الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كافرًا أو مسلمًا إلا بنص أو قرينة تدل على إرادتهم؛ كما لو كانوا كلهم مخالفين لدينه؛ فيدخلون لئلا يؤدي إلى رفع اللفظ بالكلية.
- مسألة: (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ) من الناس فلا يخلو من حالين:
الأولى: أن (يُمْكِنَ حَصْرُهُمْ) كأولاده، أو أولاد فلان، وليسوا قبيلة:(وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ) بالوقف (وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ)؛ لأنَّ اللَّفظ يقتضي ذلك، وقد أمكن الوفاء به، فوجب العمل بمقتضاه.
والثانية: (وَإِلَّا) يمكنْ حصرهم، كبني هاشمٍ وتميمٍ: لم يجب تعميمهم والتسوية بينهم؛ لأنَّه غير ممكن، و (جَازَ التَّفْضيلُ) بينهم؛ لأنَّه إذا جاز حرمانه جاز تفضيل غيره عليه، (وَ) جاز (الاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ)؛ لأنَّ مقصود الواقف بِرُّ ذلك الجنس، وذلك يحصل بالدَّفع إلى واحدٍ منهم.
(فَصْلٌ) في الهبة والعطية
الهبة: من هبوب الريح، أي: مروره، يقال: وهبت له شيئا وهبًا- بإسكان الهاء، وفتحها - وهِبَةً، والاتهاب: قبول الهبة، والاستيهاب: سؤال الهبة.
والهبة شرعًا: تمليك جائز التصرف مالًا معلومًا، أو مجهولًا تعذر علمه، موجودًا مقدورًا على تسليمه، غير واجب في الحياة، بلا عوض.
والعطية هنا: الهبة في مرض الموت.
- مسألة: الهبة، والصدقة، والهدية، والعطية: معانيها متقاربة، وكلها تمليك في الحياة بلا عوض، وأحكام كل واحدة من هذه المذكورات تجري في البقية، فإن قصد بإعطائه ثواب الآخرة فقط فصدقة، وإن قصد بإعطائه إكرامًا، أو توددًا، أو مكافأة فهدية، وإن لم يقصد بإعطائه شيئًا مما ذكر فهبة، وعطية، ونحلة.
- مسألة: (وَالهِبَةُ)، والصدقة، والهدية، والعطية؛ (مُسْتَحَبَّةٌ) إذا قصد بها وجه الله تعالى؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«تَهَادَوْا تَحَابُّوا» [البيهقي 11946]، وما ورد في فضل الصدقة أشهر من أن يذكر، ولما فيها من سل سخائم القلوب، وزرع الألفة والمحبة بين المتهادين.
- مسألة: (وَيَصِحُّ هِبَةُ) ما يلي:
1 -
(مُصْحَفٌ)، وإن لم يصح بيعه، قال الحارثي:(ولا أعلم فيه خلافًا).
2 -
(وَكُلُّ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) تصح هبته؛ لأنها تمليك في الحياة، فصحت فيما صح فيه البيع.
فلا تصح هبة:
أما لا يصح بيعه؛ كأم الولد.
- فرع: يجوز نقل اليد في الكلب ونحوه من المختصات مما يباح الانتفاع بها، ولا تكون هبة حقيقة.
وعند ابن قدامة: تصح هبة المختصات؛ لأنه تبرع فأشبه الوصية، وليس بين القولين خلاف في الحقيقة (1)
ثانياً: مجهول لا يتعذر علمه؛ كالحمل في البطن، واللبن في الضرع، فلا تصح هبته؛ للجهالة وتعذر التسليم، فإن تعذر علم المجهول؛ كزيت اختلط بزيت أو شيرج؛ صحت هبة؛ كصلح عنه؛ لدعاء الحاجة إلى ذلك.
ثالثا: ما لا يقدر على تسليمه؛ كآبق وطير في الهواء؛ فلا تصح هبته؛ لأن ذلك لا يتأهل للقبض، والقبض من ماهية العقد.
(1) قال في الإنصاف (17/ 40): (قوله: "وكل ما يجوز بيعه" يعني: تصح هبته، وهذا صحيح، ونص عليه، ومفهومه: أن ما لا يجوز بيعه لا تجوز هبته، وهو المذهب، قدمه في الفروع، واختاره القاضي).
ثم نقل كلام ابن قدامة، ثم قال:(قال في القاعدة السابعة والثمانين: وليس بين القاضي وصاحب المغني خلاف في الحقيقة؛ لأن نقل اليد في هذه الأعيان جائز؛ كالوصية، وقد صرح به القاضي في خلافه)، وفي شرح المنتهى للبهوتي (4/ 401):(ويجوز نقل اليد في الكلب ونحوه مما يباح الانتفاع به، وليس هبة حقيقة).
رابعاً هبة المعدوم؛ كالذي تحمل أمته أو شجرته؛ لأن المعدوم ليس بشيء، فلا يقبل العقد.
واختار شيخ الإسلام: جواز هبة المجهول، وهبة المعدوم، وقال في هبة غير المقدور على تسليمه:(اشتراطه هنا فيه نظر، بخلاف البيع)؛ لأن عقود التبرعات لا تضر الجهالة فيها؛ لأنه إما غانم أو سالم، بخلاف عقود المعاوضات فتضر الجهالة فيها؛ لأنه إما غارم أو غانم.
وعلى هذا فيقال: (كل ما أبيح الانتفاع به صحت هبته).
- مسألة: (وَتَنْعَقِدُ) الهبة (بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا عُرْفاً) من قول أو فعل؛ كأن يقول: وهبتك وأعطيتك، وكإرسال هدية، ودفع دراهم لفقير، ونحوه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يُهدي ويهدى إليه، ويعطي ويعطى له، وأصحابه يفعلون ذلك، ولم ينقل عنهم في ذلك لفظ إيجاب ولا قبول، ولا أمر به ولا بتعليمه لأحد، ولو وقع لنقل نقلًا مشهورًا، واختاره شيخ الإسلام، وتقدم في أول كتاب البيع.
- مسألة: (وَتَلْزمُ) الهبة (بِقَبْضِـ) ـها، ولا تلزم قبل ذلك؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر رضي الله عنه نحلها جداد عشرين وسْقًا من ماله بالعالية، فلما مرض قال:«وَاللهِ يَا بُنَيَّةُ، مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ، وَلَا أَعَزَّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ، وَأُخْتَاكِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ» ، وروي أيضًا نحوه عن عمر [عبدالرزاق 16509،
وصححه الحافظ]، وعثمان وابن عباس رضي الله عنهم [ابن أبي شيبة 4/ 280 - 281]، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة.
- فرع: يستثنى مما سبق: ما كان في يد مُتَّهِبٍ؛ كوديعة، وعاريَّة، وغصب، ونحوه، فيلزم عقد الهبة فيه بمجرد عقد، ولا يحتاج إلى مضي مدة يتأتى قبضه فيها، ولا إلى إذن واهب في القبض؛ لأن قبضه مستدام، فأغنى عن الابتداء؛ كما لو باعه سلعة بيده.
- فرع: تلزم الهبة بقبضها (بِإِذْنِ وَاهِبٍ)؛ لأنه قبض غير مستحَقٍّ عليه، فلم يصح إلا بإذنه؛ كأصل العقد والرهن.
والإذن لا يتوقف على اللفظ، بل المناولة والتخلية إذن؛ لدلالة الحال.
- مسألة: (وَمَنْ أَبْرَأَ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ) أو تصدق به عليه، أو وهبه له، أو أحله منه، أو أسقطه عنه، أو تركه له؛ صح، و (بَرِئَ) من الدين، (وَلَوْ) رده و (لَمْ يَقْبَلِ) الإبراء؛ لأنه إسقاط حق فلم يفتقر إلى القبول؛ كالعتق، بخلاف هبة العين؛ لأنها تمليك.
واختار ابن عثيمين: له أن يرد الإبراء إذا خشي المنَّة؛ لما في المنة من الضرر.