الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ) في الصلح
لغة: قطع المنازعة، وشرعاً: معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين متخاصمين.
- مسألة: الصلح جائز بالإجماع؛ لقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [الحجرات: 9]، وقوله:{والصلح خير} [النساء: 128]، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» [أبو داود: 3594].
- مسألة: الحقوق نوعان:
1 -
حقوق الله تعالى، كالصلاة والزكاة والحدود وغيرها: فلا مدخل للصلح فيها.
2 -
حقوق الآدميين: تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة في الجملة.
- مسألة: الصلح خمسة أنواع:
1 -
بين المسلمين وأهل الحرب، وتقدمت أقسامه في الجهاد.
2 -
بين أهل العدل وأهل البغي، ويأتي في قتال أهل البغي.
3 -
بين الزوجين إذا خيف شقاقُ بينِهما، أو خافت الزوجة إعراض الزوج عنها، ويأتي في عشرة النساء.
4 -
بين المتخاصمين في غير مال.
5 -
بين المتخاصمين في المال، وهو المراد هنا.
- مسألة: (وَالصُّلْحُ فِي الأَمْوَالِ قِسْمَانِ):
(أَحَدُهُمَا): صلح (عَلَى الإِقْرَارِ، وَهُوَ نَوْعَانِ):
النوع الأول: (الصُّلْحُ) الواقع (عَلَى جِنْسِ الحَقِّ) المقَرِّ به، (مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ) جائز التصرف (لَهُ) أي: لمن يصح تبرعه (بِدَيْنٍ) معلوم، (أَوْ عَيْنٍ) بيده، كهذا البر أو الثوب، (فَيَضَعَ) المقَرُّ له عن المقِرِّ من الدين البعضَ، (أَوْ يَهَبَ لَهُ) من العين (البَعْضَ، وَيَأْخُذَ البَاقِيَ) من الدين أو العين: (فَيَصِحُّ) ذلك، ويكون في الدين إبراء، وفي العين هبة؛ لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط بعض حقه، كما لا يمنع من استيفائه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر ليضعوا عنه. [البخاري: 2127].
- فرع: يشترط لصحة هذا النوع من الصلح ثلاثة شروط:
1 -
أن يكون (مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ)، فإن كان ممن لا يصح تبرعه،
كمكاتب وناظر وقف وولي صغير ومجنون؛ فلايصح؛ لأنه تبرع، وهؤلاء لا يملكونه.
إلا إن أنكر من عليه الحق ولا بينة لمدعيه، فيصح؛ لأن استيفاء البعض عند العجز عن استيفاء الكل أولى من تركه.
2 -
أن يقع ذلك (بِغَيْرِ لَفْظِ صُلْحٍ)، فإن وقع بلفظ الصلح لم يصح، كأن يقول صاحب الحق للمقِرِّ: صالحتك على بعض الدين؛ لأنه صالح عن بعض ماله ببعض، فهو هضم للحق.
وعنه واختار ابن عثيمين: يصح بلفظ الصلح؛ لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ.
3 -
أن يكون (بِلَا شَرْطٍ)، فإن كان بشرط، كأن يمنعه حقه بدونه، أو يقول له: أبرأتك أو وهبتك على أن تعطيني الباقي أو كذا، لم يصح؛ لأنه يقتضي المعاوضة، فكأنه عاوض بعض حقه ببعض، ولأنه أكل لمال الغير بالباطل.
النوع (الثَّانِي): الصلح الواقع (عَلَى غَيْرِ جِنْسِهِ) أي: غير جنس الحق، بأن أقر له بعين أو دين ثم صالحه عنه بغير جنسه، فيصح اتفاقاً، ويكون معاوضة، وعلى هذا:
1 -
(فَإِنْ كَانَ) الصلح (بِأَثْمَانٍ عَنْ أَثْمَانٍ)، بأن أقر له بدينار فصالحه عنه
بعشرة دراهم، أو عكسه:(فَـ) ـهو (صَرْفٌ)؛ لأنه بيع أحد النقدين بالآخر، فيشترط له ما يشترط في الصرف من التقابض في المجلس.
2 -
(وَ) إن كان الصلح (بِعَرْضٍ عَنْ نَقْدٍ)، بأن أقر له بدينار فصالحه عنه بكتاب، (وَعَكْسِهِ)، بأن أقر له بكتاب فصالحه عنه بدينار، أو بعرض عن عرض؛ ككتاب عن كتاب:(فَـ) ـهو (بَيْعٌ)؛ لأنه مبادلة مال بمال، فيشترط له ما يشترط في البيع.
3 -
وإن كان بمنفعة كسكنى دار؛ فإجارةٌ؛ لأنها بيع للمنافع كسائر الإجارات.
4 -
وإن صالحت المعترفة بدين أو عين بتزويج نفسها يكون صداقاً، وهكذا.
(القِسْمُ الثَّانِي): الصلح (عَلَى الإِنْكَارِ)، وصورته:(بِأَنْ يَدَّعِيَ) مدعٍ (عَلَيْهِ) أي: على شخص بدين في ذمته؛ كدنانير، أو عين ككتاب، (فَيُنْكِرَ) المدعى عليه، (أَوْ يَسْكُتَ) وهو يجهله، (ثُمَّ يُصَالِحَهُ) عن المدعى به بمالٍ:(فَيَصِحُّ) الصلح؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» .
- فرع: (وَيَكُونُ) الصلح على إنكار:
5 -
(إِبْرَاءً فِي حَقِّهِ) أي: في حق المدعى عليه؛ لأنه دفع المال افتداء ليمينه، وإزالة للضرر عنه من التبذل والخصومة، لا عوضاً عن حق يعتقده.
وعلى هذا: فلا يأخذ أحكام البيع من الرد بالعيب، والأخذ بالشفعة وغير ذلك.
6 -
(وَبَيْعاً فِي حَقِّ مُدَّعٍ)؛ لأنه يعتقده عوضاً عن ماله، فلزمه حكم اعتقاده، ويترتب عليه ما يترتب على البيع من الرد بالعيب، والأخذ بالشفعة وغير ذلك.
- فرع: (وَمَنْ عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ) من مدعٍ ومدعًى عليه (فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ) باطناً، وما أخذه حرام عليه؛ أما المدعي; فلأن الصلح مبني على دعواه الباطلة، وأما المدعى عليه; فلأنه مبني على جحده حق المدعي ليأكل ما ينتقصه بالباطل.