المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

واختار شيخ الإسلام: أنه لا يحرم عقد النكاح بعد التحلل - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ٢

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌فصل في الإحرام

- ‌(فَصْلٌ) في المواقيت

- ‌فصل في محظورات الإحرام

- ‌(فَصْلٌ في الفِدْيَةِ)

- ‌فصل في جزاء الصيد

- ‌فصل في حكم صيد الحرم

- ‌(فَصْلٌ في صِفَةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في أركان وواجبات الحج والعمرة

- ‌(فَصْلٌ)في الهدي، والأضحية، والعقيقة

- ‌فصلفي العقيقة

- ‌(كِتَاب الجِهَادُ)

- ‌(فَصْلٌ)في عقد الذمة وأحكامها

- ‌فصلفي أحكام أهل الذمة

- ‌(كِتَابُ البَيْعِ وَسَائِرِ المُعَامَلَاتِ)

- ‌فَصْلٌفيما نُهِيَ عنه من البيوع ونحوها

- ‌(فَصْلٌ)الشروط في البيوع

- ‌(فَصْلٌ) في الخيار

- ‌(فَصْلٌ)في التصرف في المبيع قبل قبضه، وما يحصل به قبضه

- ‌(فَصْلٌ)في الربا والصرف

- ‌فَصْلٌ فِي الصَّرْفِ

- ‌(فَصْلٌ)في بيع الأصول والثمار

- ‌(فَصْلٌ)في السلم

- ‌(فَصْلٌ) في القرض

- ‌(فَصْلٌ) في الرهن

- ‌(فَصْلٌ) في الضمان

- ‌فصل في الكفالة

- ‌فصل في الحوالة

- ‌(فَصْلٌ) في الصلح

- ‌(فَصْلٌ) في أحكام الجوار

- ‌(فَصْلٌ) في الحَجْرِ

- ‌(فَصْلٌ) في المحجور عليه لحظ نفسه

- ‌(فَصْلٌ) في الوكالة

- ‌(فَصْلٌ) في الشركة

- ‌(فَصْلٌ) في المساقاة

- ‌(فَصْلٌ)في الإجارة

- ‌فَصْلٌ

- ‌(فَصْلٌ) في السَّبَق

- ‌(فَصْلٌ) في العارية

- ‌(فَصْلٌ) في الغصب

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ) في الشُّفْعَة

- ‌(فَصْلٌ) في الوديعة

- ‌(فَصْلٌ) في إحياء المَوَات

- ‌(فَصْلٌ) في الجعالة

- ‌(فَصْلٌ) في اللُّقَطة

- ‌فصل في اللَّقِيط

- ‌(فَصْلٌ) في الوقف

- ‌(فَصْلٌ) في الهبة والعطية

- ‌فصل

- ‌فصل في تصرفات المريض

- ‌(كِتَابِ الوَصَايَا)

- ‌فصل في الموصى له

- ‌فصل في الموصى به

- ‌فصل في الوصية بالأنصاء والأجزاء

- ‌(فَصْلٌ) في الموصى إليه

- ‌(كِتَابُ الفَرَائِضِ)

- ‌(فَصْلٌ) في الجد والإخوة

- ‌(فَصْلٌ) في الحجب

- ‌(فَصْلٌ) في العصبات

- ‌(فَصْلٌ) في أصول المسائل والعول

- ‌فصل في الرد

- ‌فصل في قسم التركات

- ‌(فَصْلٌ) في ذوي الأرحام

- ‌(فَصْلٌ) في ميراث الحَمْل

- ‌فصل في ميراث القاتل والمبعض

- ‌(كِتَابُ العِتْقِ)

- ‌فصل في التدبير

- ‌فصل في الكتابة

- ‌فصل في حكم أمهات الأولاد

الفصل: واختار شيخ الإسلام: أنه لا يحرم عقد النكاح بعد التحلل

واختار شيخ الإسلام: أنه لا يحرم عقد النكاح بعد التحلل الأول؛ وتقدم في محظورات الإحرام.

- فرع: يحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة: من حلق أو تقصير، ورمي جمرة العقبة، وطواف الإفاضة مع السعي؛ لحديث عائشة السابق، وقيس الطواف على الحلق والرمي؛ إذ لما كان الطواف مؤثراً في التحلل الثاني كان مؤثراً في التحلل الأول أيضاً، ولحديث عائشة رضي الله عنها:«كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» [البخاري: 1539، ومسلم: 1189].

- فرع: يحصل التحلل الثاني بفعل ما بقي من الحلق والرمي والطواف مع السعي إن كان متمتعاً، أو كان مفرداً أو قارناً ولم يسع مع طواف القدوم؛ لحديث عائشة، وفيه: حتى إذا طَهَرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال:«قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا» [مسلم: 1213].

‌فصل

- مسألة: (ثُمَّ يُفِيضُ) الحاج (إِلَى مَكَّةَ) ولا يخلو من حالين:

الأولى: أن يكون متمتعاً: (فَيَطُوفُ) للقدوم ثم يطوف للزيارة؛ لأن المتمتع لم يأت بطواف القدوم قبل ذلك، والطواف الذي طافه في العمرة كان طوافها.

ص: 118

الثانية: أن يكون قارناً أو مفرداً: فإذا لم يكونا أتيا مكة قبل يوم النحر، ولا طافا للقدوم، فإنهما يبدآن بطواف القدوم قبل طواف الزيارة كالمتمتع، وإذا كانا قد طافا طواف القدوم فيطوفان للزيارة فقط.

ودليل ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» [البخاري: 4395، ومسلم: 1211]، فقولها:«فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِداً» هو طواف القدوم؛ ولأنه قد ثبت أن طواف القدوم مشروع، فلم يكن الطواف طوافُ الزيارة مسقطاً له، كتحية المسجد عند دخوله قبل التلبس بالفرض.

واختار ابن قدامة وشيخ الإسلام: أن الحاج سواء كان متمتعًا أو غيره يطوف للزيارة ولا يطوف للقدوم ولو لم يكن دخل مكة قبل ذلك؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع، وكمن دخل المسجد وأقيمت الصلاة، فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد، وأما حديث عائشة رضي الله عنها؛ فقال شيخ الإسلام:(هذه الزيادة، قيل: إنها من قول الزهري، لا من قول عائشة)، وقال ابن القيم:(المراد به الطواف بين الصفا والمروة، لا الطواف بالبيت).

قال ابن قدامة: (ولا أعلم أحداً وافق أبا عبد الله-يعني: أحمد بن حنبل- على هذا الطواف).

ص: 119

- مسألة: ثم يطوف (طَوَافَ الزِّيَارَةِ) ويقال: طواف الإفاضة، (الَّذي هُوَ رُكْنٌ) بالإجماع؛ لأمر الله به بقوله:(وليطوفوا بالبيت العتيق)[الحج: 29]، ولحديث عائشة لما حاضت صفية رضي الله عنهما في الحج، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ » ، فقلت: إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت، فقال:«فَلْتَنْفِرْ» [البخاري: 1757، ومسلم: 1211]، فعلم منه: أنها لو لم تكن أفاضت يوم النحر لحبستهم عن الرجوع.

- فرع: وقت طواف الزيارة:

1 -

بدايته: لا تخلو من أمرين:

أ) وقت الجواز: من بعد الدفع من مزدلفة، وتقدم أنه يجوز الدفع من بعد نصف ليلة النحر لمن وقف قبل ذلك بعرفات، وإلا فبعد الوقوف؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:«أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتِ الجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ» [أبو داود: 1942].

وسبق اختيار ابن القيم أن وقت الدفع يبدأ من مغيب القمر.

ب) وقت الاستحباب: يسن فعل طواف الزيارة يوم النحر؛ لحديث جابر السابق، وفيه:«ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ» .

ص: 120

2 -

آخره: غير محدد بوقت معين؛ لعدم الدليل على وجوب أدائه في وقت معين، أو إلزامه بالدم، والأصل براءة الذمة.

واختار ابن عثيمين: أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة، إلا إذا كان هناك عذر؛ كمرض وحيض؛ لقوله تعالى:(الحج أشهر معلومات)، فدل على توقيت الحج إلى آخر ذي الحجة، وطواف الإفاضة ركن من أركانه، فوجب أن يكون في أشهره.

- فرع: (ثُمَّ يَسْعَى) المتمتع بين الصفا والمروة سعياً ثانياً اتفاقاً؛ لأن سعيه الأول كان للعمرة فيجب أن يسعى للحج، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه:«فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء ولبسنا الثياب، وقال: «مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ» ، ثم أمرنا عشية التروية أن نُهِلَّ بالحج، فإذا فرغنا من المناسك، جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، فقد تم حجنا وعلينا الهدي» [البخاري معلقاً: 1572، ووصله البيهقي: 8889]، ولحديث عائشة رضي الله عنه، قالت:«فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» [البخاري: 1556، ومسلم: 1211]، ولقول ابن عمر رضي الله عنهما:«لِلْقَارِنِ سَعْيٌ وَاحِدٌ، وَلِلْمُتَمَتِّعِ سَعْيَانِ» [المحلى معلقاً من طريق عبد الرزاق بسند صحيح 5/ 182].

ص: 121

وأما حديث جابر رضي الله عنه: «لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا» [مسلم: 1215]، فالمراد به القارنين؛ جمعاً بين الأخبار.

وعنه واختاره شيخ الإسلام: يجب على المتمتع سعي واحد؛ لحديث جابر السابق: «لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا» ، فعمم الفعل على جميع الصحابة، ولا يمكن حمله على القارنين منهم؛ لأن القارنين مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا قلة.

أما حديث ابن عباس، فقال شيخ الإسلام:(له علة)، وهو معارضٌ بما روي عنه أنه قال:«المُفْرِدُ وَالمُتَمَتِّعُ يُجْزِئُهُ طَوَافٌ بِالْبَيْتِ وَسَعْيٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» [نقله شيخ الإسلام بسند أحمد إلى ابن عباس 26/ 138].

وأما حديث عائشة رضي الله عنها، فقيل: إن ذكر الطوافين مدرجٌ من قول الزهري، أو من قول عروة، وليس من قول عائشة رضي الله عنها.

- فرع: القارن أو المفرد لا يخلو من حالين:

1 -

أن يكون قد سعى مع طواف القدوم: فلا يعيد السعي؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: «يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» [مسلم: 1211]، وكانت قارنة، ولحديث جابر السابق:«لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا» ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، ولأنه لا يستحب التطوع بالسعي؛ كسائر الأنساك، غيرَ الطواف، لأنه صلاة.

ص: 122

2 -

(إِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى) بعد طواف القدوم: فيسعى بعد طواف الزيارة سعي الحج؛ لأنه من أركان الحج، ويأتي.

- فرع: (وَ) إذا طاف الحاج وسعى، وكان (قَدِ) انتهى من الرمي، والحلق أو التقصير:(حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيءٍ) حتى النساء، وهذا هو التحلل الثاني؛ لحديث عائشة رضي الله عنها لما قرنت الحج بالعمرة، وفيه: حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال:«قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا» [مسلم: 1213].

- مسألة: (وَسُنَّ) له بعد طواف الزيارة (أَنْ يَشْرَبَ مِنْ زَمْزَمَ)؛ لحديث جابر السابق، وفيه: فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال:«انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ» ، فناولوه دلواً فشرب منه.

- فرع: آداب الشرب من ماء زمزم:

1 -

أن يشرب منه (لِمَا أَحَبَّ) أن يعطيه الله منه من خيري الدنيا والآخرة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» [الدارقطني: 2739]، وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً:«إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» [مسلم: 2473].

2 -

(وَ) سُن أن (يَتَضَلَّعَ مِنْهُ) أي: من ماء زمزم، بحيث يشرب حتى

ص: 123

تمتلئ أضلاعه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: «إِنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ المُنَافِقِينَ، أَنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ» [ابن ماجه: 3061، وحسنه الحافظ].

3 -

(وَ) سُن عند شرب ماء زمزم أن (يَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ، وَبِمَا وَرَدَ)، ومن ذلك ما ورد عن عكرمة قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شرب من زمزم قال: «اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ» [الدارقطني: 2738].

- مسألة: (ثُمَّ يَرْجِعُ) من مكة بعد الطواف والسعي (فَيَبِيتُ بِمِنًى ثَلَاثَ لَيَالٍ) إن لم يتعجل، وليلتين إن تعجل في يومين، والمبيت بمنى واجب؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:«اسْتَأْذَنَ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ» [البخاري: 1745، ومسلم: 1315] وفي لفظ للبخاري: «رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» ، ولحديث عاصم بن عدي رضي الله عنه:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِرِعَاءِ الإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ» [أحمد: 23775، وأبو داود: 1975، والترمذي: 955، وابن ماجه: 3037]، والرخصة في مقابل العزيمة، فدل على الوجوب، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:«لا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنَ الحَاجِّ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ وَرَاءِ العَقَبَةِ» [مالك: 1524]، ونحوه عن ابن عمر [ابن أبي شيبة: 14368].

- مسألة: (وَ) يجب أن (يَرْمِيَ الجِمَارَ)، الصغرى ثم الوسطى ثم

ص: 124

الكبرى اتفاقاً، كل واحدة بسبع حصيات، وذلك (فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامٍ التَّشْرِيقِ)؛ لقول عائشة رضي الله عنها:«ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، يَرْمِي الجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَيُطِيلُ الْقِيَامَ، وَيَتَضَرَّعُ، وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا» [أبو داود: 1973]، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» .

- فرع: وقت رمي الجمار أيام التشريق لا يخلو من أمرين:

1 -

بدايته: وله وقتان:

أ) وقت الجواز: من (بَعْدِ الزَّوَالِ)، فلا يجزئ الرمي قبل زوال الشمس؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال:«رَمَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ» [مسلم: 1299]، ولقول ابن عمر رضي الله عنهما:«كُنَّا نَتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا» [البخاري: 1746]، والنبي صلى الله عليه وسلم ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فلو كان ذلك جائزًا لرمى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الزوال؛ لما في الرمي بعد الزوال من العسر لشدة الحر.

ب) وقت الاستحباب: (وَ) سُن أن يرمي بعد الزوال (قَبْلَ الصَّلَاةِ) أي: صلاة الظهر؛ لمفهوم حديث ابن عمر السابق، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْمِي الْجِمَارَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ قَدْرَ مَا إِذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِهِ صَلَّى الظُّهْرَ» [ابن ماجه: 3054، وفيه أبو شيبة، وهو متروك].

2 -

نهايته: ينتهي وقت الرمي في كل يوم من أيام التشريق بغروب

ص: 125

الشمس، فإن لم يرم حتى غربت الشمس؛ لم يرم إلا من الغد بعد الزوال، ولا يجزئ الرمي ليلاً؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما:«مَنْ نَسِيَ رَمْيَ الجِمَارِ إِلَى اللَّيْلِ؛ فَلَا يَرْمِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنَ الْغَدِ» [البيهقي: 9672]، ولأنها عبادة نهارية فلا تجزئ في الليل كالصيام.

وقيل: يصح الرمي ليلاً؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رميت بعد ما أمسيت! فقال: «لا حَرَجَ» [البخاري: 1723]، والمساء يكون آخر النهار، وأول الليل، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على جواز الأمرين، ولما روى نافع:«أَنَّ ابْنَةَ أَخٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ وامْرَأَةَ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ أَتَتَا مِنًى بَعْدَ أَنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَأَمَرَهُمَا عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ أَنْ تَرْمِيَا الجَمْرَةَ حِينَ قَدِمَتَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا شَيْئًا» [الموطأ: 1541]، ولأنه لا دليل على التحديد بالغروب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حدد أوله بفعله، ولم يحدد آخره.

ويستثنى من جواز الرمي ليلاً: اليوم الثالث عشر؛ لأنه بغروب الشمس من الثالث عشر تنتهي أيام الرمي إجماعاً.

- فرع: يستثنى من المنع من رمي الجمار ليلاً: السقاة والرعاة، فلهم الرمي ليلاً ونهاراً؛ لأنهم يشتغلون باستقاء الماء والرعي، فرخص لهم في الرمي بليل أو نهار.

ص: 126

- مسألة: (وَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) فأراد أن ينفر في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال فلا إثم عليه؛ لقوله تعالى: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه)[البقرة: 203]، ولحديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه مرفوعاً:«أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ» [أحمد: 18773، وأبو داود: 1949، والترمذي: 889، والنسائي: 3016، وابن ماجه: 3015]، ويسمى يوم النفر الأول.

- فرع: إن أراد التعجل في يومين خرج من منى قبل غروب الشمس، ولا يضر رجوعه بعد خروجه؛ لحصول الرخصة.

و(إِنْ لَمْ يَخْرُجْ) من منى (قَبْلَ الغُرُوبِ) لم يخل من حالين:

1 -

ألا يكون له عذر: (لَزِمَهُ المَبِيتُ وَالرَّمْيُ مِنَ الغَدِ) بعد الزوال؛ لقوله تعالى: (فمن تعجل في يومين)، و (في) للظرفية، فدل أن التعجل لابد أن يكون في داخل اليومين، ولقول ابن عمر رضي الله عنهما:«مَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ بِمِنًى مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَا يَنْفِرَنَّ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنَ الْغَدِ» [البيهقي: 9686].

2 -

أن يُحْبَس عن الخروج قبل الغروب: فيلزمه المبيت والرمي من الغد أيضاً؛ لما تقدم.

واختار ابن عثيمين: أن له الخروج؛ لأنه حُبس بغير اختيار منه.

ص: 127

- مسألة: (وَطَوَافُ الوَدَاعِ) ويسمى طوافَ الصَّدر: (وَاجِبٌ) على كل من أراد الخروج من مكة إذا لم يقم بمكة أو حرمها، (يَفْعَلُهُ) أي: طواف الوداع إذا فرغ من جميع أموره؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ» [البخاري: 1755، ومسلم: 1328].

- فرع: إذا أقام بعد طواف الوداع أو اتجر؛ أعاده، واختاره شيخ الإسلام؛ لأنه لم يكن آخر عهده بالبيت.

ويستثنى من ذلك:

1 -

إن قضى حاجة أو اشترى زاداً أو شيئاً لنفسه في طريقه، أو صلَّى؛ فلا يُعيد؛ لأن ذلك ليس بإقامة تخرج طوافه عن أن يكون آخر عهده بالبيت، قال في الشرح:(ولا نعلم فيه خلافاً).

2 -

إذا اشتغل بشد رحله ونحوه مما هو من أسباب الرحيل، فلا يعيد؛ لأن ذلك لا يمنع أن آخر عهده بالبيت الطواف، واختاره شيخ الإسلام.

- فرع: يسقط طواف الوداع عن الحائض والنفساء؛ لحديث ابن عباس السابق: «إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ» ، والنفساء في معناها، ولا فدية عليهما؛ لظاهر الحديث، لكن لو طهرتا قبل مفارقة بنيان مكة فيجب عليهما أن يرجعا ويطوفا للوداع؛ لأنهما في حكم الحاضر.

ص: 128

- فرع: (ثُمَّ يَقِفُ) غيرُ الحائض والنفساء بعد الوداع (فِي المُلْتَزَمِ) استحباباً، وهو أربعة أذرع بين الركن الذي به الحجر الأسود والباب؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما:«الملْتَزَمُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ» [عبد الرزاق: 9047]

وصفة الالتزام: أن يُلصق به وجهَه وصدره وذراعيه وكفيه مبسوطتين؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه، قال: طفت مع عبد الله، فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: «نَعُوذُ بِالله مِنَ النَّارِ» ، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطاً، ثم قال:«هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ» [أبو داود: 1899، وضعفه ابن حجر]، وعن مجاهد:«أن عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم كانوا إذا قضوا طوافهم فأرادوا أن يخرجوا استعاذوا بين الركن والباب، أو بين الحجر والباب» [ابن أبي شيبة: 15728].

وذكر شيخ الإسلام: أن هذا الالتزام يكون حال الوداع أو قبله، والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين يدخلون مكة؛ فقد روي عن عبد الرحمن بن صفوان، قال:«لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قُلْتُ: لَأَلْبَسَنَّ ثِيَابِي -وَكَانَتْ دَارِي عَلَى الطَّرِيقِ-، فَلَأَنْظُرَنَّ كَيْفَ يَصْنَعُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَانْطَلَقْتُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ خَرَجَ مِنَ الْكَعْبَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَدْ اسْتَلَمُوا الْبَيْتَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الحَطِيمِ، وَقَدْ وَضَعُوا خُدُودَهُمْ عَلَى الْبَيْتِ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَسْطَهُمْ» [أبو داود: 1898، وفيه ضعف].

ص: 129

قال شيخ الإسلام: (ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً).

- فرع: (دَاعِياً) عند الملتزم (بِمَا وَرَدَ)، ومنه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول:(اللهم البيت بيتك، والعبد عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، حتى سيرتني في بلادك، وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضاً، وإلا فمُنَّ الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم فاصحبني بالعافية في بدني، والعصمة في ديني وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني)، قال البيهقي:(وهذا من قول الشافعي رحمه الله، وهو حسن)، وعن مجاهد قال:«جئت ابن عباس رضي الله عنهما وهو يتعوذ بين الركن والباب» [عبد الرزاق: 9045]، وعن ابن عباس: أنه كان يلزم ما بين الركن والباب، وكان يقول:«مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ يُدْعَى الْملْتَزَمَ، لَا يَلْزَمُ مَا بَيْنَهُمَا أَحَدٌ يَسْأَلُ الله شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» [البيهقي: 9766، وهو ضعيف].

وقال شيخ الإسلام: (ثم يشرب من ماء زمزم ويستلم الحجر الأسود).

- فرع: (وَتَدْعُو الحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ) بالدعاء السابق (عَلَى بَابِ المَسْجِدِ)؛ لتعذر دخول المسجد عليها.

وقال ابن عثيمين: (ولا دليل على ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إن

ص: 130

صفية رضي الله عنها قد أفاضت قال: «فَلْتَنْفِر» ، ولم يقل فلتأت إلى المسجد وتقف ببابه، مع دعاء الحاجة إلى بيانه لو كان مشروعاً).

- مسألة: (وَ) إذا قضى الحاج نسكه (سُنَّ) له (زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ) أي: زيارة مسجده، أو زيارة مسجده وقبره معاً (1)؛

لعموم حديث بريدة رضي الله عنه: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» [مسلم: 1977]،

(1) وهو مراد الأصحاب عند إطلاقهم استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحج كما فعل الماتن، قال شيخ الإسلام [الرد على الإخنائي ص 148]:(الذي اتفق عليه السلف والخلف، وجاءت به الأحاديث الصحيحة، هو السفر إلى مسجده والصلاة والسلام عليه في مسجده، وطلب الوسيلة له، وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله، فهذا السفر مشروع باتفاق المسلمين سلفهم وخلفهم، وهذا هو مراد العلماء الذين قالوا: إنه يستحبّ السفر إلى زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن مرادهم بالسفر إلى زيارته هو السفر إلى مسجده، وذكروا في مناسك الحج أنه يستحب زيارة قبره)، وقال في [الرد على الإخنائي ص 151]:(أما من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين فهل يجوز له قصر الصلاة؟ على قولين معروفين، فهو ذكر القولين فيمن سافر لمجرّد قصد زيارة القبور، وأما من سافر لقصد الصلاة في مسجده عند حجرته التي فيها قبره فهذا سفر مشروع مستحب باتفاق المسلمين).

ولذا قال المرداوي [الإنصاف 4/ 53]: (فإذا فرغ من الحج استُحب له زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، هذا المذهب وعليه الأصحاب قاطبة، متقدمهم ومتأخرهم) ولم يذكر غير ذلك، كما أن الأصحاب ينصون في كتاب الجنائز على عدم استحباب شد الرحال إلى القبور، دون استثناء قبر نبي أو غيره، فدل أن مرادهم هنا هو السفر إلى مسجد المدينة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه.

ص: 131

ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ الله عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام» [أحمد: 10815، وأبو داود: 2041]، وهذا إنما يكون بالسلام عليه عند قبره.

وبين شيخ الإسلام: أن السفر إلى مسجد وقبر النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام:

1 -

أن يقصد السفر إلى مسجده فقط: فهذا مشروع بالإجماع؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحرَامِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى» [البخاري: 1189، ومسلم: 1397].

2 -

أن يقصد السفر إلى مسجده وقبره معاً: فهذا مشروع بالإجماع أيضاً (1)؛ لما تقدم.

3 -

أن يقصد السفر إلى قبره فقط دون مسجده، فلا يخلو من أمرين:

أ) أن يقصد بذلك السفر التقرب إلى الله: فهذا محرم بالإجماع (2).

(1) قال شيخ الإسلام [الرد على الإخنائي ص 24]: (وأما من كان قصده السفر إلى مسجده وقبره معًا فهذا قد قصد مستحباً مشروعاً بالإجماع).

(2)

قال شيخ الإسلام [الفتاوى الكبرى 5/ 289]: (ومن اعتقد في السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين أنه قربة وعبادة وطاعة فقد خالف الإجماع)، واستدل على ذلك بقوله [مجموع الفتاوى 27/ 186]:(فلو نذر الرجل أن يشد الرحل ليصلي بمسجد أو مشهد أو يعتكف فيه أو يسافر إليه غير هذه الثلاثة، لم يجب عليه ذلك باتفاق الأئمة، ولو نذر أن يسافر ويأتي المسجد الحرام لحج أو عمرة، وجب عليه ذلك باتفاق العلماء) وذلك لأن النذر لا يجب الوفاء به إلا إذا كان طاعة.

وقال رحمه الله [مجموع الفتاوى 27/ 333]: (ولو سافر من بلد إلى بلد مثل أن سافر إلى دمشق من مصر لأجل مسجدها أو بالعكس أو سافر إلى مسجد قباء من بلد بعيد لم يكن هذا مشروعا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم). وقال [27/ 335]: (فإذا حصل الاتفاق على أن السفر إلى القبور ليس بواجب ولا مستحب كان مَن فعله على وجه التعبد مبتدعًا مخالفًا للإجماع، والتعبد بالبدعة ليس بمباح).

وأما ما نقله البهوتي عن ابن نصر الله [كشاف القناع 2/ 515]: (قال ابن نصر الله: لازم استحباب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم استحباب شد الرحال إليها؛ لأن زيارته للحاج بعد حجه لا تمكن بدون شد الرحل، فهذا كالتصريح باستحباب شد الرحل لزيارته صلى الله عليه وسلم، فغير مسلم، ولم يُرده أحد من الأصحاب، وإنما شيء استظهره هو.

ص: 132

ب) ألا يعتقد أن ذلك السفر قربة، وإنما يعتقد إباحته (1): فلا يجوز؛ لأن قوله في الحديث: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» يتناول المنع من السفر إلى كل بقعة مقصودة، ويدل على ذلك ما ورد عن عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه ذكر الحديث، ثم قال: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه، قال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: أما لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت إليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا تُعْمَلُ المطِيُّ إِلَّا إِلَى

(1) قال شيخ الإسلام [الرد على الإخنائي، ص 23]: (وأما السفر إلى مجرد زيارة القبور؛ فما رأيت أحدًا من علماء المسلمين قال إنه مستحب، وإنما تنازعوا هل هو منهي عنه أو مباح، وهذا الإجماع والنزاع لم يتناول المعنى الذي أراده العلماء بقولهم: يستحبّ زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 133

ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: إِلَى المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَإِلَى مَسْجِدِي، وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» [أحمد: 23848]، ولم يعرف عن أحد من الصحابة القول باستحباب السفر لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

- تنبيه: استدل بعض المتأخرين بحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «مَنْ زَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» [الدارقطني: 2693]، وقد قال شيخ الإسلام:(وقد يحتج به بعض من لا يعرف الحديث)، وقال ابن عبد الهادي:(منكر المتن ساقط الإسناد، لم يصححه أحد من الحفاظ، ولا احتج به أحد من الأئمة).

- تنبيه: زيارة مسجد المدينة وقبره صلى الله عليه وسلم ليس من مناسك الحج، وإنما يذكرونه لأن الحاج يأتي من بعيد غالباً، فاستحبوا له زيارة مسجد المدينة؛ لما تقدم.

- مسألة: (وَصِفَةُ العُمْرَةِ):

أولاً: (أَنْ يُحْرِمَ بِهَا) أي: بالعمرة، والإحرام ركن من أركانها؛ كالحج.

ولا يخلو مريد العمرة من ثلاثة أحوال:

1 -

(مَنْ) كان (بِالحَرَمِ) من مكي وغيره: فإنه يحرم (مِنْ أَدْنَى الحِلِّ) أي: من أقرب الحل من الحرم، كالتنعيم وعرفة ونحوها، ولا يجوز أن يحرم بها من الحرم؛ لحديث عائشة السابق أنها خرجت إلى التنعيم حين

ص: 134