الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في حكم أمهات الأولاد
وأصل (أم) أمهة، ولذلك جمعت على أمهات باعتبار الأصل، وعلى أمات باعتبار اللفظ.
- مسألة: (وَأُمُّ الوَلَدِ) مسلمة كانت أو كافرة (تَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا مِنْ كُلِّ مَالِهِ)، وإن لم يملك غيرها، فتُقدَّم على الدين والوصية والميراث، بخلاف التدبير فإنه يعتق من ثلث المال؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً:«أَيُّمَا رَجُلٍ وَلَدَتْ مِنْهُ أَمَتُهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ، عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» [أحمد 2910، وابن ماجه 2515]، ولأن الاستيلاد إتلاف حصل بسبب حاجة أصلية وهي الوطء، فكان من رأس المال؛ كالأكل ونحوه.
- مسألة: (وَهِيَ) أي: أم الولد من اجتمع فيها شرطان:
1 -
أن تضع ما يتبين في خلق إنسان، وأشار إليه بقوله:(مَنْ وَلَدَتْ مَا فِيهِ صُورَةٌ، وَلَوْ) كانت الصورة (خَفِيَّةً)، ولو كان ما ولدته ميتاً، لقول عمر رضي الله عنه:«الأَمَةُ يُعْتِقُهَا وَلَدُهَا، وَإِنْ كَانَ سَقْطًا» [عبدالرزاق 13243].
فإن وضعت جسمًا لا تخطيط فيه؛ كمضغة ونحوها؛ لم تَصِرْ به أم ولد؛ لأنه ليس بولد، وعتقها مشروط بصيرورتها أم ولد.
2 -
أن تحمل به في ملكه، سواء كان من وطءٍ مباح أو محرم؛ كالوطء
في الحيض والنفاس والإحرام والظهار، وأشار إليه بقوله:(مِنْ مَالِكٍ) لها، (وَلَوْ) كان مالكاً (بَعْضَهَا)، ولو جزءاً يسيراً.
(أَوْ) كانت الأمة المستولدة (مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ) أي: على مالكها الذي أولدها؛ كأخته من رضاع.
(أَوْ) ولدت (مِنْ أَبِيهِ) أي: أبي مالكها؛ لأنها حملت منه بحرٍّ؛ لأجل شُبهة الملك، فصارت أم ولد له؛ كالجارية المشتركة، (إِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَها الابْنُ)، فإن كان الابن وطئها؛ لم تَصِرْ أم ولد للأب باستيلادها؛ لأنها تحرم عليه أبدًا بوطء ابنه لها، فلا تحل له بحال، فأشبه وطء الأجنبي، فعلى هذا لا يملكها ولا تَعتق بموته.
فأما إن علقت منه في غير ملكه؛ لم تصر أم ولد؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق، وفيه:«وَلَدَتْ مِنْهُ أَمَتُهُ» ، وهذا الحمل لم يحصل من وطئه حال كونها أمته.
- مسألة: (وَأَحْكَامُهَا) أي: أم الولد (كَـ) أحكام (أَمَةٍ) غير مستولدة، من وطء، وخدمة، وإجارة، وتزويج، وعتق، وملك كسبها، وحَدِّها، وعورتها، وغيره من أحكام الإماء؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق:«أَيُّمَا رَجُلٍ وَلَدَتْ مِنْهُ أَمَتُهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ، عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» ، فدل على أنها باقية على الرق مدة حياته، (إِلَّا) في أمرين:
1 -
في التدبير، فلا يصح تدبيرها؛ لأنه لا فائدة فيه؛ إذ الاستيلاد أقوى من التدبير؛ لأن مقتضى الاستيلاد العتق من رأس المال وإن لم يملك غيرها، ومقتضى التدبير العتق من الثلث، فوجب أن يبطل الأضعف وهو التدبير.
2 -
(فِيمَا يَنْقُلُ المِلْكَ فِي رَقَبَتِهَا)؛ كبيع وهبة ووقف، (أَوْ يُرَادُ لَهُ)؛ كرهن؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، وَقَالَ: لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» [الدارقطني 4247]، وروي ذلك موقوفاً على عمر رضي الله عنه [عبدالرزاق 13228]، قال الدارقطني:(الحديث عن عمر موقوف).
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: يجوز بيعهن؛ لقول جابر رضي الله عنه: «بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا» [أبوداود 3954]، وأما ما ورد من المنع؛ فلا يصح مرفوعاً، إنما هو من قول عمر، قال شيخ الإسلام:(وإنما كان رأيًا منه رآه للأمة، وإلا فقد بعن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدة خلافة الصديق، ولهذا عزم علي بن أبي طالب على بيعهن، وقال: «إِنَّ عَدَمَ البَيْعِ كَانَ رَأْيًا اتَّفَقَ عَلَيْهِ هُوَ وَعُمَرُ»، فقال له قاضيه عَبِيدَةَ السَّلْماني: «يا أمير المؤمنين، رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك»، فقال: «اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ الخِلَافَ» [عبد الرزاق 13224]، فلو كان عنده نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريم بيعهن لم يضف ذلك إلى رأيه ورأي عمر).
- مسألة: (وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً) عبداً أو أمة، (أَوْ عَتَقَتْ) الرقبة (عَلَيْهِ) بملك أو سبب؛ (فَلَهُ) أي: المعتِق (عَلَيْهَا) أي: على الرقبة (الوَلَاءُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ) أي: المعتِق (عَصَبَةً لَهَا مُطْلَقاً)، ذكراً كان المعتِق أو أنثى، في جميع أحكام التعصيب؛ لحديث عائشة السابق:«إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، ويكون ذلك (عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَةِ) المعتَقِ في (النَّسَبِ)، وتقدم في كتاب الفرائض.