الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- فرع: هذا إن لم يكن اشترط في ابتداء إحرامه: أن محلي حيث حبستني، فإن اشترط فله التحلل مجاناً في جميع أنواع الإحصار، سواء كان بعدو أو بغيره.
- فرع: مِثْلُ المحصر في هذه الأحكام: من جُنَّ أو أغمي عليه.
(فَصْلٌ)
في الهدي، والأضحية، والعقيقة
الهدي: ما يُهدى للحرم من نَعَمٍ وغيرها، سمي بذلك؛ لأنه يُهدى إلى الله تعالى.
والأضحية: بضم الهمزة وكسرها: واحدة الأضاحي، ويقال: ضَحِيَّة، وهي: ما يذبح من بهيمة الأنعام في أيام مخصوصة بسبب العيد، تقرباً إلى الله تعالى.
- مسألة: (وَالأُضْحِيَّةُ) مشروعة إجماعاً، لقوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، قال ابن عباس رضي الله عنهما:" اذْبَحْ يَوْمَ النَّحرِ "[تفسير الطبري 24/ 654]، وعن أنس رضي الله عنه قال:«ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» [البخاري 5558، ومسلم 1966].
وهي (سُنَّةٌ) مؤكدة؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَدَخَلَ العَشْرُ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا» [مسلم 1977]، فعلَّقه على الإرادة، والواجب لا يُعلَّق عليها، وعن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال:«لَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما وَمَا يُضَحِّيَانِ عَنْ أَهْلِهِمَا؛ خَشْيَةَ أَنْ يُسْتَنَّ بِهِمَا» [البيهقي 19035، وصححه الألباني]، وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه:«إِنِّي لَأَدَعُ الْأَضْحَى وَإِنِّي لَمُوسِرٌ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى جِيرَانِي أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيَّ» [مصنف عبد الرزاق 8149، وصححه الألباني]، ولأن الأضحية ذبيحة لا يجب تفريق لحمها، فلم تكن واجبة كالعقيقة.
وعنه واختار شيخ الإسلام: أنها واجبة مع الغنى؛ لقوله تعالى: (فصل لربك وانحر)، فأمر بالنحر كما أمر بالصلاة، وأما حديث أم سلمة السابق، فيقال: قد يعلق الواجب بالشرط لبيان حكم من الأحكام، كحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ» [أحمد 1834، وأبو داود 1732، وابن ماجه 2883]، والحج فرض على المستطيع، وقال شيخ الإسلام:(وما نُقل عن بعض الصحابة من أنه لم يضحِّ، بل اشترى لحماً، فقد تكون مسألة نزاع، كما تنازعوا في وجوب العمرة، وقد يكون من لم يضح لم يكن له سعة في ذلك العام).
- فرع: (يُكْرَهُ تَرْكُهَا) أي: الأضحية (لَقَادِرٍ) عليها؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» [أحمد 8273، وابن ماجه 3123].
- مسألة: (وَوَقْتُ الذَّبْحِ) لأضحية، وهدي نذر، أو تطوع، أو متعة، أو قران:
- يبدأ: من (بَعْدِ صَلَاةِ العِيدِ) بالبلد، فإن تعدَّدت فيه؛ فبأسبق صلاة، ولو قبل الخطبة؛ لحديث جندب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ الله» [البخاري 985، ومسلم 1960]، والأفضل كونها بعد الخطبة؛ خروجاً من الخلاف.
(أَوْ) بعد (قَدْرِهَا) أي: قدر زمن صلاة العيد بعد دخول وقتها إن كان بمحلٍّ لا تصلَّى فيه العيد، كأهل البوادي من أهل الخيام؛ لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر، فوجب الاعتبار بقدرها.
- ويستمر وقت الذبح: (إِلَى آخِرِ ثَانِي) أيام (التَّشْرِيقِ)، فتكون أيام النحر ثلاثة: يوم العيد، ويومان بعده؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما:«الْأَضْحَى يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى» [الموطأ 2/ 487]، ونحوه عن علي وأنس رضي الله عنهما [البيهقي 9/ 500]، قال أحمد: (أيام النحر ثلاثة، عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه صلى الله عليه وسلم:«نَهَى عَنِ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ» [البخاري 5574، ومسلم 1970]، ويستحيل أن يباح ذبحها في وقت يحرم أكلها فيه، ونسخ أحد الحكمين - وهو الادخار- لا يلزم منه رفع الآخر، وهو عدم إجزاء الذبح فيما زاد على الثلاثة.
واختار شيخ الإسلام: أن أيام الذبح أربعة: يوم العيد وثلاثة أيام بعده؛ لحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه مرفوعاً: «وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» [أحمد 16571، قال ابن القيم: (روي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر)، وصححه الألباني]، ولقول ابن عباس رضي الله عنهما:«الْأَضْحَى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ» [سنن البيهقي 19247، وفيه راو متروك]، وأما النهي عن ادخار لحوم الأضاحي فلا يدل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط؛ لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يدخر شيئاً فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه، فلو أخر الذبح إلى اليوم الثالث لجاز له الادخار ما بينه وبين ثلاثة أيام.
- مسألة: (وَلَا يُعْطَى جَازِرٌ أُجْرَتَهُ مِنْهَا) أي: من الأضحية، اتفاقاً؛ لقول علي رضي الله عنه:«أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا، وَأَلَّا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا» [البخاري 1716، ومسلم 1317]، ولأنه بيع لبعض لحمها، ولا يصح.
ويجوز أن يعطيه منها هدية وصدقة؛ لأنه في ذلك كغيره، بل هو أولى؛ لأنه باشرها وتاقت نفسه إليها.
- مسألة: (وَلَا يُبَاعُ جِلْدُهَا، وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا)، سواء كانت واجبة أو تطوعاً؛ لحديث علي السابق، ولأنها تعينت بالذبح، (بَلْ يُنْتَفَعُ بِهِ) أي: بجلدها، أو يتصدق به استحباباً، قال في الشرح: (لا خلاف في جواز الانتفاع
بجلودها وجلالها - وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه -؛ لأن الجلد جزء منها فجاز للمضحي الانتفاع كاللحم)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دَفَّ أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ادَّخِرُوا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ» ، فلما كان بعد ذلك، قالوا: يا رسول الله، إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويَجْمُلُون منها الوَدَك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وَمَا ذَاكَ؟ » قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال:«إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا» [مسلم 1971].
- مسألة: (وَأَفْضَلُ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ: إِبِلٌ، ثُمَّ بَقَرٌ) إن أخرج كاملاً، (ثُمَّ غَنَمٌ)، جذعُ ضأنٍ ثم ثني معز؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» [البخاري 881، ومسلم 850]، ولأن البُدن أكثر ثمناً ولحماً، وأنفع للفقراء، وجذع الضأن أطيب لحماً من ثني المعز.
وأفضل كل جنس أسمن فأغلى ثمناً؛ لقوله تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: " اسْتِعْظَامُ البُدْنِ
واسْتِسْمَانُها واسْتِحْسَانُها " [تفسير الطبري 18/ 621، وفيه ضعف].
واختار شيخ الإسلام: أن الأجر على قدر القيمة مطلقاً، فما كان أغلى من أيِّ جنس فهو أفضل؛ لحديث أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أيُّ الرقاب أفضل؟ فقال: «أَعْلاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» [البخاري 2518، ومسلم 84].
- مسألة: (وَلَا يُجْزِئُ) في الأضحية، وكذا دمُ تمتع ونحوه (إِلَّا):
1 -
(جَذَعُ ضَأْنٍ)، وهو ما له ستة أشهر؛ لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ضحايا، فصارت لعقبة جذعة، فقلت: يا رسول الله، صارت لي جذعة؟ قال:«ضَحِّ بِهَا» [البخاري 2518، ومسلم 84]، ولحديث أم بلال بنت هلال، عن أبيها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً» [أحمد 27073، وابن ماجه 3139 84].
2 -
(أَوْ ثَنِيُّ غَيْرِهِ) أي: من غير الضأن، وهو الإبل، والبقر، والمعز؛ لحديث جابر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ» [البخاري 2518، ومسلم 84].
وظاهر الحديث عدم إجزاء الجذعة من الضأن إلا عند تعسر المسنة وهي الثنية، ولكن يحمل على الاستحباب؛ لحديث أم بلال السابق.
- فرع: (فَثَنِيُّ إِبِلٍ: مَا لَهُ خَمْسُ سِنِينَ، وَ) ثني (بَقَرٍ): ما له (سَنَتَانِ)،
وثني معز: ما له سنة كاملة.
- مسألة: (وَتُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ) وأهل بيته وعياله؛ لحديث أبي أيوب رضي الله عنه: «كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَ كَمَا تَرَى» [الترمذي 1505، وابن ماجه 3147].
- مسألة: (وَ) تجزئ (البَدَنَةُ وَالبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ)؛ لقول جابر رضي الله عنه: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» [مسلم 1318].
- مسألة: العيوب المانعة من الإجزاء على قسمين:
القسم الأول: عيوب مجمع عليها في الجملة، وهي أربع، أشار إليها بقوله:(وَلَا تُجْزِئُ) في الهدي والأضحية:
1 -
شاة (هَزِيْلَةٌ) لا مخ فيها، والمخ: هو الودك الذي في العظام، وهي العجفاء التي لا تُنقي.
2 -
(وَ) لا (بَيِّنَةُ عَوَرٍ)، وهي التي انخسفت عينها وذهبت، ولا العمياء؛ لأن العمى أولى من العور في عدم الإجزاء.
3 -
ولا عرجاء بينٌ ضَلْعُها، وأشار إليه بقوله:(أَوْ) بينة (عَرَجٍ)، وهي
التي لا تقدر على المشي مع الصحيحة إلى المرعى، ولا الكسيرة؛ لأنها أولى من العرجاء في عدم الإجزاء، فإن كان عرجها لا يمنعها مما ذكر؛ أجزأت.
4 -
ولا تجزئ المريضة البين مرضها، وهو المفسد للحم والمقلص له، وفاقاً، أما إذا لم يكن مرضها بيناً أجزأت؛ لأنها قريبة من الصحيحة.
ودليل هذه العيوب: حديث البراء رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الأَضَاحِيِّ: العَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي» [أبو داود 2802، والترمذي 1497، والنسائي 4381، وابن ماجه 3144].
القسم الثاني: عيوب مختلف فيها، وأشار إليها بقوله:
1 -
(وَلَا) تجزئ الهتماء، وهي (ذَاهِبَةُ الثَّنَايَا) من أصلها؛ لأن أثر ذهاب الأسنان -لا سيما إذا ذهبت كلها- أكثر من ذهاب بعض القرن، وذهاب أكثر القرن غير مجزئ، كما سيأتي.
وقال شيخ الاسلام: تجزئ الهتماء، وهي التي سقط بعض أسنانها، ولم يقيد ذلك بالثنايا؛ لعدم الدليل على عدم الإجزاء.
2 -
ولا تجزئ العَضْباء، وهو من المفردات، وأشار إليه بقوله:(أَوْ) ذاهبة (أَكْثَرِ أُذُنِهَا، أَوْ) أكثر (قَرْنِهَا)؛ لحديث علي رضي الله عنه قال: «نَهَى
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ القَرْنِ وَالأُذُنِ»، قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: العضب ما بلغ النصف فما فوق ذلك [أبو داود 2805، والترمذي 1504، والنسائي 4389، وابن ماجه 3145، وضعفه الألباني]، ولأن الأكثر كالكل، فإن قطع النصف أو أقل؛ أجزأ وكُره.
وصوب المرداوي وابن عثيمين: أنها تجزئ؛ لأن الأصل الإجزاء، والحديث فيه ضعف، والمعنى يقتضي ذلك؛ لأن القرن لا يؤكل، والأذن لا يقصد أكلها غالباً.
- مسألة: (وَالسُّنَّةُ) في (نَحْرِ إِبِلٍ): أن تكون (قَائِمَةً، مَعْقُولَةً يَدُهَا اليُسْرَى)، فيطعنها بالحربة أو نحوها في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر؛ لقول عبد الرحمن بن سابط رضي الله عنه:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ البَدَنَةَ مَعْقُولَةَ اليُسْرَى، قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا» [أبو داود 1767، وصححه الألباني]، وفي قوله تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] دليل على أنها تنحر قائمة.
(وَ) السنة (ذَبْحُ غَيْرِهَا)، وهو البقر والغنم؛ لقوله تعالى:(إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة)[البقرة: 67]، ولحديث أنس رضي الله عنه:«ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» [البخاري 5558، ومسلم 1966].
- فرع: يجوز العكس، بأن يذبح الإبل، وينحر البقر والغنم؛ لأنه لم يتجاوز محل الذكاة، ولعموم حديث رافع بن خديج رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ الله فَكُلْ» [البخاري 2488، ومسلم 1968].
- مسألة: (وَيَقُولُ) الذابح حين يحرك يده بالنحر أو الذبح: (بِاسْمِ الله) وجوباً، و (الله أكبر) استحباباً، (اللهمَّ هَذَا مِنْك وَلَك) استحباباً؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين مَوْجُوءَيْن، فلما وجههما قال:«إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ العَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ، اللهمَّ مِنْكَ وَلَكَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، بِاسْمِ الله وَالله أَكْبَرُ» ثُمَّ ذَبَحَ. [أبو داود 2795، وضعفه الألباني]، ويأتي في الذكاة.
ولا بأس بقول: اللهم تقبل من فلان؛ لقول عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين ذبح: «بِاسْمِ الله، اللهمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ» ، ثم ضحى به [مسلم 1967]، ويقول أيضاً كما في حديث جابر السابق: «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ
…
» إلى قوله: «وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ» .
وقال شيخ الإسلام: يقول أيضاً: (اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك).
- مسألة: ما يشرع ذبحه من الدماء ينقسم من حيث جواز الأكل منه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يحرم الأكل منه، وهو:
1 -
الدم الواجب لترك واجب أو فعل محظور: لا يجوز الأكل منه، وسبق في فصل الفدية.
2 -
الدم الواجب للفوات والإحصار: لا يجوز الأكل منه، وسبق في فصل الفدية.
3 -
الدم الواجب بالنذر: لا يجوز الأكل منه؛ لتعلق حق الفقراء به بالنذر.
القسم الثاني: ما يجوز الأكل منه، وهو هدي التمتع والقران؛ لحديث جابر رضي الله عنه في صفة الحج:«ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» [مسلم 128].
وعند القاضي: يستحب الأكل منه؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر.
القسم الثالث: ما يستحب الأكل منه، وهو:
1 -
الأضحية ولو منذورة: يسن له الأكل منها؛ لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)[الحج: 28]، ولأن أكثر ما في النذر: التزام
حكم الأضحية، ومن حكمها جواز الأكل.
2 -
هدي التطوع: يسن الأكل منه؛ كالأضحية، ولحديث جابر السابق حيث أكل عليه الصلاة والسلام من جميع هديه، وهو غير واجب كله.
- مسألة: (وَ) حيث جاز الأكل مما سبق فـ (سُنَّ أَنْ يَأْكُلَ، وَيُهْدِيَ، وَيَتَصَدَّقَ أَثْلَاثاً)، أي: يأكل هو وأهل بيته الثلث، ويهدي الثلث، ويتصدق بالثلث، ويفعل هذا في الأضحية (مُطْلَقاً) أي: ولو كانت الأضحية منذورة أو معينة، وكذلك في بقية ما يجوز الأكل منه مما سبق؛ لقوله تعالى:(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القانع والمعتر)، والقانع: السائل، يقال: قنع قنوعاً إذا سأل، والمعتر: الذي يعتريك، أي: يتعرض لك لتطعمه ولا يسأل، فذكر ثلاثة أصناف، ومطلق الإضافة يقتضي التسوية، فينبغي أن يقسم بينهم أثلاثاً، وأقل الأمر الاستحباب، ولحديث عائشة السابق، وفيه:«فَكُلُوا، وَادَّخِرُوا، وَتَصَدَّقُوا» ، وقال الإمام أحمد:(نحن نذهب إلى حديث عبد الله رضي الله عنه: يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق بالثلث على المساكين [مصنف ابن أبي شيبة 13190])، وروي أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما [المحلى لابن حزم 5/ 313].
- مسألة: (وَ) سن للمضحي (الحَلْقُ بَعْدَهَا)، أي: بعد الذبح؛ لقول نافع: «أَمَرَنِي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا فَحِيلًا أَقْرَنَ، ثُمَّ أَذْبَحَهُ
يَوْمَ الْأَضْحَى فِي مُصَلَّى النَّاسِ، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، فَحَلَقَ رَأْسَهُ حِينَ ذُبِحَ الْكَبْشُ، وَكَانَ مَرِيضًا لَمْ يَشْهَدِ الْعِيدَ مَعَ النَّاسِ» [الموطأ 2/ 483]، ولأنه كان ممنوعاً من ذلك قبل أن يضحي، فاستحب له ذلك كالمُحْرم.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: لا يستحب؛ لأن الأصل في العبادات المنع، وأما فعل ابن عمر رضي الله عنهما فيحتمل أنه فعله اتفاقاً، لا قصداً.
- مسألة: (وَإِنْ أَكَلَهَا) أي: ما يسن الأكل منه مما سبق، كلها (إِلَّا أُوقِيَّةً) تصدق بها (جَازَ)؛ لأنه يجب الصدقة ببعضها؛ لعموم قوله تعالى:(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) وهذا مطلق، فيتناول أقل ما يقع عليه اسم اللحم، وهي أوقية، وإلا يتصدق منها بأوقية؛ بأن أكلها كلها؛ ضمن الأوقية بمثلها لحمًا؛ لأنه حق يجب عليه أداؤه مع بقائه، فلزمته غرامته إذا أتلفه؛ كالوديعة.
- مسألة: (وَحَرُمَ عَلَى مُرِيدِهَا) أي: مريد التضحية (أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ وَظُفُرِهِ وَبَشَرَتِهِ فِي العَشْرِ) الأول من ذي الحجة إلى ذبح الأضحية، وهو من المفردات؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» ، وفي