الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ) في السَّبَق
السَّبَق بتحريك الباء: العِوضُ الذي يُسابَق عليه، وبسكونها: المسابقة، أي: المُجاراة بين حيوانٍ وغيره.
- مسألة: (وَتَجُوزُ المُسَابَقَةُ) في الجملة إجماعًا؛ لقول الله تعالى: (إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا)[يوسف: 17]، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ» [أحمد: 10138، وأبو داود: 2574، والترمذي: 1700، والنسائي: 3585، وابن ماجه: 2878]، ولقول عائشة رضي الله عنها:«سَابَقْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ» [أحمد: 26252، وأبو داود: 2578]، ولما في المسابقات من تنشيط النفس وإدخال السرور عليها، وذلك مطلوب شرعاً.
- مسألة: المسابقات تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: المسابقات المباحة: كالمسابقة (عَلَى أَقْدَامٍ، وَسِهَامٍ، وَسُفُنٍ، وَمَزَارِيقَ)، جمع مِزْراق، وهو: الرمح القصير، وكذا المناجيق، ورمي الأحجار ونحوها، (وَ) على (سَائِرِ حَيَوَانٍ)؛ كإبل وبغال وفيلة؛ لأن الأصل فيها الحل، ولما تقدم من أدلة جواز المسابقة.
قال ابن القيم في بيان ضابط هذا القسم: (وهو ما ليس فيه مضرة راجحة، ولا هو أيضًا متضمن لمصلحة راجحة يأمر الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني: المسابقات المحرمة: كالنرد والشطرنج ونحوها مما ورد تحريمه في الشرع.
ومن ضوابط في هذا القسم:
1 -
قال شيخ الإسلام: (ما ألهى وشغل عما أمر الله به فهو منهي عنه وإن لم يحرم جنسه، كبيع وتجارة ونحوهما).
2 -
وقال: (كل فعل أفضى إلى محرم كثيرًا؛ حرَّمه الشارع إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة؛ لأنه يكون سببًا للشر والفساد).
3 -
وقال ابن القيم: (ما فيه مفسدة راجحة على منفعته كالنرد والشطرنج فهذا يحرمه الشارع لا يبيحه).
4 -
قال ابن عثيمين: (أن يكون محرمًا لذاته، كالمسابقة على العدوان على الناس، وقطع الطريق، ونهب الأموال ونحوه).
القسم الثالث: المسابقات المشروعة: كالمسابقة على الخيل والإبل والسهام ونحوها.
وضابطها عند ابن القيم: (ما فيه مصلحة راجحة، وهو متضمن لما يحبه الله ورسوله، معين عليه ومفض إليه .... كالمسابقة على الخيل والإبل والنضال التي تتضمن الاشتغال بأسباب الجهاد وتعلم الفروسية).
- مسألة: أخذ العوض في المسابقات لا يخلو من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أخذ العوض على المسابقات المحرمة: لا تجوز مطلقًا، سواء من أحدهما، أو من كليهما، أو من أجنبي، قال ابن القيم:(وهذا باتفاق المسلمين غير سائغ).
القسم الثاني: أخذ العوض على المسابقات المباحة: فلا يجوز أخذ العوض فيها، وأشار إليه بقوله:(لا بِعِوَضٍ)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق: «لَا سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ» ، فنفى السَّبَق في غير هذه الثلاثة، ولأن الشريعة لو أباحته بعوض لاتخذته النفوس صناعةً ومكسبًا، فالتهت به عن كثير من مصالح دينها ودنياها.
وقال ابن عثيمين: إن كان العوض من طرف ثالث غير المتسابقين فيجوز، سواء كان من أجنبي أو من الحاكم؛ لأنه يعدُّ مكافأة وتشجيعًا.
القسم الثالث: أخذ العوض على المسابقات المشروعة: وأشار إليه بقوله: (إلَّا عَلَى إِبِلٍ، وَخَيْلٍ، وَسِهَامٍ)، ولا يخلو أخذ العوض عليها من ثلاثة أقسام:
1 -
أن يكون العوض من الإمام أو من أجنبي: فيجوز باتفاق المسلمين؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «سَبَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الخَيْلِ، وَأَعْطَى السَّابِقَ» [أحمد: 5656]؛ ولأن في ذلك مصلحةً وحثًّا على تعليم الجهاد ونفعًا للمسلمين.
2 -
أن يكون العوض من أحدهما: فيجوز؛ لأنه إذا جاز بذله من غيرهما فمن أحدهما من باب أولى، ولانتفاء شبهة القمار هنا.
3 -
أن يكون العوض من الطرفين: فلا يجوز؛ لأنه يكون قمارًا؛ لأن كل واحد منهما لا يخلو من أن يغنم أو يغرم، إلا بدخول محلل في المسابقة لا يُخرِج شيئاً من العوض وأن تكافئ آلته آلة المتسابقين؛ فيجوز؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ - يَعْنِي وَهُوَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ - فَلَيْسَ بِقِمَارٍ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أُمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ» [أحمد: 10557، وأبو داود: 2579، وابن ماجه: 2876]، فجعله قمارًا إذا أمن السبق؛ لأنه لا يخلو كل واحد منهما أن يغنم أو يغرم، وإذا لم يأمن أن يسبق لم يكن قمارًا، لأن كل واحد منهما يجوز أن يخلو من ذلك.
واختار شيخ الإسلام: جواز العوض من غير محلل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق جواز أخذ السَّبَق في الخف والحافر والنصل ولم يقيده بمحلل، ولأن مبنى العقود على العدل من الجانبين، وإذا كان كذلك فكيف يوجب في عقد من العقود أن يبذل أحد المتعاقدين وحده دون الآخر وكلاهما في العمل والرغبة سواء، ولأن إخراج العوض من المتراهنين لو كان حرامًا وهو قمار لما حل بالمحلل، فإن هذا المحلل لا يحل السَّبَق الذي حرمه الله ورسوله، ولا تزول المفسدة التي في إخراجها بدخوله، وقال شيخ الإسلام رحمه الله:(ما علمت بين الصحابة خلافًا في عدم اشتراط المحلل).
وأما الحديث الذي استدلوا به فضعيف، قال ابن عبد الهادي:(وله علة مؤثرة ذكرها غير واحد من الأئمة).
- فرع: لا يجوز الرهان في المسابقات إلا في المسابقة على الإبل والخيل والرمي؛ لظاهر حديث أبي هريرة: «لَا سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ» ، فنفى السَّبَق في غير هذه الثلاثة، ، وغيرها لا يحتاج إليها في الجهاد كالحاجة إليها، فلم تجز المسابقة عليها بعوض.
واختار شيخ الإسلام: جواز الرهان على كل مسابقة مباحة إذا كانت مما ينتفع به في الدين، كالصراع، والمسابقة بالأقدام، والعلم الشرعي؛ لما روى سعيد بن جبير:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَارَعَ رُكَانَةَ عَلَى شَاةٍ فَصَرَعَهُ» [المراسيل لأبي داود: 308، وجود ابن القيم بعض أسانيده]، قال ابن القيم:(وإذا كان الشارع قد أباح الرهان في الرمي والمسابقة بالخيل والإبل لما في ذلك من التحريض على تعلم الفروسية، وإعداد القوة للجهاد، فجواز ذلك في المسابقة والمبادرة إلى العلم والحجة التي بها تفتح القلوب، ويعز الإسلام، وتظهر أعلامه أولى وأحرى).
- مسألة: (وَشُرِطَ) لجواز المسابقة خمسة شروط:
الشرط الأول: (تَعْيِينُ مَرْكُوبَيْنِ)؛ لأن المقصود في المسابقة معرفة سرعة عدو المركوب الذي يسابق عليه.
(وَ) الشرط الثاني: (اتِّحَادُهُمَا) أي: اتحاد المركوبين في النوع، فلا
يصح بين عربي وهجين، واتحاد القوسين في النوع، فلا تصح بين قوس عربية وفارسية؛ لأن التفاوت بين النوعين معلوم بحكم العادة، أشبها الجنسين.
- فرع: (وَ) يدخل في الشرط الأول: اشتراط (تَعْيِينُ رُمَاةٍ) في المناضلة -وهي المسابقة في الرمي-؛ لأنَّ القصد معرفة حِذْقهم، ولا يحصل إلا بالتعيين.
(وَ) الشرط الثالث: (تَحْدِيدُ مَسَافَةٍ)، بأن يكون لابتداء عَدْوهما وآخره غاية، ولا يختلفان فيه؛ لأن الغرض معرفة الأسبق، ولا يحصل إلا بتساويهما في الغاية، لأن أحدهما قد يكون مقصرًا في ابتداء عدوه سريعًا في آخره، وبالعكس.
كما يشترط ذلك في المناضلة، بأن يحدد مدى الرمي بقدر معتاد؛ لأن الإصابة تختلف بالقُرب والبُعد؛ فلو جَعَلا مسافةً بعيدةً تتعذَّر الإصابة في مثلها غالِباً - وهو ما زاد على ثلاثمائةِ ذراعٍ -؛ لم تصحَّ؛ لأنَّ الغرضَ يَفوتُ بذلك.
(وَ) الشرط الرابع: (عِلْمُ) المتسابقين بالـ (ـعِوَضِ) بالمشاهدة أو الوصف؛ لأنه مال في عقد، فاشترط العلم به كسائر العقود، (وَ) يشترط (إِبَاحَتُهُ) أي: العوض؛ كسائر العقود.