كسوق الهدي؛ لأنه لا يكون محرِماً بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته، لأن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده، فلا بد من قول أو عمل يصير به محرماً؛ كالصلاة.

- مسألة: (وَالاشْتِرَاطُ فِيهِ) أي: في الإحرام (سُنَّةٌ)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها فقال لها: «أَرَدْتِ الحَجَّ؟ » قالت: والله، ما أجدني إلا وَجِعَةً، فقال لها:«حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللهمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» [البخاري 5089، ومسلم 1207]، وثبت الاشتراط عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، ، وابن عباس، وعمار، وعائشة رضي الله عنهم [المحلى لابن حزم 5/ 105].

واختار شيخ الإسلام: أنه يستحب الاشتراط لمن كان خائفًا وإلا فلا؛ جمعاً بين الأدلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها أن تشترط لما كانت شاكية، فخاف أن يصدها المرض عن البيت، ولم يكن يأمر بذلك كل من حج، وما ورد عن الصحابة، فقد خالفهم ابن عمر رضي الله عنهما، حيث كان ينكر الاشتراط في الحج، ويقول:«أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ » [البخاري 1810].

- فرع: الاشتراط يفيد شيئين:

1 -

إذا عاقه عدو، أو مرض، أو ذهاب نفقة، أو نحوه جاز له التحلل.

2 -

أنه متى حلَّ فلا دم عليه.

ص: 24

- مسألة: يخير مريد الإحرام بين الأنساك الثلاثة: التمتع والقران والإفراد، باتفاق الأئمة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها:«خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ» [البخاري 1562، ومسلم 1211].

وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتمتع [البخاري 319، ومسلم 1216] فوجوب ذلك خاص بهم؛ لقول أبي ذر رضي الله عنه: «كَانَتِ المُتْعَةُ فِي الحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً» [مسلم 1224]، وأما الاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة؛ قال سُراقة رضي الله عنه: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمتعنا معه، فقلنا: ألنا خاصة أم لأبد؟ قال: «بَلْ لِأَبَدٍ» [أحمد 17590، والنسائي 2807].

- مسألة: (وَأَفْضَلُ الأَنْسَاكِ) الثلاثة (التَّمَتُّعُ)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما طافوا وسعوا أن يجعلوها عمرة إلا من ساق هديًا، وثبت على إحرامه لسوقه الهدي، وتأسف بقوله:«لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الهَدْيَ، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا» [البخاري 1651، ومسلم 1216].

ثم الإفراد؛ لقول عمر رضي الله عنه: «فَافْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّكُمْ، وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ» [مسلم 1224]، ولإتيانه بالحج تامًّا من غير احتياج إلى جبر فكان أولى، ثم القران.

واختار شيخ الإسلام: التفصيل، وأنه لا يخلو من حالين:

الأولى: إذا ساق الهدي: فإن الأفضل في حقه القران؛ لحديث عائشة

ص: 25

رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالحَجِّ مَعَ العُمْرَةِ، ثُمَّ لا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» [البخاري 1556، ومسلم 1211].

[وهذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم [البخاري: 7229، ومسلم: 1211]، قال شيخ الإسلام:(الذي ينبغي أن يقال: إن الذي اختاره الله لنبيه هو أفضل الأمرين. وأما {قوله صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أفعل ذلك}. فهو حكم معلق على شرط والمعلق على شرط عدم عند عدمه فما استقبل من أمره ما استدبر وقد اختار الله تعالى له ما فعل واختار له أنه لم يستقبل ما استدبر)]. [*]

الثانية: إذا لم يسق الهدي: فالتمتع أفضل مطلقاً، إلا أن تكون عمرته قبل أشهر الحج ويبقى إلى الحج، فالإفراد أفضل باتفاق الأئمة (1).

- تنبيه: قال ابن مفلح نقلاً عن شيخ الإسلام: (وإن اعتمر وحج في سفرتين، أو اعتمر قبل أشهر الحج (2)، فالإفراد أفضل باتفاق الأئمة الأربعة).

ففضَّل كون العمرة في سفرة والحج في سفرة على جمعهما بالتمتع في سفرة واحدة فقط، لا على التمتع مطلقاً، ولذا قال في موضع آخر:(لو أفرد الحج بسفرة والعمرة بسفرة فهو أفضل من المتعة المجردة)، ويدل لذلك: قول علي رضي الله عنه في قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ)[البقرة: 196]، قال:«أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ» [مصنف ابن أبي شيبة 12689]، وعلى هذا يحمل نهي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما الناس عن التمتع، قال شيخ الإسلام فيما نقله عنه ابن القيم: (إن عمر رضي الله عنه لم ينه عن المتعة البتة، وإنما قال: " إنه أتم لحجكم

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفتين زيادة من هذه النسخة الإلكترونية المهداة من الناشر للبرنامج، وليست بالمطبوع

(1)

مجموع الفتاوى (26/ 101).

(2)

أي: وبقي في مكة إلى الحج، كما قال في مجموع الفتاوى (26/ 101):(فإن كان يسافر سفرة للعمرة، وللحج سفرة أخرى أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم بها حتى يحج فهذا الإفراد له أفضل باتفاق الأئمة الأربعة).

ص: 26

وعمرتكم أن تفصلوا بينهما "، فاختار عمر لهم أفضل الأمور، وهو إفراد كل واحد منهما بسفر ينشئه له من بلده، وهذا أفضل من القران والتمتع الخاص بدون سفرة أخرى)، ثم قال ابن القيم:(فهذا الذي اختاره عمر للناس، فظن من غلط منهم أنه نهى عن المتعة)(1).

وأما لو اعتمر قبل ذلك ثم أراد الحج في سفرة أخرى فالتمتع أفضل من الإفراد، قال شيخ الإسلام:(من سافر سفرة واحدة واعتمر فيها، ثم أراد أن يسافر أخرى للحج، فتمتعه أيضًا أفضل له من الحج، فإن كثيرًا من الصحابة الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا قد اعتمروا قبل ذلك، ومع هذا فأمرهم بالتمتع، لم يأمرهم بالإفراد، ولأن هذا يجمع بين عمرتين وحجة وهدي، وهذا أفضل من عمرة وحجة)(2).

واختار شيخ الإسلام: إن القران مع سوق الهدي أفضل من تمتع بلا سوق للهدي؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ولم يكن الله ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم المفضول دون الأفضل، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:" لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولحللت معكم " فإنه لم يقله لأجل أن الذي فعله مفضول، بل لأن أصحابه شق عليهم أن يحلوا من إحرامهم مع بقاءه محرمًا، فكان يختار موافقتهم ليفعلوا ما أمروا به عن انشراح وموافقة، وقد ينتقل عن

(1) زاد المعاد (2/ 194).

(2)

مجموع الفتاوى (26/ 88).

ص: 27

الأفضل إلى المفضول لما فيه من الموافقة وائتلاف القلوب.

- مسألة: (وَ) صفة التمتع: (هُوَ) ما اجتمعت فيه أربعة شروط:

1 -

(أنْ يُحرِمَ بِعُمْرَةٍ)؛ ليجمع بين النسكين في سفرة واحدة.

2 -

أن يكون إحرامه (فِي أَشْهُرِ الحَجِّ)، فلو أحرم قبل أشهر الحج، ثم اعتمر فيها لم يكن متمتعاً؛ لما صح عن جابر رضي الله عنه: أنه سئل عن المرأة تجعل عليها عمرة في شهر مسمى، ثم يخلو إلا ليلة واحدة، ثم تحيض، قال:" لِتَخْرُجْ، ثُمَّ لتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ لتَنْتَظِرْ حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ لتَطُفْ بِالكَعْبَةِ، ثُمَّ لتُصَلِّ"[البيهقي 20145].

قال الإمام أحمد: (فجعل عمرتها في الشهر الذي أهلت فيه، لا في الشهر الذي حلت فيه).

3 -

(وَ) أن (يَفْرُغَ مِنْهَا) أي: يتحلل؛ لأنه لو أحرم بالحج قبل التحلل من العمرة لأصبح قارناً.

4 -

(ثُمَّ) يحرم (بِهِ) أي: بالحج (فِي عَامِهِ)؛ لقوله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج)، وهذا يقتضي الموالاة بينهما؛ ولأنه إذا اعتمر في غير أشهر الحج، ثم حج من عامه فليس بمتمتع، فهذا أولى؛ لأن التباعد بينهما أكثر.

ص: 28

ويدل لذلك: قول عمر رضي الله عنه: «إِذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، فَإِنْ رَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ» [مصنف ابن أبي شيبة 13006]، ونحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما [الموطأ 1/ 344].

- مسألة: (ثُمَّ) يلي التمتع في الأفضلية (الإِفْرَادُ)؛ لما سبق، (وَهُوَ) أي: الإفراد: (أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ) فقط مفرداً، (ثُمَّ) يحرم (بِعُمْرَةٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ)، أي: من الحج، وهذا إن كان وجوب العمرة باقياً عليه، بأن لم يكن أتى بها من قبل، وإلا فليست العمرة قيداً في الإفراد.

واختار شيخ الإسلام: أنه لا تشرع العمرة بعد الحج؛ لأن الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيهم من اعتمر بعد الحج إلا عائشة، ولا كان هذا من فعل الخلفاء الراشدين، ولو لم يعتمر من قبل؛ لأنه لايرى وجوب العمرة كما تقدم.

- مسألة: (وَالقِرَانُ) له ثلاث صور:

1 -

(أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا) أي: الحج والعمرة (مَعًا)؛ لحديث عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي أَنْ صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ» [البخاري 1534].

2 -

(أَوْ) يحرم (بِهَا) أي: بالعمرة، (ثُمَّ يُدْخِلَهُ) أي: يدخل الحج (عَلَيْهَا) أي: على العمرة، ويصير قارناً، قال شيخ الإسلام: (جاز بلا

ص: 29

نزاع)، وظاهر كلامهم: يصح في حال العذر وغيره؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالحَجِّ مَعَ العُمْرَةِ، ثُمَّ لا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» [البخاري 1556، ومسلم 1211]، وأما في حال العذر فمن باب أولى، ويأتي.

- فرع: يشترط في إدخال الحج على العمرة أن يكون ذلك (قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي طَوَافِهَا)، فإن شرع في طواف العمرة لم يصح إدخال الحج عليها؛ لأنه شرع في التحلل من العمرة، إلا لمن معه الهدي، فيصح الإدخال ولو بعد السعي؛ لأنه لا يجوز له التحلل حتى يبلغ الهدي محله، ويأتي في باب دخول مكة.

3 -

أن يحرم بالحج ثم يدخل عليه العمرة ليصير قارناً: لم يجز، واختاره شيخ الإسلام؛ لأنه لم يرد به أثرٌ، ولم يستفد به فائدة، بخلاف ما سبق، ولم يصر قارناً؛ لأنه لا يلزمه بالإحرام الثاني شيء.

- مسألة: (وَ) يجب (عَلَى كُلٍّ مِنْ مُتَمَتِّعٍ وَقَارِنٍ إِذَا كَانَ أُفُقِيًّا) أي: لم يكن من حاضري المسجد الحرام: (دَمُ نُسُكٍ بِشَرْطِهِ)، اتفاقاً في الجملة.

أولاً: المتمتع: فيجب عليه دم إجماعاً؛ لقوله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي)[البقرة: 196]، ويجب دم التمتع بسبعة شروط:

ثلاثة منها هي شروط التمتع السابقة، وهي أيضاً شروط لدم التمتع، وهي:

ص: 30

الشرط الأول: أن يعتمر في أشهر الحج.

الشرط الثاني: أن يحل من العمرة قبل إحرامه بالحج.

الشرط الثالث: أن يحج من عامه.

الشرط الرابع: ألا يكون المتمتع من حاضري المسجد الحرام، فإن كان من حاضري المسجد الحرام وتمتع؛ صح تمتعه، ولم يلزمه دم التمتع؛ لقوله تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]، فقوله:{ذَلِكَ} عائد إلى الهدي، فدل على صحة تمتعه، وعدم وجوب الهدي عليه.

- فرع: حاضرو المسجد الحرام: هم أهل مكة، وأهل الحرم، ومن كان من الحرم دون مسافة القصر؛ لأن حاضر الشيء من حلَّ فيه أو قرب منه وجاوره، بدليل أن الشارع جعل المقيم من كان دون مسافة القصر، وذلك بنفي رخص السفر عنه.

واختار ابن عثيمين: أنهم أهل مكة وأهل الحرم، أي: من كان من أهل مكة ولو كان في الحل، أو من كان في الحرم ولو كان خارج مكة؛ لأن المراد بالمسجد الحرام في الآية مسجد الكعبة، وأهله هم المقيمون عنده القريبون منه.

الشرط الخامس: ألا يسافر بين الحج والعمرة مسافة قصر فأكثر، فإن فعل بأن سافر مسافة قصر فأكثر، فأحرم بالحج فهو متمتع، لكن لا يلزمه دم

ص: 31

التمتع؛ لما سبق من قول عمر رضي الله عنه: «إِذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، فَإِنْ رَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ» ؛ ولأنه إذا رجع إلى الميقات أو ما دونه لزمه الإحرام منه، فإذا كان بعيداً فقد أنشأ سفراً بعيداً لحجه، فلم يترفَّه بترك أحد السفرين، فلم يلزمه دم.

واختار ابن قدامة: أن هذا شرط للتمتع، فمن سافر مسافة قصر لم يكن متمتعاً؛ لأثر عمر السابق.

واختار ابن عثيمين: أنه إن سافر إلى أهله ثم عاد فأحرم بالحج، فإنه يسقط عنه الهدي، ويكون مفرداً لا متمتعاً؛ لأنه أنشأ سفراً جديداً وانتهت أحكام السفر الأول، فلم يتمتع بجمع النسكين بسفرة واحدة، وإن سافر إلى غير أهله فلا يسقط التمتع ولا الهدي؛ لقول عمر رضي الله عنه:«إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَإِذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا» [المحلى لابن حزم 5/ 163]، فاعتبر الرجوع إلى الأهل.

الشرط السادس: أن يحرم بالعمرة من ميقات بلده، أو من مسافة قصر فأكثر من مكة، فلو أحرم من دون مسافة قصر من مكة لم يكن عليه دم تمتع؛ لأنه من حاضري المسجد الحرام، وإنما يكون عليه دم مجاوزة الميقات بغير إحرام.

وعنه، واختاره ابن قدامة: أن هذا ليس بشرط، فيلزمه دم التمتع؛ لأنا نسمي المكي متمتعاً ولو لم يسافر، فلو أحرم للعمرة من دون الميقات لزمه

ص: 32

دمان، دمٌ للمتعة، ودمٌ لإحرامه دون الميقات.

الشرط السابع: أن ينوي التمتع في ابتداء العمرة أو في أثنائها؛ لظاهر الآية.

واختار ابن قدامة: أن هذا ليس بشرط، فيلزمه دم التمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل من لم يَسُقِ الهدي من المفردين والقارنين أن يحلوا، وأن يجعلوا إحرامهم عمرةً، فيكونوا متمتعين، وهم لم ينووا التمتع في ابتداء العمرة قطعاً؛ ولأنه قد حصل له الترفه بترك أحد السفرين، فلزمه دم.

ثانياً: القارن: فيجب عليه دم اتفاقاً؛ لقوله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي)[البقرة: 196]، والقران داخل في مسمى التمتع؛ لأنه ترفه بسقوط أحد السفرين كالمتمتع، ولحديث جابر رضي الله عنه:«ذَبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ عَائِشَةَ بَقَرَةً يَوْمَ النَّحْرِ» [مسلم 1319]، وكانت قارنة.

ويجب دم القران بشرط: ألا يكون من حاضري المسجد الحرام؛ قال تعالى: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام).

- مسألة: (وَإِنْ حَاضَتْ مُتَمَتِّعَةٌ) قبل طواف العمرة، أو حصل للحاج عارض، (فَخَشِيَتْ) الحائض، أو خشي غيرها (فَوَاتَ الحَجِّ: أَحْرَمَتْ بِهِ) وجوباً (وَصَارَتْ قَارِنَةً)؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها، فوجدها تبكي، فقال:«مَا شَأْنُكِ؟ » ، قالت: شأني أني قد

ص: 33

حضت، وقد حلَّ الناس، ولم أحلل، ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن! فقال:«إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ الله عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالحَجِّ» [مسلم 1213]؛ ولأن إدخال الحج على العمرة يجوز من غير خشية الفوات فمعها أولى؛ لكونها ممنوعة من دخول المسجد.

- مسألة: (وَتُسَنُّ التَّلْبِيَةُ)؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي بِالحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا» [البخاري 4353، ومسلم 1232]، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ ملبِّداً يقول: «لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ» [البخاري 5915، ومسلم 1184].

- فرع: يسن رفع الصوت بالتلبية؛ لحديث أنس رضي الله عنه: «وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا» [البخاري 1548].

- فرع: التلبية لها وقتان:

الأول: وقت مطلق: تستحب التلبية في جميع الأوقات، ويسن الإكثار منها؛ لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إِلَّا لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ، أَوْ شَجَرٍ، أَوْ مَدَرٍ، حَتَّى تَنْقَطِعَ الأَرْضُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا» [الترمذي 828، وابن ماجه 2921].

(وَ) الثاني: وقت مقيد فـ (تَتَأَكَّد) التلبية في عشرة مواضع:

ص: 34

1 -

(إِذَا عَلَا نَشَزاً)، وهو المرتفع، باتفاق الأئمة.

2 -

(أَوْ هَبَطَ وَادِياً)، باتفاق الأئمة.

3 -

(أَوْ صَلَّى مَكْتُوبَةً)، أي: في أدبارها، باتفاق الأئمة، ولو في غير جماعة.

4 -

(أَوْ أَقْبَلَ لَيْلٌ، أَوْ) أقبل (نَهَارٌ).

5 -

وقت السحر.

لحديث جابر رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي إِذا لَقِي ركبًا، أَوْ صَعِدَ أَكَمَةً، أَوْ هَبَط وَادِياً، وَفِي أدْبَارِ المَكْتُوباتِ، وَمِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» [عزاه في البدر المنير إلى فوائد ابن ناجية، وضعفه 6/ 151].

6 -

(أَوِ الْتَقَتِ الرِّفَاقُ)، باتفاق الأئمة.

والدليل لما سبق: قال خَيثمة بن أبي سَبْرة -من التابعين-: «كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ سِتٍّ: دُبُرَ الصَّلَاةِ، وَإِذَا اسْتَقَلَّتْ بِالرَّجُلِ رَاحِلَتُهُ، وَإِذَا صَعِدَ شَرَفًا، وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» [مصنف ابن أبي شيبة 12750]، ونحوه عن إبراهيم النخعي [مصنف ابن أبي شيبة 12748].

7 -

(أَوْ رَكِبَ) دابته، (أَوْ نَزَلَ) منها؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما:«كَانَ يُلَبِّي رَاكِبًا وَنَازِلًا وَمُضْطَجِعًا» [البيهقي 9023]،

ص: 35

8 -

(أَوْ سَمِعَ مُلَبِّياً) آخر؛ لأنه كالمذكِّر له.

9 -

(أَوْ رَأَى البَيْتَ)؛ لأنه موضع النسك.

10 -

(أَوْ فَعَلَ مَحْظُوراً نَاسِياً) ثم ذكره؛ لاستشعار كونه في الحج، ورجوعه إليه.

وقال شيخ الإسلام: (يستحب الإكثار منها -أي: التلبية- عند اختلاف الأحوال، مثل: أدبار الصلوات، ومثل ما إذا صعد نشزاً، أو هبط وادياً، أو سمع ملبياً، أو أقبل الليل والنهار، أو التقت الرفاق، وكذلك إذا فعل ما نهي عنه).

- فرع: تستحب التلبية في مكة، والبيت الحرام، وسائر مساجد الحرم، كمسجد منًى، وفي عرفات، وسائر بقاع الحرم؛ لعموم ما سبق، ولأنها مواضع النسك.

واختار شيخ الإسلام: أنه لا يلبي عند وقوفه بعرفة ومزدلفة؛ لعدم نقله.

- مسألة: (وَكُرِهَ إِحْرَامٌ قَبْلَ) الـ (مِيقَاتِ) المكاني، ولا يحرُمُ؛ لقول الحسن: إن عمران بن الحصين رضي الله عنه أحرم من البصرة، فلما قدم على عمر رضي الله عنه -وقد كان بلغه ذلك- أغلظ له، وقال:«يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ مِنْ مِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ» [مصنف ابن أبي شيبة 12697،

ص: 36

وقال الحافظ بعد ذكر طرقه: وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضاً]، فدل ذلك على كراهيته.

فإن فعل وأحرم قبله فقد انعقد إحرامه إجماعاً، وقد روي الإحرام قبل الميقات المكاني عن علي، وعثمان، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وعائشة رضي الله عنهم [المحلى لابن حزم 5/ 58].

- مسألة: (وَ) يكره إحرام (بِحَجٍّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ)، ولا يحرم، واختاره شيخ الإسلام؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما:«مِنَ السُّنَّةِ: أَلَّا يُحْرِمَ بِالحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الحَجِّ» [البخاري معلقاً مجزوماً 2/ 141، ووصله ابن خزيمة 2596]، ولأنه أحرم بالعبادة قبل وقتها، فأشبه ما لو أحرم قبل الميقات المكاني.

- فرع: فإن فعل وأحرم: انعقد إحرامه بالحج؛ لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} الآية البقرة: 189، فجعل الأهلة كلها مواقيت للحج، وقياساً على الإحرام قبل الميقات المكاني.

وقيل، واختاره ابن عثيمين: ينعقد إحرامه وينقلب عمرة؛ لأثر ابن عباس السابق، ولقوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}

[الآية البقرة: 197]، وانقلابه إلى عمرة؛ لأنها حج أصغر.

وأما قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} .... [الآية البقرة: 189]، فالهلال يكون وقتاً للشيء إذا اختلف حكمه به وجوداً وعدماً، ولو كان جميع العام وقتاً للحج لم تكن الأهلة ميقاتاً للحج، كما لم تكن ميقاتاً للعمرة، بل الآية دالة على أن الحج مؤقت بجنس الأهلة، والجنس يحصل بهلالين أو ثلاثة.

ص: 37