الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الأول: أن تكون (بِجُزْءٍ) مشاع (مَعْلُومٍ) بالنسبة؛ كالثلث والربع ونحوه، (مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ) على ما تقدم في المساقاة، بحيث يكون الجزء المشاع لرب الأرض أو للعامل، والباقي للآخر.
والشرط الثاني: معرفة جنس البذر وقدره، وأشار إليه بقوله:(بِشَرْطِ عِلْمِ بَذْرٍ وَقَدْرِهِ)؛ قياساً على الشجر في المساقاة، ولأنها معاقدة على عمل، فلم تجز على غير معلوم الجنس والقدر؛ كالإجارة.
(وَ) الشرط الثالث: (كَوْنُهُ) أي: البذر (مِنْ رَبِّ الأَرْضِ) لا من العامل؛ لأنه عقد يشترك العامل ورب المال في نمائه، فوجب كون رأس المال كله من عند أحدهما؛ كالمساقاة والمضاربة.
وعنه واختاره ابن قدامة وشيخ الإسلام: لا يشترط كون البذر من رب الأرض؛ لأن الأصل عدم الاشتراط، ولأن الأصل المعوَّل عليه في المزارعة قصة خيبر، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن البذر على المسلمين. (وَاللهُ أَعْلَمُ).
(فَصْلٌ)
في الإجارة
مشتقة من الأجر، وهو العِوَض، ومنه سمي الثواب أجراً؛ لأن الله تعالى يعوِّض العبد به على طاعته، أو صبر عن معصيته.
والإجارة لغة: المجازاة، وشرعاً: عقد على منفعة مباحة معلومة، من عين معينة أو موصوفة في الذمة، مدة معلومة، أو عمل معلوم بعوض معلوم.
وهي ثابتة بالإجماع، وسنده قوله تعالى:(فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن)[الطلاق: 6]، وحديث عائشة رضي الله عنها في خبر الهجرة قالت:«وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِياً خِرِّيتاً» ، والخريت: الماهر بالهداية [البخاري 2263]، والحاجة داعية إليها، إذ كل إنسان لا يقدر على عقار يسكنه، ولا على حيوان يركبه، ولا على صنعة يعملها، وأرباب ذلك لا يبذلونه مجاناً، فجُوِّزَت طلباً للرفق.
- مسألة: (وَتَصِحُّ الإِجَارَةُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ):
أحدها: (مَعْرِفَةُ مَنْفَعَةٍ) اتفاقاً؛ لأنها هي المعقود عليها، فاشترط العلم بها؛ كالمبيع.
- فرع: معرفة المنفعة تكون بأحد أمرين:
1 -
بالعرف: وهو ما يتعارفه الناس بينهم؛ كسكنى الدار شهراً، فالسكنى متعارفة بين الناس، والتفاوت فيها يسير فلم تحتج إلى ضبط، فلا يعمل فيها حدادة ولا قصارة، ولا يُسكنها دابة، ولا يجعلها مخزناً لطعام.
2 -
بالوصف؛ كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين، فلابد من ذكر الوزن والمكان الذي يحمل إليه؛ لأن المنفعة إنما تعرف بذلك، وفي
بناء حائط لا بد من ذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته؛ لأن المنفعة لا تحصل إلا بذلك، والغرض يختلف، فلابد من ذكره.
(وَ) الشرط الثاني: (إِبَاحَتُهَا)، أي: أن تكون المنفعة المعقود عليها مباحة مطلقاً، مقصودة عرفاً، متقومة؛ قياساً على البيع؛ لأنها بيع منافع.
فلا تصح الإجارة على:
1 -
ما كان نفعه محرماً: كالزنا والغناء؛ لأن المنفعة المحرمة مطلوب عدمها، وصحة الإجارة تنافيها، وحكاه ابن المنذر إجماعاً في النائحة والمغنية، ولا إجارة الدار لتجعل كنيسة أو لبيع الخمر؛ لأن ذلك إعانة على معصية، وقد قال تعالى:{ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2]، وسواء شرط استعمالها في الحرام في العقد، أو لم يشترطه إذا دلت عليه القرائن.
2 -
ما كان نفعه مباحاً عند الضرورة فقط: كإجارة آنية الذهب.
3 -
ما كان نفعه مباحاً عند الحاجة: كإجارة الكلب.
4 -
ما كان نفعه غير مقصود: كإجارة ما يجمل به دكانه من نقد وشمع وأوان ونحوها، ولا طعام ليتجمل به على مائدته ثم يرده؛ لأنها لم تخلق لذلك، ولا تراد له، فبذل العوض فيه سفه، وأخذه من أكل المال بالباطل.
5 -
ما كان نفعه غير متقوم: كإجارة تفاح لِيَشَمَّه، أو طير لسماع صوته؛ لأن منفعة ذلك ليست متقومة ولا مقدور على تسليمها.
(وَ) الشرط الثالث: (مَعْرِفَةُ أُجْرَةٍ) اتفاقاً في الجملة؛ لأنه عوض في عقد معاوضة، فوجب أن يكون معلومًا؛ كالثمن.
وتحصل معرفة الأجرة بما يحصل به ثمن المبيع، فيصح أن تكون في الذمة، ويصح أن تكون معينة.
- فرع: (إِلَّا) إذا استأجر (أَجِيراً، وَظِئْراً) أي: مرضعة، أُمًّا أو غيرها (بِطَعَامِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا)، وإن لم يصف الطعام والكسوة؛ فيصح، واختاره شيخ الإسلام.
أما المرضعة: فلقوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)[البقرة: 233]، فأوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع، ولم يفرق بين المطلقة وغيرها.
وأما الأجير: فلما روي عن أبي هريرة: «إِنِّي كُنْتُ أَجِيراً لِابْنِ عَفَّانَ وَابْنَةِ غَزْوَانَ عَلَى عُقْبَةِ رِجْلِي وَشِبَعِ بَطْنِي، أَخْدِمُهُمْ إِذَا نَزَلُوا، وَأَسُوقُ بِهِمْ إِذَا ارْتَحَلُوا» [مصنف عبدالرزاق 14941]، وثبت عن ابن عباس أيضاً [الحاكم 3099] رضي الله تعالى عنهم، ولم يظهر له نكير، فكان كالإجماع.
وعنه واختاره شيخ الإسلام: يستثنى أيضاً استئجار الدابة بعلفها؛ قياساً على استئجار الأجير والظئر بطعامهما.
- مسألة: ما حرم بيعه حرمت إجارته؛ لأنها نوع من البيع، إلا:
1 -
الحر والحرة: فتصح إجارتهما؛ لأن منافعهما مضمونة بالغصب، فجازت إجارتها؛ كمنافع القن.
2 -
الوقف: فتصح إجارته؛ لأن منافعه مملوكة للموقوف عليه، فجازت إجارته ممن له الولاية عليه؛ كالمؤجر.
3 -
أم الولد: فتصح إجارتها؛ لأن منافعها مملوكة لسيدها، فجاز له إجارتها؛ كإعارتها.
- مسألة: (وَإِنْ دَخَلَ حَمَّاماً، أَوْ) ركب (سَفِينَةً) بلا عقد، (أَوْ أَعْطَى ثَوْبَهُ خَيَّاطاً) ليخيطه، (وَنَحْوَهُ)؛ كما لو أعطى ثوبه صباغاً ليصبغه بلا عقد؛ (صَحَّ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلٍ)، ولو لم يكن له عادة بأخذ الأجرة؛ لأن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول، وذلك إذا كانا منتصبين لذلك، وإلا لم يستحقا أجرًا إلا بشرط أو عقد أو تعريض؛ لأنه لم يوجد عرف يقوم مقام العقد، فهو كما لو عمل بغير إذن مالكه.
- مسألة: (وَهِيَ) أي: الإجارة (ضَرْبَانِ):
الضرب الأول: (إِجَارَةُ) منفعة (عَيْنٍ) معلومة معينة؛ كأَجَرْتُك هذا البعير، أو من عين موصوفة في الذمة؛ كأجرتك بعيراً صفته كذا، ويستقصي صفته.
- مسألة: (وَشُرِطَ) لإجارة العين خمسة شروط:
الشرط الأول: (مَعْرِفَتُهَا)، أي: العين المُؤْجَرة برؤية إن كانت لا تنضبط بالصفات؛ كالدار والحمام، أو بصفة يحصل بها معرفة المؤجر إن كانت تضبط بالصفات؛ كمبيع؛ لأن الغرض يختلف باختلاف العين وصفتها، وعدم العلم بذلك يوقع بالغرر المنهي عنه.
(وَ) الشرط الثاني: (قُدْرَةُ) مؤجر (عَلَى تَسْلِيمِهَا)، أي: العين المُؤْجَرة، اتفاقاً؛ لأنها بيع لمنافع أشبهت بيع الأعيان، فلا تصح إجارة العبد الآبق، ولا الجمل الشارد.
(وَ) الشرط الثالث: (عَقْدٌ - فِي غَيْرِ ظِئْرٍ- عَلَى نَفْعِهَا) أي: نفع العين المُؤْجَرة (دُونَ أَجْزَائِهَا)، فلا تصح إجارة الطعام للأكل، ولا إجارة الشَّمَعِ ليشعله، ولا الصابون ليغسل به، ولا أن يستأجر حيواناً ليأخذ لبنه؛ لأن مورد عقد الإجارة المنافع لا الأعيان، والمقصود ههنا العين، وهي لا تملك ولا تستحق بإجارة.
أما استئجار الظئر - أي: آدمية - للرضاع؛ فيصح؛ لقوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن)[الطلاق: 6]، والفرق بينها وبين البهائم: أنه يحصل منها عمل من وضع الثدي في فم المرتضع ونحوه، بخلاف البهيمة، وللضرورة.
وقال شيخ الإسلام: إن مَوْرِد العقد في باب الإجارة كل ما يحدث ويتجدد ويستخلف بدله مع بقاء العين، سواء كان عينًا أو منفعةً، فيصح أن استئجار الشَّمَع لمن يشعله، واستئجار الحيوان لأخذ لبنه، واستئجار البئر لأخذ مائها؛ لأن هذا يحدث شيئاً فشيئاً، وقياساً على الظئر.
قال ابن القيم: (صح عن عمر رضي الله عنه أنه قَبِل حديقة أُسيد بن حُضير رضي الله عنه ثلاث سنين، وأخذ الأجرة فقضى بها دينه، والحديقة: هي النخل، فهذه إجارة الشجر لأخذ ثمرها، وهو مذهب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا يعلم له في الصحابة مخالف).
(وَ) الشرط الرابع: (اشْتِمَالُهَا) أي: العين المُؤْجَرة (عَلَى النَّفْعِ) المعقود عليه، اتفاقاً، فلا تصح إجارة بهيمة زَمِنَة لحملٍ، ولا أرض لا تنبت للزرع؛ لأن الإجارة عقد على المنفعة، ولا يمكن تسليم هذه المنفعة من هذه العين.
(وَ) الشرط الخامس: (كَوْنُهَا) أي: المنفعة مملوكة (لِمُؤَجِّرٍ، أَوْ) كونه (مَأْذُوناً لَهُ فِيهَا)، كوكيل ووصي وولي وناظر؛ لأنها بيع المنافع فاشترط فيها ذلك كالبيع، فلو أَجَر ما لا يملكه ولا أَذِن له فيه لم يصح؛ كبيعه.
واختار ابن عثيمين، وذكره في الإنصاف احتمالاً: يصح بالإجازة؛ قياساً على تصرف الفضولي في البيع؛ لأن منع نفوذ العقد في ملك الغير من حق الغير، فإذا أجاز ذلك فالحق له.
- مسألة: (وَإِجَارَةُ العَيْنِ قِسْمَانِ):
القسم الأول: أن تكون (إِلَى أَمَدٍ)؛ كإجارة الدار شهراً، أو إجارة الأرض عاماً، أو إجارة الآدمي للخدمة، ونحوها مدة معينة، وقد حكاه ابن المنذر إجماعاً، ويسمى الأجير فيها: الأجير الخاص، ويأتي.
- فرع: يشترط في هذا القسم شرطان:
1 -
أن تكون إلى أمدٍ (مَعْلُومٍ)؛ لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه المعرِّفة له، فاشترط العلم بها كالمكيلات.
2 -
أن (يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ بَقَاؤُهَا) أي: العين المُؤْجَرة (فِيهِ) أي: الأمد وإن طالت المدة، لأن المعتبر كون المستأجر يمكنه استيفاء المنفعة منها غالباً، ولو ظُنَّ عدم العاقد، ولا فرق بين الوقف والملك.
وليس للوكيل المطلق - أي: لم يقدر له مدة الإجارة- الإجارة مدة طويلة، بل العرف؛ كسنتين ونحوها، قاله شيخ الإسلام.
وقال في الإنصاف: (قلت: الصواب الجواز إن رأى ذلك مصلحة، وتعرف بالقرائن، والذي يظهر أن الشيخ تقي الدين لا يمنع ذلك).
القسم (الثَّانِي): أن تكون إجارة العين (لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ؛ كَإِجَارَةِ دَابَّةٍ) معينة أو موصوفة (لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ).
- فرع: يشترط في هذا القسم: معرفة ذلك العمل، وضبطه بما لا
يختلف؛ لأن العمل هو المعقود عليه، فاشترط فيه العلم كالمبيع.
وتقدير العمل يكون بأحد شيئين: إما بالمدة كيوم، وإما بمعرفة الأرض كهذه القطعة، أو بالمِساحة.
(الضَّرْبُ الثَّانِي) من ضربي الإجارة: (عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ)، ويسمى الأجير فيها الأجيرَ المشترك، وهي على نوعين:
1 -
أن تكون (فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ)؛ كاستأجرتك لحمل هذه الكتب إلى مكان معين على دابة معينة بكذا.
2 -
(أَوْ) أن تكون في شيء (مَوْصُوفٍ) بصفات السلم؛ كاستأجرتك لتحمل مائة صاع من برٍّ صفته كذا، إلى مكة بكذا.
(فَيُشْتَرَطُ) لهذا الضرب أربعة شروط:
الشرط الأول: (تَقْدِيرُهَا بِعَمَلٍ أَوْ مُدَّةٍ)؛ لأن العمل هو المعقود عليه، فاشترط فيه العلم كالمبيع، (كَبِنَاءِ دَارٍ، وَ) كـ (خِيَاطَةِ) ثوب، (وَشُرِطَ: مَعْرِفَةُ ذَلِكَ) العمل (وَضَبْطُهُ) بما لا يختلف معه العمل؛ فيذكر في بناء الدار الطول والعرض والسمك والآلة ونحو ذلك، ويذكر في خياطة الثوب جنسه وقدره وصفة الخياطة؛ كاشتراطه في المبيع.
والشرط الثاني: أن لا يجمع بين تقدير مدة وعمل؛ كقوله: استأجرتك لتخيط هذا الثوب في يوم؛ لأن الجمع بينهما يزيد الإجارة غررًا لا حاجة إليه؛ لأنه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء اليوم، فإن استعمل في بقيته فقد زاد على ما وقع عليه العقد، وإن لم يعمل كان تاركًا للعمل في بعضه، فهذا غرر أمكن التحرز منه.
واختار ابن عثيمين: يجوز الجمع بين العمل والمدة؛ لأن في ذلك مصلحة، بشرط أن تكون المدة المقدرة ممكنة، حتى لا يقع في الغرر.
(وَ) الشرط الثالث: (كَوْنُ أَجِيرٍ فِيهَا آدَمِيًّا)؛ لأنها متعلقة بالذمة ولا ذمة لغير الآدمي، (جَائِزَ التَّصَرُّفِ)؛ لأنها معاوضة لعمل في الذمة، فلم تجز من غير جائز التصرف.
(وَ) الشرط الرابع: (كَوْنُ عَمَلٍ) معقود عليه (لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ القُرْبَةِ) أي: مسلماً، ولا يقع ذلك العمل إلا قربة لفاعله، فيصح أخذ الأجرة على ذبح الأضحيَّة والهدي؛ لأن ذلك عمل لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة لصحته من الذمي، ويصح أخذ الأجرة على تعليم الخط والحساب ونحوه؛ لأنه تارة يقع قربة وتارة يقع غير قربة، فلم يمنع الاستئجار لفعله، كغرس الأشجار وبناء البيوت.
- مسألة: أخذ المال عل عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القُربة، وهو المسلم، ولا يقع ذلك العمل إلا قربة لفاعله، لا يخلو من قسمين:
الأمر الأول: أن يكون مما لا يتعدى نفعه؛ كصلاته لنفسه، وحجه عن نفسه، وأداء زكاة نفسه؛ فلا يجوز أخذ المال عليه، أجرةً كان أو جعالةً أو رزقاً؛ لأن الأجر عوض الانتفاع، ولم يحصل لغيره ههنا انتفاع، فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها.
الأمر الثاني: أن يكون مما يتعدى نفعه؛ كالنيابة في الحج، والعمرة، والأذان، والإقامة والإمامة، وتعليم قرآن وفقه حديث، فعلى أربعة أقسام:
1 -
أن يكون رزقًا من بيت المال: فيجوز أخذ المال عليه، قال شيخ الإسلام:(بلا نزاع)؛ لحديث أبي محذورة رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ صُرَّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ فِضَّةٍ لمَّا أَذَّنَ» [أحمد 15380، والنسائي 632، وابن ماجه 1608].
2 -
أن يكون ذلك جُعالة، كقوله: مَن أذَّن في هذا المسجد فله كذا وكذا، فجائز؛ لأنها أوسع من الإجارة، ولهذا جازت مع جهالة العمل والمدة.
3 -
أن يأخذ ذلك بلا شرط؛ فجائز؛ لحديث عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لا فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» [البخاري 1473، ومسلم 1405].
4 -
أن يأخذ المال بشرط، وهي الإجارة: فيحرم ولا تصح الإجارة؛ لحديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «وَاتَّخِذْ مُؤَذِّناً لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْراً» [أحمد 16270، وأبو داود 531، والترمذي 209،
وابن ماجه 714]، ولحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: علَّمْتُ ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوساً، فقلت: ليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله عز وجل، لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه، فأتيته فقلت: يا رسول الله، رجل أهدى إلي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله، قال:«إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقاً مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا» [أحمد 22689، وأبو داود 3416، وابن ماجه 2157، ضعفه الحافظ، وصححه الألباني]، ولأن من شرط هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى، فلم يجز أخذ الأجرة عليها، كما لو استأجر قوماً يصلون خلفه.
وعنه، واختاره ابن عثيمين: يصح أخذ الأجرة؛ لأن العوض هنا ليس عن التعبد بالعمل، لكن عن انتفاع الغير به، ولحديث أبي سعيد رضي الله عنه الآتي في اللديغ، كأخذها بلا شرط في الجعالة والرزق على ما يأتي.
وفي وجه واختاره شيخ الإسلام: جواز أخذ الأجرة مما يتعدى نفعه مع الحاجة دون الغنى، كالاستنابة في الحج (1)،
وتعليم القرآن والحديث والفقه، والإمامة والأذان؛ لقوله تعالى في ولي اليتيم: (ومن كان غنيا
(1) نقل في الفروع (7/ 154) عن شيخ الإسلام: (وقال شيخنا: المستحب أن يأخذ ليحج، لا أن يحج ليأخذ، فمن يحب إبراء ذمة الميت أو رؤية المشاعر يأخذ ليحج، ومثله كل رزق أخذ على عمل صالح، ففرق بين من يقصد الدين والدنيا وسيلته، وعكسِه، والأشبه أن عكسه ليس له في الآخرة من خلاق، قال: وحجه عن غيره ليستفضل ما يوفي دينه الأفضل تركه، لم يفعله السلف، ويتوجه فعله لحاجة) ..
فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف)، ولحديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ» [البخاري 5029، ومسلم 1425](1).
واستثنى شيخ الإسلام الاستئجار على القراءة، وإهدائها إلى الميت، قال رحمه الله: (لا يصح الاستئجار على القراءة وإهدائها إلى الميت، لأنه لم ينقل عن أحد من الأئمة الإذن في ذلك، وقد قال العلماء: إن القارئ إذا قرأ لأجل
(1) قال شيخ الإسلام رحمه الله مجموع الفتاوى (30/ 205): (ومأخذ العلماء في عدم جواز الاستئجار على هذا النفع: أن هذه الأعمال يختص أن يكون فاعلها من أهل القرب بتعليم القرآن، والحديث والفقه والإمامة والأذان؛ لا يجوز أن يفعله كافر، ولا يفعله إلا مسلم؛ بخلاف النفع الذي يفعله المسلم والكافر؛ كالبناء والخياطة والنسج ونحو ذلك، وإذا فعل العمل بالأجرة لم يبق عبادة لله، فمن قال: لا يجوز الاستئجار على هذه الأعمال قال: إنه لا يجوز إيقاعها على غير وجه العبادة لله، كما لا يجوز إيقاع الصلاة والصوم والقراءة على غير وجه العبادة لله، والاستئجار يخرجها عن ذلك، ومن جوز ذلك قال: إنه نفع يصل إلى المستأجر فجاز أخذ الأجرة عليه؛ كسائر المنافع، ومن فرق بين المحتاج وغيره وهو أقرب، قال: المحتاج إذا اكتسب بها أمكنه أن ينوي عملها لله ويأخذ الأجرة ليستعين بها على العبادة؛ فإن الكسب على العيال واجب أيضًا فيؤدي الواجبات بهذا؛ بخلاف الغني لأنه لا يحتاج إلى الكسب فلا حاجة تدعوه أن يعملها لغير الله؛ بل إذا كان الله قد أغناه وهذا فرض على الكفاية كان هو مخاطباً به وإذا لم يقم إلا به كان ذلك واجبًا عليه عيناً). انتهى مختصراً، وينظر: الاختيارات للبعلي ص: 222، والإنصاف (14/ 379).
المال فلا ثواب له، فأي شيء يهدى إلى الميت؟ وإنما يصل إلى الميت العمل الصالح، والاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الأئمة).
- فرع: يستثنى من القسم الثاني على المذهب: أخذ الأجرة على الرقية، فلا بأس به، نص عليه، واختاره شيخ الإسلام؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه حين رَقَى سيد حي من أحياء العرب على أن يجعلوا لهم جُعْلًا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يَتْفِل عليه، ويقرأ:(الحمد لله رب العالمين)[الفاتحة: 1]، فكأنما نُشِطَ من عقال، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال:«وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» ، ثم قال:«قَدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا» [البخاري 2276، ومسلم 2201].
- مسألة: (وَ) يجب (عَلَى مُؤْجِرٍ) مع إطلاقٍ بدون شرط (كُلُّ) ما يتمكَّن به المستأجر من النفع مـ (مَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ وَعُرْفٌ؛ كَزِمَامِ مَرْكُوبٍ) وهو الذي يقود به، (وَشَدِّ) الرحل، (وَرَفْعٍ وَحَطٍّ)؛ لأن هذا هو العرف وبه يتمكن من الركوب.
- مسألة: (وَ) يجب (عَلَى مُكْتَرٍ) أي: المستأجر، بمعنى أنه لا يلزم المُؤْجِر، بل إن أراده مُكْتَرٍ فمن ماله، (نَحْوُ: مَحْمِلٍ) كمجلس، شقتان على البعير يحمل فيهما العديلان، (وَمِظَلَّةٍ)؛ لأن ذلك كله من مصلحة المكتري، وهو خارج عن الدابة وآلتها، فلم يلزم المُكْرِيَ.