المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل) في الرهن - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ٢

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌فصل في الإحرام

- ‌(فَصْلٌ) في المواقيت

- ‌فصل في محظورات الإحرام

- ‌(فَصْلٌ في الفِدْيَةِ)

- ‌فصل في جزاء الصيد

- ‌فصل في حكم صيد الحرم

- ‌(فَصْلٌ في صِفَةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في أركان وواجبات الحج والعمرة

- ‌(فَصْلٌ)في الهدي، والأضحية، والعقيقة

- ‌فصلفي العقيقة

- ‌(كِتَاب الجِهَادُ)

- ‌(فَصْلٌ)في عقد الذمة وأحكامها

- ‌فصلفي أحكام أهل الذمة

- ‌(كِتَابُ البَيْعِ وَسَائِرِ المُعَامَلَاتِ)

- ‌فَصْلٌفيما نُهِيَ عنه من البيوع ونحوها

- ‌(فَصْلٌ)الشروط في البيوع

- ‌(فَصْلٌ) في الخيار

- ‌(فَصْلٌ)في التصرف في المبيع قبل قبضه، وما يحصل به قبضه

- ‌(فَصْلٌ)في الربا والصرف

- ‌فَصْلٌ فِي الصَّرْفِ

- ‌(فَصْلٌ)في بيع الأصول والثمار

- ‌(فَصْلٌ)في السلم

- ‌(فَصْلٌ) في القرض

- ‌(فَصْلٌ) في الرهن

- ‌(فَصْلٌ) في الضمان

- ‌فصل في الكفالة

- ‌فصل في الحوالة

- ‌(فَصْلٌ) في الصلح

- ‌(فَصْلٌ) في أحكام الجوار

- ‌(فَصْلٌ) في الحَجْرِ

- ‌(فَصْلٌ) في المحجور عليه لحظ نفسه

- ‌(فَصْلٌ) في الوكالة

- ‌(فَصْلٌ) في الشركة

- ‌(فَصْلٌ) في المساقاة

- ‌(فَصْلٌ)في الإجارة

- ‌فَصْلٌ

- ‌(فَصْلٌ) في السَّبَق

- ‌(فَصْلٌ) في العارية

- ‌(فَصْلٌ) في الغصب

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ) في الشُّفْعَة

- ‌(فَصْلٌ) في الوديعة

- ‌(فَصْلٌ) في إحياء المَوَات

- ‌(فَصْلٌ) في الجعالة

- ‌(فَصْلٌ) في اللُّقَطة

- ‌فصل في اللَّقِيط

- ‌(فَصْلٌ) في الوقف

- ‌(فَصْلٌ) في الهبة والعطية

- ‌فصل

- ‌فصل في تصرفات المريض

- ‌(كِتَابِ الوَصَايَا)

- ‌فصل في الموصى له

- ‌فصل في الموصى به

- ‌فصل في الوصية بالأنصاء والأجزاء

- ‌(فَصْلٌ) في الموصى إليه

- ‌(كِتَابُ الفَرَائِضِ)

- ‌(فَصْلٌ) في الجد والإخوة

- ‌(فَصْلٌ) في الحجب

- ‌(فَصْلٌ) في العصبات

- ‌(فَصْلٌ) في أصول المسائل والعول

- ‌فصل في الرد

- ‌فصل في قسم التركات

- ‌(فَصْلٌ) في ذوي الأرحام

- ‌(فَصْلٌ) في ميراث الحَمْل

- ‌فصل في ميراث القاتل والمبعض

- ‌(كِتَابُ العِتْقِ)

- ‌فصل في التدبير

- ‌فصل في الكتابة

- ‌فصل في حكم أمهات الأولاد

الفصل: ‌(فصل) في الرهن

أنس رضي الله عنه مرفوعاً: «إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا، فَأَهْدَى لَهُ، أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ، فَلَا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» [ابن ماجه 2432، وحسنه شيخ الإسلام].

القسم الرابع: في الضيافة: فلا تخلو من أمرين:

الأول: أن تكون عند الوفاء أو بعده: فجائز؛ لما سبق.

الثاني: أن تكون قبل الوفاء، كالدعوة إلى طعام ونحوه، فلا تخلو من أمرين:

أأن تكون الدعوة عامة لا يُقصد بها المقرِض: كوليمة العرس أو طعام العقيقة، فيجوز له الأكل منها كغيره.

ب أن تكون الدعوة خاصة للمقرِض: فحكمها حكم الهدية قبل الوفاء على ما سبق.

(فَصْلٌ) في الرهن

هو لغة: الثبوت والدوام، يقال: ماء راهن، أي: راكد

وشرعاً: توثقة دين بعين، يمكن استيفاء الدين منها أو من ثمنها.

وهو جائز بالإجماع، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا

ص: 289

فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، ويجوز في الحضر والسفر، وذِكْر السفر في الآية خرج مخرج الغالب؛ لكون الكاتب يعدم في السفر غالباً، ولذلك لم يشترط عدم الكاتب مع ذكره فيها.

وليس الرهن بواجب إجماعاً؛ لأنه وثيقة بالدَّين، فلم يجب كالضمان.

- مسألة: (وَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ) من الأعيان (جَازَ رَهْنُهُ)؛ لأن المقصود منه الاستيثاق بالدين ليتوصل إلى استيفائه من ثمن الرهن عند تعذر استيفائه من الرهن، وهذا يتحقق في كل عين يصح بيعها.

فلا يصح:

1 -

رهن المنافع؛ لأن مقصود الرهن استيفاء الدين من ثمنه، والمنافع تَهلِك إلى حلول الحق.

واختار ابن عثيمين: يجوز رهن المنافع؛ لأنه يجوز عقد العوض عليها، فتؤجر العين المرهونة، وتجعل أجرتها رهناً.

2 -

رهن ما لا يصح بيعه- كالوقف والكلب- لا يصح رهنه؛ لعدم حصول مقصود الرهن منه.

ويستثنى أمران:

الأول: الثمر والزرع قبل بدو الصلاح، وأشار إليه بقوله:(وَكَذَا) يصح رهن (ثَمَرٍ وَزَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُمَا) بلا شرط قطع؛ لأن النهي عن البيع إنما

ص: 290

كان لعدم الأمن من العاهة، وهذا مفقود هنا، وبتقدير تلفهما لا يفوت حق المرتهن من الدين؛ لتعلقه بذمة الراهن.

(وَ) الثاني: يصح رهن (قِنٍّ) ذكر أو أنثى (دُونَ وَلَدِهِ وَنَحْوِهِ)؛ كوالده وأخيه، وعكسه، فيصح رهن ولدها ونحوه دونها؛ لأن النهي عن بيع ذلك إنما هو لأجل التفريق بين ذي الرحم المحرم، وذلك مفقود هنا، فإنه إذا استحق بيع الرهن بِيعَا معاً؛ دفعاً لتلك المفسدة.

- مسألة: (وَيَلْزَمُ) الرهن (فِي حَقِّ رَاهِنٍ) فقط؛ لأن الحظ فيه لغيره، فلزم من جهته، كالضمان في حق الضامن، وجائز في حق المرتهن؛ لأن الحظ فيه له وحده، فكان له فسخه كالمضمون عنه.

- مسألة: لا يلزم الرهن في حق الراهن إلا (بِقَبْضٍ)؛ كقبض المبيع، على ما تقدم من بيان صفته؛ لقوله تعالى:(فرهان مقبوضة)[البقرة: 283]؛ ولأنه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول فافتقر إلى القبض كالقرض.

وعنه واختاره ابن عثيمين: أن الرهن يلزم بمجرد العقد؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[المائدة: 1]، وهذا يدخل فيه عقد الرهن سواء قبض المرهون أم لم يقبض، وأما قوله تعالى:(فرهان مقبوضة)، فليس فيه اشتراط القبض، بل كون القبض من كمال التوثقة.

- مسألة: التصرف بالعين المرهونة بعد لزومها لا يخلو من أمرين:

ص: 291

الأمر الأول: أن يكون التصرف من قِبَل المرتهن: فلا يصح تصرفه في العين المرهونة ببيع، أو وقف، أو إجارة إلا بإذن الراهن؛ لأن المرتهن ليس مالكاً، وإنما له حق التوثق فقط، فإن أذن له الراهن جاز؛ لأنه ملكه وقد أذن له في التصرف فيه.

الأمر الثاني: أن يكون التصرف من قبل الراهن، فتصرفه على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: تصرفه بالعين المرهونة فيما ينقل الملك: كالبيع والوقف والهبة ونحو ذلك، فلا يصح إلا بإذن المرتهن؛ لأنه تصرف يبطل حق المرتهن من الوثيقة، وليس بمبني على السراية والتغليب، فلم يصح بغير إذن المرتهن، كفسخ الرهن.

فإن أذن المرتهن جاز؛ لأن الحق له وقد أسقطه بالإذن، وبطل الرهن إلا إن اشترط أن يجعل ثمنه رهناً.

القسم الثاني: تصرفه في منافع العين المرهونة بإجارة أو عاريَّة، فلا يخلو من أمرين:

أ-أن يأذن المرتهن: فيصح، وتكون الأجرة رهناً تبعاً للعين.

ب- إن لم يأذن المرتهن: فلا يصح؛ لأنه يُفوِّت على المرتهن حقه، وتبقى المنافع معطلة.

ص: 292

واختار في الرعاية، وابن عثيمين: لا يتعطل، ويجبر من أبى منهما الإيجار؛ لأن فيه فائدة للراهن والمرتهن، أما الراهن فلكي لا تضيع هذه المنفعة، وأما المرتهن فلأن الأجرة تكون رهناً مع العين المرهونة، لكن قال ابن عثيمين: بشرط أن يكون على وجه لا يضيع به حق المرتهن؛ لأن ذلك يضر به.

وأشار المؤلف إلى ما سبق بقوله: (وَتَصَرُّفُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ) أي: في الرهن (بِغَيْرِ إِذْنِ الآخَرِ بَاطِلٌ).

القسم الثالث: تصرفه في عتق العين المرهونة، وأشار إليه بقوله:(إِلَّا عِتْقَ رَاهِنٍ)، فيحرم؛ لما فيه من إبطال حق المرتهن من الوثيقة، وينفذ العتق ولو بلا إذن المرتهن، سواء كان الراهن معسراً أو موسراً؛ لأنه إعتاق من مالك تام الملك فنفذ كعتق المستأجر؛ ولأنه مبني على السراية والتغليب، (وَتُؤْخَذُ قِيمَتُهُ) أي: الرهن المعتَق (مِنْهُ) أي: الراهن (رَهْناً) مكانه؛ لأنها بدل عنه.

وعنه واختاره شيخ الإسلام: لا ينفذ العتق؛ لأنه يبطل حق الوثيقة من الرهن، فلم يصح كالبيع.

- مسألة: (وَهُوَ) أي: الرهن (أَمَانَةٌ فِي يَدِ مُرْتَهِنٍ)؛ لحديث أبي هريرة

ص: 293

رضي الله عنه مرفوعاً: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» [ابن حبان 5934، والحاكم 2315، والدارقطني 2920]، فدل على أن الغرم على الراهن لا المرتهن، ولأنه لو ضمن لامتنع الناس من فعله خوفًا من الضمان، وذلك وسيلة إلى تعطيل المداينات، وفيه ضرر عظيم.

فإِن تلف من غير تعدٍّ ولا تفريط من المرتهن فلا شيء عليه؛ لأنه أمانة في يده كالوديعة، وإن تعدى أو فرط ضمن.

- مسألة: (وَإِنْ رَهَنَ) ما يصح رهنه (عِنْدَ اثْنَيْنِ) بدين لهما (فَوَفَّى أَحَدَهُمَا) دينَه انفك في نصيبه؛ لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين، فكأنه رهن كلَّ واحد منهما النصفَ منفرداً.

(أَوْ رَهَنَاهُ) أي: رهن اثنان واحداً شيئاً (فَاسْتَوْفَى مِنْ أَحَدِهِمَا) ما عليه (انْفَكَّ) الرهن (فِي نَصِيبِهِ) أي: نصيب من وفاه؛ لأن الراهن متعدد فتعلق على كل منهما بنصيبه؛ كتعدد العقد.

- مسألة: (وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ) لزم الراهنَ الإيفاءُ كالدين الذي لا رهن به، (وَ) إن (امْتَنَعَ) راهن (مِنْ وَفَائِهِ) لم يخل من أمرين:

ص: 294

الأول: وأشار إليه بقوله: (فَإِنْ كَانَ أَذِنَ) الراهن (لِمُرْتَهِنٍ فِي بَيْعِهِ: بَاعَهُ)؛ لأنه مأذون له فيه، فلا يحتاج لتجديد إذن من الراهن، ووفَّى الدين من ثمنه؛ لأنه المقصود بالبيع، وإن فضل من ثمنه شيء فلمالكه، وإن بقي منه شيء فعلى الراهن.

الثاني: (وَإِلَّا) يأذنْ في البيع ولم يوفِ:

1 -

(أُجْبِرَ) أي: أجبره الحاكم (عَلَى الوَفَاءِ، أَوْ بَيْعِ الرَّهْنِ)؛ للوفاء من ثمنه؛ لأن هذا شأن الحاكم.

2 -

(فَإِنْ أَبَى) الراهن الوفاء أو البيع: (حُبِسَ أَوْ عُزِّرَ)؛ ليبيعه أو يوفي الدين؛ لأن ذلك من صلاحيات الحاكم، وهو طريق إلزامه بالحق.

3 -

(فَإِنْ أَصَرَّ) ولم يبعه (بَاعَهُ حَاكِمٌ، وَوَفَّى دَيْنَهُ)؛ لأنه حق تعين عليه، فقام الحاكم مقامه فيه، وليس للمرتهن بيعه إلا بإذن ربه أو الحاكم.

- فرع: (وَ) حكم مدين (غَائِبٍ كَـ) حكم مدين (مُمْتَنِعٍ)، فيبيع الحاكم عليه ويوفي الدين؛ لأنه له ولاية على مال الغائب، ولا يبيعه مرتهن إلا بإذن ربه أو الحاكم.

ص: 295

- مسألة: (وَإِنْ شَرَطَ) راهن (أَلَّا يُبَاعَ) الرهن (إِذَا حَلَّ الدَّيْنُ)؛ لم يصح الشرط؛ لمنافاته مقتضى العقد، والرهن صحيح؛ لحديث أبي هريرة السابق:«لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» ، فنفى صلى الله عليه وسلم غلق الرهن دون أصله، فدل على صحته، وقيس عليه سائر الشروط الفاسدة.

- مسألة: (أَوْ) شرط (إِنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ فِي وَقْتِ كَذَا، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ) أي: للمرتهن (بِالدَّيْنِ) الذي له على الراهن؛ (لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ) وحده؛ لحديث أبي هريرة: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» ، وفسره الإمام بذلك، ويصح الرهن؛ لما سبق.

وعنه واختاره شيخ الإسلام: يصح العقد والشرط؛ لأن المسلمين على شروطهم، والأصل في الشروط والعقود الصحة، وأما غَلَقُ الرهن فهو ما لم يكن باختياره ورضًا، فإن كان برضاه لم يكن من غلق الرهن.

- مسألة: انتفاع المرتهن بالرهن لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون ذلك بإذن الراهن: فللمرتهن أن ينتفع بالعين المرهونة بشرط ألا يكون سبب الرهن هو القرض، فإن كان قرضاً لم يجز للمرتهن الانتفاع به؛ لأنه يكون قرضاً جرَّ نفعاً، إلا إن كان يريد أن يحتسبه من دينه أو يكافئه به، على ما تقدم.

الأمر الثاني: ألا يكون ذلك بإذن الراهن، فعلى ثلاثة أقسام:

ص: 296

القسم الأول: أن يكون الرهن حيواناً يُحلب أو يُركب، كفرس وبعير، واسترضاع الأمة فقال رحمه الله:(وَلِمُرْتَهِنٍ أَنْ يَرْكَبَ مَا يُرْكَبُ) بقدر نفقته متحرياً العدل؛ لئلا يحيف على الراهن، بلا إذن راهن، (وَ) له أن (يَحْلُبَ مَا يُحْلَبُ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ) متحرياً العدل أيضاً، (بِلَا إِذَنِ) راهن؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ، إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ، إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ» [البخاري 2521]، وسواء أنفق المرتهن مع تعذر النفقة من الراهن بسبب غَيبة أو امتناع أو غيرهما، أو أنفق مع القدرة على أخذ النفقة من الراهن أو استئذانه؛ لعموم الخبر.

- فرع: لا يخلو ذلك من ثلاث حالات:

1 -

أن تكون النفقة مقابلة للحليب وللركوب عليها: فهذا لا له ولا عليه.

2 -

أن تكون النفقة أكثر من الحليب وللركوب عليها: فإن المرتهن يرجع بالنفقة على الراهن إن نوى الرجوع عليه؛ لأنه قام عنه بواجب (1).

(1) قال في الكشاف (8/ 211): (وللمرتهن الرجوع في هذه الصورة إذا نوى الرجوع (وإن لم يرجع إذا أنفق على الرهن في غير هذه الصورة في ظاهر كلامهم) هذا معنى كلامه في الإنصاف، نقلًا عن الزركشي).

ص: 297

وسبق اختيار شيخ الإسلام: أن من أدى عن غيره واجباً أنه يرجع ما لم ينو التبرع.

3 -

أن يكون الحليب أكثر من النفقة: باعه المأذون له من مرتهن أو غيره؛ لقيامه مقام المالك، وإلا باعه الحاكم؛ لقيامه مقامه، إذ لو تركه لفسد.

القسم الثاني: أن يكون حيوانًا غير مركوب ولا محلوب: كعبدٍ وثور، فلا يجوز للمرتهن أن ينتفع به إلا بالإذن، لاقتضاء القياس أن لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء، تركناه في المركوب والمحلوب للخبر.

القسم الثالث: انتفاع المرتهن بالرهن إذا كان غير حيوان: فلا يملك المرتهن الانتفاع بالرهن بلا إذن الراهن باتفاق الأئمة؛ لحديث أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:«فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» [البخاري 67، ومسلم 1679].

- مسألة: (وَإِنْ أَنْفَقَ) المرتهن (عَلَيْهِ) أي: على الرهن إن كان غير مركوب ولا محلوب لم يخل من أمرين:

الأول: أن ينفق عليه (بِلَا إِذَنِ رَاهِنٍ مَعَ إِمْكَانِهِ) أي: قدرته على استئذانه (لَمْ يَرْجِعْ) مطلقاً، ولو نوى الرجوع؛ لأنه مفرط حيث لم يستأذن المالك، إذ الرجوع فيه معنى المعاوضة فافتقر إلى الإذن والرضا، كسائر المعاوضات.

ص: 298

والثاني: (وَإِلَّا) يمكنِ استئذان الراهن لنحو غَيْبَة، لم يخلُ من ثلاث أحوال:

1 -

إن نوى الرجوع: (رَجَعَ) على الراهن؛ لأنه قام عنه بواجب، وهو محتاج إليه لحرمة حقه، ولو لم يستأذن الحاكم؛ لاحتياجه لحراسة حقه، ويرجع (بِالأَقَلِّ مِمَّا أَنْفَقَهُ) على الرهن، (وَنَفَقَةِ مِثْلِهِ إِنْ نَوَاهُ) أي: نوى الرجوع، فإن كانت نفقة مثله خمسة، وأنفق أربعة، رجع بالأربعة؛ لأنها التي أنفقها، وإن كانت بالعكس رجع أيضاً بالأربعة؛ لأن الزائد على نفقة المثل تبرع.

2 -

إن نوى التبرع: لم يرجع؛ لأنه لا يجوز أن يرجع في تبرعه؛ لحديث عمر رضي الله عنه قال: حملتُ على فرس عتيق في سبيل الله، فأضاعه صاحبه، فظننت أنه بائعه برخص، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:«لَا تَبْتَعْهُ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، فَإِنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» [البخاري: 2971، ومسلم: 1620].

3 -

إن لم ينو شيئاً: لم يرجع أيضاً؛ لأنه يكون متبرعاً.

واختار شيخ الإسلام: له الرجوع ما لم ينو التبرع، سواء عَجَزَ عن استئذانه أو لم يَعْجِزْ؛ لقوله تعالى:(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، فأوجب ذلك عليه ولم يشترط عقداً ولا إذناً.

ص: 299

- فرع: (وَ) حكم النفقة على (مُعَارٍ، وَمُؤْجَرٍ، وَمُودَعٍ كَـ) حكم (رَهْنٍ) على ما سبق تفصيله؛ لأنها أمانة فأشبهت الرهن.

- مسألة: (وَلَوْ خَرِبَ) رهن كدارٍ انهدمت (فَعَمَرَهُ) المرتهن بغير إذن الراهن (رَجَعَ بِآلَتِهِ فَقَطْ) كخشب وحجارة ونحوها؛ لأنها عين ماله، لم تخرج عن ملكه، ولا يرجع بما أنفقه في عمارتها؛ كأجرة المعمرين ونحوها، ولو نوى الرجوع؛ لأن العمارة ليست بواجبة على الراهن، فلم يكن لغيره أن ينوب عنه، بخلاف النفقة على الحيوان.

وقال ابن عثيمين: إن عَمَرَه بما يكفي لتوثيق دينه فقط يرجع، وإن كان بأزيدَ لم يرجع؛ لأنه ليس في ضرورة إلى أن يَعْمُرَه بأكثرَ مما يوثق الدين، وهذا القول قول وسط بين القولين (1).

(1) قال ابن رجب في القواعد (ص: 140): (ولو قيل: إن كانت الدار بعدما خرب منها تحرز قيمة الدين المرهون به لم يرجع، وإن كانت دون حقه أو وفق حقه ويخشى من تداعيها للخراب شيئًا فشيئًا حتى تنقص عن مقدار الحق فله أن يَعمُر ويرجع، لكان متجهًا).

ص: 300