الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- فرع: مقدار الجزية والخراج يُرجع فيه إلى اجتهاد الإمام؛ لأنها وجبت صغاراً أو عقوبة، فاختلفت باختلافهم.
- فرع: تؤخذ الجزية كل سنة هلالية مرة بعد انقضائها؛ لأنها مال يتكرر بتكرر الحول، فلم يؤخذ قبله؛ كالزكاة.
- فرع: متى بذلوا الجزية لزم قبولها ودفع من قصدهم بأذى في دارنا، وحرم قتالهم وأخذ مالهم؛ لأن الله عز وجل جعل إعطاء الجزية غاية لقتالهم.
فصل
في أحكام أهل الذمة
أي: فيما يجب عليهم ولهم بعقد الذمة مما يقتضيه عقدها لهم.
- مسألة: (وَيَلْزَمُ) الإمامَ (أَخْذُهُمْ) أي: أهل الذمة (بِحُكْمِ الإِسْلَامِ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ مِنْ):
1 -
ضمان (نَفْسٍ): فمن قَتَل أو قَطَع طرفاً أُخِذَ بموجب ذلك؛ كالمسلم؛ لحديث أنس رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ يَهُودِيًّا بِجَارِيَةٍ قَتَلَهَا عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا» [البخاري 2413، ومسلم 1672].
2 -
(وَ) خوض في (عِرْضٍ): فمن قذف إنساناً أو سبَّه ونحوه أُقيم عليه
ما يقام على المسلم بذلك؛ لأنهم التزموا حكم الإسلام، وهذا من أحكامه.
3 -
(وَ) أخذ (مَالٍ): فلو أتلف مالاً لغيره ضمنه؛ لأنهم التزموا حكم الإسلام، وهذا من أحكامه.
4 -
(وَغَيرِهَا)، كإقامة الحدِّ عليهم فيما يعتقدون تحريمه كزنى وسرقة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما:«أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ اليَهُودِ قَدْ زَنَيَا، فَرَجَمَهُمَا» [البخاري: 7534]، ولأنه يحرم في دينهم وقد التزموا حكم الإسلام، فثبت في حقهم كالمسلم.
- فرع: لا يقام الحد عليهم فيما يعتقدون حلَّه، كشرب خمر ونكاح محرم وأكل لحم خنزير؛ لأنهم يعتقدون حله، ولأنهم يقرون على كفرهم وهو أعظم جرماً، إلا أنهم يمنعون من إظهار ذلك بين المسلمين؛ لتأذيهم به، وكذا ما يرون صحته من العقود لا نتعرض لهم فيه ما لم يرتفعوا إلينا.
- مسألة: (وَيَلْزَمُهُمْ) أي: أهل الذمة (التَّمَيُّزُ عَنِ المُسْلِمِينَ)، فيشترطه الإمام عليهم، ويكون التميز في أمور، منها ما ذكره ابن حزم في مراتب الإجماع: (واتفقوا أنهم -أي: أهل الذمة- لا يعلمون أولادهم القرآن، وألَّا يتشبهوا بهم في شيء من لباسهم، لا قلنسوة، ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا يتكلموا بكلامهم، ولا يكتبوا بكتابهم، ولا يركبوا على السروج، ولا يتقلدوا شيئاً من السلاح، ولا يحملوه مع أنفسهم، ولا
يتخذوه، ولا ينقشوا في حوانيتهم بالعربية، ولا يبيعوا الخمور، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم).
- فرع: ولا يتكنون بكنى المسلمين، كأبي عبد الله وأبي الحسن، ولا يلقبون بألقاب المسلمين كعز الدين ونحوه)، واختاره شيخ الإسلام.
وهذا لما رواه الخلال [أحكام أهل الملل للخلال 1000]: أن أهل الجزيرة كتبوا إلى عبد الرحمن بن غنم: (إنا حين قدمت بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا، على أنا شرطنا لك على أنفسنا ألا نحدث في مدينتنا كنيسة
…
).
إلى أن قالوا: (وألا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة، ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا في مراكبهم، ولا نتكلم بكلامهم، وألا نتكنى بكناهم، وأن نجز مقادم رؤوسنا، ولا نفرق نواصينا، ونشد الزنانير على أوساطنا، ولا ننقش خواتمنا بالعربية، ولا نركب السروج، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله، ولا نتقلد السيوف، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم، ونرشد الطريق، ونقوم لهم عن المجالس إذا أرادوا المجالس، ولا نطلع عليهم في منازلهم، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا يشارك أحدنا مسلماً في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم من التجارة، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام، ونطعمه من أوسط ما نجد، ضمنا لك ذلك على أنفسنا
وذرارينا وأزواجنا ومساكننا، وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا، وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق).
فكتب بذلك عبد الرحمن بن غنم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إليه عمر:«أَنْ أَمْضِ لَهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَلْحِقْ فِيهِ حَرْفَيْنِ اشْتَرِطْهَا عَلَيْهِمْ مَعَ مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ: أَلَّا يَشْتَرُوا مِنْ سَبَايَانَا شَيْئًا، وَمَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا عَمْدًا فَقَدَ خَلَعَ عَهْدَهُ» ، قال شيخ الإسلام:(واتفقت الصحابة عليه، والأئمة من بعده).
- مسألة: (وَلَهُمْ) أي: أهل الذمة (رُكُوبُ غَيْرِ خَيْلٍ) كبغال وحمير، (بِغَيْرِ سَرْجٍ)، عرضاً: بأن تكون رجلاه إلى جانب وظهره إلى الجانب الآخر، على الأُكُف، وهو البرذعة؛ لأن عمر رضي الله عنه:«أَمَرَ بِجَزِّ نَواصِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ يَشُدُّوا الْمَنَاطِقَ، وَأَنْ يَرْكَبُوا الأُكُفَ بِالعَرْضِ» [أحكام أهل الملل للخلال 992].
- مسألة: (وَحَرُمَ تَعْظِيمُهُمْ) أي: أهل الذمة، وتصديرهم في المجالس؛ لقوله تعالى:(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)[المجادلة: 22]، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ وَلَا
النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ» [مسلم 2167].
- مسألة: (وَ) حرم (بُدَاءَتُهُمْ بِالسَّلَامِ)؛ لحديث أبي هريرة السابق.
- فرع: لا يجوز بداءة أهل الذمة بالتحية ولو غير السلام، كقول: كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ كيف حالك؟ ؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)[الممتحنة: 1]، ولأنه داخل في تعظيمهم ومودتهم، قال أحمد:(هو عندي أكبر من السلام).
واختار شيخ الإسلام: الجواز؛ لأن الأصل الإباحة، والنهي إنما ورد في ابتداء السلام.
- مسألة: (وَإِنْ تَعَدَّى الذِّمِّيُّ عَلَى مُسْلِمٍ) بقتلٍ عمداً، أو زنى بمسلمة، أو تعدى بقطع طريق، أو تجسيس للكفار، (أَوْ ذَكَرَ الله، أَوْ) ذكر (كِتَابَهُ، أَوْ) ذكر دينه، أو ذكر (رَسُولَهُ بِسُوءٍ: انْتَقَضَ عَهْدُهُ)، دون عهد نسائه وأولاده، فلا ينتقض عهدهم تبعًا له؛ لأن النقض وُجد منه، فاختص به.
ويدل على انتقاض عهده: كتاب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم السابق الذي أقره عليه عمر، وفيه: (وإن نحن غيَّرنا، أو خالفنا عما شرطنا
على أنفسنا، وقبلنا الأمان عليه، فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق)، ولما روى عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه: أن يهودياً - أو نصرانيًّا - نخس بامرأة مسلمة، ثم حثى عليها التراب يريدها على نفسها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر:«إِنَّ لِهَؤُلَاءِ عَهْدًا مَا وَفَوْا لَكُمْ بِعَهْدِكُمْ، فَإِذَا لَمْ يَفُوا فَلَا عَهْدَ لَهُمْ» فَصَلَبَهُ عُمَرُ. [مصنف عبد الرزاق 19378]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مرَّ به راهب، فقيل له: هذا يسب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عمر:«لَوْ سَمِعْتُهُ لَقَتَلْتُهُ، إِنَّا لَمْ نُعْطِهِمُ الذِّمَّةَ عَلَى أَنْ يَسُبُّوا نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم» [أحكام أهل الملل للخلال 726]، ولأن في ذلك ضرراً على المسلمين، أشبه الامتناع من الصَّغَار.
- فرع: وحيث انتقض عهد أهل الذمة؛ (فَيُخَيَّرُ الإِمَامُ فِيهِ) تخيير مصلحة واجتهاد للمسلمين لا تخيير شهوة، (كَـ) ما يتخير في (أَسِيرٍ حَرْبِيٍّ)، وهو الرجل البالغ المقاتل، فيخيَّر الإمام بين أربعة أمور:
1 -
قتل؛ لعموم قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين)[التوبة: 5]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجال بني قريظة لما نقضوا العهد [البخاري 3043، ومسلم 1768].
2 -
استرقاق؛ لأنه يجوز إقرارهم على كفرهم بالجزية، فبالرق أولى؛ لأنه أبلغ في صغارهم.
3 -
منٌّ؛ لقوله تعالى: (فإما منًّا بعد وإما فداءً)[محمد: 4]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم منَّ على ثمامة بن أثال [البخاري 462، ومسلم 1764].
4 -
فداء بمسلم أو بمال، للآية السابقة، وفدى النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عُقَيْل [مسلم 1641]، وفادى أهل بدر بالمال [أبو داود 2691].
واختار شيخ الإسلام: أنه إن سب النبي صلى الله عليه وسلم تعيّن قتله، وما عدا ذلك فيخير فيه الإمام على ما سبق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل كعب بن الأشرف، وكان يسب النبي صلى الله عليه وسلم [البخاري 4037، ومسلم 1801].