الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أن يقيم بينة تشهد أنه ولد على فراشه، فيتبعه في دينه، بشرط استمرار أبويه على الحياة والكفرِ إلى بلوغه عاقلًا، فإن مات أحدهما، أو أسلم قبل بلوغه؛ حُكِمَ بإسلامه.
- فرع: لا يتبع اللقيطُ الرقيقَ في رقه إذا استلحقه إلا ببينة تشهد أنه ولد على فراشه؛ لأنه خلاف الأصل، وإضرار بالطفل.
ولا يلحقُ اللقيطُ بزوج المرأة المُقِرَّة به بدون تصديق الزوج؛ لأن إقرارها لا ينفذ على غيرها، فلا يلحقه بذلك نسب لم يقر به، إلا إذا أقامت بينة أنه ولدته على فراش زوجها. (والله أعلم).
(فَصْلٌ) في الوقف
يُقال: وَقَفَ الشيء، وحَبَسَه، وأَحْبَسَه، وسبَّلَه بمعنًى واحد.
وشرعًا: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
- مسألة: (وَالوَقْفُ سُنَّةٌ)؛ وهو من القُرَب المندوب إليها، قال تعالى:{وافعلوا الخير} [الحج: 77]، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخيبر، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني
أصبت أرضًا بخيبر لم أُصِبْ مالًا قط أنفسَ عندي منه، فما تأمر به؟ قال:«إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» ، قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على مَنْ ولِيَها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول [البخاري: 2737، ومسلم: 1632]، وفي رواية:«احْبِسْ أَصْلَهَا، وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا» [أحمد: 5947، والنسائي: 3603، وابن ماجه: 2397]، وسئل الإمام أحمد عن الوقوف فقال: جائز، لم يزل المسلمون يفعلونه، ثم ذكر عمرَ وعثمان وعليًّا وطلحة والزبير رضي الله عنهم [الوقوف والترجل ص 20].
- مسألة: (وَيَصِحُّ) الوقف بأحد أمرين، واختاره شيخ الإسلام:
الأول: (بِقَوْلٍ)، ويأتي صريح القول وكنايته.
(وَ) الثاني: بـ (ـفِعْلٍ) مع شيء (دَالٍّ عَلَيْهِ) أي: على الوقف، (عُرْفاً)؛ لاشتراكهما في الدلالة عليه، (كَمَنْ بَنَى أَرْضَهُ مَسْجِداً، أَوْ) جعل أرضه (مَقْبَرَةً وَأَذِنَ لِلنَّاسِ) إذنًا عامًّا (أَنْ يُصَلُّوا فِيهِ) أي: في ذلك المسجد، (وَ) أن (يَدْفِنُوا فِيهَا) أي: في المقبرة؛ لأن الإذن الخاص قد يقع على غير الموقوف، فلا يفيد دلالة الوقف.
- فرع: (وَ) القول الذي يصح به الوقف على قسمين:
الأول: (صَرِيحُهُ) أي: القول: ثلاثة ألفاظ، وهي:(وَقَفْتُ، وَحبَّسْتُ، وَسَبَّلْتُ)؛ فمن أتى بصيغة منه صار وقفًا من غير انضمام أمر زائد؛ لأن هذه الألفاظ ثبت لها حكم الاستعمال بين الناس، يفهم الوقف منها عند الإطلاق، وانضم إلى ذلك الشرع كما تقدم في حديث ابن عمر، فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ الطلاق في التطليق.
(وَ) الثاني: (كِنَايَتُهُ) أي: الوقف، ثلاثة أيضًا، وهي:(تَصَدَّقْتُ، وَحَرَّمْتُ، وَأَبَّدْتُ)؛ لأنَّه لم يثبت لها فيه عرف لغوي ولا شرعي، ولعدم خلوص كل لفظ منها عن الاشتراك، فإن الصدقة تستعمل في الزكاة، وهي ظاهرة في صدقة التطوع، والتحريم صريح في الظهار، والتأبيد يستعمل في كل ما يراد تأبيده من وقف وغيره.
واختار ابن عثيمين: أن جميع صيغ العقود القولية يرجع فيها إلى العرف، فقد يكون هذا اللفظ صريحًا عند قوم وكناية عند آخرين، وقد لا يدل على المعنى إطلاقًا عند غيرهم، فيرجع إلى عرف الناس في ذلك.
- فرع: يشترط لصحة الوقف مع ألفاظ الكناية أحد أربعة أمور:
1 -
نية الوقف؛ لأن الكناية تحتمل الوقف وغيره، فلابد من النية التي تعين أحد الاحتمالين، فإن قال: ما أردت الوقف، فالقول قوله؛ لأنه أعلم بما في ضميره.
2 -
اقتران الكناية بأحد الألفاظ الخمسة الباقية من الصَّريح والكناية، كتصدَّقت بكذا صدقةً موقوفةً، أو محبَّسةً، أو مسبَّلةً، أو محرَّمةً، أو مؤبَّدةً؛ لأنَّ اللفظ يترجَّح بذلك لإرادة الوقف.
3 -
اقتران الكناية بصفات الوقف، كقوله: تصدَّقت بكذا صدقةً لا تُباع ولا تُورَث؛ لأن ذلك لا يستعمل في غير الوقف فانتفت الشركة.
4 -
اقتران الكناية بحكم الوقف؛ كقوله: تصدقت بأرضي على فلان والنظر لفلان، أو: عليه وعلى أولاده من بعده؛ لما تقدم.
- مسألة: (وَشُرُوطُهُ) أي: الوقف (خَمْسَةُ) شروط:
الشرط الأول: (كَوْنُهُ) أي: الوقف (فِي عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ، يَصِحُّ بَيْعُهَا، غَيْرَ مُصْحَفٍ، وَيُنْتَفَعُ بِهَا، مَعَ بَقَائِهَا)، وهذا هو ضابط ما يصح وقفه، فيصح في عقار وحيوان وأثاث وسلاح وغيرها.
- فخرج بقوله: (عَيْنٍ)، ثلاثة أمور:
1 -
المنفعة؛ كمنفعة العبد الموصى بخدمته، ومنفعة العين المستأجرة، فلا يصح وقفها؛ لأن الأصل في الوقف الدوام.
واختار شيخ الإسلام: صحة وقف المنفعة؛ لعدم الدليل على المنع، قال رحمه الله:(لا فرق بين وقف هذا ووقف البناء والغراس).
2 -
ما في الذمة؛ كدار وسلاح غير معينين: فلا يصح وقفه؛ لأن الوقف نقل ملك على وجه القربة، فلم يصح في غير معين كالهبة.
3 -
المبهم؛ كأحد هاتين الدارين: فلا يصح وقفه؛ لما تقدم.
واختار شيخ الإسلام: صحة وقف ما في الذمة والمبهم؛ لأنه عقد تبرع، والتبرع يتسامح فيه ما لا يتسامح في غيره.
قال رحمه الله: (ووقف المبهم مفرع على هبته وبيعه، وليس عن أحمد في هذا منع).
وقال في الإنصاف: (فعلى الصحة: يخرج المبهم بالقرعة).
- وخرج بقوله: (مَعْلُومَةٍ): العين المجهولة، كوقفِ دارٍ لم يرها؛ للتعليل السابق.
واختار ابن عثيمين: صحة وقفه؛ لأنه عقد تبرع، فكما يصح أن يتصدق بدراهم لا يعرف عددها فكذا الوقف، وقال شيخ الإسلام:(فمنع هذا -أي: وقف المجهول- بعيد).
- وخرج بقوله: (يَصِحُّ بَيْعُهَا): ما لا يصح بيعه؛ كالحر، والكلب، والحمل المنفرد، ونحوها، فلا يصح وقفه؛ لأن الوقف نقل للملك فيها، فلم يجز؛ كالبيع.
واختار شيخ الإسلام: يصح وقف كل عين تجوز عاريَّتُها، فيصح وقف
الكلب المعلَّم، والجوارح المعلمة، وما لا يقدر على تسليمه.
- فرع: كل عين لا يصح بيعها لا يصح وقفها، ويستثنى من ذلك:
أ) المصحف: فيصح وقفه وإن لم يصح بيعه - على الخلاف المتقدم -؛ لأن المنع من بيعه إنما هو لما فيه من الابتذال، وهذا غير حاصل في الوقف، وليس منع بيعه لعدم ماليته أو لأن نقل الملك فيه لا يجوز.
ب) الماء، فيصح وقفه وإن لم يصح بيعه قبل حيازته؛ لما روى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ» ، فَحَفَرْتُهَا. [البخاري: 2778].
- وخرج بقوله: (وَيُنْتَفَعُ بِهَا): ما لا منفعة فيه، كحمار هَرِمٍ؛ لعدم وجود معنى الوقف.
- وخرج بقوله: (مَعَ بَقَائِهَا): ما لا يُنتفع به مع بقائه دائمًا؛ كالأثمان، والطعام ونحوه، فلا يصح وقفه؛ لأن الوقف يراد للدوام ليكون صدقة جارية، ولا يوجد ذلك فيما لا تبقى عينه.
واختار شيخ الإسلام وابن عثيمين: صحة وقف ما لا ينتفع به إلا بتلفه؛ لعدم المانع، والمقصود إسداء الخير للغير.
قال شيخ الإسلام: (ولو وقف الدراهم على المحتاجين، لم يكن جواز هذا بعيدًا)، وقال: (لو تصدق بدهن على مسجد ليوقد فيه، جاز، وهو من
باب الوقف، وتسميته وقفًا، بمعنى أنه وقف على تلك الجهة، لا ينتفع به في غيرها، لا تأباه اللغة، وهو جار في الشرع).
- فرع: ضابط ما يصح وقفه عند شيخ الإسلام: (كل عين تجوز عاريَّتُها)، ولهذا نص على صحة وقف المجهول، والمبهم، وما لا يقدر على تسليمه، والكلب المعلَّم والجوارح المعلمة، وغير ذلك كما تقدم.
(وَ) الشرط الثاني: (كَوْنُهُ) أي: الوقف (عَلَى بِرٍّ) إذا كان على جهة عامة، واختاره شيخ الإسلام؛ كالمساكينِ والأقارب والمساجد والمدارس ونحوها؛ لأنه شُرع لتحصيل الثواب، فإذا لم يكن على بر لم يحصل المقصود الذي شُرع من أجله.
فعلى هذا:
- لا يصح الوقف على طائفة الأغنياء، أو الفساق، أو على أهل الذمة ونحو ذلك.
- ولا يصح على مباح؛ كتعليم شعر مباح.
- ولا يصح على مكروه؛ كتعليم منطق؛ لانتفاء القربة.
- ولا يصح على معصية؛ كبناء كنائس، وطباعة كتب المبتدعة؛ لما فيه من المعونة عليها.
(وَ) أما إذا كان الوقف على معين فلا يشترط أن يكون على برٍّ، فـ (ـيَصِحُّ) أن يكون (مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى) مسلم أو (ذِمِّيٍّ) أو فاسق أو غني معين؛ لأنه في موضع القربة، ولهذا جازت الصدقة عليه، (وَ) يصح (عَكْسُهُ) أي: من ذميٍّ على مسلم معين، أو طائفة كالفقراء.
- فرع: لا يصح الوقف على حربي ولا على مرتد؛ لأن الواجب إتلافهما والتضييق عليهما، والوقف يجب أن يكون لازمًا.
(وَ) الشرط الثالث: (كَوْنُهُ) أي: الوقف إذا كان (فِي غَيْرِ) الوقف على (مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) من الجهات العامة، كالفقراء والمجاهدين وطلبة العلم والمدارس ونحو ذلك، أن يكون (عَلَى مُعَيَّنٍ) سواء كان على جهة كمسجدِ كذا، أو شخصٍ كزيد، (يَمْلِكُ) ملكًا مستقرًّا؛ لأن الوقف يقتضي تحبيس الأصل تحبيسًا لا تجوز إزالته، ومن ملكه غير ثابت تجوز إزالته، والوقف على المساجد ونحوها وقف على المسلمين، إلا أنه عُيِّن في نفع خاص لهم.
وعلى هذا:
- لا يصح الوقف على مجهول؛ كرجل ومسجد غير معينين.
- ولا على مبهم؛ كأحد هذين.
- ولا على من لا يملك؛ كقنٍّ ومَلَكٍ وحيوان معين.
- ولا على معدوم أصالة؛ كوقفه على من سيولد لفلان؛ لأنه لا يصح تمليك المعدوم، ويصح الوقف على المعدوم تبعًا؛ كوقفه على أولاده حتى يولد منهم.
(وَ) الشرط الرابع: (كَوْنُ وَاقِفٍ نَافِذَ التَّصَرُّفِ) وهو المكلف الرشيد، أو من يقوم مقامه، فلا يصح من صغير أو سفيه؛ كسائر تصرفاته المالية.
(وَ) الشرط الخامس: أن يكون (وَقْفُهُ نَاجِزاً)، وخرج بذلك:
1 -
التأقيت: فلا يصح الوقف مؤقتًا، كما لو قال: وقفته سنة؛ لأن الوقف مقتضاه التأبيد، والتأقيت ينافيه.
2 -
التعليق: فلا يصح الوقف معلقًا؛ لأنه نقل للملك فيما لم يبن على التغليب والسراية، فلم يجز تعليقه بشرط في الحياة كالهبة.
إلا تعليقه بالموت، كما لو قال: هو وقف بعد موتي؛ لما جاء في وصية عمر رضي الله عنه: «هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللهِ عُمَرُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ إِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ» ثم ذكر الوقف [أبو داود: 2879]، ولأنه تبرع مشروط بالموت، فصح كالهبة.
3 -
لو اشترط أنه يرجع في الوقف متى شاء؛ فلا يصح؛ لأنه ينافي مقتضى الوقف.
واختار شيخ الإسلام: صحة التأقيت والتعليق واشتراط الرجوع متى
شاء؛ لأن الأصل في الشروط الحل والصحة، والمسلمون على شروطهم، ولأثر عمر السابق، إذ لا فرق بين الموت وغيره من التعاليق.
- مسألة: (وَيَجِبُ العَمَلُ بِشَرْطِ وَاقِفٍ)؛ كاشتراط جمعٍ أو تقديمٍ، أو اعتبار وصف أو إلغائه، ونحو ذلك؛ لأن عمر وقف وقفًا، وشرط فيه شروطًا [البخاري: 2764، ومسلم: 1632]، ولو لم يجب اتباع شرطه لم يكن في اشتراطه فائدة، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» [أبو داود: 3594]، ولأن الوقف متلقًّى من جهته، فاتبع شرطه.
- فرع: لا يخلو شرط الواقف من أمرين:
الأول: (إِنْ وَافَقَ) الشرط (الشَّرْعَ)، ولا يخلو من قسمين:
1 -
أن يظهر فيه قصد القُربة؛ كما لو أوقف على بني فلان، يقدم منهم طالب العلم: فيجب العمل به؛ لما تقدم.
2 -
أن يكون مباحًا لا يظهر فيه قصد القربة؛ كما لو أوقف على بني فلان، يقدم منهم العُزَّاب: فيجب العمل به أيضًا؛ لأن الوقف من باب العطايا والهبات، والهبة تصح بغير قصد القربة.
واختار شيخ الإسلام: أن الشرط الذي لا يظهر فيه قصد القربة لا يُعمل به ولو كان مباحًا، قال رحمه الله فيمن أوقف بيتًا على العُزَّاب:(هذا شرط باطل؛ والمتأهل أحق بمثل هذا من المتعزب إذا استويا في سائر الصفات؛ إذ ليس في التعزب هنا مقصود شرعي)؛ لأن الشرط إذا لم يكن قربة لم يكن الواقف
مثابًا على بذل المال فيه. (1)
الثاني: وإن خالف مقصود الشرع، وهو اشتراط أمر محرم: فلا يصح باتفاق المسلمين، ولا يلتفت إلى اشتراطه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» [البخاري: 2168، ومسلم: 1504].
- فرع: قال شيخ الإسلام: (إذا تخاطبوا -أي: الناس- بينهم في البيع والإجارة أو الوقف أو الوصية أو النذر أو غير ذلك بكلامٍ رُجع إلى معرفة مرادهم، وإلى ما يدل على مرادهم من عادتهم في الخطاب، وما يقترن بذلك من الأسباب).
- فرع: (وَمَعَ إِطْلَاقِ) الواقف في الموقوف عليه، بحيث لم يشترط وصفًا معينًا؛ فإنه (يَسْتَوِي) في الوقف (غَنِيٌّ وَفَقِيرٌ، وَذَكَرٌ وَأُنْثَى)؛ لعدم ما يقتضي التخصيص.
(1) قال شيخ الإسلام: (الأصل في هذا أن كل ما شرط من العمل من الوقوف التي توقف على الأعمال فلا بد أن تكون قربة؛ إما واجبًا؛ وإما مستحبًا، وأما اشتراط عمل محرم فلا يصح باتفاق علماء المسلمين؛ بل وكذلك المكروه؛ وكذلك المباح على الصحيح)، وقال أيضًا:(وإن كان الغنى وصفًا مباحًا فلا يجوز الوقف على الأغنياء؛ وعلى قياسه سائر الصفات المباحة؛ ولأن العمل إذا لم يكن قربة لم يكن الواقف مثابًا على بذل المال فيه؛ فيكون قد صرف المال فيما لا ينفعه؛ لا في حياته ولا في مماته) ينظر: مجموع الفتاوى 31/ 47 - 13.
- فرع: (وَالنَّظَرُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ) أي: إذا لم يشترط الواقف النظرَ لأحدٍ، أو شرط لإنسانٍ ومات، لا يخلو من أمرين:
1 -
يكون النظر (لِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مَحْصُوراً)، أو آدميًا معينًا كزيد؛ لأنَّه ملكه وغلَّته له، فإن كان واحدًا استقلَّ به مطلقًا، وإن كانوا جماعةً فهو بينهم على قدر حِصَصهم، فإن كان صغيرًا أو مجنونًا أو سفيهًا؛ قام وليه مقامه فيه.
2 -
(وَإِلَّا) يكُنِ الموقوف عليه محصورًا؛ كالوقف على الفقراء والمساكين: (فَـ) إن النظر يكون (لِحَاكِمٍ) أو من يستنيبه الحاكم؛ لأنه ليس له مالك معين، (كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) كالمدارس والمساكين ونحو ذلك.
- مسألة: (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ) أو أولاده، (أَوْ وَلَدِ غَيْرِهِ؛ فَهُوَ لِذَكَرٍ وَأُنْثَى) وخنثى؛ لأن اللفظ يشملهم، (بِالسَّوِيَّةِ) فلا يفضل أحد على أحد، قال في الشرح:(ولا نعلم في هذا خلافًا)؛ لأنَّه شرَّك بينهم، وإطلاقها يقتضي التسوية.
(ثُمَّ) بعد أولاده يكون الوقف (لِوَلَدِ بَنِيهِ) وإن سَفَلوا؛ لأنهم من ولده؛
لقوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: 11]، فدخل فيه ولد البنين وإن سَفَلوا، وكذلك كل موضع ذكر الله فيه الولد دخل فيه ولد البنين.
ولا يدخل ولد البنات في ذلك إلا بنصٍّ أو قرينةٍ؛ لعدم دخولهم في قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ)[النساء: 11]، وكذا كل ولد ذكر في القرآن في الإرث أو الحجب لا مدخل لهم فيه؛ ولأن أولاد البنات ينتسبون إلى آبائهم.
- فرع: يستحق أولاد البنين الوقف مرتبًا بعد آبائهم، كما لو قال: وقفته على أولادي بطنًا بعد بطن، فلا يستحق البطن الثاني شيئًا قبل انقراض البطن الأول؛ لأن الأصل الترتيب، وللقاعدة: من استحق بوصف، فإنه يقدم من كان أقوى في هذا الوصف، ومعلوم أن الولادة بالنسبة للأولاد أقوى وصفاً في الأولاد من أولاد البنين.
وفي وجه، واختاره شيخ الإسلام: أنه يستحق كل ولد نصيب والده بعد فقده، فهو من ترتيب الأفراد بين كل شخص وأبيه؛ لأن هذا أقرب إلى مقصود الواقف، إذ الغالب أن الجد لا يقصد حرمان أولاد ابنه مع وجود أعمامهم. قال ابن رجب عن هذا القول: (منصوص الإمام أحمد رحمه الله.
- مسألة: (وَ) إن وقف (عَلَى بَنِيهِ أَوْ بَنِي فُلَانٍ) فلا يخلو من حالين:
الأولى: ألا يكونوا قبيلة: (فَلِذُكُورٍ فَقَطْ) دون الإناث، قال في الشرح:
(لا نعلم فيه خلافًا)؛ لأنَّ لفظ (البنين) وُضِع لذلك حقيقةً، قال تعالى:(أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ)[الطور: 39].
(وَ) الثانية: (إِنْ كَانُوا قَبِيلَةً)؛ كبني هاشم وبني تميم: (دَخَلَ النِّسَاءُ) مع الرجال؛ لأنَّ اسم القبيلة يشمَل ذكرها وأُنثاها، (دُونَ أَوْلَادِهِنَّ) أي: نساء تلك القبيلة (مِنْ غَيْرِهِمْ)؛ لأنَّهم لا ينتسبون إلى القبيلة الموقوف عليها.
- مسألة: (وَ) إن وقف (عَلَى قَرَابَتِهِ)، أو قرابة زيد، (أَوْ أَهْلِ بَيْتِهِ، أَوْ قَوْمِهِ)، أو آله؛ (دَخَلَ) في الوقف كلُّ (ذَكَرٍ وَأُنْثَى) وكبير وصغير، وقريب وبعيد، وغني وفقير على السواء؛ لشمول اللفظ لهم، (مِنْ أَوْلَادِهِ، وَأَوْلَادِ أَبِيهِ، وَ) أولاد (جَدِّهِ، وَ) أولاد (جَدِّ أَبِيهِ) فقط؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشمٍ بسهم ذوي القُربى، ولم يُعط قرابة أُمِّه، وهم: بنو زهرة شيئاً.
وعنه: إن كان يصل قرابته من قبل أمه في حياته صُرف إليهم، وإلا فلا؛ لأن صلته إياهم في حياتهم قرينة تدل على إرادتهم بصلته هذه.
- فرع: متى وجدت قرينة تقتضي إرادة الإناث أو تقتضي حرمانهن عمل بها؛ لأن دلالتها كدلالة اللفظ.
- فرع: (لَا) يدخل في الوقف على القرابة (مُخَالِفٌ) للواقف في (دِينِهِ)؛ لأن الظاهر من حال الواقف أنه لم يرد من يخالف دِينه، سواء كان