الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
- مسألة: (وَيَجِبُ) على معط (تَعْدِيلٌ فِي عَطِيَّةِ وَارِثٍ) من ولدٍ ووالد وإخوة وأعمام؛ لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: تصدَّق عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي عَمرة بنت رَواحة: لا أرضى حتى تُشْهِد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ » ، قال: لا، قال:«اتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» ، فرجع أبي، فرد تلك الصدقة [البخاري 2587، ومسلم 1623]، وقيس على الأولاد باقي الأقارب بجامع القرابة، وخرج منه الزوجات والموالي فلا يجب التعديل بينهم في الهبة.
واختار ابن قدامة وابن عثيمين: يجب التعديل بين الأولاد فقط دون بقية الورثة؛ للحديث السابق: «اتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» ، وغير الأولاد ليسوا في معنى الأولاد؛ لأنهم استووا في وجوب البر عليهم، فاستووا في عطيته.
- فرع: يستثنى من وجوب التعديل:
1 -
في الشيء التافه؛ لأنه يتسامح به فلا يحصل التأثر.
2 -
في النفقة والكسوة: فتجب الكفاية دون التعديل؛ بأن يعطي كل واحد ما يحتاج إليه؛ لأن الإنفاق لدفع حاجة.
3 -
التخصيص لبعض أقاربه الذين يرثونه بإذن الباقي منهم؛ لأن العلة في تحريم التخصيص كونه يورث العداوة وقطيعة الرحم، وهي منتفية مع الإذن.
4 -
قال شيخ الإسلام: لا يجب على المسلم التسوية بين أولاده الذميين، قال في الكشاف:(وكلام غيره لا يخالفه؛ لأنهم غير وارثين منه).
5 -
وعند ابن قدامة وشيخ الإسلام: إن أعطاه لمعنًى فيه؛ من حاجة، أو زمانة، أو عمًى، أو كثرة عائلة، أو لاشتغاله بالعلم ونحوه، أو مَنَعَ بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يعصي الله بما يأخذه ونحوه، جاز التخصيص؛ وعليه يحمل تخصيص أبي بكر هبته لعائشة رضي الله عنهما.
والمذهب: يمتنع التخصيص والتفضيل فيما تقدم؛ لعموم الأمر بالتسوية.
- مسألة: التعديل الواجب: (بِأَنْ يُعْطِيَ كَلًّا) من ورثته (بِقَدْرِ إِرْثِهِ)، واختاره شيخ الإسلام؛ اقتداءً بقسمة الله تعالى، وقياسًا لحالة الحياة على حال الموت، قال عطاء:(فما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى)[مصنف عبدالرزاق 16499].
- مسألة: (فَإِنْ) خص بعض الورثة بالعطية، أو (فَضَّلَ) بعضهم بلا إذن الباقي؛ أثم، و (سَوَّى) بينهم وجوبًا:
- إما (بِرُجُوعٍ)، فيما خصَّ أو فضَّل به حيث أمكن.
- أو بإعطاء الآخر ولو في مرض الموت المَخُوف.
حتى يستووا بمن خصه أو فضله؛ لحديث النعمان السابق، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«فَارْدُدْهُ» [مسلم 1623]، قال شيخ الإسلام:(وينبغي أن يكون على الفور).
- فرع: (وَإِنْ مَاتَ) الواهب (قَبْلَهُ) أي: قبل التعديل؛ (ثَبَتَ تَفْضِيلُهُ) للمعطى، فلا يشاركه فيه بقية الورثة؛ لأنها عطية لذي رحم فلزمت بالموت كما لو انفرد، ما لم تكن العطية في مرض الموت المَخُوف، فحكمها كالوصية، ويأتي.
وعنه واختار شيخ الإسلام: لا يثبت التفضيل، ولباقي الورثة الرجوع؛ لعموم حديث النعمان السابق، ولأن سعد بن عبادة رضي الله عنه قسم ماله بين ورثته على كتاب الله، وامرأة له قد وضعت رِجْلًا، فأرسل أبو بكر وعمر إلى قيس بن سعد رضي الله عنهم: أن أخرج لهذا الغلام حقه، فقال: أما شيء صنعه سعد فلا أرجع فيه، ولكن نصيبي له، فقبلا ذلك منه. [مصنف ابن أبي شيبة 30984].
- مسألة: (وَيَحْرُمُ عَلَى وَاهِبٍ) ولا يصح (أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ قَبْضٍ)، وكذا في صدقة وهدية؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» [البخاري 2589، ومسلم 1622]، (وَكُرِهَ) رجوع واهب في هبته (قَبْلَهُ) أي: قبل القبض؛ خروجًا من خلاف من قال: إن الهبة تلزم بالعقد.
وعبارة الكشاف: (وأما الرجوع قبل لزومها فجائز مطلقًا)(1).
- فرع: يحرم على الواهب الرجوع في هبته بعد القبض (إِلَّا) في صورتين:
1 -
من وهبت زوجها شيئًا بمسألته إياها، ثم ضرها بطلاق أو غيره؛ كتزويج عليها، فلها الرجوع؛ لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تَطِبْ بها نفساً، وإنما أباحه الله تعالى عند طيب نفسها بقوله:(فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا)، وغير الصداق كالصداق.
وإن وهبته من غير سؤال منه فليس لها الرجوع.
2 -
(الأَب) الأقرب (2)،
لا الجد، ولا الأم، فله الرجوع، قصد التسوية
(1) الكشاف (10/ 150)، ولم نجد من عبر بالكراهة من الأصحاب سوى المصنف.
(2)
يستثنى من جواز رجوع الأب في هبته مسائل، منها:
إن رهن الابن العينَ التي وهبها له أبوه وأقبضها؛ لأن في رجوعه إبطالًا لحق المرتهن وإضرارًا به.
إن خرجت العين الموهوبة عن ملك الابن ببيع أو هبة أو وقف، ونحوه، مما ينقل الملك أو يمنع التصرف كالاستيلاء.
إن زادت العين الموهوبة عند الولد زيادة متصلة تزيد قيمتها؛ كالسمن والكبر وتعلم صنعة؛ لأن الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه، ولم تنتقل إليه من جهة أبيه، فلم يملك الرجوع فيها كالمنفصلة، وإذا امتنع الرجوع فيها امتنع في الأصل؛ لئلا يفضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= إذا وهب الوالد لولده سُريَّة للإعفاف، فلا رجوع له فيها، ولو استغنى الابن عنها بتزوجه أو شرائه غيرها ونحوه، وإن لم تصر أم ولد نصًّا؛ لأنها ملحقة بالزوجة، واختاره شيخ الإسلام.
إن استولد الابن الأمة التي وهبها له أبوه؛ لم يملك الرجوع؛ لامتناع نقل الملك في أم الولد.
دينه على الولد بعد الإبراء منه؛ لأنه إسقاط لا تمليك.
في منفعة أباحها له أبوه بعد الاستيفاء؛ كسكنى دار ونحوها؛ لأن استيفاء المنفعة بمنزلة إتلافها.
إن كانت الزيادة المنفصلة ولد أمة؛ بأن حملت الأمة وولدت عند الولد؛ امتنع الرجوع في الأم؛ لتحريم التفريق بين الأم وولدها.
إذا أسقط الأب حقه من الرجوع فيما وهبه لولده فيسقط؛ لأن الرجوع مجرد حقه وقد أسقطه، بخلاف ولاية النكاح فإنها حق عليه لله تعالى وللمرأة؛ بدليل إثمه بالعضل؛ بخلاف الرجوع فإنه حق للأب.
خلافًا لما في الإقناع فإنه قال: (لو أسقط الأب حقه من الرجوع فله الرجوع؛ لأنه حق ثبت له بالشرع، فلم يسقط بإسقاطه، كما لو أسقط الولي حقه من ولاية النكاح).
وعند شيخ الإسلام: ليس للأب الكافر أن يرجع في عطيته إذا كان وهب ابنه في حال الكفر وأسلم الولد، فأما إذا وهبه حال إسلام الولد، فقياس المذهب الجواز.
ذكر في الإقناع وشرحه (10/ 153) أنه إذا أفلس الابن فلا رجوع للأب، خلافًا لما في المنتهى، قال البهوتي في شرح المنتهى (2/ 438):(ولو تعلق بما وهبه الأب لولده حق كفلس؛ بأن أفلس الوالد، وظاهره ولو حجر عليه، وفيه ما ذكرته في شرح الإقناع).
وقال في الكشاف (10/ 153): (تنبيه: ما ذكره المصنف من أن الحجر عليه لفلس مانع من الرجوع، قال الحارثي: إنه الصواب بلا خلاف كما في الرهن ونحوه، وبه =
أو لا، مسلماً كان أو كافرًا؛ لحديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهَا، إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» [أحمد 4810، وأبوداود 3539، والترمذي 1298، والنسائي 3692، وابن ماجه 2377].
وعنه واختاره ابن قدامة: للأم أن ترجع؛ لأنها داخلة في حديث: «إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» .
- مسألة: (وَلَهُ) أي: للأب الحر، لا الرقيق؛ لأن ماله سيعود لسيده، (أَنْ يَتَمَلَّكَ بِقَبْضٍ مَعَ قَوْلٍ أَوْ نِيَّةٍ)، ويأتي في الشروط، (مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، غَيْرِ سُرِّيَّةٍ) أي: أمة الابن التي وطئها؛ لأنها ملحقة بالزوجة، (مَا شَاءَ)، واختاره شيخ الإسلام، مع حاجة الأب إلى تملك مال ولده ومع عدمها، في
= صرح في المغني، وصاحب المحرر وغيرهما. انتهى).
ومقتضى ما ذكره في المقنع أنه غير مانع، وتبعه في المنتهى؛ لأنه لم يخالفه في التنقيح.
فإن أفلس ولم يحجر عليه، ففيه روايتان، أطلقهما في الشرح، فإن حمل كلام المقنع والمنتهى على فلس لا حجر معه وافق ما ذكره الحارثي والشارح).
وعند شيخ الإسلام: أن يتعلق بما وهبه الأب لولده حقٌّ؛ كفلس؛ بأن أفلس الوالد، أو تعلق به رغبة؛ كتزويج؛ بأن زوج الولد الموهوب رغبة فيما بيده من المال الموهوب له.
والمذهب: أنه لا يرجع؛ لعموم الخبر.
صغر الولد وكبره، وسخطه ورضاه، وبعلمه وبغيره؛ لأن الله تعالى جعل الولد موهوبًا لأبيه فقال:(ووهبنا له إسحاق ويعقوب)، وما كان موهوبًا له كان له أخذ ماله كعبده، ولحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» [أبو داود 3530، وابن ماجه 2292].
- فرع: للأب أن يتملك من مال ولده دون أم وجد وغيرهما من سائر الأقارب؛ لأن الأصل المنع، خولف في الأب لدلالة النص، وبقي ما عداه على الأصل.
- فرع: للأب أن يتملك من مال ولده بشروط ستة:
الشرط الأول: أن يكون ما يتملكه الأب فاضلًا عن حاجة الولد؛ لئلا يضره، وأشار إليه بقوله:(مَا لَمْ يَضُرَّهُ)؛ لحديث: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» [أحمد 2865، وابن ماجه 2340]، فإن ضره بأن تتعلق حاجة الولد به؛ كآلة حرفة ونحوها؛ لم يتملكه؛ لأن حاجة الإنسان مقدمة على دينه، فلأن تقدم على أبيه أولى.
الشرط الثاني: (أَوْ) أي: أن لا يأخذه (لِيُعْطِيَهُ لِوَلَدٍ آخَرَ)؛ لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذه من مال ولده الآخر أولى.
وقال ابن عثيمين: إذا كان الآخرون فقراء والأب لا يستطيع أن ينفق عليهم فله ذلك، أما إذا كانوا أغنياء، أو هو يقدر أن ينفق عليهم فلا يجوز؛ لأن هذا يحدث الضغائن بين الأولاد.
الشرط الثالث: أن لا يكون التملك بمرض موت الأب أو الولد المَخُوف، وأشار إليه بقوله:(أَوْ يَكُنْ بِمَرَضِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا)، فإن كان كذلك لم يصح؛ لانعقاد سبب الإرث.
الشرط الرابع: أن لا يكون الأب كافرًا والابن مسلمًا، وأشار إليه بقوله:(أَوْ يَكُنِ) الأب (كَافِراً وَالابْنُ مُسْلِماً)؛ لحديث العائذ بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» [الدارقطني 3620].
واختار شيخ الإسلام: أن الأب المسلم ليس له أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئًا؛ لانقطاع الولاية والتوارث.
الشرط الخامس: أن يكون ما يتملكه الأب عينًا موجودة؛ فلا يتملك دين ابنه؛ لأنه لا يملك التصرف فيه قبل قبضه.
الشرط السادس: أن يتملك الأب مال ولده، ويحصل التملك: بقبض ما تملكه، مع قول: تملكته أو نحوه، أو نية، قال في الفروع: ويتوجه أو قرينة؛ لأن القبض أعم من أن يكون للتملك، أو غيره فاعتبر القول أو النية؛ ليتعين وجه القبض، فلا يصح تصرف الأب في مال ولده قبل القبض، ولو كان تصرفه فيه عتقًا؛ لتمام ملك الابن على ماله.
- مسألة: (وَلَيْسَ لِوَلَدٍ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ) أي: ورثة الولد (مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ)؛ كقرض وثمن مبيع، (وَنَحْوِهِ)؛ كأجرة أرض زرعها أو دار سكنها؛