المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل في صفة الحج والعمرة) - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ٢

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌فصل في الإحرام

- ‌(فَصْلٌ) في المواقيت

- ‌فصل في محظورات الإحرام

- ‌(فَصْلٌ في الفِدْيَةِ)

- ‌فصل في جزاء الصيد

- ‌فصل في حكم صيد الحرم

- ‌(فَصْلٌ في صِفَةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في أركان وواجبات الحج والعمرة

- ‌(فَصْلٌ)في الهدي، والأضحية، والعقيقة

- ‌فصلفي العقيقة

- ‌(كِتَاب الجِهَادُ)

- ‌(فَصْلٌ)في عقد الذمة وأحكامها

- ‌فصلفي أحكام أهل الذمة

- ‌(كِتَابُ البَيْعِ وَسَائِرِ المُعَامَلَاتِ)

- ‌فَصْلٌفيما نُهِيَ عنه من البيوع ونحوها

- ‌(فَصْلٌ)الشروط في البيوع

- ‌(فَصْلٌ) في الخيار

- ‌(فَصْلٌ)في التصرف في المبيع قبل قبضه، وما يحصل به قبضه

- ‌(فَصْلٌ)في الربا والصرف

- ‌فَصْلٌ فِي الصَّرْفِ

- ‌(فَصْلٌ)في بيع الأصول والثمار

- ‌(فَصْلٌ)في السلم

- ‌(فَصْلٌ) في القرض

- ‌(فَصْلٌ) في الرهن

- ‌(فَصْلٌ) في الضمان

- ‌فصل في الكفالة

- ‌فصل في الحوالة

- ‌(فَصْلٌ) في الصلح

- ‌(فَصْلٌ) في أحكام الجوار

- ‌(فَصْلٌ) في الحَجْرِ

- ‌(فَصْلٌ) في المحجور عليه لحظ نفسه

- ‌(فَصْلٌ) في الوكالة

- ‌(فَصْلٌ) في الشركة

- ‌(فَصْلٌ) في المساقاة

- ‌(فَصْلٌ)في الإجارة

- ‌فَصْلٌ

- ‌(فَصْلٌ) في السَّبَق

- ‌(فَصْلٌ) في العارية

- ‌(فَصْلٌ) في الغصب

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ) في الشُّفْعَة

- ‌(فَصْلٌ) في الوديعة

- ‌(فَصْلٌ) في إحياء المَوَات

- ‌(فَصْلٌ) في الجعالة

- ‌(فَصْلٌ) في اللُّقَطة

- ‌فصل في اللَّقِيط

- ‌(فَصْلٌ) في الوقف

- ‌(فَصْلٌ) في الهبة والعطية

- ‌فصل

- ‌فصل في تصرفات المريض

- ‌(كِتَابِ الوَصَايَا)

- ‌فصل في الموصى له

- ‌فصل في الموصى به

- ‌فصل في الوصية بالأنصاء والأجزاء

- ‌(فَصْلٌ) في الموصى إليه

- ‌(كِتَابُ الفَرَائِضِ)

- ‌(فَصْلٌ) في الجد والإخوة

- ‌(فَصْلٌ) في الحجب

- ‌(فَصْلٌ) في العصبات

- ‌(فَصْلٌ) في أصول المسائل والعول

- ‌فصل في الرد

- ‌فصل في قسم التركات

- ‌(فَصْلٌ) في ذوي الأرحام

- ‌(فَصْلٌ) في ميراث الحَمْل

- ‌فصل في ميراث القاتل والمبعض

- ‌(كِتَابُ العِتْقِ)

- ‌فصل في التدبير

- ‌فصل في الكتابة

- ‌فصل في حكم أمهات الأولاد

الفصل: ‌(فصل في صفة الحج والعمرة)

سواء كان معه هدي أو لم يكن، في أشهر الحج أو في غيرها؛ لفراغ نسكه، واعتمر صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر سوى عمرته التي مع حجه، وكان يحل إذا سعى.

- مسألة: (وَالمُتَمَتِّعُ)، وكذا والمعتمر (يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إِذَا أَخَذَ) أي: شرع (فِي الطَّوَافِ)؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كَانَ يُمْسِكُ عَنِ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إِذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» [أبو داود 1817، والترمذي 919، وقال: حسن صحيح]، ولأنه شرع في التحلل، كالحاج يقطع التلبية إذا شرع في رمي جمرة العقبة، ويأتي.

(فَصْلٌ في صِفَةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

- مسألة: (يُسَنُّ لِمُحِلٍّ بِمَكَّةَ) وقربها (الإِحْرَامُ بِالحَجِّ) قبل الزوال من (يَوْمِ التَّرْوِيَةِ)، وهو ثامن ذي الحجة، سمي بذلك؛ لأن الناس كانوا يترَوَّون فيه الماء لما بعده؛ لقول جابر رضي الله عنه في حديث صفة الحج المشهور:«فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ» [مسلم: 1218].

- فرع: المتمتع لا يخلو من حالين:

ص: 102

1 -

أن يكون عادماً للهدي: فيُحرم من اليوم السابع؛ ليحصل صوم الأيام الثلاثة وهو محرم بالحج، فيكون آخرها يوم عرفة.

2 -

أن يكون واجداً للهدي: فيحرم يوم التروية قبل الزوال؛ لما تقدم.

- مسألة: (وَ) يسن (المَبِيتُ بِمِنًى) يوم التروية؛ لحديث جابر السابق، ولا يجب إجماعاً؛ لحديث عروة بن مُضَرِّس رضي الله عنه مرفوعاً:«مَنْ شَهِدَ صَلاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً، أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» [أحمد: 16208، وأبو داود: 1950، والترمذي: 891، والنسائي: 3039، وابن ماجه: 3016]، فعروة رضي الله عنه لم يبت ليلة التاسع بمنىً، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، فدل على أنه سنة، وورد ترك المبيت بمنىً ليلة التروية عن عائشة [ابن أبي شيبة: 14541]، والزبير رضي الله عنهما [المعرفة والتاريخ 2/ 207].

- مسألة: (فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ) من يوم عرفة (سَارَ) من منىً (إِلَى عَرَفَةَ)، فأقام بنَمِرَة إلى الزوال؛ لحديث جابر رضي الله عنه، وفيه:«ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ» .

ص: 103

- فرع: يخطب الإمام أو نائبه في نمرة خطبة قصيرة؛ لحديث جابر السابق، ولقول سالم بن عبد الله بن عمر للحَجَّاج يوم عرفة: إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فاقصر الخطبة وعجل الوقوف، فقال ابن عمر رضي الله عنهما:«صَدَقَ» [البخاري: 1663].

- مسألة: (وَكُلُّهَا) أي: كل عرفة (مَوْقِفٌ) اتفاقاً؛ لحديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً: «وَوَقَفْتُ هَهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» [مسلم: 1218]، (إِلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) فليست من عرفة اتفاقاً؛ لحديث جابر مرفوعاً:«كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» [ابن ماجه: 3012].

- فرع: نَمِرة داخل وادي عُرَنةَ، وبُني فيها مسجد في دولة بني العباس، ثم زيد فيه من عرفة، فصدرُ المسجد من عُرَنة، وآخرُه من عرفة.

- مسألة: (وَجَمَعَ) استحباباً مَن يباح له الجمع (فِيهَا) أي: في عرفة (بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ تَقْدِيمًا)، إجماعاً في الجملة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

- فرع: يباح الجمع والقصر في عرفة لغير أهل مكة ومن كان من أهل تلك المشاعر؛ لعدم تحقق السفر المبيح للجمع لأهل مكة.

واختار شيخ الإسلام: جواز الجمع والقصر لكل حاج، من أهل مكة ومن غيرهم؛ لأن الحجاج وفيهم أهل مكة جمعوا وقصروا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأمرهم بأن يصلوا كل صلاة في وقتها، ولا أن يتموا صلاتهم، وكذا خلفاؤه رضي الله عنهم.

ص: 104

- مسألة: (وَأَكْثَرَ) الحاج من (الدُّعَاءِ) في عرفة، (وَ) أكثر من الدعاء (مِمَّا وَرَدَ)، ومن ذلك ما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً:«خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلي: لا إِلَهَ إِلَاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ، وفي لفظ:«كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» [أحمد: 6961، والترمذي: 3585]، ويكثر الاستغفار والتضرع والخشوع وإظهار الضعف والافتقار.

- مسألة: (وَ) بداية (وَقْتِ الوُقُوفِ) بعرفة: (مِنْ فَجْرِ) يوم (عَرَفَةَ)، وهو من المفردات؛ لحديث عروة بن مُضَرِّس مرفوعاً، وفيه:«وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» ، فقوله:«نَهَارًا» يشمل ما قبل الزوال وما بعده، ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة، فكان وقتاً للوقوف كما بعد الزوال.

وأما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوقوف فيه؛ فلا يمنع كونه وقتاً للوقوف كبعد العشاء، وإنما وقف النبي صلى الله عليه وسلم وقت الفضيلة.

وحكي رواية، واختارها شيخ الإسلام وفاقاً: أن وقت الوقوف يبدأ من الزوال يوم عرفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل عرفة إلا بعد الزوال، فكان فعله بياناً لأول الوقت.

ص: 105

ونهاية الوقوف بعرفة: يمتد (إِلَى فَجْرِ) يوم (النَّحْرِ) اتفاقاً؛ لحديث عروة بن مضرس السابق، ولحديث عبد الرحمن بن يَعْمَر رضي الله عنه مرفوعاً:«الحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» [أحمد: 18773، وأبو داود: 1949، والترمذي: 889، والنسائي: 3016، وابن ماجه: 3015].

- مسألة: (ثُمَّ يَدْفَعُ) الحاج مع الإمام أو نائبه (بَعْدَ الغُرُوبِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ)؛ لحديث جابر السابق، وفيه:«فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ القُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ اليُمْنَى: «أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ» كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا، حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ».

- فرع: مزدلفةُ: هي ما بين المَأْزِمَيْن -وهما جبلان بين عرفة ومزدلفة- ووادي مُحَسِّرٍ، سميت بذلك من الازدلاف، وهو التقرب؛ لأن الحاج يتقرب بها من عرفة إلى منى، وتسمى: جمعًا؛ لاجتماع الناس فيها.

- فرع: يجب أن يجمع في وقوفه بعرفة بين الليل والنهار لمن وقف بها نهاراً، فليس للحاج أن يدفع منها قبل غروب الشمس، فإن دفع قبل الغروب فعليه دم؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر السابق، وفيه: «فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا

ص: 106

حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ القُرْصُ»، وفعله بيانٌ لمجمل حديث عروة السابق، وفيه:«وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا» فيكون واجباً، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص للضعفة أن ينفروا قبل غروب الشمس، ولو كان مستحباً لرخص لهم فيه، ولما في الدفع قبل الغروب من مشابهة الكفار.

وعنه: لا دم عليه؛ كواقف ليلاً.

- فرع: لا يخلو الحاج الواقف بعرفة من ثلاث حالات:

1 -

أن يقف بها نهاراً، ثم يدفع منها بعد غروب الشمس: فلا شيء عليه؛ لأنه أتى بالواجب.

2 -

أن يقف بها نهاراً ثم يدفع منها قبل غروب الشمس: فلا يخلو من حالين:

أ) أن يعود إلى عرفة ويستمر للغروب أو يعود إليها قبل الفجر: فلا دم عليه؛ لأنه أتى بالواجب وهو الجمع في الوقوف بالليل والنهار.

ب) ألا يعود إلى عرفة: فيجب عليه دم؛ لأنه ترك الواجب.

3 -

أن يقف بها ليلاً فقط: فيجزئه الوقوف اتفاقاً، ولا دم عليه؛ لحديث عبد الرحمن بن يَعْمَر وعروة بن مُضَرِّس رضي الله عنهما، فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالدم.

ص: 107

- فرع: يسن كون دفعه من عرفة (بِسَكِينَةٍ)؛ للحديث السابق.

- مسألة: (وَيَجْمَعُ فِيهَا) أي: في مزدلفة (بَيْنَ العِشَاءَيْنِ) أي: المغرب والعشاء، (تَأْخِيراً) إن وصلها وقت العشاء، فإن وصلها وقت المغرب فيجمع ولا يؤخرها؛ لحديث جابر السابق، وفيه:«حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» .

- مسألة: (وَيَبِيتُ بِهَا) أي: في مزدلفة وجوباً؛ لحديث جابر السابق، وفيه:«ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ» ، وقال في حديث جابر الآخر:«لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، ولحديث عروة بن مضرس، وفيه:«مَنْ شَهِدَ صَلاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ» .

والصارف له عن الركنية حديث عبد الرحمن بن يعمر السابق، وفيه:«الحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» ، فدل على أن من وقف بعرفة آخر جزء من ليلة النحر فقد أدرك الحج ولو لم يقف بمزدلفة.

- فرع: يبيت الحاج في مزدلفة إلى الفجر، فإن دفع قبل ذلك فلا يخلو من أربعة أحوال:

1 -

أن يدفع منها بعد نصف الليل: فيجوز، ولا شيء عليه، سواء كان معذوراً أو غير معذور؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «بَعَثَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ

ص: 108

جَمْعٍ بِلَيْلٍ» [البخاري: 1677، ومسلم: 1293]، ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت:«اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ جَمْعٍ، وَكَانَتْ ثَقِيلَةً ثَبْطَةً، فَأَذِنَ لَهَا» [البخاري: 1680، ومسلم: 1290]، وقيس غيرهم عليهم.

واختار ابن القيم: أنه يجوز للضعفة الدفع بعد غيبوبة القمر، وأما القادر فلا يجوز له الدفع إلا بعد طلوع الشمس؛ لما ورد عن أسماء رضي الله عنها: أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تصلي، فصلَّت ساعة، ثم قالت:«يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ القَمَرُ؟ » ، قلت: لا، فصلَّت ساعة ثم قالت:«يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ القَمَرُ؟ » ، قلت: نعم، قالت:«فَارْتَحِلُوا» ، فارتحلنا ومضينا، حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هَنْتَاه! ما أُرانا إلا قد غَلَّسنا! قالت: «يَا بُنَيَّ، إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلظُّعُنِ» [البخاري: 1679، ومسلم: 1291].

قال شيخ الإسلام: (فإن كان من الضعفة؛ كالنساء والصبيان ونحوهم، فإنه يتعجل من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر، ولا ينبغي لأهل القوة أن يخرجوا من مزدلفة حتى يطلع الفجر، فيصلوا بها الفجر ويقفوا بها).

2 -

أن يدفع قبل نصف الليل: فلا يخلو من حالتين:

أ) ألا يرجع إليها: فعليه دم؛ لأنه ترك نسكاً واجباً.

ب) أن يرجع إليها فيدفع بعد نصف الليل: فلا شيء عليه؛ لأنه أتى بالواجب.

ص: 109

3 -

أن يأتي مزدلفة بعد نصف الليل: فله الدفع مباشرة؛ لأن وقت جواز الدفع من بعد نصف الليل، ولا شيء عليه؛ لأنه أتى بالواجب وهو الوقوف بمزدلفة.

4 -

أن يأتي مزدلفة بعد طلوع الفجر: فعليه دم؛ لأنه ترك الواجب.

- مسألة: (فَإِذَا صَلَّى) الحاج (الصُّبْحَ) بغَلَسٍ (أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ)، وهو جبل صغير بالمزدلفة، سمي بذلك؛ لأنه من علامات الحج، (فَرَقَاهُ) إن أمكنه، (وَ) إلا (وَقَفَ عِنْدَهُ، وَحَمِدَ الله وَكَبَّرَ) وهلل، (وَقَرَأَ) قوله تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} الآيَتَيْنِ) وتمامهما: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ

الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا

هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ

اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)} البقرة: 198 - 199.

قال ابن عثيمين: (وقراءة هاتين الآيتين لا أعلم فيها سنة، لكنها مناسبة؛ لأن الإنسان يذكر نفسه بما أمر الله به في كتابه).

- مسألة: (وَيَدْعُو) عند المشعر الحرام (حَتَّى يُسْفِرَ)؛ لحديث جابر السابق، وفيه:«فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ» .

ص: 110

- مسألة: (ثُمَّ يَدْفَعُ) من المشعر الحرام قبل طلوع الشمس (إِلَى مِنًى)؛ لحديث جابر السابق، ولقول عمر رضي الله عنه:«إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَالَفَهُمْ ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ» [البخاري: 1684].

- مسألة: يدفع الحاج من المشعر الحرام إلى منى بسكينة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: ثم أردف الفضل بن عباس من جَمْعٍ إلى منى، وهو يقول:«أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِإِيجَافِ الخَيْلِ وَالإِبِلِ، فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» [أحمد: 2427، وأبو داود: 1920]، (فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّراً)، وهو واد بين مزدلفة ومنى، سمي بذلك؛ لأنه يحسر سالكه، (أَسْرَعَ) قدر (رَمْيَةِ حَجَرٍ)، وهي بمقدار خمسمائة وخمسة وأربعين ذراعًا تقريباً، والذراع نصف متر تقريباً، فصار المجموع (272.5) متر، وذلك إن كان ماشياً، وإلا حرَّك دابته؛ لحديث جابر السابق، وفيه:«حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الجَمْرَةِ الْكُبْرَى» .

- مسألة: (وَ) إذا دفع الحاج من مزدلفة (أَخَذَ حَصَى الجِمَارِ)، ولا يخلو مكان أخذ الحصى من ثلاثة أقسام:

1 -

الاستحباب: فيستحب أخذ الحصى من طريقه إلى منى أو من مزدلفة؛ لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يأخذ الحصى من جمع.

ص: 111

[البيهقي: 9544]، ولئلا يشتغل عند قدوم منى بشيء قبل الرمي، لأن الرمي تحية منى.

2 -

الكراهة: فيكره أخذ الحصى:

أ) من منى؛ لما تقدم.

ب) من الحش؛ لأنه مظنة النجاسة.

ت) من حرم الكعبة؛ لأنه يكره إخراج شيء من حصباء الحرم وترابه. (1)

(1) قال في الإقناع: (ويكره من منى وسائر الحرم)، قال في الكشاف ما معناه:(هذا معنى كلامه في الفروع والإنصاف والتنقيح والمنتهى، بعد أن قدم في الإنصاف: أنه يجوز أخذه من طريقه ومن مزدلفة ومن حيث شاء، وإنه المذهب وعليه الأصحاب، وهو معنى ما تقدم في قوله: (ومن حيث أخذه جاز)، قال أحمد:(خذ الحصى من حيث شئت)، وفي حديث الفضل بن العباس حين دخل محسرًا قال:(عليكم بحصى الخذف تُرمى به الجمرة) رواه مسلم، ولما تقدم من حديث ابن عباس وفعل ابن عمر وقول سعيد بن جبير، ولذلك قال في تصحيح الفروع عما في الفروع:(إنه سهو)، وقال:(لعله أراد حرم الكعبة وفي معناه قوة). انتهى، أي: أراد بالحرم المسجد الحرام، ويؤيده قوله في المستوعب:(وإن أخذه من غيرها جاز إلا من المسجد؛ لما ذكرنا أنه يكره إخراج شيء من حصى الحرم وترابه) انتهى، وقول ابن جماعة في مناسكه الكبرى:(وقال الحنابلة: إنه يكره من المسجد ومن الحل)[كشاف القناع 2/ 498].

ص: 112

3 -

الجواز: فيجوز عدا ما تقدم من الأماكن؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: «هَاتِ، الْقُطْ لِي» فلقطت له حصيات هن حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده، قال:«بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» [أحمد: 1851، والنسائي: 3057].

وعنه، واختاره ابن قدامة: يجوز أخذ الحصى حيث شاء؛ لحديث ابن عباس السابق، وكان ذلك بمنى.

وقال ابن عثيمين: (ظاهر السنة أخذ الحصى من عند الجمرة؛ لحديث ابن عباس، وأما أخذهن من مزدلفة فليس بمستحب).

- فرع: يشترط لصحة رمي الجمار شروط:

الشرط الأول: العدد، فيشترط أن يرمي كل جمرة بسبع حصيات؛ لحديث جابر السابق، وفيه:«ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ» .

وعنه واختاره ابن قدامة: لا يضر نقص حصاة أو حصاتين؛ لقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «رَجَعْنَا فِي الحَجَّةِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَعْضُنَا يَقُولُ: رَمَيْتُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَبَعْضُنَا يَقُولُ: رَمَيْتُ بِسِتٍّ، فَلَمْ يَعِبْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» [أحمد: 1439، والنسائي: 3077].

ص: 113

- فرع: يأخذ (سَبْعِينَ) حصاة؛ ليرمي بها جمرة العقبة بسبع حصيات، وأيام التشريق الثلاثة كل يوم إحدى وعشرين حصاة، فإن كان متعجلاً تخلص من حصى اليوم الثالث.

الشرط الثاني: الحجم: فتكون الحصاة (أَكْبَرَ مِنَ الحِمَّصِ وَدُونَ البُنْدُقِ) مثل حصى الخَذْف، فلا تجزئ صغيرة جدًّا ولا كبيرة؛ لحديث جابر السابق، وفيه:«يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْلِ حَصَى الخَذْفِ» ، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: «هَاتِ، الْقُطْ لِي» فلقطت له حصيات هنَّ حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده، قال:«بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» [أحمد: 1851، والنسائي: 3057]، فقوله:«حَصَى الخَذْفِ» لا يتناول ما لَا يسمى حصًى لصغره، ولا ما يسمى حجراً لكبره.

الشرط الثالث: أن تكون الحصيات متعاقباتٍ، (فَيَرْمِي جَمْرَةَ العَقَبَةِ وَحْدَهَا بِسَبْعِ) حصيات متعاقبات؛ فلو رماها دفعة واحدة حُسبت واحدة؛ لأن المنصوص عليه تفريق الأعمال لا عين الحصيات، فإذا أتى بفعل واحد لا يكون إلا عن حصاة واحدة.

الشرط الرابع: أن يرمي بحصى، وهي الحجارة الصغار، فلا يجزئ الرمي بغيرها؛ كجوهر وذهب ومعادن وطين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى،

ص: 114

فالرمي بغيره خلاف هديه، ولحديث ابن عباس السابق، وفيه: فلقطت له حصيات هن حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده، قال:«بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ» ، فلا يتناول غير الحصى.

الشرط الخامس: ألا تكون الحصاة مستعملة قد رُمِيَ بها، وإلا لم يجزئ الرمي بها ثانية؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«مَا يُقْبَلُ مِنْهُ رُفِعَ» [ابن أبي شيبة: 15336، قال الحافظ: ولا يصح مرفوعاً، وهو مشهور عن ابن عباس موقوفاً عليه]، ولأنها استعملت في عبادة، فلا تستعمل ثانياً؛ كماء الوضوء.

واختار ابن عثيمين: أنه يجزئ الرمي بالمستعملة؛ لأنه حصى، فيدخل في العموم.

الشرط السادس: أن يكون الرمي في وقته المعتبر شرعاً، وسيأتي بيان وقته.

الشرط السابع: الموالاة بين الحصيات وبين الجمار، فلو قطع بين الحصيات أو بين الجمرة الصغرى والوسطى والكبرى بما يخل بالموالاة لم يصح الرمي؛ للقاعدة:(كل عبادة مركبة من أجزاء يشترط في صحتها الترتيب والموالاة إلا لدليل).

الشرط الثامن: الترتيب بين الجمرات الثلاث؛ للقاعدة السابقة؛ ولحديث جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب الجمرات الثلاث في الرمي، وقال:«لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» .

ص: 115

الشرط التاسع: أن يعلم حصول الحصى في المرمى؛ لأن الأصل بقاء الرمي في ذمته، فلا يزول عنه بالظن ولا بالشك فيه.

وقيل: يكفي ظنه؛ لأن الظن ينزَّل منزلة العلم في العبادات.

- تنبيه: المرمى مجتمع الحصى، لا نفس الشاخص ولا مسيله.

الشرط العاشر: أن يرمي الحصى رمياً، فلا يجزئ الوضع؛ لأنه ليس برمي؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، وقد قال:«لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» [مسلم: 1297].

- فرع: يستحب أن (يَرْفَعَ يُمْنَاهُ) حال الرمي (حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطِهِ)؛ لأنه أعون على الرمي.

- فرع: (وَ) يستحب أن (يُكَبِّرَ مَعَ) رمي (كُلِّ حَصَاةٍ)؛ لحديث جابر رضي الله عنه: «فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا» .

- مسألة: (ثُمَّ يَنْحَرُ) الهدي إن كان معه، واجباً كان أو تطوعاً؛ لحديث جابر السابق، وفيه:«رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ» .

- مسألة: (وَ) يجب على الحاج أن (يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ) من جميع شعره، وهو نسك من المناسك، يجب بتركه دم؛ لحديث أنس رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم

ص: 116

قال للحلاق: «خُذْ» ، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس» [مسلم: 1305]، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً، وفيه:«وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ» [البخاري: 1691، ومسلم: 1227]، فلو لم يكن نسكًا لم يتوقف الحِل عليه.

- فرع: يجب أن يحلق أو يقصر (مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ) لا من كل شعرة بعينها؛ لأن ذلك يشق، واختاره شيخ الإسلام؛ لقوله تعالى:{محلقين رءوسكم ومقصرين} [الفتح: 27] وهو عامٌّ في جميع شعر الرأس، ولأنه صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه، كما في حديث أنس السابق، فكان ذلك تفسيراً لمطلق الأمر بالحلق أو التقصير، فيجب الرجوع إليه.

- فرع: (وَالمَرْأَةُ) تقصِّر من كل قَرْن من شعرها (قَدْرُ أُنْمُلَةٍ) فأقل؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ، إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ» [أبو داود: 1984].

- مسألة: (ثُمَّ) إذا رمى وحلق أو قصَّر فـ (قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ) حَرُم عليه بالإحرام (إِلَّا النِّسَاءَ) وطئاً، ومباشرةً لشهوة، وعقدَ نكاح؛ لحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً:«إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» [أحمد: 25103، وفي زيادة: "حلقتم" ضعف].

ص: 117