المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في محظورات الإحرام - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ٢

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌فصل في الإحرام

- ‌(فَصْلٌ) في المواقيت

- ‌فصل في محظورات الإحرام

- ‌(فَصْلٌ في الفِدْيَةِ)

- ‌فصل في جزاء الصيد

- ‌فصل في حكم صيد الحرم

- ‌(فَصْلٌ في صِفَةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في أركان وواجبات الحج والعمرة

- ‌(فَصْلٌ)في الهدي، والأضحية، والعقيقة

- ‌فصلفي العقيقة

- ‌(كِتَاب الجِهَادُ)

- ‌(فَصْلٌ)في عقد الذمة وأحكامها

- ‌فصلفي أحكام أهل الذمة

- ‌(كِتَابُ البَيْعِ وَسَائِرِ المُعَامَلَاتِ)

- ‌فَصْلٌفيما نُهِيَ عنه من البيوع ونحوها

- ‌(فَصْلٌ)الشروط في البيوع

- ‌(فَصْلٌ) في الخيار

- ‌(فَصْلٌ)في التصرف في المبيع قبل قبضه، وما يحصل به قبضه

- ‌(فَصْلٌ)في الربا والصرف

- ‌فَصْلٌ فِي الصَّرْفِ

- ‌(فَصْلٌ)في بيع الأصول والثمار

- ‌(فَصْلٌ)في السلم

- ‌(فَصْلٌ) في القرض

- ‌(فَصْلٌ) في الرهن

- ‌(فَصْلٌ) في الضمان

- ‌فصل في الكفالة

- ‌فصل في الحوالة

- ‌(فَصْلٌ) في الصلح

- ‌(فَصْلٌ) في أحكام الجوار

- ‌(فَصْلٌ) في الحَجْرِ

- ‌(فَصْلٌ) في المحجور عليه لحظ نفسه

- ‌(فَصْلٌ) في الوكالة

- ‌(فَصْلٌ) في الشركة

- ‌(فَصْلٌ) في المساقاة

- ‌(فَصْلٌ)في الإجارة

- ‌فَصْلٌ

- ‌(فَصْلٌ) في السَّبَق

- ‌(فَصْلٌ) في العارية

- ‌(فَصْلٌ) في الغصب

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ) في الشُّفْعَة

- ‌(فَصْلٌ) في الوديعة

- ‌(فَصْلٌ) في إحياء المَوَات

- ‌(فَصْلٌ) في الجعالة

- ‌(فَصْلٌ) في اللُّقَطة

- ‌فصل في اللَّقِيط

- ‌(فَصْلٌ) في الوقف

- ‌(فَصْلٌ) في الهبة والعطية

- ‌فصل

- ‌فصل في تصرفات المريض

- ‌(كِتَابِ الوَصَايَا)

- ‌فصل في الموصى له

- ‌فصل في الموصى به

- ‌فصل في الوصية بالأنصاء والأجزاء

- ‌(فَصْلٌ) في الموصى إليه

- ‌(كِتَابُ الفَرَائِضِ)

- ‌(فَصْلٌ) في الجد والإخوة

- ‌(فَصْلٌ) في الحجب

- ‌(فَصْلٌ) في العصبات

- ‌(فَصْلٌ) في أصول المسائل والعول

- ‌فصل في الرد

- ‌فصل في قسم التركات

- ‌(فَصْلٌ) في ذوي الأرحام

- ‌(فَصْلٌ) في ميراث الحَمْل

- ‌فصل في ميراث القاتل والمبعض

- ‌(كِتَابُ العِتْقِ)

- ‌فصل في التدبير

- ‌فصل في الكتابة

- ‌فصل في حكم أمهات الأولاد

الفصل: ‌فصل في محظورات الإحرام

ابن عباس رضي الله عنهما: «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، إِلَّا الحَطَّابِينَ الْعَجَّالِينَ وَأَهْلَ مَنَافِعِهَا» [ابن أبي شيبة: 13517، واحتج به أحمد].

القسم الثاني: المواقيت الزمانية: وأشار إليها بقوله: (وَأَشْهُرُ الحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو القَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الحِجَّةِ)، ومنها يوم النحر؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما:«أَشْهُرُ الحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو القَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الحِجَّةِ» [البخاري معلقاً مجزوماً 2/ 141، ووصله الدارقطني: 2455]، ونحوه عن ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير رضي الله عنهم [الدارقطني: 2452 وما بعده].

أما الجمع الوارد في قوله تعالى: (الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)، فالجمع يطلق على اثنين، وعلى اثنين وبعضٍ آخر.

واختار ابن هبيرة من الأصحاب، وابن عثيمين: أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة كاملاً؛ لظاهر قوله تعالى: (الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)، وأقل الجمع في اللغة ثلاثة، ولأنه وارد عن عمر [تفسير سعيد بن منصور: 334]، وابن عمر رضي الله عنهما [الشافعي في الأم 2/ 168].

‌فصل في محظورات الإحرام

أي: المحرَّمات بسبب الإحرام.

- مسألة: يحرُمُ على المحْرِم فعلُ شيء من المحظورات لغير عذر؛ لأن الأصل في النهي أنه للتحريم.

ص: 43

- مسألة: (وَمَحْظُورَاتُ الإِحْرَامِ تِسْعَةٌ):

الأول: (إِزَالَةُ شَعْرٍ) بحلقه، أو قلعه، أو قصه، أو نتفه، أو غير ذلك.

وشعر البدن لا يخلو من ثلاثة أقسام:

1 -

شعر الرأس: وإزالته من محظورات الإحرام إجماعاً؛ لقوله تعالى: (وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)، ولحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: أتى عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، والقمل يتناثر على وجهي، فقال:«أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ » قلت: نعم، قال:«فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً» [البخاري: 4190، ومسلم: 1201].

2 -

الشعر المتعلق بسنن الفطرة، من قص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة: فإزالته من المحظورات اتفاقاً؛ لقوله تعالى في آيات الحج: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، قال ابن عباس رضي الله عنهما:«التَّفَثُ: الرَّمْيُ، وَالذَّبْحُ، وَالحَلْقُ، وَالتَّقْصِيرُ، وَالْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَاللِّحْيَةِ» [ابن أبي شيبة: 15673]، وبنحوه قال جماعة من المفسرين وأهل اللغة، كالنَّضِر بن شُميل وابن الأعرابي، وقياساً على شعر الرأس؛ لأنه يتنظف ويترفه به.

3 -

بقية شعور البدن: إزالته من محظورات الإحرام؛ قياساً على ما تقدم؛ لأنه يتنظف ويترفه به، فأشبه حلق الرأس، ولأن حلق الشعر من إزالة الشعث، فيدخل في قوله تعالى:(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ)،

ص: 44

قال ابن شميل: (التفث: التشعث)[تهذيب اللغة 14/ 190].

(وَ) الثاني: (تَقْلِيمُ أَظْفَارٍ) أو قصها من يد أو رِجْل، اتفاقاً؛ لما تقدم في تفسير قوله تعالى:(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ)، ولما فيه من الترفه، فأشبه حلق الشعر.

(وَ) الثالث: (تَغْطِيَةُ رَأْسِ ذَكَرٍ) إجماعاً في الجملة، لا أنثى، فلا يحرم عليها تغطية رأسها.

- فرع: لا يخلو تغطية رأس الذكر من أقسام:

1 -

تغطية الرأس بملاصق معتاد، كالعمامة والغترة ونحوها: فيحرم إجماعاً؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما يلبس المُحْرِم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلا العَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا البَرَانِسَ، وَلا الخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ» [البخاري: 1543، ومسلم: 1177].

2 -

تغطية الرأس بملاصق غير معتاد، كقرطاس وحناء ونحوها: فيحرم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا في الذي وقصته ناقته وهو محرم: «وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا» [البخاري: 1265، ومسلم: 1206]، ولقول ابن عمر:«إِحْرَامُ المرأَةِ فِي وَجْهِهَا، وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ» [البيهقي: 9048].

ص: 45

3 -

أن يعصب رأسه بسير أو لفافة ونحو ذلك: يحرم؛ لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «لَا يَعْصِب المُحْرِمُ رَأْسَهُ بِسَيْرٍ وَلَا خِرْقَةٍ» [ابن أبي شيبة: 13283]، ولأنه نوع تغطية، والنهي يتناول جميع الرأس.

4 -

أن يستظل بشيء غير تابع، كخيمة وبيت وشجرة، أو ينصب حياله ثوباً: يجوز بالاتفاق، ولو قصد به الستر؛ لحديث جابر رضي الله عنه:«أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم ضُرِبَتْ لَهُ القُبَّةُ بِنَمِرَة، فَنَزَلَ بِهَا» [مسلم: 1218]، ولما روت أم الحصين رضي الله عنها قالت:«فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ، أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الشَّمْسِ» [مسلم: 1298].

5 -

أن يستظل بتابع غير ملاصق، نحو هودج وسيارة وشمسية: يحرم؛ لما روى نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً محرماً قد استظل فقال:«ضَحِّ لمنْ أَحْرَمْتَ لَهُ» [ابن أبي شيبة: 14253، وصححه الألباني]، وعن المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب قال:«كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يضحُون إذَا أَحْرَمُوا» [ابن أبي شيبة: 14255]، ولأنه ستر رأسه بما يقصد به الترفه، أشبه تغطيته، ويفارق الخيمة ونحوها؛ لأن الخيمة لا تلازمه، أشبهت ظل الجبال والحيطان، ويفارق التغطية بالثوب؛ لأنه يسير لا يراد للاستدامة، بخلاف الاستظلال بالمَحْمِل.

ص: 46

وعنه، واختاره ابن عثيمين: يجوز؛ لأنه ليس بمباشر للرأس؛ أشبه الخيمة، ولما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن المُحرِم يصيبه البرد، فقالت:«يَقُولُ بِثَوْبِهِ هَكَذَا، وَيَرْفَعُهُ فَوْقَ رَأْسِهِ» ، وثبت عن جابر رضي الله عنه نحوه، [ابن أبي شيبة: 14262، وما بعده]، والثوب تابع غير ملاصق.

6 -

أن يحمل على رأسه شيئاً أو يضع يده عليه: فليس من المحظورات، ولو قصد به الستر؛ لأنه لا يقصد به الستر عادة.

7 -

تلبيد رأسه بعسل وصمغ ونحوه: جائز؛ لحديث حفصة رضي الله عنها مرفوعاً: «إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي» وكان محرماً [البخاري: 1566، ومسلم: 1229].

8 -

تغطية الوجه: لا يحرم؛ لأن الأصل الحل، ولقول ابن عمر رضي الله عنهما السابق:«إِحْرَامُ المرأَةِ فِي وَجْهِهَا، وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ» ، فدل بمفهومه: أن الرجل له أن يخمر وجهه، ولأنه ثابت عن ستة من الصحابة، فعن الفرافصة بن عمر، قال:«رَأَيْتُ عُثْمَانَ، وزيداً، وَابْنَ الزُبَيرِ رضي الله عنهم يُغَطُّونَ وُجُوهَهَم وَهُمْ مُحْرِمُونَ إِلَى قصَاصَ الشَّعْرِ» [ابن أبي شيبة: 14252]، وورد عن جابر [ابن أبي شيبة: 14245]، وعبد الرحمن بن عوف، وابن عباس رضي الله عنهم [المحلى: 5/ 79].

أما الزيادة الواردة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ» [مسلم: 1206] فشاذة، قال البيهقي:(وذكر الوجه فيه غريب)، ولهذا أعرض عنها البخاري فلم يخرجها في الصحيح.

ص: 47

وعنه: أنه من المحظورات، ونقلها الأكثر عن أحمد؛ لزيادة مسلم، ولما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما:«مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنَ الرَّأسِ، فَلَا يُخَمِّرْهُ المُحْرِمُ» [الموطأ 1/ 321، البيهقي: 9090].

9 -

تغطية الأذنين: يحرم؛ لحديث أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً: «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» [أحمد: 22282، وأبو داود: 134، والترمذي: 37، وابن ماجه: 444].

(وَ) الرابع: (لُبْسُهُ) أي: الذكر، (المَخِيطَ)، وهو ما خِيط على البدن كله، أو على عضو من الأعضاء، وأما الأنثى فسيأتي حكم لبسها المخيط آخر الفصل.

- فرع: لباس المحرم لا يخلو من ثلاثة أقسام:

1 -

ما كان منصوصاً على تحريمه: فيحرم إجماعاً ولو لُبس بطريقة غير معتادة، كجورب في كف؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق:«لا يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلا العَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا البَرَانِسَ» الحديث.

2 -

ما كان في معنى المنصوص، كالتُبَّان والقَلَنْسوة ونحوهما: فيحرم أيضاً بالاتفاق؛ قياساً على المنصوص.

3 -

ما ليس في معنى المنصوص، كالخاتم وربط الجرح وتعليق القِربة ونحوها: فلا يحرُمُ لبسه؛ لأنه ليس بمنصوص، ولا في معنى المنصوص، ولما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«لَا بَأْسَ بِالهِمْيَانِ وَالخَاتَمِ لِلْمُحْرِمِ» [ابن

ص: 48

أبي شيبة: 15457، وفيه ضعف].

- فرع: يمنع الرجل من لبس المخيط (إِلَّا) في حالين:

1 -

لُبْسُه (سَرَاوِيلَ لِعَدَمِ) قدرته على لبس (إِزَارٍ)، ولا فدية عليه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، فقال:«مَنْ لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ» [البخاري: 1843، ومسلم: 1178].

2 -

(وَ) لبسه (خُفَّيْنِ لِعَدَمِ) قدرته على لبس (نَعْلَيْنِ)، إما لعدم وجودهما، أو لضيقهما عليه، أو غير ذلك، ولا يقطع الخفين، ولا فدية عليه، واختاره شيخ الإسلام؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق، وهو متأخر عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي فيه الأمر بقطع الخفين عند عدم النعلين، لأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما في عرفة، وحديث ابن عمر في المدينة.

- فرع: ليس له لبس الخفين المقطوعين - بحيث يظهر الكعبين وما فوقهما؛ كالخف المكعب والمداس - عند وجود النعلين؛ لأن قطعه كذلك لا يخرجه عن كونه مخيطاً، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق، وفيه:«وَلا الخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ» ، فلم يرخص في لبس الخف المقطوع إلا عند عدم وجود النعل.

واختار شيخ الإسلام: أنه يجوز لبس الخفين المقطوعين حتى عند وجود النعلين؛ لحديث ابن عمر السابق أيضاً، حيث جعل النبي صلى الله عليه وسلم قطع الخف

ص: 49

أسفل من الكعب بمنزلة النعل، ثم نسخ الحكم بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، فأباح لبس الخفين عند عدم النعلين دون قطع، فدل على أن قطع الخف يُصَيِّره كالنعل، ولأنه لا يسمى خفًّا.

(وَ) الخامس: (الطِّيبُ) اتفاقاً، وهو ما أعد للتطيب، وذلك أن ما له رائحة لا يخلو من أمرين:

1 -

أن يكون معدًّا للتطيب، كالمسك والعنبر والورد والياسمين والزعفران والبخور ونحوها: فيعد طيباً، ويحرم على المحرم استعماله؛ لما يأتي.

2 -

ألا يكون معداً للتطيب، كالفواكه، ونباتات الصحراء؛ كالخُزامى والإذْخِر، والقَرَنْفُل، ونحوها: فلا يعد طيباً، ولو كان مما ينبته الآدمي، كالنرجس ونحوه، ولا يمنع منه المحرم؛ لأنه ليس بطيب، ولا يسمى طيباً عادة، ولما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«لَا بَأْسَ أَنْ يَشَمَّ المُحْرِمُ الرَّيحَان» [البخاري معلقاً مجزوماً 2/ 136، ووصله ابن أبي شيبة: 14600].

- فرع: لا يخلو استعمال الطيب من أقسام:

1 -

استعماله في البدن: يحرم إجماعاً؛ لحديث ابن عباس السابق في الذي وقصته ناقته وهو محرم: «وَلا تُحَنِّطُوهُ» ، ولحديث يعلى بن أمية رضي الله عنه لما أحرم بعمرة في جبة بعد ما تمضخ بالطيب، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اخْلَعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الخَلُوقِ عَنْكَ، وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ

ص: 50

كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» [البخاري: 1789، ومسلم: 1180].

2 -

استعماله في الثوب: يحرم؛ لحديث ابن عمر السابق، وفيه:«وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ» .

3 -

استعماله في الفراش الذي يجلس وينام عليه: يحرم؛ لأن الفراش من اللباس؛ لقول أنس رضي الله عنه: «فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولُ مَا لُبِسَ» [البخاري: 380، ومسلم: 658].

4 -

استعماله في الأكل والشرب ولو مطبوخاً كالزعفران ونحوه: ولا يخلو الطيب في الطعام من أحوال:

أ) أن تبقى رائحته: فيحرم؛ لأن المقصود من الطيب الرائحة والترفه وقد وُجدت.

ب) أن يبقى طعمه: فيحرم؛ لأن بقاء الطعم يستلزم بقاء الرائحة.

ت) أن يبقى لونه فقط: فلا يحرم؛ لذهاب المقصود منه، واللون لا يستلزم بقاء الرائحة.

ث) ألا يبقى شيء: فلا يحرم؛ لذهاب الطيب.

5 -

مس الطيب، ولا يخلو من حالين:

أ) أن يعلق باليد، كالادهان بمطيب أو الاكتحال به أو الاستعاط به: فيحرم؛ لأنه استعمال للطيب أشبه شمه.

ص: 51

فإن لم يكن الدهن مطيباً فلا بأس؛ لقول سعيد بن جبير: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ» أي: وهو محرم [البخاري: 1537].

ب) ألا يعلق باليد، كقطع الكافور والعود: فلا يحرم؛ لأنه غير مستعمل للطيب.

6 -

شم الطيب والبخور: ولا يخلو من أحوال:

أ) أن يشمه بقصد التلذذ: فيحرم؛ لما صح عن أبي الزبير أنه قال: سألت جابراً رضي الله عنه: يشم المحرم الطيب؟ فقال: «لا» [ابن أبي شيبة: 14608]، ولأن شم الطيب من استعماله، فأشبه مباشرته.

ب) أن يشمه بقصد الاستعلام للشراء: فيحرم؛ لما تقدم.

واختار ابن القيم: أنه يجوز؛ لأنه لم يقصد التلذذ بشمه، وإنما قصد الاستعلام، فهو بمنزلة النظر إلى المخطوبة.

ج) أن يشمه دون قصد، كمن مر بعطَّار ونحوه: فلا يحرم؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه.

(وَ) السادس: (قَتْلُ صَيْدِ البَرِّ)، أو اصطياده ولو لم يقتله، وهو من المحظورات إجماعاً؛ لقوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم)[المائدة: 95]، وقوله:(أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ).

ص: 52

- فرع: يشترط لكون الصيد محظوراً أربعة شروط:

1 -

أن يكون بريًّا: فلا يحرم صيد البحر، إجماعاً؛ لقوله تعالى:(أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً)[المائدة: 96].

2 -

أن يكون وحشيًّا؛ كحمام وبط: فلا يحرم إن كان أهليًّا؛ كبهيمة الأنعام، إجماعاً؛ لأنه ليس بصيد، ولذلك يَذبح المُحرم الهدايا.

3 -

أن يكون أصله وحشيًّا: فلا يحرم الحيوان الإنسي لو توحش، كإبل وبقر توحشت، ويحرم الوحشي ولو صار أهليًّا؛ لأن الاعتبار يكون بالأصل لا بالعارض.

4 -

أن يكون مأكولاً: فأما غير مأكول اللحم فلا أثر للإحرام في تحريم قتلها؛ لأن الله تعالى إنما أوجب الجزاء في الصيد، وليس هذا بصيد.

- فرع: قتل مُحرَّم الأكل لا جزاء فيه على المحْرِم بحالٍ، ولو كان مُحرَّم القتل؛ لأن الله رتب الجزاء على الصيد، ومحرم الأكل ليس بصيد.

- فرع: محرم الأكل لا يخلو من خمسة أقسام:

الأول: السَّبُع العقور، وهو الذي يعدو على الناس ويفترسهم: يجب قتله؛ ليُدفع شره عن الناس.

الثاني: ما كان طبعه الأذى، وإن لم يوجد منه أذىً؛ كالفواسق الخمس

ص: 53

في الحديث، والسباع المؤذية، كالأسد والنمر، والحشرات المؤذية كالبعوض والبراغيث: يسن قتلها - غير الآدمي فلا يباح إلا في أحوال -؛ لحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الفَأْرَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالحُدَيَّا، وَالغُرَابُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ» [البخاري: 3314، ومسلم: 1198]، وثبت عن عمر رضي الله عنه: أنه أمر المحرم بقتل هذه الفواسق [عبد الرزاق: 8380]، ويقاس على ذلك كل مؤذ بطبعه، وكان عمر رضي الله عنه يُقَرِّدُ بعيره وهو محرم ويجعله في الطين [ابن أبي شيبة: 15274]، أي: كان يزيل حشرة القُراد من بعيره فتموت ويجعلها في الطين، وقال ابن عباس رضي الله عنهما عن تقريد البعير:«لَا بَأْسَ بِهِ» [ابن أبي شيبة: 15281]، وجاءت امرأة إلى ابن عمر رضي الله عنهما فسألته فقالت: إني وجدت قملة فألقيتها، أو قتلتها، قال:«مَا القَمْلَةُ مِنَ الصَّيْدِ» [ابن أبي شيبة: 13131]. [*]

واختار شيخ الإسلام في البراغيث: أنه إن قرصه ذلك قتله مجاناً، وإلا فلا يقتله.

الثالث: ما فيه مضرة من وجه ومنفعة من وجه، كالبازي والصقر ونحوه: فيُخَيَّر بين قتله وعدم قتله؛ لأنه لما استوت حالتاه استوى الحال في قتله وتركه.

الرابع: ما لا يؤذي بطبعه وورد النهي عن قتله، كالنمل والنحل ونحوه: فيحرم قتله؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ، وَالنَّحْلَةِ، وَالهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ» [أحمد: 3066، وأبو داود: 5267، وابن ماجه: 3224]، إلا إذا آذاه، فيباح قتله، واختاره شيخ الإسلام؛ لأنه يكون كالصائل.

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ويأتي قريبا (2/ 58) مزيد عن هذا، ففيه:«ولأن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجل فقال: إني قتلت قملة وأنا محرم، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: «أَهْوَنُ قَتِيلٍ» [البيهقي: 10065]، ونحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما [الشافعي ص 136]

ص: 54

الخامس: ما لا يؤذي بطبعه ولم ينه عن قتله، كالديدان والبوم: يحرم قتله أيضاً؛ قياساً على ما تقدم في النمل والنحل ونحوها؛ لكونها لا مضرة فيها.

وقيل، واختاره ابن عثيمين: يكره قتله؛ لأن الله سبحانه وتعالى خلقها لحكمة، ولقوله:(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)، وقتلها يقطع تسبيحها.

واختار شيخ الإسلام: أنه لا يقتل المحرم شيئاً من الحيوانات ولو كانت مؤذية، إلا إذا آذته، إلا ما ورد النص بقتله، وهي الفواسق الخمس، فإن قتل شيئاً منها فلا فدية عليه.

- فرع: لا يخلو أكل المُحْرِم للصيد من أربعة أقسام:

1 -

أن يصيده المحْرِم: فيحرم عليه وعلى غيره الأكل منه، ويكون ميتة؛ لقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)، فسماه قتلًا، ولم يسمه صيدًا، فدل على أنه ميتة.

2 -

أن يتسبب المُحْرِم في صيده بإشارة أو دلالة أو إعانة: فيَحْرم على المحْرِم فقط، ويجوز لغيره الأكل منه؛ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه أنه كان مع الصحابة رضي الله عنهم وهم محرمون وهو لم يحرم، فصاد صيداً، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلهم له، فقال:«هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ؟ » قالوا: لا، قال:«فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لحمِهَا» [البخاري: 1824، ومسلم: 1196].

ص: 55

3 -

أن يصاد لأجل المحْرِم: فيحرُم عليه الأكل منه؛ لحديث الصَّعب بن جثَّامة رضي الله عنه أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشيًّا، وهو بالأبواء، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال:«إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» [البخاري: 1825، ومسلم: 1193].

4 -

ألا يصيد ولا يتسبب في الصيد ولا يصاد لأجله: فيباح له الأكل منه؛ لظاهر حديث أبي قتادة السابق.

(وَ) السابع: (عَقْدُ نِكَاحٍ)، فلو تزوج المحْرم، أو زوَّج محْرمة، أو كان وليًّا أو وكيلاً في النكاح؛ حرم ولم يصح النكاح؛ لحديث عثمان رضي الله عنه مرفوعاً:«لَا يَنْكِحُ المُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ» [مسلم: 1409]، والنهي يقتضي الفساد؛ لأنه يرجع إلى ذات المعاملة، وهذا هو الوارد عن الصحابة، كعمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وابن عمر رضي الله عنهم [البيهقي: 14214، وما بعده].

وأما ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» [البخاري: 1837، ومسلم: 1410]، فقد قال ابن المسيب:(وَهِم ابن عباس، في تزويج ميمونة وهو محرم)[أبو داود: 1845]، وذلك لأن ميمونة صاحبة الحادثة، وأبا رافع الرسول بين النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة صَرَّحا بأنه كان حلالاً، فعن يزيد بن الأصم، قال: حدثتني ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» [مسلم: 1411]، وعن أبي رافع رضي الله عنه:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالاً، وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا» [أحمد: 27197، والترمذي: 841].

ص: 56

- فرع: يستمر تحريم عقد النكاح على المحرم في العمرة إلى التحلل منها، وفي الحج إلى التحلل الثاني؛ لحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً:«إِذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» [أحمد: 25103، وأبو داود: 1978].

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: أنه يستمر في الحج إلى التحلل الأول؛ لأن من تحلل التحلل الأول لا يطلق عليه الاسم المطلق للمحرم.

(وَ) الثامن: (جِمَاعٌ)، بأن يُغَيِّب المحْرِم حشفته في قُبُل أو دبر أصلي، من آدمي أو غيره، حي أو ميت، وهو من المحظورات إجماعاً؛ لقوله تعالى:(فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ)[البقرة: 197] قال ابن عباس: «هُوَ الجِمَاعُ» [ابن أبي شيبة: 13230].

(وَ) التاسع: (مُبَاشَرَةُ) الرجلِ المرأةَ (فِيمَا دُونَ فَرْجٍ)، وهو على قسمين:

1 -

بغير شهوة: فيجوز اتفاقاً.

2 -

بشهوة: فيحرم اتفاقاً، كالتقبيل واللمس والنظر ونحوه؛ لقوله تعالى:(فَلا رَفَثَ)، قال ابن عباس رضي الله عنهما:«هُوَ التَّعْرِيضُ بِذِكْرِ الجِمَاعِ» ، وقال ابن عمر رضي الله عنهما:«الرَّفَثُ إتيَانُ النِّسَاء، والتَّكَلُّمُ بِذَلكِ للرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إذَا ذَكَرُوا ذَلكَ بِأَفْوَاهِهِم» [تفسير الطبري 4/ 125]، ولأنه إذا كان يحرُمُ عقد النكاح الذي تستباح به المباشرة، فالمباشرة من باب أولى، ولأنه وسيلة إلى الوطء المحرم، فكان حراماً.

ص: 57

- مسألة: محظورات الإحرام من حيث الفدية لا تخلو من أربعة أقسام:

القسم الأول: ما لا فدية فيه: وهو محظوران:

1 -

عقد النكاح؛ لعدم ورود الفدية، والأصل عدمها، ولأنه عقد فسد لأجل الإحرام، فلم تجب به فدية، كشراء الصيد.

2 -

قتل القمل، وهو مُحرَّم على المحْرِم؛ لأنه يترفه بإزالته، فكان كإزالة الشعر، ولا فدية فيه؛ لأنه ليس بصيد ولا قيمة فيه، أشبه البعوض والبراغيث، ولأن كعب بن عجرة رضي الله عنه حين حلق رأسه قد أذهب قملاً كثيراً، ولم يجب عليه لذلك شيء، وإنما وجبت الفدية بحلق الشعر، ولأن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجل فقال: إني قتلت قملة وأنا محرم، فقال ابن عمر رضي الله عنهما:«أَهْوَنُ قَتِيلٍ» [البيهقي: 10065]، ونحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما [الشافعي ص 136].

وعنه: يباح قتله؛ لأنه من أكثر الهوام أذىً، فأبيح قتله كالبراغيث وسائر ما يؤذي.

واختار شيخ الإسلام: أنه إن قرصه القمل والبعوض والقُرُد فله قتلها، ولا شيء عليه، وإلا فلا يقتلها. [*]

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وقد مرَّ قريبا (2/ 54) مزيد عن هذا، ففيه:«وكان عمر رضي الله عنه يُقَرِّدُ بعيره وهو محرم ويجعله في الطين [ابن أبي شيبة: 15274]، أي: كان يزيل حشرة القُراد من بعيره فتموت ويجعلها في الطين، وقال ابن عباس رضي الله عنهما عن تقريد البعير: «لَا بَأْسَ بِهِ» [ابن أبي شيبة: 15281]، وجاءت امرأة إلى ابن عمر رضي الله عنهما فسألته فقالت: إني وجدت قملة فألقيتها، أو قتلتها، قال:«مَا القَمْلَةُ مِنَ الصَّيْدِ» [ابن أبي شيبة: 13131]

ص: 58

القسم الثاني: ما فيه فدية أذى: وتكون فيما يلي من المحظورات:

1 -

إزالة الشعر: (فَفِي) إزالة (أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ) إطعامٌ، ففي شعرة أو بعضها طعام مسكين، وفي شعرتين أو بعض شعرتين طعام مسكينين، وفي الثلاثة دم أي: فدية أذى؛ لقول عطاء بن أبي رباح: «في الشعرة مُدٌّ، وفي الشعرتين مُدَّان، وفي الثلاث فصاعدًا دم» [البيهقي: 9124]، وخصت فدية الأذى في حلق ثلاث شعرات فأكثر؛ لأن أقل ما يصدق عليه اسم الحلق حلق ثلاث شعرات، ولأن أقل الجمع ثلاث، وقد اعتبرت في مواضع من الأحكام، فاعتبرت هنا.

2 -

تقليم الأظفار، (وَ) ذلك أنه في أقل من (ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ فَأَقَلَّ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، ففي ظفر طعام مسكين، وفي ظفرين طعام مسكينين، (وَفِي الثَّلَاثِ) من الأظفار (فَأَكْثَرَ دَمٌ) أي: فدية أذىً؛ قياساً على الحلق؛ لأنه في معناه في حصول الرفاهية.

ووجَّه في الفروع احتمالاً، واختاره ابن عثيمين: أنه لا تجب الفدية في الشعر والأظفار إلا فيما يماط به الأذى؛ لقوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه)[البقرة: 196]، وهو لا يحلق إذا كان به أذىً من رأسه إلا ما يماط به الأذى، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما:«احْتَجَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ» [البخاري: 1835، ومسلم: 1202]، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فدى، لأن الشعر الذي يزال من أجل الحجامة لا يماط بمثله الأذى.

ص: 59

3 -

(وَفِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ) قَلَّ أو كثر: فدية أذى، ولا تخلو التغطية من حالين:

الأولى: أن تكون التغطية (بِلَاصِقٍ)، كالعمامة والخرقة والسير ونحوه مما تقدم: ففيه فدية أذى؛ لأنه فعل محرَّماً في الإحرام يقصد به الترفه، أشبه حلق الرأس.

الثانية: أن تكون التغطية بغير ملاصق، كالاستظلال بالمحمل ونحوه: فيحرم على ما تقدم، وليس فيه فدية أذى على رواية؛ وهو مفهوم كلام المؤلف، قال في الإنصاف:(وهذا المذهب على ما اصطلحنا عليه).

والمذهب: فيه فدية أذى؛ لأنه يقصد به الترفه، ولأنه ستره بما يستلزم ويلازمه غالباً، أشبه ما لو ستره بشيء يلاقيه، قال في تصحيح الفروع:(وهو الصحيح)، وجزم به في التنقيح والإقناع والمنتهى.

4 -

وتغطية وجه امرأة، ويأتي.

5 -

(وَ) في (لُبْسِ مَخِيطٍ) فدية أذى، على ما تقدم تفصيله؛ قياساً على الحلق؛ لأنه في معناه في حصول الرفاهية.

6 -

(وَ) في (تَطَيُّبٍ فِي بَدَنٍ، أَوْ) في (ثَوْبٍ، أَوْ شَمِّ) طيبٍ، (أَوْ دَهْنٍ) بمطيَّب على ما تقدم تفصيله:(الفِدْيَةُ) أي: فدية الأذى، قلَّ ذلك أو كثر؛ لظاهر الأخبار الواردة في النهي عن ذلك، وقياساً على الحلق؛ لأنه في معناه في حصول الرفاهية.

ص: 60

7 -

الوطء في الحج بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني، ويأتي.

8 -

الوطء في العمرة مطلقاً، ويأتي.

9 -

المباشرة بشهوة في العمرة مطلقاً، ويأتي.

10 -

المباشرة بشهوة في الحج دون إنزال، ويأتي.

11 -

المباشرة بشهوة مع الإنزال في الحج بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني.

- تنبيه: قال في الإنصاف: (كل استمتاع يوجب شاة، كالوطء في العمرة، وبعد التحلل الأول في الحج إذا قلنا به، والمباشرة من غير إنزال، ونحو ذلك، إذا قلنا: يجب شاة، فحكمها حكم فدية الأذى من غير خلاف).

القسم الثالث من أقسام المحظورات من حيث الفدية: ما فيه الجزاء: وهو قتل الصيد، وأشار إليه المؤلف بقوله:(وَإِنْ قَتَلَ) المحْرِم (صَيْداً) بشروطه السابقة، وهي كونه (مَأْكُولاً بَرِّيًّا أَصْلاً: فَـ) يجب (عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ)، وسيأتي بيان الجزاء.

القسم الرابع: ما فديته بدنة: وهو الجماع، والمباشرة بشهوة مع الإنزال في الحج قبل التحلل الأول؛ لما يأتي من الأدلة.

ص: 61

- فرع: (وَالجِمَاعُ) في الحج والعمرة لا يخلو من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يكون الجماع بعد الإحرام و (قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ فِي حَجٍّ) ولو بعد الوقوف بعرفة، (وَ) كذا لو كان (قَبْلَ فَرَاغِ) المحرم من (سَعْيٍ فِي عُمْرَةٍ)، ويترتب على هذا الجماع خمسة أحكام:

1 -

أنه (مُفْسِدٌ لِنُسُكِهِمَا) أي: الحج والعمرة (مُطْلَقًا) أي: سواء كان ساهياً أم جاهلاً أم مكرهاً، أم لم يكن كذلك؛ لما روى يزيد بن نعيم: أن رجلاً من جذام جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما:«اقْضِيَا نُسُكَكُمَا، وَأهْدِيَا هَدْيًا، ثُمَّ ارْجِعَا، حَتَّى إِذَا كُنْتُمَا بِالمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا تَفَرَّقَا وَلَا يَرَى وَاحِدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ، وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى، فَتُقْبِلَانِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمَا بِالمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا، فَأَحْرِمَا وَأَتِمَّا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا» [أبو داود في المراسيل: 140، وفي التلخيص: رجاله ثقات مع انقطاعه]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في رجل وقع على امرأته وهو محرم، قال:«اقْضِيَا نُسُكَكُمَا، وَارْجِعَا إِلَى بَلَدِكُمَا، فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَاخْرُجَا حَاجَّيْنِ، فَإِذَا أَحْرَمْتُمَا فَتَفَرَّقَا وَلَا تَلْتَقِيَا حَتَّى تَقْضِيَا نُسُكَكُمَا، وَأَهْدِيَا هَدْيًا» [البيهقي: 9782، وإسناده صحيح]، وعن مالك: أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعليَّ بن أبي طالب وأبا هريرة رضي الله عنهم سئلوا: عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج، فقالوا: «يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا

ص: 62

حَجَّهُمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجُّ قَابِلٍ وَالهَدْيُ» [الموطأ: 1421]، ولما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً أتاه فسأله عن محرم وقع بامرأة، فقال له:«بَطَلَ حَجُّكَ» ، فقال الرجل: فما أصنع؟ ، قال:«اخْرُجْ مَعَ النَّاسِ وَاصْنَعْ مَا يَصْنَعُونَ، فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلًا فَحُجَّ وَأَهْدِ» ، ووافقه على ذلك ابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم [البيهقي: 9783، وصحح إسناده].

ويأتي في الفدية أن الرواية الثانية: سقوط جميع المحظورات بالجهل والإكراه والنسيان، ومنها الجماع.

2 -

(وَ) يجب (فِيهِ) أي: هذا الجماع: (لِحَجٍّ: بَدَنَةٌ)؛ لما تقدم من الآثار، وفيها:«وَأَهِديَا هَدْياً» ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما:«إِذَا جَامَعَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ» [البيهقي: 9786]، (وَ) يجب فيه (لِعُمْرَةٍ: شَاةٌ) أي: فدية أذى؛ لما روى سعيد بن جبير: أن رجلاً اعتمر فغشي امرأته قبل أن يطوف بالصفا والمروة بعدما طاف بالبيت - وفي رواية: قبل التقصير-، فسئل ابن عباس رضي الله عنهما، فقال:«فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُك» [البيهقي: 9805]، ولأنها أحد النسكين فوجب أن يجب بالوطء فيها شيء كالآخر، وإنما كان شاة؛ لأن حكم العمرة أخف.

3 -

(وَيَمْضِيَانِ) أي: الواطئ والموطوءة (فِي فَاسِدِهِ) أي: فاسد النسك من الحج والعمرة وجوباً، اتفاقاً؛ لعموم قوله تعالى:(وأتموا الحج والعمرة لله)، ولما تقدم من الحديث والآثار.

ص: 63

وحكم الإحرام الذي أفسده حكم الإحرام الصحيح، فيفعل بعد الإفساد ما كان يفعله قبله من الوقوف وغيره، ويجتنب ما يجتنبه قبله من الوطء وغيره.

4 -

(وَيَقْضِيَانِهِ) أي: النسك الفاسد بالوطء وجوباً، قال في المبدع:(بغير خلاف نعلمه)؛ لما تقدم من الحديث والآثار، سواء كان في الحج أم العمرة.

ويجب القضاء (مُطْلَقًا) أي: كبيراً كان أو صغيراً، واطئاً أو موطوءاً، فرضاً أو نفلاً؛ لأن النفل يلزم بالشروع فيه في الحج والعمرة، فصار واجباً.

5 -

وجوب التوبة؛ لأنه إثم ومعصية.

- فرع: لا يخلو حال الرجل والمرأة اللذين وقعا في الجماع قبل التحلل الأول من أمرين:

1 -

(إِنْ كَانَا مُكَلَّفَيْنِ) فيجب عليهما قضاء النسك (فَوْراً)؛ لآثار الصحابة رضي الله عنهم المتقدمة، ولأن الأصل في الأوامر الفورية.

2 -

(وَإِلَّا) يكونا مكلفين، كالصغير والمجنون: فيجب عليهما القضاء (بَعْدَ التَّكْلِيفِ، وَ) بعد (فِعْلِ حَجَّةِ الإِسْلَامِ)؛ لأنه إحرام صحيح، فوجب عليه القضاء إذا أفسده؛ كحج التطوع في حق البالغ، ويقضيانه (فَوْراً) بعد

ص: 64

إتيانهما بحجة الإسلام؛ لأن الأصل في الأوامر الفورية.

- فرع: إذا جامع في العمرة بعد السعي وقبل التحلل، فعمرته صحيحة، وعليه فدية أذى؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في امرأة وقع عليها زوجها وقد قصرت ولم يقصر الرجل، قال:«عَلَيْهِ دَمٌ» ، وعن سعيد بن جبير نحوه. [ابن أبي شيبة: 14928 تحقيق الجمعة واللحيدان]، ولم يأمره بالقضاء، فدل على صحة عمرته.

- فرع: المباشرة بما دون الفرج على قسمين:

الأول: أن تكون المباشرة بغير شهوة: فلا شيء عليه؛ لأنه ليس بمحظور.

(وَ) الثاني: أن تكون المباشرة بشهوة: وفيه ثلاثة أحكام:

1 -

وجوب التوبة؛ لأنه ذنب ومعصية.

2 -

(لَا يَفْسُدُ النُّسُكُ) من حجٍّ وعمرةٍ (بِمُبَاشَرَةٍ) بشهوة؛ لعدم الدليل، والأصل صحة العبادة؛ ولا يصح قياسه على الجماع؛ لأن الوطء يجب به الحد، ولا يجب الحد بالمباشرة، فافترقا.

3 -

(وَيَجِبُ بِهَا) أي: بالمباشرة لشهوة: فدية، ولا يخلو ذلك من أمرين:

الأول: أن يكون ذلك في العمرة: فتجب شاة مطلقاً، سواء أنزل - منيًّا أو مذيًّا - أو لم ينزل، قبل السعي أو بعده.

ص: 65

الثاني: أن يكون ذلك في الحج: فلا يخلو:

أ) أن ينزل منيًّا: ولا يخلو من حالين:

- أن يكون قبل التحلل الأول: فتجب عليه بدنة، كما لو باشر دون الفرج فأمنى، أو قبَّل أو لمس فأمنى، أو كرر النظر فأمنى، أو استمنى فأمنى، وأشار إليه بقوله:(بَدَنَةٌ إِنْ أَنْزَلَ)، وهو من المفردات؛ قياساً على فدية الوطء.

فإن أمذى بذلك ولم ينزل؛ فعليه فدية أذى؛ لما فيه من الترفه.

وعنه، واختاره ابن عثيمين: أن عليه فدية أذىً؛ لارتكابه لمحظور من المحظورات، ولا يصح قياسه على الوطء؛ لأنه لا يُفسد النسك، والوطء يفسده.

- أن يكون بعد التحلل الأول: فتجب فيه فدية الأذى؛ قياساً على الوطء بعد التحلل الأول.

ب) ألا ينزل: كما لو باشر دون الفرج، أو قبَّل أو لمس، ولم ينزل منيًّا ولا مذياً، فتجب عليه فدية أذى (1)، سواء كان قبل التحلل الأول أم بعده،

(1) قال في الروض المربع: (وعليه بدنة إن أنزل بمباشرة أو قبلة، أو تكرار نظر، أو لمس لشهوة أو أمنى باستمناء، قياسًا على بدنه الوطء، وإن لم ينزل فشاة كفدية أذى)، وهذا الاطلاق يشمل ما لو كرر النظر فلم يخرج منه شيء، وهو خلاف ما يأتي تقريره، والذي في كشاف القناع (2/ 456):(وإن لم ينزل بالنظر فلا شيء عليه؛ لأنه لا يمكن التحرز منه، ولو كرره، وأما الاستمتاع بلا إنزال فتجب به شاة).

ص: 66

وأشار إليه بقوله: (وَإِلَّا شَاةٌ)؛ لما ورد عن مجاهد قال: رأى ابن عباس رجلاً وهو يسب امرأته، فقال:«ما لك؟ » قال: إني أمذيت، فقال ابن عباس:«لا تسبَّها، وأهرق بذلك» ، ونحوه عن علي رضي الله عنهما، وفيهما ضعف، وورد ذلك عن ابن المسيب وابن جبير وعطاء وجماعة من التابعين [ابن أبي شيبة: 12734، وما بعده]، ولأنه فعل محرم بالإحرام، فوجبت به الشاة كالحلق.

أما إذا كرر النظر ولم يُنزل، فلا شيء عليه؛ لأنه لا يمكن التحرز منه (1).

الحالة الثانية من حالات الجماع في الإحرام: أن يكون الجماع في الحج بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني: ويترتب عليه أربعة أحكام:

(1) نظر المُحْرِم إلى المرأة بشهوة لا يخلو من خمس حالات:

1 -

إذا كرر النظر فأمنى: فعليه بدنة، وتقدم.

2 -

إذا كرر النظر فأمذى: فعليه شاة، وتقدم.

3 -

إذا كرر النظر فلم ينزل شيئًا: فلا شيء عليه.

4 -

إذا نظر نظرة واحدة فأمنى: فعليه شاة؛ لأنه فعل يحصل به اللذة أوجب الإنزال أشبه اللمس.

5 -

إذا نظر نظرة واحدة فأمذى أو لم ينزل: فلا شيء عليه؛ لمشقة الاحتراز منه.

ص: 67

1 -

وجوب التوبة؛ لأنه ذنب ومعصية.

2 -

(وَلَا) يفسد النسك (بِوَطْءٍ فِي حَجٍّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ وَقَبْلَ) التحلل (الثَّانِي)؛ لما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً أصاب من أهله قبل أن يطوف بالبيت يوم النحر، فقال:«يَنْحَرَانِ جَزُورًا بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» [البيهقي: 9801].

3 -

ويجب عليه تجديد الإحرام، فلا يفسد النسك، و (لَكِنْ يَفْسُدُ الإِحْرَامُ)، فيحتاج حينئذ إلى تجديده؛ لأن إحرامه يفسد بالوطء كما يفسد به قبل التحلل الأول، (فَيُحْرِمُ مِنَ الحِلِّ)؛ ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم.

وليس هذا الإحرام ليأتي بعمرة، وإنما (لِيَطُوفَ للزِّيَارَةِ) وهو طواف الإفاضة، (فِي إِحْرَامٍ صَحِيحٍ)؛ لأن الطواف ركن لا يتم الحج إلا به، فيجب أن يأتي به في إحرام صحيح كالوقوف، ولا يأتي بسعي وتقصير، (وَ) إنما (يَسْعَى إِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى) من قبل؛ ليأتي بما بقي من الحج.

وأما المنصوص عن أحمد: (أنه يعتمر)، فيحتمل أنه أراد هذا المعنى وسماه عمرة؛ لأن هذه أفعال العمرة، ويؤيده: ما ورد عن قتادة في رجل أهل بعمرة، ثم وقع بأهله قبل أن يطوف بالبيت، قال:«يرجع إلى حيث أحرم، فيُحْرِم من ثَمَّ، ويُهريق دماً» [ابن أبي شيبة: 14812].

ص: 68

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: أنه يعتمر مطلقاً، وعلى هذا فيلزمه سعي - وإن كان قد سعى - وتقصير، قال شيخ الإسلام:(وعليه نصوص أحمد، وهو المأثور عن الصحابة)؛ لما ورد عن ابن عباس أنه قال في الذي يصيب أهله قبل أن يُفيض: «يعتمر، ويُهْدي» [مالك: 1433].

4 -

(وَ) يجب (عَلَيْهِ شَاةٌ) أي: فدية أذىً؛ لما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما في رجل وقع على امرأته قبل أن يزور البيت، قال:«عَلَيْهِ دَمٌ» [ابن أبي شيبة: 14932]، ولأن حكم الإحرام خف بالتحلل الأول، فينبغي أن يكون موجبه دون موجب الإحرام التام.

وعنه: أنه يلزمه بدنه؛ لما صح عن ابن عباس: أنه سئل عن رجل وقع على أهله وهو محرم وهو بمنىً قبل أن يُفيض: «فَأَمَرَهُ أنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً» [البيهقي: 9803]، ويحمل قوله السابق:«عَلَيْهِ دَمٌ» على البدنة، وعلى ذلك جماعة من التابعين، كعلقمة ومجاهد وعطاء والشعبي وعكرمة وغيرهم [ابن أبي شيبة: 14933، وما بعده].

الحالة الثالثة: أن يكون الجماع في الحج بعد التحلل الثاني وفي العمرة بعد الانتهاء: فلا شيء فيه؛ لأنه ليس بمحظور.

- مسألة: (وَإِحْرَامُ امْرَأَةٍ) فيما تقدم (كَـ) إحرام (رَجُلٍ)، فيحرُمُ عليها ما يحرُمُ على الرجال، ويلزمها من الفدية ما يلزم الرجال، (إِلَّا فِي) ثلاث مسائل:

ص: 69

1 -

يجوز لها تغطية رأسها ولو بتظليل المحمل ونحوه إجماعاً؛ لحاجتها إلى الستر.

2 -

(لُبْسُ مَخِيطٍ)، فيحرم على الرجل، ولا يحرم على المرأة، (وَ) يستثنى من ذلك أمران:

الأول: (تَجْتَنِبُ) المحرِمة لبس (البُرْقُعِ) اتفاقاً، وهو خرقة تثقب للعينين، تلبسها النساء فتستر الوجه فقط؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً:«وَلا تَنْتَقِبُ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، وَلا تَلْبَسُ القُفَّازَيْنِ» [البخاري: 1838]، وأُلحق البرقع بالنقاب؛ لأنه في معناه.

(وَ) الثاني: تجتنب المحرمة لبس (القُفَّازَيْنِ)، وهو لباس يُعمل لليدين؛ لحديث ابن عمر السابق.

3 -

(وَتَغْطِيَةُ الوَجْهِ)، فيجوز للرجل، وأما المرأة فلا تخلو من حالين:

الأولى: أن تغطي وجهها بما لا يمس الوجه: قال شيخ الإسلام: (يجوز بالاتفاق)؛ لأن تغطية الوجه إنما يحصل بما يُماسُّ وجهها دون ما لا يماسه، فيكون هذا في معنى دخولها تحت سقف.

الثانية: أن تغطي وجهها بما يمس الوجه، فلا يخلو من أمرين:

أ) أن يكون بلا حاجة: فيحرم اتفاقاً؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «لَيْسَ عَلَى المَرْأَةِ إِحْرَامٌ إِلَّا فِي وَجْهِهَا» [الدارقطني: 2760، وضعفه، وصوب الموقوف].

ص: 70

ب) أن يكون لحاجة، كمرور رجال أجانب: فيجوز أن تسدل من فوق رأسها على وجهها إجماعاً؛ لقول عائشة رضي الله عنها: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ» [أحمد: 24021، وأبو داود: 1833، وفيه ضعف]، ولأن بالمرأة حاجةً إلى ستر وجهها، فلم يحرم عليها ستره على الإطلاق؛ كالعورة.

واختار شيخ الإسلام: أنه يجوز تغطية وجهها مطلقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منعها من أن تنتقب، لا من تغطية وجهها، لقول فاطمة بنت المنذر:«كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ، وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما» [مالك: 1176]، وعن عائشة رضي الله عنها قالت:«المُحْرِمَةُ تَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ مَا شَاءَتْ إِلَّا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ، وَلَا تَتَبَرْقَعُ وَلَا تَلَثَّمُ، وَتُسْدِلُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا إِنْ شَاءَتْ» [البيهقي: 9050].

- فرع: (فَإِنْ غَطَّتْهُ) أي: غطَّت المحرمةُ وجهَها (بِلَا عُذْرٍ: فَدَتْ)؛ لارتكابها المحظور؛ قياساً على سائر المحظورات، وسبق.

ص: 71